الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    وفد شيلي يثمن طفرة التنمية بالداخلة    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    أوزين: الأمازيغية لغة 70 في المائة من المغاربة .. وعلمانية المملكة متفردة    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات    مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    كيوسك السبت | أول دواء جنيس مغربي من القنب الهندي لتعزيز السيادة الصحية    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعدد اللغوي في شمال افريقيا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 30 - 08 - 2014

عرف الأمازيغيون، منذ تواجدهم على أرض شمال أفريقيا، مجموعة من اللغات التي تمثلوها في التخاطب اليومي ، والتداول الحي، والتواصل المجتمعي؛ بفعل الاحتكاك الثقافي مع الشعوب المجاورة، مثل: اليونان، والمصريين، والفينيقيين، والمسلمين العرب؛ أو بسبب التأثر بلغة المستعمر المفروضة بالقوة والعنوة والجبروت، كما هو شأن الرومان الذين جعلوا من اللغة اللاتينية لغة إدارة وسلطة واقتصاد، ووسيلة ضرورية من أجل الترقي في مناصب الدولة.
كما فرض المستعمر المعاصر لغته الأجنبية على دول شمال أفريقيا، منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، باسم الحضارة والتقدم والازدهار والتطوير والتنوير. وقد سعى جادا إلى القضاء على اللغة العربية من جهة، والحد من انتشار اللغة الأمازيغية من جهة أخرى. وهذا ما قامت به فرنسا في الجزائر - مثلا-، حينما استهدفت القضاء على الهوية الأمازيغية المحلية، وطمس معالم الحضارة العربية الإسلامية، بنشر اللغة الفرنسية بين أوساط المجتمع، وتعميمها على مرافق الإدارة ودواليب السلطة والدولة. وينطبق هذا الوضع نفسه على المغرب وتونس معا.
وعلى أي، فقد عرفت منطقة تامازغا تعددية لغوية مختلفة ومتنوعة؛ بسبب الاحتكاك بمجموعة من الأقوام والشعوب والقوميات والعرقيات. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى انفتاح الإنسان الأمازيغي على الآخر الأجنبي من جهة، وتواجده في موقع إستراتيجي غني بالثروات والخيرات والممتلكات، جعله - دائما- عرضة لمجموعة من الغارات العدوانية التي كان غرضها هو نهب خيرات الإنسان الأمازيغي، والاستيلاء على كنوزه التي جاد الله بها عليه.
اللغة الأمازيغية
يعرف البربر باللغة الأمازيغية التي كان يستعملها أهل تامازغا أو سكان شمال أفريقيا، وهي لغة التواصل الشفوي الحي، وهي أيضا أداة للتعبير الكتابي؛ وتستعين بمجموعة من الحروف الأبجدية التي تسمى بتيفيناغ ، وقد وجدت مثبتة على جدران الكهوف والمغارات والجبال، لاسيما في منطقة الطوارق.
وكان أهل البوادي يتحدثون بالأمازيغية أكثر من أهل المدن ، بعد أن احتلت منطقة تامازغا من قبل المحتل الروماني الذي فرض اللغة اللاتينية لغة رسمية على الساكنة، سيما المثقفة منها. وقد استمر أهل تامازغا في التواصل بلغتهم الأمازيغية المحلية إلى يومنا هذا، على الرغم من استمرار مسلسل التعريب الذي كان يهدف إلى إقصاء الأمازيغية بشكل تدريجي وممنهج، وإبعادها عن الساحة الفكرية والثقافية واللسنية والإعلامية، باسم الدين والإيديولوجيا السياسية.
ومن المعلوم أن اللغة البربرية تنقسم " إلى لغة قديمة وهي اللوبية، ولا توجد بها إلا المنقوشات الصخرية؛ وإلى البربرية الوسطى، وهي من القرن الثالث الهجري إلى السابع ، ويوجد بها كتاب(المدونة في الفقه الأباضي) لابن غانم ، ويوجد بها قاموس بربري عربي بجزيرة جربة؛ والبربرية الحديثة، وهو نحو الثلاثين لهجة بين شمالية وجنوبية، يوجد منها بمصر لهجة واحة، هي سيوة المعروفة بواحة عمون ، وهذه اللهجات منتشرة بليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان وجزر الكناري.1"
ومن جهة أخرى، يمكن الحديث - كذلك- عن فروع لغوية أمازيغية ثلاثة :
( الزناتية (تاريفيت): ويتكلم بها سكان منطقة الريف المغربية، وسكان بعض المناطق الأطلسية، والبرابرة الليبيون، والتونسيون، والجزائريون ماعدا منطقة القبائل.
( المصمودية (تشلحيت): يتكلم بها سكان الأطلس الغربي الكبير ومنطقة سوس.
( الصنهاجية ( تامازيغت): يتكلم بها سكان منطقة القبائل، وسكان الأطلس المتوسط، وشرقي الأطلس الكبير، وشرقي الأطلس المتوسط، وناحية ملوية، وطوارق الصحراء2.
هذا، وقد كانت اللغة الأمازيغية أكثر انتشارا في شمال أفريقيا، وقد تكلم بها الليبيون، والجيتوليون، والنوميديون ، والموريون، والبربر ، والأمازيغ... وتعد أبجديتها الخطية، إلى جانب الأبجدية الإثيوبية، أقدم كتابة في تاريخ الإنسانية. وتنتمي الأمازيغية إلى الفصيلة السامية-الحامية، وقد استخدمها السكان في خطبهم المختلفة، ومحادثاتهم اليومية، وقداسهم الديني، وكتابتهم على النقوش والجدران. وعندما فتح العرب المسلمون شمال أفريقية ، وجدوا البربر محافظين على لغتهم؛ والشاهد على ذلك مجموعة من النقوش والصفائح التي رسمت عليها حروف تيفيناغ. وأصبحت الأمازيغية - اليوم- لغة التواصل اليومي في المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، وجنوب مصر، وجزء من أفريقيا السوداء (مالي، والطوارق، والنيجر، وبوركينافاسو...).
هذا، ولقد" نطق بهذه اللغة البربر اللوبيون المعاصرون منذ(35) قرنا.وتحدث بها أهل برقة القدماء الذين عرفهم اليونان بقريني. وهي لغة الجيتوليين والنوميديين والموريتانيين الذين امتزجوا بالقرطاجنيين من القرن التاسع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقد اصطدم بهم الرومان أكثر من اصطدامهم بالقرطاجنيين أنفسهم. وفرض هؤلاء الرومان لغتهم اللاتينية على البربر بواسطة المدرسة والإدارة والكنيسة، ودام سلطان الرومان ثمانية قرون، فلما اضمحل كانت البربرية قائمة، وعرف الرومان هذه اللغة البربرية، وميزوا بينها وبين البونيقية، بل عرفوا أنها تنقسم منذ ذلك العهد إلى عدة لهجات، وحدثونا عما كانوا يلاقونه من مصاعب شائكة في تعلمها ونفورهم من تعاطي دراستها.فقال الكاتب الروماني فلينوس القديم متحدثا عن البربر:" يتعذر على حناجر غير حناجر البربر أن تستطيع النطق بأسماء قبائلهم ومدنهم."
