حزب الاستقلال يفوز برئاسة جماعة تازة بعد عزل رئيسها السابق    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    "حماس": مستعدون لوقف إطلاق النار    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"        جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    الرباط.. اختتام أشغال مؤتمر دولي حول الزراعة البيولوجية والإيكولوجية    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي        ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    التحاق 707 أساتذة متدربين بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بدرعة-تافيلالت    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    10 قتلى جراء حريق بدار مسنين في إسبانيا    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    النيابة العامة وتطبيق القانون    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة الفوضى الخلاقة في بلاد الشام.. مفاوضات جنيف "الثالثة" ومتاهات الصراعات الإقليمية والدولية بقلم // عمر نجيب
نشر في العلم يوم 14 - 03 - 2016

نظريا ينتهي الاتفاق الروسي الأمريكي لوقف الأعمال العدائية على الساحة السورية والذي بدأ ليلة الجمعة السبت 26 و 27 فبراير 2016 ولفترة تمتد أسبوعين، ليلة الجمعة السبت 11 و 12 مارس. رغم لا أحد تحدث عن تمديد الإتفاق فإنه من المرجح أن تكون هناك تسوية ما في إنتظار نتائج الجولة الثانية من مشاورات جنيف 3 والمقررة مبدئيا حسب المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يوم 9 مارس ولكنها حسب بعض الأوساط قد لا تنطلق عمليا سوى بعد 14 مارس.
وقد توقع ستيفان دي ميستورا، بداية ضعيفة للمفاوضات، فيما يصل المشاركون على مدى عدة أيام لعقد محادثات في "لقاءات غير مباشرة". وقال المبعوث الأممي، في مقابلة صحفية:" حسب رأيي، سنبدأ في العاشر من الشهر.. البعض سيصلون في التاسع منه. آخرون، بسبب صعوبات في أمور حجز الفنادق، سيصلون يوم 11، ويصل آخرون في 14 مارس.. سنعقد اجتماعات تحضيرية ثم سنذهب في العمق مع كل طرف بشكل منفصل لمناقشة القضايا الجوهرية".
وضع معقد
بينما تتكثف جهود الأمم المتحدة، يبقى المشهد السياسي للأزمة السورية محليا وإقليميا ودوليا مربكا ومعقدا في ظل الهوة، التي تفصل مختلف الأطراف، وكذلك التبدل السريع في التحالفات محليا وإقليميا. هناك مفاوضات سرية تجري بين دمشق وقوى محسوبة على المعارضة السورية المسلحة وغيرها لتوقيع تسويات، وعلى الصعيد الإقليمي تتحرك تركيا التي شكلت مع دول الخليج العربي محورا تجاه الأزمة السورية، تتحرك للتقارب مع طهران المتحالفة مع الرئيس الأسد وتتراجع عن مطالبها بإنشاء منطقة حظر جوي داخل سوريا وتطلب وساطتها لحل الخلافات مع موسكو ولكنها في نفس الوقت لا تحد من دخول مئات المسلحين من أراضيها لدعم داعش والنصرة.
الأطراف تتابع اتهام بعضها بخرق الاتفاق، وهولاند مع كاميرون كالعادة يدعوان موسكو ودمشق إلى الوقف الفوري للهجوم على "المعارضة المعتدلة"، تؤيدهما منظمة العفو الدولية بتقارير تتهم المقاتلات الروسية والسورية بالاستهداف الممنهج للمرافق الطبية. وموسكو تقدم الدلائل المادية المعززة بالتسجيلات عن دخول مئات المسلحين من تركيا لدعم تنظيمي داعش والنصرة المستثنيان من اتفاق وقف الأعمال القتالية، والأوساط السياسية الألمانية تكشف حجم تعاون المخابرات والجيش التركي مع التنظيمات المتطرفة المصنفة إرهابية.
لكن ورغم الكم الهائل للمعلومات الصادقة والكاذبة، ورغم استمرار المعارك التي قال دي ميستورا إنها "تتواصل بما في ذلك في حماه وحلب وحمص واللاذقية ودمشق" مع الأطراف التي لا يشملها الاتفاق، إلا أن "مستوى العنف في البلاد انخفض إلى حد كبير" حسب دي مستورا الذي اعتبر أيضا أن المعارك تبقى "محصورة".
