بينما تحولت الحكومة في الآونة الأخيرة إلى خلية أزمة لتقديم الإسعافات الضرورية للاقتصاد الفرنسي الذي تتهدده مخاطر حقيقية بسبب ثقل الديون وضعف الاستهلاك، شهدت الميزانية المخصصة لقطاع الإعلام التابع لقصر الإليزيه ارتفاعا ملموسا على الرغم من التدابير التقشفية الجديدة التي شملت كافة القطاعات. وقد اختار الرئيس فرانسوا هولاند أن يؤسس له هذه السنة قاعدة جديدة في مجال الإعلام تقوم على الاستفادة من كل أدوات التواصل بدءا من الصحافة المكتوبة إلى الإعلام السمعي البصري مرورا بالإعلانات والجداريات والإنترنيت واستطلاعات الرأي وغيرها من الآليات التي يعتبرها أساسية في تلميع صورته التي انهارت لدى الفرنسيين. ولم يكن يتوقع أن تتأرجح ردود فعل الشارع الفرنسي بين الاستياء والتذمر لدى إطلاعه أول أمس على الميزانية العامة المخصصة لقطاع الإعلام التابع لقصر الإليزيه والتي تجاوزت عشرة ملايين أورو، دون احتساب النفقات المحسوبة على مصلحة الإعلام التابعة لرئاسة الحكومة (حوالي 21 مليون أورو) والمخصصة لضمان الخدمة بعد البيع للإصلاحات التي تباشرها الحكومة تحت إشراف الرئيس هولاند. وتتساءل بعض الأوساط فيما لم يكن في ميل الرئيس إلى تسليط شعاع إعلامي كثيف على شخصيته، أثر عكسي على الرأي العام الذي جعله المسئول الوحيد عن حالة الركود الاقتصادي. أما الإعلاميون، فلا يختلفون في كون هولاند هو أكثر الرؤساء ميلا لتوظيف الإعلام من أجل تلميع صورته. فقد اعتمد كثيرا على التلفزيون في حملته الانتخابية الرئاسية، وأنشأ له أنصاره محطّة تلفزيونية خاصة به تعرف ب "هولاند تي في"، وهو موقع إلكتروني يحتوي على أبرز محطّات حياة هولاند السياسية وخطاباته وحلقات ظهوره على التلفزيون فضلا عن مجموعة من الفيديوكليبات التي تمجد إنجازاته. ويفيد تحقيق إعلامي نشرته صحيفة "لوباريزيان" بأن غلاف النفقات المخصصة لتلميع صورة هولاند بلغ سنة 2015 ما مجموعه عشرة ملايين أورو. وقد عبأ القصر الرئاسي فريقا مكونا من 51 شخصا استنزف مبلغ 960 ألف أورو، فيما بلغ حجم الاستثمار الإعلامي وخاصة في الأنترنيت ( 870 ألف أورو)، والأجور (3.878.000)، والتنقلات (935 ألف) واستطلاعات الرأي (مليون و980 ألف أورو) والاشتراك في الصحف (300 ألف). ويضم قسم الأنترنيت التابع للإليزيه فريقا مكونا من سبعة موظفين يعملون تحت إشراف نيكولا برينسان، خريج المعهد العالي للتواصل. وتطلب الموقع الإلكتروني للإليزيه أزيد من 500 ألف أورو مقابل 256 ألف أورو سنة 2014. ويعود سبب الزيادة إلى إحداث نظام جديد للموقع (100 ألف أورو) وتمويل جزء من موقع حاشية الرئيس (80 ألف أورو). أما مصلحة الإعلام بفروعها الثلاثة (أنترنيت، صحافة مكتوبة، صحافة سمعية بصرية)، والمكونة من 15 شخصا من بينهم خمسة مستشارين يتولون تنظيم تنقلات الرئيس في الداخل والخارج والتواصل مع الصحفيين، فيشرف عليها فرانك لوفريي، وهو أقدم مساعد إعلامي للسيد هولاند. ويتقاضى كل واحد من هؤلاء راتبا صافيا يقدر ب 4500 أورو شهريا. وتنحصر الأقلام الرئاسية في شخصين رئيسيين : كبير المستشارين في مجلس الحسابات، ومحرر الخطب السياسية العامة للرئيس، ويتقاضى على ذلك نحو 18620 أورو، ثم ماري دو غانت، أستاذة لمادة الأدب المقارن بجامعة بوردو، وتقوم بتحرير التدخلات الرئاسية القصيرة. وتتقاضى فضلا عن راتبها بوزارة التربية، تعويضا من طرف الكتابة العامة للإليزيه بمبلغ 4000 أورو. وتضم مصلحة استطلاعات الرأي مستشارين يعملان بخلية "استراتيجية واستطلاعات"، ويقدمان يوميا مذكرة تحليلية لقصر الإليزيه المرتبط أيضا بعقدة مع مكتبين مختصين، واحد يملكه بيير جياكوميتي، المدير العام السابق لمعهد إيبسوس الشهير، ويتقاضى شهريا 43500 أورو، والثاني لصاحبه باتريك بويسون، مالك قناة "التاريخ" الذي يكتفي بملغ 10000 أورو شهريا. وقد استنزفت استطلاعات الرأي وحدها سنة 2014 ما قيمته 2،1 مليون أورو مقابل 3،2 مليون يورو سنة 2013. أما مصلحة الإعلام السمعي البصري، فتُشغّل 24 شخصا معظمهم من العسكريين. وتكمن مهمة هذه المصلحة التي تضم مصورين ومهندسين مختصين في الإنارة والمونتاج والصوت، في تغطية جميع أنشطة الرئيس وتنقلاته الداخلية والخارجية. ويجب الإشارة من جهة أخرى إلى أن الصحافة المكتوبة انتعشت نسبيا مع تولي هولاند السلطة وحبه الظهور في غير ما مناسبة. فهي لا تمانع في التعرض لكل صغيرة وكبيرة في حياته بل وتعطي الأولوية للأخبار المتعلقة بحياته الخاصة على حساب أحداث سياسية واجتماعية قد تكون أكثر أهمية بالنسبة للفرنسيين، وفي ذلك استفادة كبيرة لها. والمعروف عن الرئيس هولاند أنه يقيم شبكة علاقاته صداقات قوية وكثيرة مع كبار مديري ومالكي وسائل الإعلام الفرنسية من بينهم صديقه أرنو لغاردر، رجل الأعمال المعروف بتربعه على مملكة حقيقية من وسائل الإعلام المختلفة: (باري ماتش، أوربا 1 ، لومند، جورنال دو ديمانش، هاشيت..)، وفنسان بولوغي الذي يملك أهم عناوين الصحافة المجانية في فرنسا، وأيضا برنار أرنو مالك جريدة "لتربون" الاقتصادية، بالإضافة إلى صداقات أخرى قوية تربطه بمسئولي قنوات ورؤساء تحرير يعملون في القطاع الحكومي.