ولما فتح العرب المغرب سنة27ه، وجدوا هذه اللغة البربرية منتشرة في الصحارى والجبال والجزر، وفي المدن والقرى تزاحمها في الساحل الشرقي اللغة البونيقية. أي: اللغة الفينيقية المتأثرة باللهجات والنطوق البربرية."3
هذا، وقد استعملت اللغة البربرية بعد الفتوحات الإسلامية، بين الأوساط الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا، يقول عثمان الكعاك:" وبقيت هذه اللغة بعد الإسلام، وبعد إسلام البربر الذي حسن منذ القرن الأول، وعدلت في الغالب عن الخط اللوبي القديم، وكتبت بالحرف العربي، كتبت به تصانيفها الدينية الإسلامية، وشعرها وحكاياتها ونوادرها.ودرس المسلمون هذه اللغة العجيبة، وصنفوا كتبا في المقارنة بينها وبين العربية والعبرانية.وألفوا معاجم لها وللعربية معا، واعتنى أصحاب المعاجم النباتية من الغافقي إلى ابن الجزار إلى ابن البيطار بإيراد التسميات البربرية للنباتات التي يصفونها.وبقيت هذه اللغة لغة البلاط في الأسر المالكة البربرية من صنهاجيين وحفصيين وحماديين وزناتيين ومرابطين وموحدين، بل كان غيرهم من ملوك المغرب يعرفها، فالمعز لدين الله الفاطمي كان يتكلم بها مع زعماء صنهاجة وكتامة، واستعملها عبد الله الشيعي في دعوته للفاطميين بجبال القبائل وزواوة. كما استعملها المهدي بن تومرت في دعوته بين العروش والعشائر البربرية. وبنى بعض الملوك الحفصيين جامعا، ولم يكتب عليه اسمه، فقيل له في ذلك، فأجاب بالبربرية" يسنت ربي". أي: قد علم الله ذلك. ودخلت مفردات بالبربرية في اللهجات العربية بالمغرب والأندلس وصقلية منها " الكرومة" و" الفكرون" وغيرها.4"
وإبان الاحتلال الأجنبي على شمال أفريقيا، دافع الفرنسيون عن الأمازيغية وشجعوها، وبنوا لها مدارس وثانويات ومعاهد وجامعات، لاسيما بعد صدور الظهير البربري سنة 1930م. بيد أنهم اختاروا الحرف اللاتيني وسيلة للكتابة والبحث والتنقيب، ومنعوا الحرف العربي، وكان غرضهم الأساس من ذلك هو فصل البرابرة عن إخوانهم العرب.
هذا، وقد تضاءلت قيمة اللغة الأمازيغية مع مرور الوقت، وتراجعت مكانتها بين السكان الأمازيغ أنفسهم؛ بسبب مسلسل التعريب الذي نهجته الدولة المغاربية بعد الاستقلال مباشرة، إذ عمدت لجنة التعليم في المغرب - مثلا- إلى سن سياسة المبادئ الأربعة ، وهي: التعميم، والمغربة، والتوحيد، والتعريب. ومن ثم، أصبح التعليم المغربي، من تلك الفترة، خاضعا لهيمنة اللغة العربية، وهيمنة اللغات الأجنبية. لذا، أضحت اللغة الأمازيغية منبوذة سياسيا واجتماعيا ودينيا وثقافيا، ومنع تداولها في مرافق الدولة، كما منع الدفاع عنها ثقافيا أو حضاريا، خاصة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
علاوة على ذلك، فقد تخلت بعض القبائل الأمازيغية عن عاداتها وتقاليدها وأعرافها وحضارتها وثقافتها التي كانت ترتبط باللغة الأمازيغية، فاندمجت في قبائل عربية، فانصهرت فيها جزئيا أو كليا. أضف إلى ذلك، ما يقوم به الإعلام الإذاعي والمرئي من دور كبير في نشر اللغة العربية، وترويج باقي العاميات المتفرعة عن هذه اللغة، دون الاهتمام باللغة الأمازيغية قيد أنملة. ناهيك عن التهميش المقصود الذي مورس ضد الأمازيغية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتاريخيا وحضاريا ونفسيا؛ مما أثر على مستواها التداولي والتواصلي وقيمتها المعرفية. علاوة على ذلك، فقد بقيت اللغة الأمازيغية حكرا على الأجداد، دون الأبناء والأحفاد الذين تخلوا عن هذه اللغة بالتدريج لصالح اللغة العربية أو لصالح اللغات الأجنبية المنافسة الأخرى؛ بسبب هجرة الساكنة الأمازيغية نحو الضفة الأخرى. بالإضافة إلى طابعها الشفوي الذي كان عاملا من عوامل ضياع إرث حضاري أمازيغي كبير في مختلف العلوم والمعارف والفنون.
ولايعني هذا أن مسلسل التعريب حديث العهد ، فقد مورس منذ القديم، مع تأسيس أول دولة مغربية هي الدولة الأدارسة، فتطور مسلسل التعريب مع باقي الدول المغاربية إلى يومنا هذا، فقد كانت سلطة الدولة تقوم على النسب الشريف، والدفاع عن الدين الإسلامي، وحماية اللغة العربية، ووحدة الأمة.
وعلى الرغم من التضييق الذي تعانيه اللغة الأمازيغية، فإنها لغة تواصلية حية .وفي هذا الإطار، يقول محمد شفيق:" والواقع أن اللغة الأمازيغية لاتزال حية، محافظة على كيانها الذاتي الذي لايتجلى بوضوح تام وبكل عناصره إلا لمن كلف نفسه قليلا من الاهتمام باللهجات وما بينها من التداخل والتكامل، منحها وجهة التماس العوامل الموحدة، لاوجهة التماس العوامل المفرقة بينها، كما كان يفعل عدد من الباحثين الفرنسيين.واللغة الأمازيغية، في وضعها الحالي.أي: بصفتها لغة حية يتخاطب بها الناس، في تلقائية وعفوية، قابلة للانتعاش والنمو والازدهار، لاسيما أن لها نظاما اشتقاقيا مرنا جدا، يتفاعل فيه الاشتقاق الأصغر والاشتقاق الأكبر مع النحت والتركيب المزجي تفاعلا يضاعف إمكانات الخلق المعجمي اليسير المنال.وبدراسة هذا النظام في تفاصيله، سيتمكن الخبراء من فك ألغاز النقوش القديمة التي استغلق أمرها عليهم حتى الآن، ومن تسليط بعض الأضواء على خفايا تاريخ أفريقية الشمالية."5
والآن، لقد انتعشت اللغة الأمازيغية نسبيا ، واستفادت كثيرا من الدعم الرسمي والسياسي والجماهيري والمؤسساتي، إذ شكل خطاب 20غشت1994م منعطفا سياسيا نوعيا في تعامل السلطة مع اللغة الأمازيغية. فقد اعترف المغفور له الحسن الثاني بضرورة تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية ، إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى. لكن ذلك الطموح لم يتحقق فعليا إلا بعد خطاب أجدير في 30 يوليوز سنة 2001م، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 17أكتوبر2001م، وميلاد الكونغرس العالمي الأمازيغي سنة 1995م، وانطلاق تعليم الأمازيغية في الموسم الدراسي 2003-2004م، و تأسيس القناة الأمازيغية الثامنة سنة 2008م، ودسترة اللغة الأمازيغية بشكل رسمي، إلى جانب اللغة العربية، مع خطاب 09مارس2011م . علاوة على تأسيس مسالك وشعب ووحدات دراسية جامعية في مادة الأمازيغية في كل من: أكادير، والرباط، ووجدة، وتطوان، وفاس،ومكناس...إضافة إلى توفير عدد من المناصب المالية لتأهيل أطر الابتدائي في اللغة الأمازيغية، في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بكل من: أكادير، ومكناس، والناظور.
