توافقت عدة مصادر سياسية ودبلوماسية غربية وفي مقدمتها فرنسية على القول أن مفاوضات جنيف التي كان من المقرر أن تبدأ في 25 يناير 2016 لبدء البحث عن حل سياسي للحرب الدائرة على أرض الشام باتت في حكم المؤجلة، إلا إذا تم إيجاد صيغ ما لتجاوز عقبات كثيرة خاصة بشأن الوفد الذي سيتفاوض مع دمشق. وجاءت هذه المعلومات في أعقاب اجتماع المدراء السياسيين للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومبعوثي الدول الأوروبية لسوريا مع مبعوث الأممالمتحدة ستيفان دي ميستورا، الذي إعتبر أن موعد مؤتمر جنيف في 25 "مؤجل" لأنه لا يمكن الدخول في مفاوضات إذا كانت "ستفشل بعد 24 ساعة" من بدئها. وتنص خارطة الطريق التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي على إجراء محادثات بين مختلف أطراف النزاع في 25 يناير وتشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة اشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرا. متاهة خلال النصف الأول من شهر يناير جرت في العاصمة السعودية الرياض جهود لبناء فريق جديد للمفاوضات بإسم المعارضة السورية، في محاولة لتجاوز الإعتراضات السورية والروسية علما أن ما تم تشكيله في العاصمة السعودية سابقا كان عبارة عن فريق من خمسين معارضا، اعتبرهم البعض أقرب حلفاء للرياض وواشنطن. غير أنه وبعد الإعتراضات السورية والروسية والتحفظ المصري قالت الإدارة الأمريكية أنه يمكن اختيار 15 من بينهم للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حكومة دمشق. ويصر دي ميستورا والبريطانيون على تواجد نسبة معينة من النساء في وفد المعارضة التفاوضي. وزير خارجية سوريا قال لميستورا إنه لن يجلس إلى طاولة مفاوضات مع وفد من المعارضة إذا ما ضم عسكريين إرهابيين أو أشباح أي شخصيات تعيش في خارج سوريا وليس لها أي وجود على الساحة ولو في صورة مليشيات وتنظيمات مسلحة يمكن أن تصنف على أنها سورية، كذلك ما زالت موسكو مصرة على التصنيف الإرهابي "لجيش الإسلام" و"أحرار الشام"، فيما تريد دمشق تسلم لائحة الوفد المعارض قبل الذهاب إلى التفاوض. سياسيون في الأممالمتحدة ذكروا أن الطريقة التي طرحها دي ميستورا لتجاوز هذه العقدة كانت التحضير لما يعرف بالمفاوضات غير المباشرة حيث لا يكون أحد الوفدين في وجه الآخر، ولكن يتولى دي ميستورا الانتقال من قاعة إلى أخرى ناقلا الأفكار والمقترحات إلى الوفدين ومنهما. وقد التقى دي ميستورا في بروكسيل يوم الجمعة 15 يناير، رياض حجاب منسق هيئة التفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض السوري لمتابعة مناقشة سبل تذليل العقبات التي تعترض مفاوضات جنيف، بما في ذلك تشكيلة وفد المعارضة. وقال مصدر فرنسي إن الإدارة الأمريكية التي تشعر حاليا باليأس تجاه نجاح مخططاتها تعطي الانطباع بأنها تلتحق بالخط الروسي في شأن مفاوضات جنيف، إذ يقول الجانب الأمريكي إن مجرد بدء المفاوضات يخلق ديناميكية إيجابية، وهذا تقويم يختلف معه الجانبان الفرنسي والبريطاني اللذان وإن كانا يقولان أنهما يسيران على الخط نفسه، فإنهما يصران على وضع جدول أعمال واضح للمفاوضات. وتقول باريس ولندن إن وضع الوفدين وجها لوجه غير مجد إذا لم يحدد مسبقا ما هي المواضيع التي ستتم مناقشتها. ووفق مصادر في البيت الأبيض، فإن إدارة أوباما تعتقد أن السعودية تسعى إلى حل