استثمرت روسيا والنظام السوري فشل مفاوضات جنيف للعودة بقوة إلى الخيار العسكري لتغيير الواقع على الأرض من خلال الهجوم على حلب بشكل قد يجبر المعارضة على التفاوض دون شروط مسبقة في الاجتماع القادم المقرر في 25 فبراير الحالي. ويأتي هذا وسط اتهامات متعددة لروسيا وللرئيس السوري بشار الأسد بأنهما تعمدا إفشال جنيف3 بتكثيف العمليات العسكرية خلال المفاوضات وعدم تنفيذ إجراءات بناء الثقة التي طالب بها مجلس الأمن والمبعوث الأممي ستافان دي ميستورا. فيما تدفع إيران في اتجاه دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أمس على أن أي وقف لإطلاق النار في سوريا يجب ألا يتضمن وقف العمليات ضد الإرهاب، في إشارة إلى استمرار الحل العسكري بعد فشل المسار التفاوضي في جنيف. ويعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات اليوم مع الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا، بحسب ما ذكر دبلوماسيون. وقال الدبلوماسيون في الأممالمتحدة إن دي ميستورا سيقدم تقريرا إلى سفراء الدول ال15 في مجلس الأمن عن الظروف التي دفعت إلى تعليق محادثات جنيف حول سوريا. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأوضاع في سوريا بأنها مثل الجحيم، وحث المجتمع الدولي على تعزيز الحوار السياسي لإنهاء الصراع. وقال بان كي مون أمام مؤتمر المانحين في لندن أمس «لا يوجد حل عسكري.. الحوار السياسي فقط، الحوار السياسي الشامل، سينقذ الشعب السوري من المعاناة». وحمّل وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، النظام السوري المسوؤلية عن تعليق محادثات جنيف بسبب «عدم جديته»، واعتبر أن تكثيف العمليات العسكرية الروسية بسوريا كان يستهدف «استفزاز» المعارضة. ورغم تحميل موسكو ودمشق مسؤولية إفشال المفاوضات، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يحاول جاهدا إقناع نظيره الروسي سيرجي لافروف ببحث وقف إطلاق النار وتسهيل العودة إلى المفاوضات في أقرب فرصة. ولئن وعد لافروف ببحث إمكانية وقف إطلاق النار مثلما جاء على لسان كيري، فإنه بدا أكثر إصرارا على الفصل بين المفاوضات ومجريات العمليات العسكرية في تصريح سابق قال فيه إن «الضربات الجوية الروسية لن تتوقف طالما لم نهزم فعليا تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة». وطالب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الخميس بوقف الغارات وفك الحصار عن المدن في سوريا، مشيرا إلى أن «الهجوم الوحشي الذي يشنه نظام الأسد بدعم من روسيا ينسف المحادثات». وفيما يبدو فإن المعارضة لم تفاجأ بالتصعيد العسكري من جانب الطيران الروسي والجيش السوري. وقال العميد الركن أحمد رحال المنشق عن الجيش السوري إن الحراك الثوري كان متيقنا من أن المفاوضات ستفشل. وأضاف في تصريح ل«العرب» أنه كان من الواضح أن هيئة المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض لن تفرط في أي مطلب، وأن الطرف الآخر، أي روسيا والنظام، كان مدركا أن المعارضة لن تقدم تنازلات في الحل السياسي، ولم تكن أيضا روسيا والنظام في وارد تحقيق أي حل سياسي أو تقديم تنازلات. وتساءل رحال عن سلبية الموقف الأميركي تجاه التصعيد الروسي ورفض لافروف وقف القصف حتى لو تقررت هدنة بين المعارضة والنظام، مضيفا: إذا كان كيري قد قال إن الروس يبحثون عن حل عسكري فلماذا لا يقدم الأميركيون دعما عسكريا للمعارضة، ولماذا لا يسمحون للدول العربية بتقديم الدعم العسكري في مواجهة الدعم الروسي؟ من جانبه، اعتبر بدر جاموس عضو الائتلاف السوري المعارض أن المعارضة لن تقف مكتوفة الأيدي. وقال في تصريح ل«العرب»: سوف يعود الحل العسكري إلى الواجهة وسنطالب الأصدقاء برفع الحظر وتقديم مضادات الطائرات للثوار ليكونوا قادرين على الحسم وتلقين الروس والنظام دروسا قاسية. وحث جاموس الدول العربية، وخاصة السعودية، على تحمل مسؤولياتها في دعم الشعب السوري. وقلل خبراء من قدرات المعارضة على الرد العسكري في ظل تفوق جوي كامل لروسيا، لكنهم رجحوا أن تلجأ الفصائل العسكرية إلى الكمائن وأسلوب حرب العصابات في توجيه ضربات للقوات السورية، ولعناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله. ولا يستبعد الخبراء أن تدخل تركيا إلى دائرة الصراع، وهو أمر كانت «العرب» قد سبقت إلى الإشارة إليه في عدد سابق، خاصة بعد الاستهداف المركز للطيران الروسي على مواقع للتركمان الموالين لأنقرة. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن التطورات على الحدود السورية التركية تدل على استعدادات تركيا للتدخل عسكريا في سوريا. وقال اللواء إيغور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية في مؤتمر صحافي عقده الخميس «لدينا معلومات موثوقة تدفعنا إلى الاشتباه بأن تركيا تجري استعدادات مكثفة للتدخل عسكريا» في سوريا.