اللغة المصرية القديمة
كان الأمازيغيون- قديما- يتحدثون لغة قريبة من اللهجة المصرية القديمة أو لغة الأسر الفرعونية، لاسيما أن الليبيين كانوا قريبين من دلتا النيل، بل كانوا يغيرون على المصريين، ويغنمون من فينة إلى أخرى، وقد دارت بينهم معارك كثيرة حامية الوطيس، كان ينتصر فيها الليبيون تارة، والمصريون تارة أخرى. وأكثر من هذا، فقد وصل شيشنيق الليبي إلى سدة الحكم ، فحكم الدولة المصرية الفرعونية الثانية والعشرين. وماكان هذا الملك ليتحقق له إلا بتمكنه من اللغة المصرية القديمة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عباس الجراري:" وقد كانت هذه الشعوب تتحدث بلهجات مختلفة تقترب جميعها من اللهجة المصرية القديمة، تنحدر مثلها من أصل واحد هو اللغات الكوشية أو الحامية، وتمت بنسب للغات السامية.كلما كانت هذه الشعوب تعرف الكتابة ، وتتخذ لها حروف الهجاء الليبية التي لاتزال- هي نفسها أو شبيهة بها- معروفة في الجنوب عند الطوارق وتدعى : التيفيناغ."6
وربما تكون الأمازيغية متفرعة عن اللغة المصرية القديمة أو اللغة القبطية؛ لوجود كثير من مظاهر التشابه على مستوى الكتابة والدوال اللغوية ، خاصة أن اللغتين معا( المصرية والبربرية) تنتميان معا إلى الفصيلة الحامية .والحاميون هم المصريون والبربر وسكان أفريقيا الشرقية. وفي هذا السياق، يقول عثمان الكعاك في كتابه (البربر):" لعل المصريين أقدم من روى لنا أخبار البربر، والأمر مفهوم، فإن من النظريات الرائجة توجد النظرية الحامية التي تقول: إن البربر من الحاميين، وهؤلاء الحاميون هم المصريون الفرعونيون والحبشة والصومال والسودانيون، فالبربر والمصريون أبناء أعمام، فلا غرابة أن يكون المصريون قد اعتنوا بدرس أحوال البربر ، ولو بمنتهى الإيجاز.
ونحن نجد في النقوش المرسومة على معالم المصريين من مصاطب وأهرام ومسلات، وفي الوثائق المصرية المكتوبة على البردي، نجد فيها جميعا معلومات عن القبائل البربرية المعاصرة للفراعنة ، ولاسيما من كانت منها متاخمة لمصر وبلاد برقة على الخصوص، وهذه الوثائق المنقوشة أو المكتوبة تسمى ناحومو أو ربو ومنها لوبو الذي هو الاسم القديم المطلق على البربر، ومن كلمة لوبو جاءت لوبيا التي حرفت إلى ليبيا، تسميهم أيضا " لشبط" ، ومنها جاء اسم القبلية البربرية (اشبوستاي) عند اليونانيين، وسمتهم أيضا (بقن) و(مشوش) إلى غير ذلك، ولم تقف هذه الوثائق عند حد ذكر أسماء القبائل، بل تعدت ذلك إلى دراسة الخصائص البشرية والعادات والأخلاق، وما يتعلق بحضارة البربر بوجه عام..."7
وهكذا، يتبين لنا بأن البرابرة قد استعملوا اللغة المصرية في تواصلهم الحي، لاسيما سكان ليبيا الذين كانوا مجاورين للمصريين.
اللغة الفينيقية أو البونيقية
استقر الفينيقيون في شمال أفريقيا، وبالضبط في مدينة قرطاج، منذ منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد، واستمروا فيها زهاء ألف عام، وأسسوا حضارة مزدهرة تسمى بالحضارة القرطاجنية، وكان اقتصادهم مبنيا على المال، والفلاحة8 ، والصناعة، والتجارة، والملاحة 9، وبناء الموانئ على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.بيد أن مكانة قرطاجنة السياسية والعسكرية قد تضاءلت بشكل تدريجي؛ بفعل الحروب البونيقية الطويلة التي خاضتها ضد الرومان من ناحية، وضد الأمازيغ من ناحية أخرى. فترتب عن ذلك أن استنزفت هذه المعارك الشرسة خزينة الدولة، وأضعفت قواها الإنتاجية والاقتصادية، وأثر ذلك سلبا على اقتدارها العسكري.