عسكري وليست مقتنعة بالحل السياسي في سوريا، في حين أن باريس ترى أن واشنطن مخطئة في هذا التقدير وأن السعودية تبحث فعلا عن حل سياسي. وتقول مصادر غربية أن الجانب الروسي غير راغب في دفع حكومة سوريا إلى المشاركة في المفاوضات لأنه مقتنع أنه يمكن كسب المواجهة عسكريا، وأنه بناء على ذلك يحاول تخريب التنظيمات التي تخوض الحرب من الداخل وجذب بعضها للتحالف مع دمشق، وبالنسبة للمفاوضات يقوم بمحاولة فرض شخصيات في عضوية وفد المعارضة، مثل هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلم رئيس الاتحاد الوطني الكردي، وهذه شخصيات تعترض عليها بإصرار تركيا وقطر وأطراف أخرى تشارك في جهود إسقاط النظام القائم في دمشق. وقد أبلغت روسيا دي ميستورا إصرارها على أن يتضمن الوفد المعارض هؤلاء. سياسيون في واشنطن يؤكدون أن دي ميستورا محرج في مواجهة الروس خاصة بعد أن زودوه بملفات كاملة عن تورط تركيا ودول غربية وخليجية في صناعة المليشيات المسلحة التي تحارب الجيش السوري وتضم الآلاف من المتطوعين القادمين من عشرات الدول من كل أنحاء العالم. وتقول الإدارة الأمريكية، إن الإشكالية التي تشكلها المطالب الروسية يمكن أن تثار في وقت لاحق وتقترح عدم إشراك هذه الشخصيات حاليا في مفاوضات جنيف مع إمكان حصول ذلك لاحقا. محللون في العاصمة الألمانية برلين أكدوا أن المواقف الأمريكية مضطربة ومتقلبة مشيرين إلى أن مصادر في لندن أفادت أن آن بترسون مساعدة وزير الخارجية الامريكية متمسكة بوفد الرياض كما هو، مع اعطاء وعد للروس بتوسيع الوفد بعد اللقاء الاول في جنيف، ليضم هيثم مناع وصالح مسلم وقدري جميل ورنده قسيس وسمير عطية، لكنها متمسكة بتغيير موعد الخامس والعشرين من يناير، بينما اصر نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف على ان يكون هناك اجتماع متعدد الرؤوس من ثلاث وفود، اثنين للمعارضة، الاول يضم هيئة الرياض، والثاني يضم المستبعدين منه، والثالث وفد الحكومة السورية. بحث في السراب بعد اتصال الرئيسين الامريكي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين يوم الأربعاء 13 يناير لبحث عدة قضايا في مقدمتها الوضع في سوريا والذي ذكر أنه لم يسفر عن تقارب في وجهات النظر، بات الرهان على لقاء كيري لافروف لتمهيد الأرضية لعقد مفاوضات جنيف. وأظهر الاجتماع المطول بين نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ونائب وزير الخارجية الأمريكي آن بترسون في جنيف تشبث كل طرف بموقفه، إذ ان الجانب الأمريكي مدعوما بحليفيه البريطاني والفرنسي يعتبر الهيئة التفاوضية المنثبقة من مؤتمر الرياض يومي 9 و 10 ديسمبر 2015 هي "الممثل الوحيد" للمعارضة السورية، في حين طلب الجانب الروسي الإلتزام بالقرار 2254 الذي نص على تكليف دي ميستورا بتشكيل الوفد من مؤتمرات الرياضوموسكو والقاهرة. ويقول مسؤولون في الخارجية الأمريكية أنه أضيفت عقبة لدى وضع الوفد الروسي على طاولة البحث "القائمة الروسية" وضمت 15 اسما، هم رئيس "الاتحاد الديموقراطي الكردي" صالح مسلم وممثله في اوروبا خالد عيسى ورئيس "مجلس سورية الديموقراطي" هيثم مناع وشريكته اسيا عثمان وماجد حبو ورئيس "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير" قدري جميل ومازن غريبة ورئيس "المنبر الديموقراطي السوري" سمير العيطة، إضافة إلى سليم