بعد توصلي بدعوة من " النسيج الجمعوي التنموي بأزيلال" للمشاركة في الملتقى الوطني لمشروع تقوية قدرات الجمعيات التنموية بإقليم أزيلال حملت محفظتي وملابسي للتوجه لأزيلال في رحلة يشبه شقاؤها رحلة الشتاء والصيف التي حكى عنها القرآن، من وجدة إلى مراكش ركبت قطارا يغير رأس نوقه وجماله بفاس، برأس يستريح فيه الفحم الحجري لينخرط الرأس الكهربائي بعرباته البعيرية من فاس، كما يتم تغييرالبعير بأكمله في الدارالبيضاء لامتطاء بعير قطاري آخر في اتجاه مراكش، وبما أن السكة الحديدية قد توقف حديدها بمراكش منذ المعمر الفرنسي، فقد كان لابد من امتطاء الطاكسي الكبيرة من مراكش إلى أزيلال، حيث وجدت في استقبالي- مشكورا وممتنا - منسق النسيج الجمعوي هناك، لمتابعة الطريق في اتجاه أفورار المحاذية لبني ملال والتابعة لأزيلال عبر سيارته، مرورا بطريق كأنه أفعى معلقة على شفا جرف هار. تم تخصيص الجلسة الأولى من اللقاء للهيئات الداعمة وللفعاليات المساهمة في إنجاح الملتقى، أما الجلسة الثانية فقد خصصت للمحاضرين، افتتح المداخلات الأستاذ المانوزي، مستشهدا بعبارات للشهيد بنبركة، ومبشرا بتأسيس "النسيج الأطلسي للتواصل والمجتمع المدني"، كما أكد على ضرورة الحق في التنمية والنهوض بحقوق الإنسان، وأشار إلى الاختلاف مع إدريس بنزكري حول بند المساءلة، وأكد على ضرورة الرجوع إلى التعاقد الكتابي، وعدم التوقف على الشفوي لنضمن محاسبة شفافة...."، كما أثار الأستاذ المانوزي قضايا أخرى حقوقية وتنموية ومدنية مهمة، مهد من خلالها لمداخلة الأستاذ عمر الزايدي الذي ناقش بدوره بتفصيل مفهوم المجتمع المدني، وتطبيقاته العملية، واقفا بالنقد عند ما كان يسمى بجمعيات الوديان والسهول والجبال التي كانت مزروعة، وولدت بمعالق من ذهب في أفواهها، وبين الزايدي الاختلاف العملي والنظري بين العمل الجمعوي في الماضي، والذي كان قائما على المبدئية والتضحية، بينما هو الآن قائم على صرف المستحقات والتعويضات، بناء على التمويل الداخلي والخارجي، الأمر الذي يسلب المجتمع المدني استقلاليته، وأكد على أن مهام المجتمع المدني ليست هي إحداث السواقي و الآبار، إنما هي بالأساس تكوين الناس، والتربية على حقوق الإنسان...، كان هذا باختصار شديد عن مداخلة كل من الأستاذين المانوزي والزايدي، ولما جاء دور مداخلتي التي تمحورت على " الهوية الأمازيغية: مفاهيمها مرجعياتها، وماذا بعد دسترتها؟ وقبل وقوفي للإجابة عن هذه المفاهيم والأسئلة وتوضيح إشكالياتها، قدمت نقدا لليسار الديمقراطي في علاقته بالمسألة الهوياتية الأمازيغية، من جوانبها الثقافية والفكرية والحزبية السياسية والجمعوية المدنية- وهو نقد ذاتي في العمق- على اعتبار أن التراكمات والتضحيات النضالية على جميع الجبهات كانت تفتقد أبعاد الهوية الأمازيغية، وذلك لتبنيها " القومية العربية" كهوية ملتبسة ومتلبسة باليسار، مما فسح المجال للقرصنة الأصولية أن تستحوذ على كل شيء بعدمية فكرية ونضالية وخواء نظري مهول، وذلك عبر خدعة تبني المقدس وممارسة الأدوار السينمائية منه و به وعليه وفيه. بعد حلول ما يسمى ب " الربيع العربي"، وقد بلغت فيه نخبة اليسار درجة التنظير للحركة القومجية العربية بأكملها فيما كان يسمى لديها ب" العالم العربي"، وأكبر مثال على ذلك قدمه الدكتور الجابري في مشروعه " نقد العقل العربي"، ولهول المفارقة هو أنه لما سئل الجابري الفكيكي عن اللغة الأمازيغية وثقافتها