بيد أن الأمازيغ قد استفادوا كثيرا من الحضارة القرطاجنية، إذ تمثلوا لغتها وثقافتها المتنورة في تلك الفترة بالذات. وفي هذا النطاق، يقول عباس الجراري:" وليس من شك في أنه كان لمثل هذه النهضة أكبر الأثر على نشر اللغة والتقاليد وكثير من مظاهر الثقافة والحضارة الفينيقية في البلاد البربرية، وهي مظاهر شرقية، ومصرية ، وإغريقية في الغالب."10
هذا، وقد كانت الفينيقية لغة سائدة في شمال أفريقيا بين سكان البربر، "وربما ساعد على انتشار مثل هذه المظاهر الحضارية والثقافية في بلاد البربر أن الفينيقيين كانوا مستوطنين، ولم يكونوا مستعمرين، يضاف إلى ذلك ما يوجد بينهم كعرب كنعانيين وبين البربر كعرب حميريين من تقارب وتشابه، خاصة في نطاق اللغة.ولقد بلغ من انتشارها أن القديس البربري أوغستان ذكر أنها في أيامه-أي في القرن الرابع للميلاد- كانت منتشرة في البوادي المغربية، كما أكد المؤرخ البيزنطي بروكوب (Procope) أنها كانت متداولة في القرن السادس.ولاشك أن مثل هذه الظاهرة تسجل في عهود قريبة من الفتح الإسلامي ، تضاف إلى التشابه الموجود بين العربية والفينيقية لتؤكد مدى السهولة التي وجد البربر في تعلمهم للغة القرآن."11
وقد حاول الرومان القضاء على اللغة الفينيقية، بالقضاء على حضارتهم، وتدمير قرطاجنة عاصمة الفينيقيين.لكن الأمازيغ حافظوا على تلك اللغة التي أضحت لغة تواصلية يومية.ومن ثم، " يؤكد التاريخ أن الرومان حاولوا القضاء على اللغة والتقاليد الفينيقية، لدرجة أنهم دمروا مدينة قرطاجنة ومكتبتها العظيمة، وحاولوا من أجل محو الثقافة الفينيقية أن ينشئوا مدارس لتعليم اللغة اللاتينية، ولكن البربر ظلوا محتفظين باللغة الفينيقية، وبلغاتهم المحلية القديمة.."12
علاوة على ذلك، فقد كانت اللغة الفينيقية هي لغة الثقافة والفن وتأليف الكتب بين أوساط البربر. وفي هذا النطاق، يقول عثمان الكعاك:"وانتشرت الحضارة البونيقية، وعمت الثقافة البونيقية البربر حتى إنهم لما أسسوا ممالك مستقلة كانت إحدى اللغتين الرسميتين هي اللغة البونيقية وبها ألف البربر تصانيفهم، ولم يكن بربري مثقف لايعرف اللغة البونيقية حتى إن الرومان لما انتصروا على البونيقيين، وأخذوا قرطاجنة، انتزعوا ما يوجد في المكتبات من الكتب البونيقية، ووزعوها على البربر."13
وإذا كانت الطبقات الشعبية الأمازيغية قد تشبثت باللغة الفينيقية، وتمسكت بدياناتها وعاداتها وتقاليدها، فإن الطبقة الأرستقراطية قد انساقت وراء الحضارة الرومانية واللغة اللاتينية رغبة في خدمة مصالحها الخاصة والعامة.وفي هذا، يقول عباس الجراري:" على أن هذا لا ينفي أن الرومان أثروا على طبقة معينة من البربر ذات مصالح، هي الطبقة الأرستقراطية التي كانت تختلف إلى مدارسهم، وتتسمى بأسمائهم، وتتكلم اللغة اللاتينية، وتعبد الآلهة الرومانية، مثل: مارس، وهرمس، وسيريس، وباخوس، واسكولاب، وايزيس، وأوزريريس، ومترا.أما الطبقات الشعبية، فقد ظلت تقدس الآلهة الفينيقية، وإن أخفتها تحت ستار أسماء جديدة. فبعل حمون كان يعبد تحت اسم كيلتيس، فضلا عن أن تلك الطبقات حافظت على آلهتها البربرية المحلية، كما كورتا، ويونا، وماكورفوس، وماتيلا، وفيهينا، وبونشور، وفارسيسيما."14
وهكذا، يتبين لنا بأن الأمازيغ قد استخدموا اللغة البونيقية في تخاطبهم اليومي ، وفي تأليف كتبهم الإبداعية والأكاديمية، واستعملها الملوك الأمازيغ - كذلك- في مراسلاتهم السياسية، كما هو حال صيفاقس.
اللغة اليونانية
لم تكن اللغة اليونانية منتشرة في شمال أفريقيا بشكل كبير، كما انتشرت اللغة الفينيقية واللاتينية والعربية، بل اقتصرت تلك اللغة على مجموعة من المثقفين الكبار، أمثال: القديس أوغستان، وأبوليوس ، ويوبا الثاني...ويعني هذا أن اللغة اليونانية هي لغة الطبقة المثقفة العالية. فأبوليوس - مثلا- يشير ، في روايته (الحمار الذهبي)، إلى اعتماده على مجموعة من النصوص والمستنسخات السردية اليونانية. وقد تأثر ترينيوس آفر كثيرا بالمسرح اليوناني ، سواء أكان تراجيديا أم كوميديا.
هذا، وقد كان يوبا الثاني يتقن لغات عدة ، مثل: اللغة اليونانية، واللغة اللاتينية ، واللغة البونيقية، ولغته الأمازيغية المحلية التي كان يتواصل بها مع فئات شعبه. بيد أن اللغة اليونانية كانت هي المفضلة لديه؛ بسبب ثقافته الموسوعية التي كانت تفرض عليه ممارسة هذه اللغة. علاوة أنها اللغة الرسمية التي فرضتها زوجته كليوباترا سليني. وفي هذا، يقول جيروم كركوبينو:" وإذا كان الملك لم يقرر اتخاذ اللغة الإغريقية رسميا، كما فعلت الملكة كليوباترا سليني ، فإنها كانت بالتأكيد هي لغته المفضلة .لقد تعلمها بروما، إذ حسب العادة آنذاك فإنه نال تربية هيلينية ورومانية، وفي بلاطه كان الحديث في الأكثر يجري بالإغريقية.15"
ويعني هذا أن يوبا الثاني كان يثقف نفسه باليونانية، ويتحدث بها في مجالس العلم والفن والأدب، ويكتب بها جل مؤلفاته . وعليه، فقد كان يوبا الثاني - حسب شارل أندري حوليان- في كتابه(تاريخ شمال أفريقيا):" يحسن اليونانية واللاتينية والبونيقية، وكان في تآليفه آخذا من كل شيء بطرف ، فلم يبق علم واحد غريبا عنه، وكان في إمكانه أن يكتب في كل موضوع بفضل مكتبته الثرية ونساخه الذين لا يعرفون التعب .غير أن تآليفه لم تبق بعده ، ولعله من المؤسف أن يكون كتاب ليبيكا قد ضاع، إذ ربما وجدنا في كتاباته عرضا لبعض المعلومات عن التقاليد المحلية."16
أضف إلى ذلك، فقد جمع يوبا الثاني حوله مجموعة من المثقفين اليونانيين، وكثيرا من الأطر الكبار. وفي هذا الصدد، يقول أكصيل:" بعد قرطاجة، فشرشال هي الموقع الذي أعطى أكثر النقوش الإغريقية بشمال أفريقيا، وأكثرها راجع للعهد الروماني، وغيرها لايمكن التأريخ له. ولكن اثنتين منها على الأقل قد وقع نقشهما قبل استيلاء الإمبراطورية...فقد كان يوبا يفضل إحاطة نفسه برجال من أصل هليني: كالطبيب أوفرب والممثل ليونتيوس..وسكرتارين يساعدونه في تهيئة كتاباته، ومهندسين ومثالين وفنانين آخرين، وقع استدعاؤهم للعمل في العمارات التي كان يزين بها عاصمته..."17
وبناء على ماسبق، فقد كان يوبا الثاني رمزا للثقافة اليونانية في منطقة تامازغا. وفي هذا الصدد، يقول الباحث المغربي محمد بوكبوط:" لعله من المفيد الإشارة إلى شخصية هذا الملك المتميزة، فعلاوة على أصله النوميدي الأمازيغي، وتربيته الرومانية، فهو بونيقي بما ورثه مع قومه من حضارة قرطاج، وإغريقي بثقافته وذوقه الفني، ومصري بزواجه من ابنة كليوباترة ملكة مصر، كل هذه الجوانب روعيت بدون شك من طرف الإمبراطور عند اختيار يوبا لاعتلاء عرش موريطانيا.".18
ولايعني هذا أن اليونانية مقتصرة فقط على الملوك والمثقفين الأمازيغ الكبار، فقد انتشرت في معظم مدن المغرب الكبير، خاصة في مدينة قرطاج.ومن هنا، فقد" تجاوزت الثقافة الهيلينية العاصمة قرطاج لتعم مدنا أفريقية (ليبية) كثيرة، خصوصا منها عواصم المملك الأمازيغية التي احتضن بعضها فلاسفة من أصل قرطاجني. فقد أشار بعض المؤرخين إلى أسماء فلاسفة فيثاغوريين ، وأفلاطونيين ورواقيين من أمثال: كزينوقراط، وهيريلوس، والأكاديمي صدر بعل.