على الصعيد السوري وسياسيا، ظهر التناقض والخلاف في أفضل صوره: الرئيس الأسد يحدد موعدا لإجراء انتخابات برلمانية، في خطوة تسبق المفاوضات السياسية، والمعارضة تشكك بأهمية المفاوضات وجدواها، في ظل عدم تحقيق شروطها المتمثلة بتطبيق الهدنة حرفيا، وفك الحصار عن البلدات المحاصرة، وإدخال المساعدات اللازمة، وإطلاق سراح المعتقلين، ولكن المعارضة تتنصل من فك حصارها على المناطق التابعة لدمشق أو إطلاق سراح من تعتقلهم.
اللافت هو إعادة المعارضة التأكيد على أن "المفاوضات تقوم على أساس عدم وجود أي دور للأسد وجماعته في مرحلة الانتقال السياسي"، وهذا الموقف ليس جديدا، فهو أساس مطالب الائتلاف الوطني لقوى "الثورة" والمعارضة، الذي يشكل العمود الفقري للهيئة العليا المعارضة ومقرها الرياض، ولكن لم يجر تأكيده قبيل الجولة الأولى من مفاوضات "جنيف 3"، وهو أمر مفهوم في ظل انعدام الثقة مع أركان القيادة السورية، التي تتهم بأنها حاولت أكثر من مرة التهرب من الاستحقاق العسكري والسياسي.
مشهد متأزم
هنالك مشهد متأزم انعكس على الساحة الدولية: فالرئيس الفرنسي وصف إعلان الأسد عن إجراء الانتخابات بأنه استفزاز وإعلان غير واقعي، فيما أعلن الرئيس الروسي أنه لا يرى في تنظيم الانتخابات النيابية ما يعرقل عملية التسوية السياسية، وذلك بعدما أعلنت الخارجية الروسية في وقت سابق أن الانتخابات يجب أن تجري بالتوافق مع المعارضة وبعد كتابة الدستور.
بيد أن من الواضح لمن يقرأ الدبلوماسية الروسية بدقة، أن خطاب بوتين لم يكن تراجعا إلى الوراء، ولم يكن ناجما عن عدم تنسيق بين الكرملين والخارجية، وإنما جاء كرسالة سياسية إلى أطراف إقليمية ودولية نتيجة إصرارها على مطالبها، التي تشكل خروجا على التفاهمات الدولية، ولاسيما بين الراعيين الكبيرين روسيا، والولايات المتحدة.
وبعبارة أخرى، تريد موسكو التأكيد على أهمية ما تم التوافق عليه دوليا في اجتماعات فيينا وميونخ، وخاصة فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية ومصير الأسد الذي سيقرره الشعب السوري وليس القوى الأجنبية.
وربما يكون الموقف الروسي هذا استعدادا مسبقا لمواجهة أي محاولات إقليمية مدعومة من أطراف دولية لرفع السقف السياسي قبيل بدء المفاوضات، وهو ما بدا فيما بعد من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن الأسد يجب أن يغادر مع بدء المرحلة الانتقالية وليس في نهايتها، ثم تأكيده في رد واضح على المبعوث الأممي الخاص بسوريا ستيفان دي ميستورا بأن من المستحيل بقاءه حتى موعد إجراء الانتخابات.
وكان دي ميستورا قد أعلن أن مصير الأسد متروك للسوريين، وهذا ليس له سوى تفسير واحد، هو أن مصيره ستحدده صناديق الاقتراع وليس أصوات المدافع، أي أن الأسد باق إلى انتهاء المرحلة الانتقالية. واضاف في مقابلة مع قناة فرانس 24 "الا يمكننا أن نترك السوريين ليقرروا ذلك في الواقع؟ لماذا يجب أن نقول مسبقا ما يجب أن يقوله السوريون طالما أن لديهم الحرية والفرصة لقول ذلك؟". وتابع "نحن نقول أن من المفترض أن يكون الحل بقيادة سورية وملك للسوريين".
والنقطة الثانية، التي لا تجعل من التصريح الروسي تراجعا، هو أن هذه الانتخابات لا تقدم ولا تؤخر شيئا، بمعنى أنها لن تؤثر على العملية السياسية، كما جرى في انتخابات الرئاسة قبل عامين، إذ إن الأسد موجود في منصبه بحكم الواقع، وقد أعلن الكرملين بعيد مباحثات مع زعماء أوروبيين أن الانتخابات لن تعوق خطوات بناء العملية السلمية.