أجاب:" بأنها مجرد لهجات وتقاليد بالية ستندثر بعد سنوات"، وما أكدت عليه في مداخلتي هو أنه ربما كانت" القومية العربية" كإيديولوجيا صالحة في المشرق، وهو ما يبين تحمس المفكرين المسيحيين وتنظيرهم لها، لأنها كانت تشكل عاملا وحدويا جامعا بين ما يفرقه الدين بين المسيحيين والمسلمين العرب، أما في شمال إفريقيا والمغرب الكبير، فعلى العكس من ذلك كانت الأمازيغية هي عامل الوحدة الجامعة بين ما فرقه الدين بين الأمازيغيين الوثنيين واليهود والمسيحيين والمسلمين، ذلك أن إطلالة سريعة على التاريخ الديني لشمال إفريقيا يبين بأن الأمازيغيين ظلوا يغيرون أديانهم من الوثنية إلى اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام، لكن الهوية الأمازيغية بلغتها ولهجاتها وملابسها وعمرانها وموسيقاها وفنونها وموروثها ظلت واحدة وجامعة بينهم جميعا على اختلافهم، ولذلك وجدنا اليهودي والمسلم الأمازيغي يرتديان جلابة واحدة على اختلاف ديانتهما، كما وجدنا إلى الأن الفنان والمبدع المسرحي "بن سمحون" اليهودي المغربي يشكو إلى الآن غربة مسرحه في إسرائيل، لأن مرجعيات مسرح" بن سمحون" ظلت مغربية، في حين أن المسرح الإسرائيلي ظل يستمد مرجعياته من المسرح الأوربي والأمريكي، وحينما نقرأ كتاب " الاعترافات " الرائع لأوغستين نجده يحكي فيه التحول الديني الكبير الذي عاشه بفعل تأثير والدته، كما يحكي عن رفض والده التحول من الوثنية إلى المسيحية، لكن ما يثير الانتباه في حكي أوغستين، هو ثبات مظاهر الهوية الأمازيغية في الحياة العامة رغم تغير الدين، ولو أن هذا الجانب الهوياتي الثقافي يبدو هامشيا إزاء الجوانب الروحانية التي يركز عليها أوغستين، لكن الإشكال الرئيس الذي ظل يتكرر هو خلط الرومان بين الانتماءين الروماني والمسيحي، ليمسحوا بذلك عنوان "المسيحية الأمازيغية"، ويسمونها ب"المسيحية الرومانية" نسبة للمكتسح الروماني، وهو الإشكال نفسه الذي عانيناه مع الحركة الصهيونية حينما ربطت التدين الأمازيغي اليهودي بالجنس العبراني فاعتبرت كل أمازيغي تهود بمثابة عبراني مقيم في بلاد تامزغا، ولذلك قامت بتهريب وتهجير اليهود الأمازيغ إلى إسرائيل على اعتبار أنهم عبرانيون يهود ، وهذا الضرر كان نتيجة ربط التدين بالعرق وفق ما يسمى ب " شعب الله المختار"، وليس من الصدفة أن يكون خلافنا أيضا مع الأصولية المتأسلمة هو نفسه، وذلك لربطها التدين الإسلامي بالعروبة قومية ولغة وجغرافية، وقد استعانت في ذلك بكل شيء بما فيه الشعر العربي الجاهلي الذي كان يتعارض مع الدين كمعتقد، وهذا ما يفسر حشو كتبنا المدرسية –إبان سياسة التعريب- بهذه الآداب والأشعار الجاهلية، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول الشاعر: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليقينا بأنا نورد الرايات بيضا ونصدرهن حمرا قد روينا في حين ظل النظر إلى الشعر الأمازيغي بأنه مجرد هرطقات للرقص والدندنة، ولم يحظ بأي اعتراف تربوي أو فني أكاديمي؟ ولعل أهم ما أكدت عليه في مداخلتي، وأشدد عليه هنا، هو أننا في الحركة الأمازيغية لا نربط الانتماء للهوية بالعرق، ولذلك نرفض التصنيف الذي يصنف القبائل المغربية على أساس عرقي دموي، في الحديث عن " القبائل العربية والأمازيغية" بناء على تصنيفات لهجية ولغوية، أو تقطيعات أو هجرات تاريخية وجغرافية مصطنعة ومفتعلة، أو بناء على جدران أبدية بين حركات سياسية وعسكرية، قائمة على ولاءات إما تجويعية وإما قتالية وإما اقتتال أو تدينات مزورة وترهيبية، وهذا ليس غريبا ، فقد قدمت الحركات المتأسلمة نماذج ساطعة على ذلك، فبعد عدائها للهوية الأمازيغية لسنوات ومحاربتها لها بكل الوسائل، ولما رأت تحقق دسترتها وترسيمها، جاءت لقرصنة هذه المكتسبات، ولم تكتف بالقرصنة، إنما أسست جمعية تحت عنوان" تمازيغت لكل المغاربة" لتمارس من خلال ذلك دور المصحح والمرشد والمزايد، وكأن الحركة الأمازيغية كانت تطالب بالأمازيغية لطائفة من المغاربة؟ فجاءت حركة بنكيران لتصحح وترشد فلتطالب بالأمازيغية لكل المغاربة، وهو المسار الذي لعبته وما تزال حرفيا في قرصنتها للتراكم النضالي للحركة الديمقراطية، وهي الآن تمارس مزايداتها وبهدلتها قولا وفعلا وبالملموس والمحسوس والمدسوس. لكن الوقت لم يسعفني لتتمة مداخلتي، وطرح كل الأفكار التي أعددتها، فاضطررت للتوقف أمام طلب المسير رئيس الجلسة، للاستماع للمداخلات والاستفسارات، والتي لا أخفي بأنها فاجأت كياني الداخلي، ومست ضميري العميق، ذلك أني صرت أستمع لمداخلات موجهة إلي ومن منطلقات "بعث قومي عربي مشرقي"، وما يؤسف له أنه انقرض وجوده حتى من رحم ولادته المشرقية البعثية، لكنه ما زال يدوي من أفواه أمازيغيينا، ويزمجر من شفاههم، من أعماق أزيلال، قد حذر أحد المتدخلين ومن منطلق نظرية المؤامرة الحاضرين من "أن ينخدعوا بمداخلتي معتبرا بأن الصراع طبقي وأن اللغة مجرد وعاء"، ومعتبرا بأن ما طرحته كان من أجل تحريف الصراع عن مساره الحقيقي، ولما جاء دور الأساتذة المتدخلين للرد كانت البداية مع الأستاذ المانوزي، الذي جاء جوابه كرد إضافي على مداخلتي أيضا، قائلا: " ‘ذا كنت أريد أن أكون قومجيا عربيا فما الذي يمنعني؟ كما أنه لا ينبغي نقد قومجية الجابري، لأن ما وصلناه الآن هو من إنجازاته..." لكني قاطعته هنا بالرد: " إنني في نقدي للخيارات القومجية العربية ضدا على الأمازيغية لا أشير إلى الخيارات الشخصية، إنما أتحدث عن الخيارات والبرامج الحزبية والحكومية التي تم إنزالها في المقررات الدراسية في سياسة التعريب، وفي قنوات الإعلام، وفي برامج وزارة الثقافة وفي المؤسسات الدينية، وكل الأنشطة الموازية لمؤسسات الدولة، أما من أراد أن يكون قومجيا في بيته ومع أبنائه فلم يمنعه أحد من ذلك، ولم يقصده أحد في حديث ولا في نقاش." وسرعان ما توقفت عن المقاطعة احتراما للتسيير، بعد أن أغضبت مقاطعتي السيد المانوزي، والذي قام بعد كلامه بمعانقتي أمام الحاضرين معبرا عن روح المحبة والإخاء، على أساس أن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية. وحينما جاء دوري للرد على الأسئلة حاولت البرودة قدر الإمكان وتساءلت مستغربا: هل إن مداخلتي لم تفهم رغم أني اعتمدت منهج الخشيبات في توضيح عناصرها؟ أم أن بعض المعترضين فهموا مداخلتي لكنهم لم يتحملوها، فبدلوا فهمها للانقضاض عليها وافتراسها؟ ولذلك شددت وكررت مداخلتي القائلة بأن الأمازيغية التي نطالب بها لا تقوم على أساس عرقي ولا دموي ولا قبلي، مادامت هذه المفاصلات-العرق والدم والطائفة- تتعارض مع أسس العلم والحداثة والديمقراطية والمساواة والعدالة، بل إنها تتعارض حتى مع الدين الإلهي الذي جاء رحمة للعالمين، وليس الدين الأصولي الذي جاء إرهابا للعالمين، وبناء على رفضنا لهذه المفاصلات العرقية والدموية والقبلية في بناء الهوية الأمازيغية التي نطالب بها، فإننا نطالب بهوية أمازيغية قائمة على مبدأ وأساس المواطنة الدستورية، والتي تقوم على قاعدتين: الأولى هي الموروث الحضاري الأمازيغي التاريخي الذي يمتد في التاريخ العميق والعريق أزيد من أربعة وثلاثين قرنا، وقد ساهمت فيه كل الحضارات العالمية، والديانات الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية والعلمانية والحداثية و ما بعد الحداثة. أما القاعدة الثانية: فتقوم بالأساس على الفكر السياسي الذي طرحته تحديدا "مدرسة فرانكفورت" التي شكلت بحق معلمة تاريخية، والتي كانت فكرا ضد النزعات القطعية والعقائدية بالمعنى الكانطي، والتي ساهمت في تأسيس العقلانية الحديثة، وأفكار الماركسية الأورثوذكسية، التي استبعدت الذات الإنسانية من حساباتها، وما شدنا لهذه المدرسة أكثر هو السمة النقدية الحداثية المتحولة والمتحركة لروادها سواء من الجيل المؤسس الذين نذكر منهم: ماكس هوركايمر، تيودور أدورنو، فريدريك بولوك، هربرت ماركيوز، إيريك فروم، وفالتر بنيامين. أو حتى من أسماء الجيل الثاني الذين نذكر منهم: ألفريد شميت، كلاوس أوفي، يورغان هابرماس، أولبرخت فيلمر. ومع أنهم عايشوا على المستوى السياسي صعود اليسار الألماني، وانطلقوا من الإطار الفكري للنظرية الماركسية، إلا أنهم لم " يتلحموا الذهنية الماركسية" في اتجاه أصولي كما هو الحال لدى بعض المتلحمين الماركسيين عندنا(التلحيم هنا ليس من اللحوم، إنما هو من اللحمة بمعنى ذهنيات وعقليات السودور) فقد انفتحت مدرسة فرانكفورت على الفرويدية عبر التحليل النفسي، كما تأثرت بالنظريات النقدية على المستوى الاجتماعي، وكل هذا نحن في أمس الحاجة إليه للوصول إلى صوغ فلسفة سياسية نقدية بديلة تقف إزاء التيارات النظرية الأصولية والقومجية بمختلف تلاوينها وأشكالها، ولذلك قلنا ونكرر: إن الأمازيغية التي نطالب بها تقوم على قاعدة" المواطنة الدستورية" وليس على المواطنة الدموية أو العرقية أو الطائفية، ولا نخفي القول بأن هذا المفهوم نفسه قد اقتبساه من أحد رواد الجيل الثاني والمجددين لمدرسة فرانكفورت، وهو " يورغان هابرماس". كما أننا حينما أيدنا التعددية التي أقرها الدستور الجديد، من منطلق أنها تعددية ثقافية وفكرية، وهي تتحدث عن المكونات الثقافية للهوية الأمازيغية من عبرانية وعربية وأندلسية، وليس من منطلق تعددية عرقية أو دموية أو طائفية. وبناء عليه فإن ما عبر عنه "خالد الجامعي" في "كرسي الاعتراف" بجريدة المساء في قوله:" المغاربة عنصريون تجاه السود واليهود" كلام خطير ومحرف لا مصداقية له ، ولا ينطبق على المغاربة، لأن من المغاربة السود واليهود، وليسوا أجانب عن المغاربة فكيف يكرهون هم أنفسهم، وما عبر عنه من أمثلة ينطبق على ممارستهم وتربيتهم الحزبية، ولا علاقة له بالمغرب العميق والمغاربة الحقيقيين، بل إن الأمثلة المدانة قدمها من جريدتي "العلم و"لوبينيون" فكيف يمكنه تعميم حكمه المدان هذا على كافة المغاربة؟؟ أما جوابي عن سؤال الرفيق المحامي الذي واجهني بالقول: "إن الصراع هو صراع طبقي وأن اللغة مجرد وعاء"، فقد أجبته بالقول : هل إقرارك وإيمانك بالهوية الأمازيغية يمنعك من أن تكون ماركسيا؟ ولماذا اجتهدت الحركات الماركسية العالمية من أن توائم وتجمع بين انتمائها لهوياتها الوطنية وانتماءاتها الماركسية؟ كما هو الحال لدى حزب العمال الكردستاني، والحزب الشيوعي التركي، والحركات الماركسية في أمريكا اللاتينية التي طرحت في نضالها ما أسمته بلاهوت التحرير بقيادة أساقفة الكنائس الذين تبنوا الماركسية كاجتهاد من داخل النظرية وفي الآن نفسه كنقد للمقولة الماركسية:" الدين أفيون الشعوب"؟ لكن المصيبة العظمى والداهية الشؤمى هي أن ماركسيينا استوردوا الماركسية بلباسها القومجي العربي، بل إن الطامة الكبرى هي أن ماركسيينا لم يقرؤوا حتى النقد الذاتي الذي كتبه الشهيد مهدي عامل في كتابه الأخير" نقد الفكراليومي" الذي انتقد فيه من أسموا أنفسهم ب " الماركسيين العرب"، ونذكر منهم رفعت السعيد، وإلياس مرقص، وصادق جلال العظم، وقسطنطين زريق....،بل إنه وصفهم ب "العماء الإيديولوجي" لأنهم لا يرون الفكر في شروطه الاجتماعية، كما أشار في الكتاب نفسه إلى صورة المثقف الذي يبدأ صاحبه صباحا" ماركسيا" وينهي نهاره وقد " تقومن"، أو يستهله قوميا وينهيه متأسلما. وهنا نقف لمساءلة رفيقنا المجادل لنا:" لماذا لم يجتهد ماركسيونا في الملاءمة بين الماركسية في أصولها الفكرية والنظرية وفلسفتها الاقتصادية، وبين هويتهم الأمازيغية؟ وبينما أنا بصدد الرد والمناقشة قاطعني الزميل المانوزي بالقول:" كيف تنادي بالأمازيغية وأنت إدريسي؟" ولا أخفيكم أني صدمت بمضمون هذه المقاطعة واستغربت لها لأنها لا تتلاءم مع أي فكرة أثرتها في مداخلتي، لكني أجبته على الفور: أنني في مسيرتي النضالية من داخل الحركة الأمازيغية الطلابية والجمعوية والثقافية، ولا حتى في كتاباتي، لم أدع يوما بأنني إدريسي الانتماء، كما أن أسس مداخلتي ترفض هذه العناوين، لأني لا أومن بالانتماءات العرقية أو الأسرية التي تدعي الامتياز أو التفوق، لكني سأذهب معك من باب المزايدة فيما تريد بالقول: حتى إن كنت إدريسيا من جهة الانتماء فهذا سيحتم علي ويجبرني أخلاقيا ومبدئيا وإنسانيا أن أقف وقفة إجلال وخجل واعتراف وإقرار وخشوع وخضوع أمام هذه الهوية الأمازيغية( التي احتضنتني واحتضنتها). أناضل وأكافح بأعز ما أملك لإقرار مطالبها وحقوقها، وأن أضع نعلها فوق رأسي. وقد تسألني لماذا؟ فأجيبك: أليس هذه الهوية والجغرافيا الأمازيغية هي التي استقبلت الأدارسة بعد أن طاردتهم آلة القتل والموت المشرقية العروبية من جغرافيتهم ومن بلدهم؟أليس هؤلاء الأمازيغ هم الذين أطعموا الأدارسة من جوع، وآمنوهم من خوف؟ بل زوجوهم وعظموهم وأمروهم، ووثقوا تاريخهم وتراثهم بصدر رحب ضاق عليهم في بلادهم الأصلية؟ وبعد معاشرتهم لهذه الهوية أزيد من أربعة عشر قرنا أيحق التنكر والمفاصلة عن هذه الهوية والاستعلاء عليها؟ فالرسول الكريم يقول: " من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم" وهؤلاء الأدارسة بعد أن عاشروا الأمازيغيين أزيد من 14 قرنا أ ولم تخشع بعد قلوبهم بأن يكونوا منهم(الأمازيغيين)؟ أم إنهم ينتظرون هم الذين جاؤوا فارين فتم إطعامهم من جوع وتأمينهم من خوف وتزويجهم من عزوبة أن تصير هذه الهوية الأمازيغية وأهلها هي منهم؟؟ إن هذا بحق للعجب، بل إن هذا بلغة مضر لشيء عجاب؟؟ وولعل ما يثير الاستغراب أكثر هو أننا لو افتحصنا عدد الحاملين للبطائق الإدريسية وللذين أصبحوا يتنكرون هوياتهم وتغيير أسماءهم الأمازيغية لتلبس الأسماء الإدريسية لوجدناها قد بلغت أعدادا تثير لهولها الغثيان. وعن هذا الأمر العجاب ما سنحاول الإجابة عنه بتفصيل في مقالين لاحقين: الأول في إجابتنا التفصيلية عن سؤال:" ماهي الأمازيغية التي نطالب بها؟ ومن هم الأمازيغيون الذين نتحدث عنهم؟أما الثاني فسيتوقف عند سؤل: الهوية الأمازيغية والانتماء الإدريسي؟