ولم تخل النقوش البونيقية من أسماء أطباء يونان.
كان للثقافة الهيلينية - إذن- نفوذها القوي في حواضر الممالك الأمازيغية : فسيفاقص ملك نوميديا الغربية، ومع أنه تأثر إلى حد ما بتقاليد اليونان السياسية...كانت لغة الحياة اليومية والتخاطب في مملكته هي الأمازيغية.وكانت لغة المكتوبات الرسمية هي الفينيقية، وكانت لغة الثقافة هي اليونانية."1
وعليه، فقد تعلم الأمازيغ اللغة اليونانية تعلما جيدا، واستعملوها لغة للمثاقفة وتبادل المعارف والعلوم والآداب والفنون.
اللغة اللاتينية
من الطبيعي أن يفرض المحتل الروماني لغته اللاتينية على الشعوب المغلوبة التي استعمرها، كما فعل مع الشعب الأمازيغي بالذات، حينما سيطر على معظم ربوع شمال أفريقيا، ففرض عليه حضارته وثقافته ولغته الرسمية. أضف إلى ذلك أن اللغة اللاتينية كانت لغة الإدارة والترقي في المناصب العليا، والحصول على الوظيفة لدى الحكومة الرومانية.كما أنها لغة العلم والثقافة والدين المسيحي في مختلف مدن تامازغا وبواديها، وهي اللغة الوحيدة التي تؤهل الطالب الأمازيغي إلى متابعة دراساته العليا في روما. وفي هذا، يقول عباس الجراري:" وعلى الرغم من استعداد المغاربة لتقبل فكرة الوحدانية، فإنهم لم يميلوا كثيرا للمسيحية التي لم تنتشر إلا عند النخبة المتعلمة في المدارس الرومانية، حيث كان التعليم يهدف إلى تكوين الأطر لتسيير الإدارة المحلية باللغة اللاتينية.وكانت مناهجه تقتضي تدرج التلميذ من تعلم القراءة والكتابة والحساب إلى النحو والآداب والموسيقا والعروض والفلسفة والفلك والرياضيات.وينتقل بعد ذلك إلى مدارس أعلى كانت تؤسس في أهم المدن، وفيها يتعلم الشعر والخطابة وما يتطلبان من بلاغة وجدل وارتجال، وقد ينتقل بعد ذلك إلى روما أو غيرها من مدن الدولة المركزية لتنمية معارفه أو تولي بعض المناصب."2
وثمة مجموعة من المثقفين الأمازيغ المتميزين الذين تعلموا اللاتينية، وجعلوها لغة للتعبير والكتابة والتداول والخطابة والتأليف، منهم: القديس أوغستان، وتيرنيوس آفر، وأبوليوس، ويوبا الثاني، ودوناتوس، وبرمانيوس، وتيكونيوس، وترتوليانوس، ومينوسيوس فيليكس، وقبريانوس، ولكتانسيوس، وباتيليانوس، وقودانسيوس، وكرنتوس، وفروس، وفرونتيوس...
وفي هذا الإطار، يقول عثمان الكعاك:" استولى الرومان على عامة الديار المغربية من سنة146ق.م إلى سنة 698ق.م ، وترومنت البلاد في مؤسساتها وأجهزتها الحكومية والاجتماعية والاقتصادية ومظاهرها اللغوية والثقافية ، وأقبل البربر على تعلم اللغة الرومانية محادثة وكتابة، والتبحر في الخطابة والبلاغة والآداب اللاتينية؛ بفضل ما وجد في البلاد المغربية من مدارس ابتدائية وثانوية.وعلى الخصوص بفضل جامعة قرطاجنة الكبرى والإرساليات الطلابية التي كانت تذهب إلى معاهد رومة للكرع من مناهلها العلمية.وتخرج من البربر الكاتبين باللاتينية مئات من الشعراء والخطباء والأدباء والعلماء والأطباء والمحامين.
فلاشك أنه تخرج منهم أيضا مؤرخون وطنيون محليون كانوا أعرف من الرومان بتاريخ البلاد وأخبار العباد."3
ويعتبر يوبا الثاني من أكثر المثقفين الأمازيغ اهتماما باللغات والفيلولوجيا التاريخية والاشتقاقية، فكان يبحث في مصادر اللغة اللاتينية، ويرجع كلماتها إلى أصولها اليونانية اعتمادا على الاشتقاق. وقد تحامل عليه المؤرخ الفرنسي ستيفان أگصيل كثيرا في كتابه( تاريخ شمال أفريقيا القديم) بقوله:" وله غرام شديد بالدراسات اللغوية ( فقه اللغة/ الفيلولوجيا)، وكان مقتنعا أن اللاتينية كانت من قبل هي الإغريقية، ولكن اعتراها شيئا فشيئا التحريف بسبب اختلاطها باللغة الإيطالية، فكان هو يجتهد في الكشف عن الأصول الإغريقية للعديد من الألفاظ اللاتينية، الأمر الذي دفع به ليقول حماقات ربما كانت أكثر مما قالها غيره ممن يتمسكون بهذا الرأي الواهي. وكان يحب جمع الألفاظ الآتية أو التي قيل إنها أتت من اللغات الأجنبية، مثل لهجات الهند، وبلاد العرب وآسيا الصغرى، وأثيوبيا. ويحتمل أن يكون پلين Pline نقل عنه الألفاظ المستعملة عند سكان شمال أفريقيا."4
ويعني هذا كله بأن الأمازيغ قد تملكوا ناصية اللغة اللاتينية، فاستخدموها في الكتابة والتخاطب من جهة، والحصول على الوظائف العليا في الإدارة الرومانية من جهة أخرى.
اللغة العبرية
كانت اللغة العبرية منتشرة في أوساط اليهود الذين استقروا بأعداد هائلة في شمال أفريقيا، خاصة بعد أن طردوا من الشام على يد نبوخذ نصر البابلي ما بين 586و587ق.م. ولم تكن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي يتقنونها، بل كانوا يتكلمون ، منذ تواجدهم فوق رقعة تامازغا، اللغة اليونانية، واللغة المصرية القديمة، واللغة الأمازيغية، واللغة اللاتينية، ثم تكلموا بلغة المسلمين الفاتحين، إضافة إلى لغة الأتراك ولغة المستعمر الأجنبي الحديث، سواء أكانت لغة فرنسية أم إنجليزية أم إيطالية أم إسبانية.