خيربيك أمينة اوسو وريم تركماني وعباس حبيب ورندة قسيس ونمرود سليمان وفاتح جاموس. وبعد إتفاق على في تأجيل البت في قائمة "التنظيمات الارهابية" إلى ما بعد الاتفاق على وفد المعارضة، خير الوفد الروسي نظيره الأمريكي بين "خيارين" إما ان يتم "تطعيم" وفد الهيئة التفاوضية العليا الذي يخوض دورة تدريبية بإشراف امريكيين في الرياض، بأسماء من "القائمة الروسية" أو ان يتم تمثيل المعارضة بوفدين مقابل وفد الحكومة، واحد من مؤتمر الرياض وثان من "القائمة الروسية"، كي لا تتكرر تجربة "جنيف-2" بداية عام 2015، عندما احتكر "الائتلاف الوطني السوري" تمثيل المعارضة، وفق قناعة موسكو. غير أن الجانب الأمريكي، قال ان المؤتمر الموسع للمعارضة في الرياض ضم 116 معارضا بما فيه نسبة كبيرة من الذين حضروا جلستي "منتدى موسكو" بداية عام 2015 ومؤتمر القاهرة. يشير الملاحظون أن هناك محاولات موازية لعقد المفاوضات ولو بعد 25 يناير حيث قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة للسعودية ومصر وإيران ما بين 19 و 23 يناير حيث عرض وساطته لحل المشاكل المعلقة، فيما توجه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى موسكو حيث يعتقد أنه يحمل حلولا وسط للخلافات القائمة خاصة على ضوء تحذيرات من مصادر غربية بأن الحسم في حرب الشام يتسارع لصالح الجيش السوري بعد التدخل العسكري الروسي الفعال منذ 30 سبتمبر 2015. تحالفات متقلبة جاء في تقرير نشره موقع "رأي اليوم" يوم 13 يناير: يقر مسؤولون أمريكيون بأن الغارات الروسية في سوريا فعالة إلى درجة كبير من وجهة النظر العسكرية، كما أنها تعزز احتمال قيام تحالفات جديدة بين موسكو وبعض قوى المعارضة السورية. وأكدت مصادر في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن بعض فصائل المعارضة السورية، ولاسيما الأكراد، يستفيدون من الغارات الروسية التي أصبحت أكثر كثافة بقدر كبير. وتصر الإدارة الأمريكية على أن الدعم الجوي الروسي لقوات المعارضة في حلب جاء عن طريق الصدفة، ولم يكن عملا مخططا له، لكن هذه المزاعم الأمريكية تتعارض مع موقف موسكو الرسمي الذي تؤكد فيه دائما أنها تدعم المعارضة السورية الديمقراطية في المعارك ضد "داعش"، مثلما تدعم القوات الحكومية. ونقل موقع "ديلي بيست" الإلكتروني الإخباري عن 4 مسؤولين في البنتاغون أن الغارات الروسية سمحت في الآونة الأخيرة ل "قوات سوريا الديمقراطية" التي بادرت واشنطن إلى تشكيلها بإحراز تقدم كبير في عدة مناطق. وتابع الموقع أن المسؤولين الأمريكيين بدأوا يخافون من احتمال قيام تحالف جديد بين ميليشيات معينة في سوريا والجيش الروسي، وذلك بعد أن تمكنت القوات الكردية في ريف حلب من تحرير 3 قرى على الأقل بفضل غارات روسية استهدفت مواقع تنظيم "النصرة". وقال مسؤولان أمريكيان آخران إن الأحداث تطورت وفق النمط نفسه في ريف الرقة، حيث استفادت قوات المعارضة التي تحارب "داعش" من الغارات الروسية، على الرغم من أن نجاحاتها العسكرية كانت أكثر تواضعا. ويصر المسؤولون الأمريكيون على أنه لا توجد هناك أي اتصالات مباشرة بين قوات المعارضة المدعومة من قبل واشنطن والجيش الروسي. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد قال مؤخرا في مقابلة مع صحيفة "بيلد" الألمانية: "إننا ندعم الجيش السوري والمعارضة على حد سواء. وأكد بعضهم هذا الأمر علنا فيما يفضل الآخرون الصمت، لكن العمل يجري على قدم وساق". وبالإضافة إلى هذه التأكيدات الرسمية، تقدم وزارة الدفاع الروسية بشكل دوري معلومات دقيقة بشأن غاراتها في سوريا، بما في ذلك الغارات التي يتم توجيهها لدعم المعارضة. خلال إيجاز صحفي عقد يوم 11 يناير، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الطائرات الروسية في سوريا تدعم حاليا 11 فصيلا من المعارضة الديمقراطية، تضم ما يربو عن 7 آلاف فرد. وذكرت الوزارة أنه خلال الأيام القليلة الماضية وجه الطيران الروسي 19 ضربة جوية لمساندة فصائل "جيش أحرار العشائر" المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر. وتابعت أن كتيبتي "أسود الشرق" و"القلمون" تقدمتا خلال هجومهما باتجاه تدمر، وبمساندة سلاح الجو الروسي إلى أكثر من 50 كلم، مسيطرة على مدينة محسية وبلدتي زازا وكسارة، بالإضافة إلى إحراز تقدم في ريف الرقة وتحرير عدة بلدات. على الرغم من كل ذلك، قال مسؤول أمريكي في تصريحات للموقع الإخباري "ديلي بيست": "إنه ليس عملا مخططا له، وليس هدفا يسعى الروس إلى تحقيقه، إنه جاء بالصدفة"، مضيفا أن "إجمالي العمليات الروسية يساعد الأسد ويؤدي إلى إطالة الحرب". من جانب آخر، نقل الموقع عن المحلل ديفيد غارتنشتاين روس من المؤسسة من أجل الدفاع عن الديمقراطية، قوله: "إذا نظرنا إلى إجمالي ما يجري في الميدان من معارك، فسنرى أنه حرب من طراز "عدو عدوي هو صديقي". وسبق لوحدات حماية الشعب الكردي أن نسقت عملياتها مع الحكومة السورية، مثلما سبق للجيش السوري الحر أن نسق عملياته مع النصرة. وفي هذا السياق يبدو التنسيق بين قوات المعارضة المدعومة من قبل واشنطن من جهة والروس من جهة أخرى، ليس أمرا ممكنا فحسب، بل وأمرا كبير الاحتمال". وذكر موقع "ديلي بيست" أن التطورات الأخيرة حول سوريا تعزز أيضا احتمال قيام تحالف روسي كردي، مشيرا في هذا السياق إلى حادثة إسقاط القاذفة الروسية من قبل سلاح الجو التركي في 24 نوفمبر 2015، إذ بدأت موسكو بعد ذلك تبدي تعاطفا أكبر مع قضية الأكراد في تركيا. وأضاف أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بدأ في الشهر نفسه سلسلة لقاءات مع مسؤولين روس لبحث خططه. المخابرات الأمريكية حذرت البيت الأبيض من أن التنظيمات المسلحة التي تدعمها واشنطن وبعض دول الخليج العربي علنا مستعدة للوصول إلى تفاهمات مع حكومة دمشق والكرملين وهو ما سيشكل نكسة. يشار إلى أن وزارة الدفاع الروسية ذكرت في بيان لها إن أكثر من 5000 من مقاتلي المعارضة السورية يقاتلون تنظيم داعش بالتنسيق مع القوات الحكومية وإن بعض المعارضين المسلحين يزودون القوات الجوية الروسية بمعلومات عن أهداف للغارات الجوية. وقال البيان "سوف يستمر هذا العمل الذي يهدف لتوحيد جهود القوات الحكومية والجماعات الأخرى المهتمة بتحرير سوريا من الإرهابيين الدوليين". وبعثت روسيا برسائل متضاربة بشأن الجيش السوري الحر حيث قال مسؤولون حكوميون إن روسيا تسلحهم بينما نفى آخرون. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن أكثر من 150 جماعة سورية معارضة تساعد في مساندة العملية البرية التي يقوم بها الجيش السوري النظامي. وأضافت "ساعدت أعمال ما تسمى ‘المعارضة المعتدلة‘ ضد داعش في نجاح العملية البرية التي تقوم بها القوات المسلحة السورية". من جانب اخر نفى مقاتلو الجيش السوري الحر تلقيهم أي دعم من سلاح الجو الروسي قائلين انه على العكس تماما تستهدفهم الضربات الجوية الروسية. وقال تحالف منفصل تشكل في الآونة الأخيرة من جماعات المعارضة المسلحة ومن بينهم من يقولون إنهم من الجيش السوري الحر إن مقاتليه استفادوا بشكل غير مباشر من الضربات الجوية الروسية خلال معركة مع فصائل معارضة منافسة منها جبهة النصرة جناح القاعدة في سوريا لكنه نفى أي دعم روسي مباشر. ويتلقى بعض من أقوى الجماعات التابعة للجيش السوري الحر دعما عسكريا من السعودية والولاياتالمتحدة. المستنقع الذي توقعه أوباما يعترف مسؤولون أمريكيون ومحللون عسكريون إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حقق هدفه الرئيسي المتمثل في تثبيت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بعد ثلاثة أشهر من التدخل العسكري الروسي في سوريا وإن موسكو يمكنها مواصلة العمليات العسكرية بالمستوى الحالي لسنوات نظرا لانخفاض تكاليفها نسبيا. ويأتي هذا التقييم رغم التأكيدات العلنية التي أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكبار مساعديه عن أن الرئيس بوتين أقدم على مهمة لم يتدبر أمرها جيدا لدعم الرئيس الأسد وأن إنجازها سيواجه صعوبات كبيرة ومن المرجح أن تفشل في نهاية الأمر. وقال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية طلب عدم نشر اسمه لوكالة رويترز "أعتقد أنه لا خلاف أن نظام الأسد بالدعم العسكري الروسي أصبح على الأرجح في وضع أكثر أمنا مما كان". واتفق خمسة مسؤولين أمريكيين آخرين مع الرأي القائل إن المهمة الروسية نجحت في معظمها حتى الآن بكلفة منخفضة نسبيا. وشدد المسؤولون الأمريكيون على أن بوتين قد يواجه مشاكل خطيرة إذا طالت فترة التدخل الروسي في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. ومع ذلك فمنذ بدأت الحملة في 30 سبتمبر 2015 لم تتكبد روسيا سوى أدنى قدر ممكن من الخسائر البشرية ورغم مشاكلها المالية الداخلية فهي تتمكن دون أي عناء من تدبير تكاليف العملية التي يقدر المحللون أنها تتراوح بين المليار دولار والمليارين سنويا. ويقول مسؤول بالمخابرات الأمريكية إن روسيا تمول الحرب من ميزانية الدفاع السنوية العادية التي تبلغ نحو 54 مليار دولار. ويضيف المحللون والمسؤولون إن من العوامل التي تحد من النفقات انخفاض أسعار النفط. فرغم ما لحق بالاقتصاد الروسي عموما من ضرر، عمل انخفاض أسعار النفط على خفض كلفة وقود الطائرات والسفن. كذلك استطاعت روسيا الاستفادة من مخزونها من القنابل التقليدية التي ترجع إلى العهد السوفيتي. وقد قال بوتين إن تدخله يهدف إلى تثبيت حكومة سوريا الشرعية ومساعدتها في الحرب على تنظيم "داعش" رغم تأكيدات المسؤولين الغربيين وجماعات المعارضة السورية أن الضربات الجوية الروسية تتركز على ما يسمى مقاتلي المعارضة المعتدلة. ومع ذلك فقد أدى التدخل الروسي إلى توقف ما تمتعت به المعارضة من زخم الأمر الذي سمح للقوات المؤيدة للأسد بالتحول إلى الهجوم والتقدم على أغلب الجبهات وخاصة على طول الحدود المشتركة مع تركيا وهو ما سيسمح بقطع كل طرق الإمدادات للجماعات المسلحة سواء بالعتاد أو المتطوعين الأجانب. وكان مسؤولون أمريكيون وغربيون يرون قبل التدخل العسكري الروسي أن حكومة الأسد مهددة على نحو متزايد. وذكر