المحللون يؤكدون أن المعارضة رغم تهديداتها بعدم حضور المفاوضات لن تستطيع هذه المرة على الأرجح معارضة الضغط الدولي على عكس الجولة الأولى، وذلك في ضوء استمرار الهدنة العسكرية.
خطة دي ميستورا تقوم على تحييد النقاش العسكري في جنيف، بمعنى أن وقف الأعمال العدائية سيستمر. وفي هذه الحال فإن "الستاتيكو" العسكري بين الجيش السوري والمعارضة سيتحول إلى واقع قائم، لا يمكن تغييره إلا بعد حدوث اختراق سياسي من شأنه إعادة ترتيب الواقع الميداني. وهذه المقاربة تم التوافق عليها روسيا وأمريكيا. وبناء عليه، فلن تشهد الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف 3" ذلك الجدل البيزنطي، الذي استمر طوال العامين الماضيين: أيهما له الأولية، المستوى العسكري أم المستوى السياسي؟.
إن عملية الفصل هذه بين المستويين تتيح للطرفين وللدول الراعية البدء بمناقشة القضايا الجوهرية في كل مستوى على حدة، وفي حين أن القضايا العسكرية ستكون تحت إشراف روسي أمريكي مباشر، فإن القضايا السياسية ستكون تحت إشراف الأمم المتحدة بدعم روسي أمريكي.
ولهذا السبب يصر المبعوث الأممي على إنهاء أي مشكلة تواجه الهدنة العسكرية وتهددها، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وهذه الطريقة تسحب البساط من تحت أقدام الحكومة السورية والمعارضة، بحيث أن الفشل السياسي لا يمكن تعويضه في ساحة القتال، التي أقفلت، بل إن حل القضايا العالقة يتم عبر الحوار والتفاهمات الدولية الإقليمية.
وتكلفة خرق هذا التفاهم الروسي الأمريكي، الذي ترجم بالقرار الدولي رقم 2268، من الأطراف السورية ستجعله خارج اتفاق الهدنة وسيتلقى ضربات عسكرية. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض رده على الإجراءات الخاصة بكشف الحوادث وانتهاكات اتفاق وقف الأعمال القتالية، ".. إنها واردة في اتفاقات مجموعة "دعم سوريا"، وكذلك في الاتفاقات، التي وافق عليها الرئيسان الروسي والأمريكي، والتي أصبحت فيما بعد جزءا من نص قرار مجلس الأمن الدولي.. الوثائق المذكورة تحدد هذه الإجراءات بالتفصيل، وأنه في حال ارتكاب طرف انتهاكات منتظمة يتم إقصاؤه من نظام الهدنة".
جدل لا ينتهي
أكدت روسيا والولايات المتحدة، يوم الأحد 6 مارس، ضرورة تفادي أي تأخير لبدء الجولة الثانية من المفاوضات. وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى ضرورة "ضمان مشاركة قطاع واسع من الجماعات المعارضة في المحادثات... بمن فيهم أكراد سوريا". وأجرى اتصالا هاتفيا بنظيره الأمريكي جون كيري، عرضا فيه "تقويمهما الإيجابي المشترك" للتقدم الفعلي المسجل لوقف الأعمال العدائية على الأراضي السورية، والذي "يتم التقيد به بشكل عام"، ما أدى إلى تراجع كبير في نسبة العنف، وذلك بحسب بيانٍ صادرٍ عن الخارجية الروسية.
في المقابل، رفضت "مجموعة الرياض" المعارضة، قطعيا، محاولات الضغط عليها، عبر "دعوة أطراف جديدة لحضور الجولة القادمة من مفاوضات جنيف"، مشددة، في الوقت عينه، على رفض الحديث عن حكومة جديدة بدل "الهيئة الانتقالية".
وقال المتحدث باسم "الهيئة العليا للمعارضة السورية للمفاوضات"، رياض نعسان آغا، إن دي ميستورا يسعى إلى الضغط على المعارضة، عبر دعوته أطرافاً جديدة إلى الجولة المقبلة، معتبرا في حديث إلى قناة "العربية" أن هذه الخطوة "تحمل رسالة ضمنية، مفادها أن هناك أطرافاً أخرى، مستعدة للتفاوض في جنيف".
واستغرب نعسان آغا موقف دي ميستورا من الانتخابات، بناء على كلام الأخير أنها "ستناقش في جنيف"، لافتا إلى أن مثل هذا الطرح من قبل دي ميستورا "سيعطل المفاوضات، وربما يدفع المعارضة إلى عدم الذهاب إلى جنيف".