هذا، ويقول عباس الجراري:" ويتضح من الكتابات التي عثر عليها في وليلي أنه حتى سنة 655 كانت توجد في المغرب جالية لاتينية مسيحية.في حين، كانت قلة من البربر هي التي تدين بالمسيحية أو اليهودية، بل إن التاريخ يتحدث عن آثار للمسيحية في القرن الثامن للميلاد بمنطقة نفيس عند سفح الأطلس الكبير حيث كانت لاتزال تعيش جالية منتسبة لهذا الدين الذي لايعرف متى دخل إلى المغرب، وإن كان معروفا أن مدينة طنجة كانت أكثر مدن المغرب آثارا تشهد له بماض بعيد فيه.
أما اليهودية، فقد كانت وبقيت موجودة في نطاق ضيق، وهي لاشك دخلت إلى المغرب في ركاب بعض الهجرات التي وفدت من الشرق في القديم، مما يدل على أنها كانت منتشرة قبل المسيحية.وفي هذا رد لاشك على من افترض بدافع محاربة المسلمين من جهة، وبدافع إثبات لاوثنيتهم حتى لا يحاربهم المسلمون."5
هذا، وقد كان اليهود متواجدين ، بكثرة وكثافة، في شمال أفريقيا ، خاصة في المغرب وتونس، يسكنون في ملاحات خاصة بهم، إلا أن الكثير منهم قد هاجروا إلى إسرائيل بين سنتي1947و1948م ؛ لتعمير دولة إسرائيل6. وقد تمكن اليهود المعاصرون من اللغتين العربية والأمازيغية إلى جانب لغات المستعمر. وفي هذا الصدد، يقول كاتب يهودي:" كان بودي أن أكتفي بالقول- كاستهلال لهذه المقالة- أنا يهودي، وأن يكون التعبير باللغة العربية لإعفائها من كل تبريرات مصطنعة، لأن اللغة العربية وأختها اللهجة البربرية هما روح ثقافة المغرب ومحتواها7."
ولا نقصد بهذا الكلام اليهود فقط، بل أيضا الأمازيغ اليهود الذين آمنوا بالعقيدة الموسوية ، وتمثلوا تعاليم التوراة، وتحدثوا العبرية التوراتية القديمة المفارقة للعبرية الحديثة التي وضعها إليعازر بن يهودا بين عامي1911و1922م. وفي هذا الصدد، يقول أحمد شحلان:" في كتابه(مجمع البحرين):" اللغة العبرية هي التي كتبت بها التوراة الموجودة بين أيدي الناس اليوم، ويعود تاريخها إلى حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد.وهي واحدة من أسرة اللغات العروبية التي تنتسب إليها اللغة الأكادية والفينيقية والآرامية والسريانية والحبشية والعربية...وعليه، فإن اللغة العبرية في المغرب كانت لغة دين وطقوس وتعبد، وبهذه الصفة ارتبطت بالتعليم والمعرفة ، ولم تكن لغة كلام دارج إلا في حدود ضيقة جدا، انحصرت بين الأحبار ومريديهم في سياق الدرس والتحصيل أو في التواصل مع يهودي أجنبي عن المغرب."8
ويعني هذا أن البرابرة اليهود قد استخدموا العبرية القديمة في مجال التداول الثقافي والتربوي. وفي هذا يقول ميلود التوري:" واضح-إذن- أن استعمال اللغة العبرية ببلاد المغرب، منذ عهد الفينيقيين، كان مرتبطا بالعقيدة والدرس، ولا يستبعد - في إطار التفاعل اللغوي/الديني- أن تكون قبائل أمازيغية قد تعرفت على اللغة العبرية، خصوصا وأن منها ما اختار التوحيد بدل الوثنية في عصور ماقبل المسيحية.واستمر العمل بها حتى عصر الرومان، إذ كان رجال الدين على علم بها، كما يحكي ذلك القديس أوغسطين أسقف المدينة النوميدية هيبون9 قائلا بأن" أحد أساقفة هيبون السابقين والمسمى فاليريوس سمع يوما فلاحين من الأهالي يتناقشون، فدارت بينهم كلمة سالوس البونيقية، فسألهم عن معناها، فأجابوه بأنها تعني: ثلاثة.فاستدعت في ذهنه كلمة سالوت الواردة في التوراة بالمعنى نفسه الذي تحمله كلمة (Trinite) اللاتينية .أي: ثالوث بالعربية.10"
وهكذا، يتضح لنا بأن اليهود، سواء أكانوا يهودا حقيقيين أم أمازيغ متهودين، قد استعملوا العبرية التوراتية القديمة والعبرية الحديثة على حد سواء، في تواصلهم اليومي والثقافي.
اللغة العربية
لم يتخذ الأمازيغ اللغة العربية لغة للتداول والتواصل والكتابة إلا بعد الفتوحات الإسلامية التي دخلت شمال أفريقيا لتثبيت أركان الإسلام، ونشر اللغة العربية وعلومها وآدابها وفنونها.لذا، فقد ألفينا الكثير من المثقفين والعلماء الأمازيغ يقبلون على تعلم اللغة العربية في المدن والبوادي، بغية تملك ناصيتها البيانية، واستيعاب قواعدها النحوية والصرفية. بل لقد تفوق فيها كثير من البلغاء والفصحاء البرابرة، مثل: طارق بن زياد الذي ألقى خطبة مشهورة في فتح الأندلس، أثارت نقاشا كبيرا بين مجموعة من دارسي الأدب وباحثيه، متسائلين عن مدى فصاحة الأمازيغ، واقتدارهم على إنشاء مثل هذه الخطب البليغة بيانا ولسانا.
وهناك كذلك مجموعة من المثقفين الأمازيغ الذين ساهموا في إثراء الحضارة الإسلامية بكتاباتهم العديدة والمتميزة، وقد استخدموا في ذلك اللغة العربية، كما هو حال كل من: ابن خلدون، وأبي الحسن الشاذلي الغماري، وابن عبد الله الجزولي، وأبي العباس بن العريف الصنهاجي، وأبي يعزى، ووجاج، وعبد الله بن ياسين، ومحمد بن تومرت، وابن أبي زيد القيرواني، والإمام المكودي، وابن عرفة الورغمي، وابن مرزوق العجيسي، وأبي العباس أحمد البرنوصي المعروف باسم زروق، وأبي العباس أحمد الونشريسي، وأحمد بابا الصنهاجي، وعيسى بن عبد العزيز يللبخت الجزولي، وأبي الحسن بن معطي الزواوي، وأبي حيان الغرناطي البربري، وأبي عبد الله بن أجروم الصنهاجي، وعكرمة البربري، وابن منظور الأفريقي، والبيذق، والفشتالي، والعبدري الحيحي، وأبي سالم العياشي، وأكنسوس، وابن عذارى، والجزنائي، وابن غازي الكتامي، والأفراني، والزياني، وابن بطوطة،...