مسؤول في المخابرات الأمريكية إن روسيا تستفيد من هذه العملية في اختبار أسلحة جديدة في ظروف المعركة وإدماجها في أساليبها العسكرية. وقال إنها تعمل على تطوير استخدامها للطائرات غير المسلحة دون طيار التي تستخدم في أغراض المراقبة والاستطلاع. وتابع "لم يدخل الروس هذه المهمة مغمضي العينين" وأضاف أنهم "يحققون بعض الفوائد نظير التكلفة". كذلك يبدو أن التدخل الروسي عمل على تقوية وضع موسكو على مائدة التفاوض. ففي الأسابيع الأخيرة عملت الولاياتالمتحدة بتنسيق أكبر مع روسيا في السعي للتوصل إلى تسوية لانهاء الحرب كما تراجعت عن مطلب رحيل الأسد على الفور في إطار أي عملية انتقال سياسي يتم التوصل إليها. وكان أوباما يتحدث سابقا عن انزلاق موسكو إلى مغامرة خارجية ستستنزف مواردها وتغوص بجيشها في مستنقع. وفي محاولة للتغطية على عدم صحة تقديرات أوباما بشأن تعرض روسيا "للغوص في صراع أهلي غير حاسم يصيبها بالشلل"، ونفى مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية وجود أي تناقض بين تصريحات أوباما والتقديرات غير الرسمية بأن الحملة الروسية حققت نجاحا نسبيا حتى الآن. وقال "أعتقد أن النقطة التي أثارها الرئيس كانت... أنها لن تنجح في المدى البعيد".وقال فاسيلي كاشين المحلل الذي يعمل في موسكو إن الحرب لا تمثل عبئا ماليا على روسيا. وقال كاشين الذي يعمل بمركز تحليلات الاستراتيجيات والتقنيات "كل المعلومات المتاحة تبين لنا أن المستوى الحالي للجهد العسكري غير ذي بال تماما على الاقتصاد الروسي والميزانية الروسية". وأضاف "يمكن تحمله عند المستوى الحالي عاما بعد عام بعد عام". المسؤولون عن الأزمة موسكو مثل مجموعة دول البريكس صاحبة أسرع نمو إقتصادي بالعالم وهي البرازيلوروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ترى أن الولاياتالمتحدة وبعض حلفائها في الناتو والخليج العربي هي المسؤولة عن مآسي الحرب على أرض الشام تماما كما هي مسؤولة عن الفوضى في العراق وليبيا واليمن. الرئيس بوتين أكد ان العنف في سوريا لم يكن ليتصاعد بهذه السرعة "لو لم يكن يغذى من الخارج منذ البداية بكميات كبرى من المال والاسلحة والمقاتلين". واضاف الرئيس الروسي "الاسد لا يسعى للقضاء على شعبه، انه يقاتل الذين قدموا اليه حاملين الأسلحة". وتابع "اذا كان المدنيون يعانون بسبب ذلك، فاعتقد ان المسؤولين بشكل اساسي هم الذين يقاتلونه بالسلاح وهؤلاء الذين يساعدون الجماعات المسلحة". في سياق آخر، قال مصدر في وزارة الخارجية الروسية إن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول سعي موسكو إلى تحضير الساحة ل"دويلة" سورية حول اللاذقية ليست إلا محاولة لتبييض صفحة أنقرة نفسها. ونقلت وكالة "تاس" عن المصدر قوله: "إن تصريحات الرئيس التركي هراء مطلق. ومن الواضح أنها محاولة لاستغلال الأزمة في العلاقات مع روسيا لصرف الأنظار عما تعمله تركيا نفسها بصفتها دولة تتدخل أكثر من أي جهة أخرى في الشؤون السورية". وأعاد المصدر إلى الأذهان أن القيادة الروسية تؤكد منذ اندلاع الأزمة السورية أن سوريا يجب أن تبقى دولة ذات سيادة ديمقراطية وعلمانية وموحدة. يذكر أن أردوغان اتهم روسيا في كلمة ألقاها، أمام مؤتمر للسفراء الأتراك في دول العالم انعقد في أنقرة، بأنها لا تحارب "داعش" في سوريا، بل تحاول إقامة "دولة" في