التطورات العسكرية
بعيدا عن الجدل السياسي والمناورات المحيطة به تقدر عدة أوساط سواء داخل الولايات المتحدة نفسها أو ضمن حلفائها أن سياسة البيت الأبيض تسير على خط تقهقري في مواجهة الإندفاع الروسي الهادف لإعادة التوازن إلى الأوضاع ليس في الشرق الأوسط وحده بل على الصعيد العالمي.
يوم الخميس 3 مارس صرح ويليام كوهين، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، إن الرئيس باراك أوباما أخطأ في أمرين بالملف السوري، لافتا إلى أن القلق حول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يتمثل بطموحاته التوسعية.
جاء ذلك في مقابلة مع شبكة ال"سي ان ان" حيث قال: "لا اعتقد أن السيد ترامب فكر مليا بما يجري حاليا، إذا كنا قلقين من قوة الرئيس بوتين وقدرته على التحكم بالسياسات في أوروبا من خلال فتح أو إغلاق عمليات تزويدهم بالطاقة، ما يعنيه هذا للرئيس بوتين بأن قيادته لمنطقة الخليج العربي ستتيح له إمكانية التحكم بمعدلات وكميات الطاقة التي تخرج من المنطقة".
وتابع قائلا: "لا يعني ذلك أنه استبدل الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن في المنطقة ولكن لديه موطن قدم وقوات برية في سوريا يقاتلون هؤلاء الذين يريدون الإطاحة بالأسد".
وأضاف: "أعتقد أن الرئيس أوباما أخطأ بأمرين، الأول هو رسم خط أحمر في سوريا، والأمر الثاني هو عدم تطبيق وفرض هذا الخط الأحمر.. من وجهة نظري أعتقد أن هناك خطان أحمران، الأول أقل حمرة وكان ينص على أن على بشار الأسد الذهاب، والخط الثاني هو عدم تطبيقنا لما توعدناه، وهو الأمر الذي أغضب عددا من حلفائنا في المنطقة وخصوصا السعودية والإمارات عداك عن إسرائيل".
"من وجهة نظري فإن على أمريكا الاستمرار بقيادة العالم الحر، وعندما ننفصل عن هذا العالم عندها سنسهم في تحلل النظام العالمي ونحن نرى مثل هذه التداعيات في أوروبا حاليا".
خدعة وقف النار
في إسرائيل تتكثف الأصوات التي تحذر من تفاقم الأخطار التي تواجه الكيان الصهيوني نتيجة إحتمال إنتصار دمشق على خصومها، والتي تندد بما تسميه الإنهزامية الأمريكية التي تمرر للرأي العام الدولي على أنها توافق مع الكرملين. المهم في ردود الفعل الصهيونية أنها تكشف وربما دون قصد دور واشنطن في نشر الفوضى "الخلاقة" في المنطقة العربية وصناعة التنظيمات المتطرفة التي تتخذ من الدين ستارا.
المحلل الصهيوني "غي بخور" المقرب من دوائر صنع القرارات في تل أبيب كتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم 3 مارس:
"سياسة الأوهام الأمريكية تجري ليس في سوريا وحدها بل وفي العراق. فقد اسقطت الزعماء العرب وحصدت العاصفة. والوحيدة التي لم تستسلم للواقع الافتراضي من المصنع الغربي كانت إسرائيل "اليوم لم نبلغ عن خروقات في وقف النار"، هكذا قال الناطق بلسان الخارجية الأمريكية يوم الثلاثاء، اليوم الذي اعترف فيه حتى الروس ب 18 "خرق جدي" في القتال، ونقل في الشبكات الاجتماعية بلا انقطاع عن عشرات الأحداث القتالية وأكثر من 100 قتيل في سوريا. إذن كيف حصل أن هذا ليس معروفا للأمريكيين؟ لان السياسة الأمريكية في سوريا انتقلت إلى مجال الخيال: إذا ما تظاهرنا بشدة حقا، فلعله يكون وقف نار.
إذن هذا هو، ليس هناك وقف نار. لقد انزلقت سوريا مرة أخرى إلى القتال في كل الجبهات، مع أعمال قصف روسية ثقيلة وتقدم لجيش الأسد أو لجماعات الثوار، على نحو متبادل. الواقع لا يتظاهر. رغم أن الأمريكيين اتفقوا مع الروس "على عدم البحث" في الخروقات، أي التظاهر. السياسة السليمة لواقع بديل تتحطم في الواقع على الأرض.