ويرى محمد شفيق أن البرابرة كانوا متفوقين في التأليف العلمي الموضوعي أكثر من التأليف الإبداعي؛ بسبب صعوبة الاسترسال باللغة العربية سليقة وفطرة وسجية. وفي هذا، يقول الباحث:" لكن إسهام البربر في قرض الشعر-العربي- وفي الأدب الإنشائي بصفة عامة، لم يكن ذا وزن كبير بالقياس إلى إنتاج المشارقة، وحتى بالقياس إلى إنتاج العرب والأندلسيين، لامن حيث الحجم والكم، ولا من حيث الجودة والكيف بصورة أخص.ونرى السبب في ذلك هو أن جماهير الأمازيغيين كانوا لايعرفون اللغة العربية، وأن من قدر لهم أن يتعلموها كانوا في أغلبيتهم لاينشئون على الحديث بها على سليقة؛ بل كانوا يجنحون في حياتهم اليومية العادية إلى التخاطب باللغة التي رضعوها مع اللبان، وهي الأمازيغية، ولذا برعوا في صناعة الكتابة مادام عملهم يهدف إلى التحليل والاستدلال والاستنباط، كما هو الشأن في الرحلة والتاريخ.ولم يأتوا بطريف فيما هو إنشاء توليفي صرف، لا في النثر الفني ولا في الشعر...وكل من تألق نجمهم شيئا ما في سماء الشعر العربي، من البربر، قد نشأوا في بيئة لغوية عربية أو قديمة العهد بالاستعراب، كسابق البربري المشرقي النشأة، وابن الزقاق البولوكيني الأندلسي المولد والنشيئة...أما الأغلبية من الأمازيغيين الذين تعاطوا القريض، وهم منغمسون في مجتمعهم المغاربي المطبوع بالبربرة، فلم يفعلوا عن فيض خاطر، ولكن عن إرادة و"سبق إصرار"؛ ذلك شأن كبير منهم، حتى كبار الفقهاء والكتاب المفكرون من أمثال أبي علي الحسن اليوسي ومحمد المختار السوسي.ولذا، يمكن القول: إن " النبوغ المغربي في الأدب العربي" انحصر طوال العصور في ماهو انتفاعي ، ولم يتجل بوضوح لا في شعر رفيع ولا في نثر فني من الطراز الأعلى.والسبب في ذلك هو بطء حركة الاستعراب الجماهيري."11
ومن جهة أخرى، هناك مثقفون أمازيغ استعانوا بالخط العربي في كتابة بحوثهم الأمازيغية .وفي هذا الصدد، يقول أحمد بوكوس:" أما عن المرحلة الإسلامية، فإن المؤرخين، وخصوصا منهم مؤلفي الحوليات والسير، يتحدثون عن عدد غير يسير من المراجع المكتوبة باللسان الأمازيغي، منها الأدبيات الدينية للخوارج والبورغواطيين والموحدين ولكن جلها اندثر. لم نعد نحتفظ منها سوى ببعض أسماء الأعلام البشرية وأعلام الأمكنة وبعض الجمل المتناثرة. وحتى أشعار سيدي حمو الطالب التي قد تساعد على استقراء السمات العامة لأمازيغية القرن الثامن عشر لم يصل إلينا بعضها إلا عبر الرواية الشفوية. وهكذا، فإن من أقدم المؤلفات الموضوعة بالأمازيغية هي من إنجاز الفقهاء من أمثال أزناگ وأوزال. ولعل من أشهر هذه المؤلفات كتابي الفقيه محمد ؤعلي أوزال (الهوزالي). أي: كتاب الحوض وكتاب بحر الدموع، أولهما يتناول قواعد الفقه وفق المذهب المالكي، وثانيهما في قضايا التصوف. لقد ألفا في القرن الثامن عشر بلسان تاشلحيت، ودونا بالحرف العربي. والجدير بالذكر أن لغة هذه النصوص لاتختلف في شيء عن الأمازيغية الحديثة من حيث صرفها ومعجمها وتركيبها."12
وعليه، فقد انساق الأمازيغ وراء تعلم اللغة العربية لأسباب دينية محضة؛ باعتبارها لغة القرآن والسنة، ولغة الحضارة العربية الإسلامية، ولغة الترقي في المناصب الإدارية والدينية والعلمية.
اللغة التركية
وصل العثمانيون إلى شمال أفريقيا في القرن السادس عشر الميلادي، مع الأخوين عروج وخضر حيدر الدين برباروس، للوقوف في وجه الهيمنة الإسبانية في حوض البحر الأبيض المتوسط من جهة، والسيطرة على ليبيا وتونس والجزائر من جهة أخرى. وقد تركت الدولة العثمانية بصماتها الثقافية والحضارية الواضحة والجلية في منطقة تامازغا، على مستوى الفقه والقانون والفنون والحياة العامة.
كما تأثر السكان المحليون باللغة التركية، خاصة رجال الأعمال والكتّاب في تونس. وترتب عن ذلك أن ظهرت انقسامات لغوية بين مدافع عن اللغة العربية، ومدافع عن اللغة الأمازيغية، ومدافع عن اللغة التركية، لاسيما في تونس التي فضلت فيها اللغة العربية على اللغة الأمازيغية بشكل كبير.
ومازالت آثار اللغة التركية بارزة في بعض مفردات المعاجم اللغوية التي يستعملها الأمازيغي في كل من : ليبيا، وتونس، والجزائر.
اللغة الإيطالية
من المعلوم أن ليبيا تعرضت للاستعمار الإيطالي من1911م إلى غاية 1950م. فمن الطبيعي أن تتأثر لهجاتها بلغة المستعمر على مستوى المفردات والتعابير والتراكيب والمصطلحات...ويعني هذا أن اللغة الليبية هي لغة فصيحة، ولم تتأثر بباقي الألسن الأخرى، ماعدا اللغة الإيطالية التي أمدتها بكثير من الألفاظ والدوال اللسانية. وقد كان الشعب الليبي يتكلم الإيطالية بسهولة، قبل أن يتحول إلى العربية، فالإنجليزية.
وعليه، فثمة مجموعة من الكلمات والمفردات الإيطالية التي تستعمل في ليبيا، مثل: فرينو مانو (مكبح السيارة)، وبيلو(جميل)، وسكالا(سلم)، وزنقا(شارع ضيق)، وكوتشينا(المطبخ)،وبالو(مصباح)، وانصوله (غطاه)، وصالا (وسط المنزل)، وتشاو(وداعا)، وبالاكونة(شرفة المنزل) ، ومرتشاييدي (الرصيف)، وانديترو(إلى الوراء)، وتيستا(رأس)، وكرافيتا( شوكة الأكل)، ودومان (مقبض القيادة)، وبونكينا( دكة الاحتياط)، وتريبونا( أماكن الجماهير)، وكوما (عاجلة)...
ويبين لنا هذا كله بأن تأثير اللغة الإيطالية على اللهجات الليبية المحلية مازال واضحا وجليا على مستوى القاموس اللسني واللغوي.