اللاذقية، وتستهدف المقاتلين التركمان الذين يحاربون في ريف اللاذقية، على حد تعبيره. واشنطن وأنقرة وبعض حلفائهم ليسوا وحدهم في قمة القلق من نجاحات الجيش السوري بدعم من موسكو في العمل على إستعادة السيطرة على مجمل أراضي البلاد والتوصل إلى حل سياسي يحفظ لدمشق وضعها كقوة إقليمية في وسط الشرق الأوسط الكبير. مخابرات الكيان الصهيوني أشارت مع بداية سنة 2016 إلى تقدم عملية تحديث معدات الجيش السوري وخاصة بعد أن تدخلت طائرات ميغ 29 سورية لدعم القاذفات الروسية في عملياتها بشرق ساحة العمليات، كذلك يسود قلق كبير في تل أبيب بعد إستمرار تعزيز الترسانة العسكرية لحزب الله إنطلاقا من الأراضي السورية دون أن يستطيع الطيران الصهيوني اعتراض قوافل الإمداد كما كان يحدث قبل التدخل الروسي. يوم 15 يناير نشر موقع "إسرائيل ديفنس" المختص بالشؤون الأمنية والعسكرية تصريحات ذكر فيها ضابط وصف بأنه رفيع المستوى في سلاح البحرية الإسرائيلية، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن تهديدا جديدا أضيف إلى سلة التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، حيث أصبح لدى حزب الله صواريخ من طراز "ياخونت" روسية الصنع، وقد يستخدمها لضرب سفن وغواصات إسرائيلية من داخل سوريا أو لبنان، لافتا إلى أن فرضية العمل للجيش الإسرائيلي تنطلق من أن هذه الصواريخ ستطلق باتجاه العمق الإسرائيلي وستحدث أضرارًا بالغة في الأرواح والممتلكات. كما أشار الضابط إلى أن صواريخ "ياخونت" تعتبر أكبر التهديدات على السفن والغواصات الإسرائيلية والمنشآت الإستراتيجية مثل مصفاة البتروكيماويات في خليج حيفا، ومحطات التنقيب عن الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية. علاوة على ذلك، لفت الموقع إلى أن تقدير سلاح البحرية الإسرائيلي يؤكد على أن روسيا زودت سوريا بصواريخ من هذا النوع، وبالتالي نقلت هذه الصواريخ إلى مخازن حزب الله العسكرية. وشدد الموقع، نقلاً عن مصادر أمنية رفيعة في تل أبيب، على أن خصائص "ياخونت" تجعل اعتراضه شبه مستحيل، لأنه صاروخ موجه بالرادار ويمكنه ملاحقة الهدف وتتبعه أوتوماتيكيا وذاتيا، وهو ما يعرف في المصطلحات العسكرية ب"أطلق وانس"، وباستطاعته وعن بعد كيلومترات معدودة عن السفينة المهاجمة، النزول إلى مستوى 10 أمتار فوق المياه، وبالتالي يصعب على الرادارات رصده. ومن تصريحات الضابط المذكور يستشف أن الخطوط الإسرائيلية الحمراء لم تعد قائمة بسبب الوجود العسكري الروسي. ضابط إسرائيلي آخر وفي حديث مع موقع "ويلا" الإسرائيلي، أشار إلى وصول حوالي عشرة صواريخ من طراز "سكود دي" المتطورة إلى لبنان، لتضاف إلى ترسانة حزب الله الصاروخية التي قدرت مصادر استخبارية إسرائيلية، قبل أيام، أنها تكاد تتجاوز 150 ألف صاروخ من مختلف المديات والأنواع. وأشار الضابط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى ضرورة الالتفات إلى قدرات "سكود دي"، إذ إن وزنه الإجمالي هو 6500 كيلوغرام، ويصل مداه إلى 700 كيلومتر، وهو قادر على إصابة أي نقطة في إسرائيل بدقة مع هامش خطأ لا يتجاوز خمسين مترا، على حد قوله. وأضاف الضابط الإسرائيلي قائلاً إن هذا الصاروخ قادر على حمل رأس متفجر يصل إلى طن واحد، أما في حال تقرر أن يصل إلى مديات أكبر، فبالإمكان تخفيف زنة الرأس المتفجر. ونوه أيضا إلى أن حزب الله