الحقيقة المرة هي أن أيا من الأطراف لا يعرف ما العمل في سوريا. الكل محاط بالمصائب والمخاوف، وعليه فإنهم يتظاهرون. بشار يستجدي البقاء، وهو يعرف بأنه ليس له أي أمل. ولهذا فانه يقصف من البر ومن الجو، ولكنه يخادع في وقف النار.
الأكثر تشوشا هم الأمريكيون، الذين سلوكهم في سوريا محرج: كانوا ضد الأسد ومع الثوار، بعد ذلك مع الأسد وضد الثوار، مع الثوار وضد الأكراد، وبعد ذلك مع الأكراد وضد الثوار، وفي واقع الأمر مع الثوار ومع الأكراد، أو واقع الأمر ضد الثوار وضد الأكراد. مع اردوغان وبدون اردوغان، مع الروس وضد الروس. وما هي السياسة؟ اوهام.
غير أن سياسة الأوهام الأمريكية لا تجري فقط في سوريا بل وفي العراق أيضا. فمؤخرا فقط تباهى اوباما بان داعش يتراجع ويضعف. فكيف إذن انه في يوم الأحد من هذا الأسبوع في هجوم هائل وصل داعش إلى مسافة 10 كلم عن المطار الدولي في بغداد، انبوب الحياة للنظام الموالي لطهران العراقي؟. ناهيك عن داعش يبطش بالجنود العراقيين في الرمادي وفي مدن أخرى وينجح في تفجير مئات الأشخاص في الشهر في العمليات. الجيش العراقي نفسه يتردد في القتال مباشرة حيال "الدولة الاسلامية" التي تواصل التعزز واجتذاب المزيد من المسلحين إليها.
أين كان الأمريكيون في المعارك يوم الأحد؟ حسب تقارير عراقية "وهي أيضا نوع من الوهم" داعش انسحب، ولكنه لا يزال يوجد في كل مكان في غرب وشمال الدولة. الولايات المتحدة هي الأخرى تفهم بان قصفها لا يساعد حقا. فهل يدخل اوباما جنودا أمريكيين إلى المعركة البرية؟ مشكوك جدا. وعليه ففي العراق أيضا علق الأمريكيون في طريق بلا مخرج، ثمرة تجاربهم الكثيرة. فقد اسقطوا صدام حسين، حسني مبارك، معمر القذافي، زين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح بسبب الأوهام. حصدوا الزعماء وزرعوا العاصفة". هنا انتهى حديث المحلل الإسرائيلي.
أليس هذا بالضبط ما أراده المحافظون الجدد الذين وضعوا مشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى تقسيم المنطقة على أسس عرقية ودينية وطائفية لصنع ما بين 54 و 56 دولة متناحرة وهو ما يؤمن الكيان الصهيوني.
تسويات بعيدا عن جنيف
لعل أحد أخطر التطورات التي تتهدد تحالف المعارضة السورية أنه بينما يواصل الجيش السوري تقدمه ضد تنظيمي داعش والنصرة اللذان يتحكمان في الجزء الأكبر من المناطق السورية غير الخاضعة لدمشق، تجري وراء الستار تسويات سياسية وميدانية قد تحول المفاوضات التي تجريها الأمم المتحدة إلى أمر ثانوي.
جاء في تقرير صحفي صدر في لندن: شيء ما غير عسكري يطبخ في قاعدة حميميم العسكرية التابعة لمحافظة اللاذقية، تحولت حميميم الآن إلى مقرٍ للاستمزاج السياسي، حيث يستمع الروس لوجهات نظر متعددة حول مستقبل سوريا، عشرات الشخصيات السورية معارِضة ومستقلة ومؤيدة وصلت إلى حميميم، ووصلت يوم الأحد عشرون شخصية أخرى معظمها محسوبة على معارضة الداخل من بينها ممثلون عن هيئة العمل الوطني.
قاعدة حميميم التي قلبت المشهد العسكري في سوريا، قد يخرج منها دخان أبيض تولت موسكو تأمين ظروفه بالاتفاق مع واشنطن التي تؤكد معلومات أنها أوكلت لروسيا مهمة البحث عن أفضل المخارج السياسية للأزمة السورية التي ستدخل عامها السادس.
