لقد أصبت بصدمة كبيرة جراء بعض ردود الأفعال الصادرة عن مجموعات تتحدث باسم الأمازيغية، بعد مقالي الصادر حول هذا الموضوع، لأن الكثير من الردود للأسف الشديد كانت تأكيدا على نزعة شوفينية تزرع الكراهية والحقد والإقصاء في حق كل من يخالفهم الرأي، بدل النقاش الهادف الموضوعي، وهو ما دفعني للعودة إلى هذا الموضوع الذي يحتاج إلى نقاش وطني، لأن الأمازيغية ليست حكرا على احد أو فئة بل هي ملك للشعب المغربي قاطبة، و بالتالي فلا أحد يملك حق احتكارها لنفسه. لنعد إلى قضية العلم الأمازيغي الذي يرفعه البعض في كل المناسبات، كيف يمكننا أن نبرر هذا السلوك في الوقت الذي نجرم فيه رفع انفصاليي البوليساريو علما يرمز إليهم، إن المسألة من حيث المبدأ متشابهة فلا علم يعلو سماء الوطن إلا علم الوحدة الأحمر ذو النجمة الخماسية الخضراء، و كل علم دونه يعتبر جزءا من التراث لا غير. أما الحديث عن علم تامزغا فلا يعدو أن يكون هوسا بحلم سلفي يحاول أن يعيد عجلة التاريخ للوراء، مثلما يحاول السلفيون الإسلاميون العودة إلى النموذج القديم وكلها أحلام طوباوية لا تستقيم و منطقة التاريخ و الجغرافيا، لأن الحديث عن بلاد تامزغا والرغبة في إحيائها أشبه بحديث أهل روما عن إحياء الإمبراطورية الرومانية، أو رغبة بعض العرب في إحياء الإمبراطورية الإسلامية، أو سعي بعض الواهمين إلى إحياء الخلافة الإسلامية، هذا كلام فارغ لا قيمة لهو بالتالي فعندما يرفع علم في الريف و آخر في سوس و أخر في الصحراء أليست هذه بداية الفتنة التي تزرعونها و سوف يدفع أحفادكم ثمنها ؟ لا أعتقد بأن التهور و الاندفاع والتعصب الأعمى الذي يطبع بعض الحركات الأمازيغية سيؤدي إلى نتيجة، خاصة وأن كثيرا من هؤلاء شباب تنقصهم الخبرة و الحنكة السياسية، و بالتالي فهم يلعبون بالنار و يؤججون الفتنة من حيث لا يعلمون، وللأسف الشديد يلقي بعض المثقفين بالحطب على النار ويساهمون في ولادة هذا الجيل من المتعصبين الذين يناهضون الانتماء المغربي و يدعون إلى محاربة ( القومجية ) و (المستعربين ) و طردهم من أرض تامزغا، ولن نستغرب إن طالب بعضه غدا بإسقاط الجنسية عن المختلفين معهم في الرأي بل و اتهامهم بالعمالة، كما فعلوا معي شخصيا، هل هذا هو الوطن الذي نحاول بناءه على أساس التعايش و التسامح و الاندماج المنصهر، من منكم يستطيع أن يقول بأنه عربي قح أو أمازيغي صرف؟ كلنا مغاربة هذه مسلمة، و قد تداخلت في هذا الوطن أجناس كثيرة، و تفاعلت حتى أصبح النسيج المجتمعي فسيفساء نادرة يستحيل تفكيك مكوناتها بتصنيفات عبثية، و لا معنى لما يقوم به بعض الساسة أو المثقفين حين يصر البعض على طرح الأسئلة في البرلمان بلهجاتهم و كأن ذلك يعتبر فتحا مبينا أو يجيب بعض الوزراء بلهجاتهم، بالله عليكم ماذا سيفيد ذلك، أما إصرار بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على تمجيد "منجزات" المعهد فتبعث بالفعل على التساؤل حول من يصدق ذلك، لأن "تيفيناغ" ليست مكسبا بل مصيدة تتبعثر فيها أوراق الأمازيغية، في الوقت الذي كان من المفروض في أن يعمد بوكوس إلى تنشيط و تأطير جمعيات المجتمع المدني الأمازيغية للتنسيق معها قصد زيارة المؤسسات التعليمية والتشجيع على تعلم هذه "اللغة" بدل الاكتفاء بالعمل الأكاديمي، علما بأن هذه المؤسسة يمكنها أن تكون فاعلا سياسيا ثقافيا وفكريا يخدم القضية الأمازيغية عوض الجمود الحالي الذي يسمها ويفقدها قيمتها، ولا غرابة ان نجد هذا الفراغ يمتلئ بالعديد من "الخطباء" و "المثقفين" الذين لا يتورعون في نبش قبور كل الأفكار المتطرفة فيصيب رصاصهم المنطلق في كل الإتجاهات و خاصة الدين الإسلامي، حيث يلجأ كل من يسعى للشهرة إلى التطاول على الإسلام عقيدة وفكرا، حتى أصبح من المقبول وجود امازيغي مسيحي أو يهودي ورفض كل أمازيغي مسلم، وكأن دعاة الأمازيغية هؤلاء يحاولن إعادتنا إلى عهود الوثنية و لعل أبر دليل على طلك ما دونه أحدهم على صفحة التواصل الإجتماعي فايسبوك بالحرف ولكم أن تعلقوا كما شئتم ( الحمد لياكوش لعظيم رب الأرباب رب الأمازيغ رب الكون كله ) جاء هذا في خضم الحديث عن التساقطات المطرية الأخيرة، وهو كلام يغني عن كل تفسير. عودا على بدء أستغرب كثيرا هذا الصمت من المثقفين الأمازيغ الحقيقيين المعتدلين بهدف فتح حوار وطني حقيقي لمواجهة هذا التطرف النوعي العرقي، الذي يولد بين ظهرانينا والذي قد يأكل الخضر و اليابس، وكأننا بصمتنا نضع بين أيدي الأجيال القادمة قنبلة موقوتة وبصمتنا نساهم في نمو و تطور خطاب الكراهية هذا، و من المؤكد أن وراءه أيادي أجنبية تحاول أن تزعزع الفسيفساء التي تكون النسيج المجتمعي المغربي، وهي تراهن على المسافات الطويلة، فما تراكم فاعلون أيها النواب المحترمون الناطقون بالأمازيغية؟ وهل فيكم من يسمع الأجراس التي تدق ؟ [email protected]