قادر على تحميل الصاروخ 40 قنبلة عنقودية قادرة على اختراق المسارات، أو مائة لغم ضد الأفراد، زنة كل منها خمسة كيلوغرامات. وبحسب الموقع، فإن تقدير الاستخبارات الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله لم ينشغل فقط في القتال الدائر في سوريا، إذ لم يتوقف حتى للحظة واحدة عن التزود بأسلحة مصممة للإطلاق ضد إسرائيل. في السياق عينه، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" في الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، إنه في الحرب القادمة مع حزب الله سيكون هناك تبادل إطلاق نيران ثقيلة من الطرفين، وسيضطر الجيش إلى الدخول بقوة إلى القرى اللبنانية، وأن أضرارا شديدة ستحصل للبنان أكثر مما حصل في حرب سنة 2006. التهديدات الأخطر على إسرائيل من جانبه أكد الجنرال المتقاعد، عاموس يدلين، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، على أن حزب الله يقف على رأس تدريج التهديدات التي تواجهها إسرائيل في عام 2016، وليس النووي الإيراني أو حركة حماس، وغيرها من التنظيمات، على حد تعبيره. وفي مقابلة مطولة مع صحيفة "يديعوت احرونوت"، قال يدلين، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، أن حزب الله هو الجهة الوحيدة التي لم تضعف قوتها في السنوات الخمس الأخيرة، وتواصل التسلح بصواريخ طويلة المدى. وتابع قائلا إن المهم هو أن حزب الله يقوم طوال الوقت بعمليات تحسين لنوعية صواريخه طويلة المدى ودقّتها وقدرتها على حمل رؤوس حربيّة متفجرة. علاوة على ذلك، أوضح الجنرال يدلين أن الحديث يدور عن صواريخ يمكنها ضرب تجمعات سكانية ومواقع إستراتيجية في العمق الإسرائيلي، وفي موازاة ذلك يتزود الحزب بطائرات من دون طيار، بما في ذلك طائرات هجومية، وبصواريخ بر بحر وبطاريات متطورة للدفاعات الجوية، على حد قوله. وأردف الجنرال يدلين قائلاً: صحيح أن حزب الله منشغل في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وصحيح أنه خلال المعارك فقد أكثر من ألف مقاتل. لكن من جهة أخرى، لفت يدلين، أكتسب حزب الله خبرة عسكرية هامة. وأوضح أيضا أن محفزات حزب الله لفتح جبهة ضد إسرائيل موجودة طوال الوقت وستتزايد، مشيرا في الوقت عينه إلى أن حربا كهذه ليست قريبة طالما أن المواجهة في سوريا مستمرة، وهي ستستمر لسنوات، على حد رأيه. وفي ما تعتبر رسالة طمأنة لمستوطني الدولة العبرية، شدد الجنرال المتقاعد يدلين على أن وضع إسرائيل الإستراتيجي مريح، خلافا للرأي السائد لدى الجمهور. وتابع قائلاً إنه في الأمد القريب سيطرأ المزيد من التحسن على هذا الصعيد. فالدول التي تتنازع إسرائيل معها، ضعفت عسكريا. مصادر إستخبارية صهيونية أشارت أن كل ما يرد إلى الجيش السوري من سلاحٍ روسي، يصل في نهاية المطاف إلى حزب الله، فيما يتجاهل الروس ما يحصل. في برلين أفادت مصادر ألمانية أنه رغم الحديث الدبلوماسي عن تفاهمات روسية إسرائيلية لمنع وقوع إشتباك جوي بين طائرات الطرفين على الساحة السورية، فإنه يظهر أن الكرملين يعمل على إضعاف الجيش الإسرائيلي بالسماح بتقوية حزب الله كما يعاقب تل أبيب على دعمها لبعض التنظيمات المسلحة التي تواجه جيش دمشق وسعيها إلى تقسيم سوريا على أسس عقائدية ودينية وطائفية مثلما خطط لذلك المحافظون الجدد في مشروع الشرق الأوسط الجديد. عمر نجيب [email protected]