المصادر الصحفية التي نشرت التقرير تؤكد بأن موسكو ليست في وارد الضغط سياسيا على دمشق وأنها تبحث ما يفكر فيه السوريون بصوت عالٍ داخل قاعدة حميميم حول التسوية والمصالحة والدستور والنظام السياسي.
المصادر تقول أيضا إن اتفاقاً أمريكيا روسيا قضى بأن يجري الضغط للذهاب نحو الحل السياسي وأن التنظيمات التي لن تتوجه نحو الحل السياسي سيجري تصنيفها ك "عدوة"، تلقفت موسكو الاتفاق مستغلة وقف إطلاق النار لإجراء اتصالاتها داخل سوريا في محاولة منها لتحديد الجماعات المسلحة المستعدة لوقف دائم لإطلاق النار.
تجربة الفدرالية الروسية قد تجري الاستفادة منها في سوريا ضمن إطار الحل السياسي لكن مع الأخذ بعيد الاعتبار الخصوصية السورية، قد تكون الفدرالية الإدارية ممكنة أما الفيدرالية السياسية فهي غير واردة، الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، والجمارك والمالية قطاعات لا تدخل في إطار الفيدرالية وإنما ستحافظ على مركزيتها.
إلى جانب التسويات المحلية التي تؤدي إلى تعزيز عديد الجيش السوري بوحدات دفاع مدني محلية كانت محسوبة على خصومه، ذكر موقع صحيفة "راي اليوم" ان اشتباكات عنيفة تدور في الرقة السورية بين مجموعات من أبناء المحافظة وبين عناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية"، في بوادر على حدوث انتفاضة من سكان المنطقة ضد التنظيم، تزامن ذلك مع انشقاق المئات من المقاتلين عن التنظيم وتصفية القيادي ابو علي التونسي ومرافقيه، وذلك خلال اشتباكات داخلية جرت بين عناصر التنظيم في أحياء مدينة الرقة.
أبعاد تبدل الموقف التركي
وسط متاهة الحرب المتعددة الأطراف الدائرة على أرض الشام يتابع المراقبون بإهتمام ما يتجدد على الموقف التركي الذي كان المساند الأكبر لوجستيكيا للقوى التي تقاتل الجيش السوري منذ ما يقرب من خمس سنوات بحكم إمتلاكه حدودا مشتركة يزيد طولها على 920 كيلومتر.
زيارة رئيس وزراء تركيا أحمد داود يوم السبت 5 مارس 2016 كانت منطلقا للعديد من التحليلات التي مال أغلبها نحو توقع حدوث تبدل تدريجي في مواقف أنقرة بعد أن أدركت أن لا مجال لكسب الحرب ضد دمشق.
تقول المصادر الرسمية التركية أن محادثات أوغلو في طهران، ركزت على ترطيب العلاقات بين البلدين وتفعيل التعاون الاقتصادي في مجالات النفط والغاز والطاقة والنقل والسياحة والقضايا الجمركية والمصرفية. كما ناقشت آلية رفع كل العقبات لزيادة حجم التبادل التجاري إلى 30 مليار دولار سنويا.
وصرح داود أوغلو في مؤتمر صحافي مشترك مع إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس الإيراني: "يجب أن تجد تركيا وإيران رؤية مشتركة لإنهاء القتال بين أشقائنا في الشرق الأوسط، ووقف الصراعات العرقية والطائفية". وزاد: "ربما اختلفت وجهات نظرنا، لكننا لا نستطيع تغيير تاريخنا أو جغرافيتنا".
تزامنا مع زيارة أوغلو لطهران وتصريحاته، سجل أن الأوساط المعادية للنظام السوري شرعت عبر وسائل إعلامها في شن هجوم قوى على سلطات أنقرة فقالت:
فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هدف إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد على وجه السرعة، فاختزل هذا الهدف في إقامة مجرد مدينة للاجئين كدليل مباشر على خروجه الصادم من معادلات اللعبة الدولية في سوريا، ونهاية حلمه في أن يمتلك مفتاح الحل هناك.
ومن الواضح اليوم أن كل أحلام اردوغان في سوريا قد تهاوت نهائيا وبشكل سيكون له ما بعده على تركيا وعلى أمنها في المستقبل.