اللغة الفرنسية
لا أحد ينكر مدى التأثير الذي تركته اللغة الفرنسية على الأمازيغية واللغة العربية معا في بلدان شمال أفريقيا ، خاصة تونس والجزائر والمغرب. فمازال القبائليون في الجزائر يتحدثون باللغة الفرنسية إلى جانب اللغة الأمازيغية، بل إن لغتهم الأمازيغية هي خليط من الفرنسية واللغة العربية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى انصهار أمازيغ الجزائر في المجتمع الفرنسي منذ 1830م، إلى أن أصبحوا مستلبين لغة وهوية وحضارة.بل هناك من الكتاب الجزائريين الأمازيغ الذين استعملوا اللغة الأمازيغية في كتاباتهم الأدبية والفنية والعلمية، غير قادرين على استعمال اللغة العربية؛ بسبب طول فترة الاندماج في الكينونة الاستعمارية الفرنسية التي دامت أكثر من قرن وثلاثين سنة.أي: من 1830إلى 1962م.
ومن أهم الكتاب الأمازيغ المغاربيين الذين وظفوا اللغة الفرنسية للتعبير عن همومهم الذاتية والموضوعية نذكر: ميلود معمري، ومحمد خير الدين، وآسيا جبار، ومولود فرعون...
وهناك الكثير من الدارسين الأمازيغ، في مختلف المعارف والآداب والفنون والعلوم، قد اختاروا اللغة الفرنسية أداة لكتابة بحوثهم ومقالاتهم ودراساتهم الأكاديمية، أمثال: أحمد بوكوس، وعبد الله بونفور، ومحمد الشامي، وسالم شكير، وحسن بنعقية، وعبد السلام خلفي، وآخرين كثيرين.
اللغة الإسبانية
كان للغة الإسبانية تأثير كبير على اللغة الأمازيغية بمنطقة الريف من المغرب الأقصى، خاصة أن إسبانيا استعمرت هذه المنطقة منذ1912م، ولم تنسحب منها إلا في 1956م. في حين، ظلت مليلية وسبتة محتلتين إلى يومنا هذا منذ فترة زمنية طويلة جدا، تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي. ويتجلى التأثير الإسباني واضحا في الجوانب الصوتية والمعجمية والتركيبية.
فعلى المستوى الصوتي، يمكن الحديث عن فونيم الپاء/P/ الذي يحضر بكثرة في التداول الأمازيغي الحي، حينما ننطق مجموعة من الكلمات الإسبانية :الموز ( (Platano، والكرة (Pelota)، وبابا (Papa)...
ومن حيث المعجم، تتضمن اللغة الأمازيغية الريفية عددا هائلا من المفردات المعجمية التي تنتمي إلى القاموس الإسباني، مثل:
الكتاب (Libro)، وكيلو (kilo)، والحرب(Guerra)، والمطبخ(Cocina)، والسينما (Ciné)، والخمر(Vino)،والصالة (Sala)...
ويعبر هذا عن مدى انفتاح الإنسان الريفي على الحضارة الإسبانية وثقافتها ولغتها .
لغات المهجر
تأثر كثير من الأمازيغ المهاجرين، منذ استقلال بلدان تامازغا، بمجموعة من لغات المهجر أو لغات البلدان المستضيفة ، خاصة الذين هاجروا إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، فتمثلوا اللغة الألمانية، واللغة الهولندية، واللغة الفرنسية، واللغة الإنجليزية، واللغة الإسبانية، واللغة الإيطالية،... فانصهروا في مجتمعات هذه البلدان، وتأثروا كثيرا بعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وحضارتهم وثقافتهم، بل هناك من تجنس بجنسية هذا البلد المستضيف، أو حصل على جنسية مزدوجة، أو كانت لديه جنسيات كثيرة...بل هناك بعض المثقفين الأمازيغ من تفوق في هذه اللغات على أقرانهم الأجانب، فحصلوا على جوائز كثيرة في مجالات مختلفة ، سواء أكانت علمية أم أدبية أم فنية.
الخاتمة:
وخلاصة القول، يتضح لنا، مما سبق ذكره، بأن الإنسان الأمازيغي كان يتقن مجموعة من اللغات ، مثل: اللغة اليونانية، واللغة البونيقية، واللغة العبرية، واللغة اللاتينية، واللغة الأمازيغية، واللغة العربية، واللغة التركية، واللغات الأجنبية المعاصرة . ومن ثم، فقد اكتسب بعض هذه اللغات عن حب وطواعية واحتكاك ثقافي ، وينطبق هذا على اللغة اليونانية، واللغة الفينيقية، واللغة العبرية، واللغة العربية، واللغة التركية...
في حين، فرضت عليه لغات أخرى بقوة السلاح والحديد، كما هو حال اللغة اللاتينية الأم، وما تفرع عنها من لغات أوروبية حديثة، كالفرنسية، والإسبانية، والإيطالية.
وعلى العموم، يدل هذا كله على أن المنظومة اللغوية، عند الإنسان الأمازيغي، مرنة ومتعددة ومتسعة ومنفتحة وكثيرة الأنساق اللغوية واللسانية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل ، بشكل جلي وواضح، على مدى انفتاح الإنسان الأمازيغي على باقي الشعوب والإثنيات التي كانت تقيم حول ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط .
هوامش:
1 - ميلود التوري: الأمازيغية والفينيقية - وبينهما العبرية واليونانية-، مطبعة رباط نيت، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:105.
2 - عباس الجراري: نفسه، ص:26.
3 - عثمان الكعاك: نفسه، ص:35.
4 - ستيفان أگصيل: نفسه، ص: 220-221.
5 - عباس الجراري: نفسه، ص:36-37..
6 - محمد كنبيب: يهود المغرب(1912-1948م)، ترجمة: إدريس بنسعيد، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية، 2010م.
7 - أبو بكر الصديق الشريف: اليهود المغاربة، أسئلة التطبيع وجدلية أهل الذمة، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2004م، ص:68.
8 - أحمد شحلان: مجمع البحرين - من الفينيقية إلى العربية، دار أبي رقراق، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:285 وما بعدها
9 - يقصد بهيبون مدينة عنابة بالجزائر.
10 - ميلود التوري: نفسه، ص:108.
11 - محمد شفيق: نفسه، ص:84-85.
12 - أحمد بوكوس: نفسه،ص:37.
1 - عثمان الكعاك: نفسه، ص:100-101.
2 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:16.
33 - عثمان الكعاك: نفسه، ص:92-93.
4 - عثمان الكعاك: نفسه، ص:93-94.
5 - محمد شفيق: نفسه، ص:60.
6 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:16.
7 -عثمان الكعاك: نفسه، ص:10.
8 - ألف ماغون كتاب الفلاحة.
9 - تدل رحلة حانون على اهتمامهم الكبير بالملاحة البحرية.
10 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:23.
11 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:24-25.
12 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:25-26.
13 - عثمان الكعاك: نفسه، ص:12.
14 - د.عباس الجراري : نفسه، ص:26.
15 - جيروم كركوبينو: نفسه، ص:257.
16 - شارل أندري جوليان: نفسه، ص:173.
17 - جيروم كركوبينو: نفسه، ص:257.
18 - محمد بوكبوط: نفسه، ص:45.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.