ويقول محللون إن الفشل في سوريا سيشكل مأساة حقيقية لأردوغان ولحزبه الحاكم، إذ كيف له أن يمنى بهذا الفشل السريع والحال أن الوضع الطبيعي أن تكون تركيا واحدة من ابرز الدول المؤثرة في الساحة السورية لأنها بلد جار ومن الطبيعي ألا يغيب عنه الدور التركي لأسباب تتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين اقتصاديا وأمنيا وسياسيا؟.
ويضيف المحللون أن مثل هذه النهاية المرعبة لأحلام اردوغان في رؤية سوريا ساحة خلفية لمخططات إسلاميي حزب العدالة والتنمية، تؤكد ان الفشل المحتوم هو نهاية كل المواقف المتطرفة لأي رجل سياسة قصير النظر ويستسهل تحليل وضع سوري شديد التعقيد في عالم لم تبلور فيه تركيا قدرات حقيقية مادية وأخلاقية لأن تكون قوة فعالة وصانعة لحاضر ومستقبل دول أخرى لا تقل عنها عراقة لولا أن الدهر قد تألب عليها من الجوانب.
من جانبه جاء في تقرير معهد الشرق الأوسط الذي يوجد مقره في واشنطن:
"طمحت تركيا إلى ركوب الموجة الشعبية في المنطقة، وعملت على تعزيز دورها في المجال الإعلامي الإقليمي على مدار بضع السنوات الأخيرة.. الآن تقف معزولة تماما.. إلا أن تراجعها فيه مخاطرة جسيمة".
بالنظر إلى ملابسات الواقع في سوريا، وتعدد الأطراف الدولية الداعمة للطوائف المتناحرة ، وتعزيز تركيا تعاونها مع السعودية، بالإضافة لأزمة اللاجئين المتفاقمة على الحدود التركية السورية، وفشل محاولات التهدئة، هل ستستمر تركيا في خطتها الحالية أم يجبرها الواقع على تغيير خطتها.
يقول جونول تول، مدير قسم الدراسات التركية بالمعهد، أن تركيا بصدد مواجهة أسوأ كوابيسها، إذ أن عدويها اللدودين الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه والأكراد وحزبهم الاتحاد الديمقراطي يحققان انتصارات على الأراضي السورية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية والغطاء الجوي الروسي. وقد دعت تركيا طوال فترة طويلة لإنشاء منطقة حظر جوي في شمال سوريا لحماية المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ووقف حزب الاتحاد الديمقراطي من التقدم أكثر غرب الفرات. وحسب قوله تصر تركيا على وصف حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بأنه منظمة إرهابية ويشكل خطرا جسيما على الأمن القومي التركي، ويساورها القلق من استمرار التعاون بين الولايات المتحدة والحزب.. لكن من ناحيتها تجاهلت واشنطن طلب أنقرة بإنشاء منطقة حظر جوي، بل وكثفت تعاونها مع حزب الاتحاد الديمقراطي في محاربة داعش.
التدخل الروسي
يقول الكاتب في تقريره أن تدخل روسيا في الصراع زاد الوضع سوءا. فمنذ إسقاط تركيا طائرة روسية اخترقت مجالها الجوي في نوفمبر 2015، لم يعد المجال الجوي السوري مفتوحا أمام الطائرات التركية، وصارت الدول الغربية أكثر ترددا في الاستجابة لطلب تركيا بإقامة منطقة حظر جوي. ويشير الكاتب في مقاله لما أوردته رويترز من أن تركيا سهلت نقل مئات المقاتلين من ريف إدلب لمنطقة عزاز في شمال حلب قرب الحدود التركية تحديدا حيث رافقت القوات التركية مجموعات من المتمردين السوريين والمعارضة المسلحة في خروجهم من محافظة إدلب، وتنقلهم لمدة أربع ساعات عبر تركيا ومعاودة دخول سوريا لدعم معقل المتمردين المحاصر في البلدة الحدودية. ومن بين تحركات تركيا أيضا قيامها بقصف مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، كمحاولة بائسة منها لوقف التقدم الكردي في شمال غرب حلب. وعلى الرغم من أن أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي تعهد بعدم السماح بوقوع عزاز في يد الأكراد، وقصف الجيش التركي للأهداف الكردية في سوريا، إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي تمكن من الاستيلاء على بلدة تل رفعت الإستراتيجية في جنوب عزاز.
ويختتم الكاتب تقريره بمحاولة لاستشراف المستقبل ويقول ربما يثبت قريبا أن إعادة ترتيب وكلاء المتمردين في سوريا هي محاولة فاشلة أخرى، فمع القوات الجوية الروسية الداعمة للأكراد والنظام السوري، ومع غياب أي قدرات مضادة للطائرات على الأرض، فالتحالف الجديد لن يسعه فعل الكثير لترجيح كفة التوازن العسكري لصالحه.
يضيف أيضا أن المعايير المتغيرة في سوريا قيدت مساحة تركيا في المناورة، ولا يوجد ما يدعو للاعتقاد في مستقبل أقل سوءا لأنقرة بالنظر للوضع الحالي. الكثير من الدوائر في الحزب الحاكم في تركيا "حزب العدالة والتنمية" تعلم أنها تنفد من أمامها أي حلول جيدة خلاقة في سوريا. العديد من الكتاب البارزين الموالين للحكومة خاطروا مؤخرا وعبروا عن قلقهم، ودعوا الحكومة لتغيير مسارها في سوريا. لكن هل يستجيب الرئيس طيب أردوغان لتلك الدعوات أمر متروك للمستقبل، ولا يسعنا سوى الانتظار.
النبوءات الأمريكية
كتب الصحفي والمحلل عبد الباري عطوان في "راي اليوم" يوم 4 مارس: كثيرة هي التصريحات التي يطلقها مسؤولون غربيون سابقون، وحاليون، حول الأوضاع في منطقتنا العربية وتطورات الأحداث فيها، بعضها يمر عليه المراقب مرور الكرام، وبعضها الآخر يضطر للتوقف عنده متأملا ومحللا، فهؤلاء هم الذين يلعبون الدور الأكبر في غزو بلداننا وتقسيمها، وبذر بذور الفتنة الطائفية فيها، وسقيها وتسميدها، ويضعون الخرائط الجديدة، ويرسمون الحدود أما قياداتنا فهي مجرد أدوات في معظمها.
استوقفني هذا الأسبوع تصريح ملفت لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل هايدن لمحطة "سي ان ان" قال فيه "ان سوريا لم تعد موجودة، والعراق انتهى، ولن يعودا إلى ما كانا عليه، وان لبنان يتفكك، وليبيا في خبر كان".
إنها نبوءة مرعبه، من شخص كان يدير مطابخ الغرف السوداء في دهاليز الإدارة الأمريكية وأقبيتها، ويجند المرتزقة، ويسلح الميليشيات، ويرسم خطط الفوضى الدموية وطرق تنفيذها، ولذلك علينا أخذها بمحمل الجد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، فالمسؤولون الأمريكيون، وبعد أن يغادروا المنصب العام يصبحون، أو معظمهم، أكثر حرية في الحكم على الأمور، وتسريب بعض الحقائق والمعلومات، بوعي أو بدونه.
القناعة السائدة حاليا، وبعد خمس سنوات من "ثورات" الربيع العربي، أن معظم هذه الثورات كانت "مفبركة"، أو جرى تحريفها عن هدفها الحقيقي من قبل الدول الغربية، والولايات المتحدة، التي وظفتها لمصلحتها، واستغلال تعطش الجماهير للحرية، من خلال دس بعض العناصر، وتوظيف بعض الأدوات الإعلامية، بهدف الإطاحة ببعض الأنظمة التي تصدت للمشروع الغربي، ورفضت كل الحلول الاستسلامية للصراع العربي الإسرائيلي، وجعلت من محاربة المشروع الاستيطاني العنصري الإسرائيلي العقيدة الأساسية لجيوشها، ومحور سياساتها العربية والدولية.
اخطر جوانب المشروع الغربي الجديد لإعادة صياغة شكل المنطقة وحدودها من خلال مخططات التفتيت وإغراقها في الحروب، هو القضاء على قيم التعايش وحل الجيوش، وتغيير العقيدة القتالية لبدائلها الجديدة، إلى عقائد تقسيمية طائفية أو عرقية.
العراق لم ينته، وسوريا لم تتبخر، وليبيا لن تزول من الخريطة، واليمن لن يبتلعه البحر الأحمر، أو صحراء الربع الخالي، هذه الدول التي تحمل شعوبها جينات إمبراطوريات وحضارات ستنهض من كبوتها، وتعود إلى مراكزها القيادية، مثلما فعلت دائما على مدى أكثر من ثمانية آلاف عام، وذهب الغزاة وبقيت هي وشعوبها علامات فارقة في التاريخ.
عمر نجيب
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.