في الظرف الذي تستبد فيه المخاوف بمراكز الرأسمال العالمي من جراء تبعات الأزمة المالية و تداعياتها اللاجمة لشهية الاستثمار , يبدو أن القارة السوداء و منطقة المغرب العربي توفر ثلاث سنوات فضاء خصبا و مغريا بجذب الاستثمارات الخليجية الضخمة الناتجة عن سيولة نقدية فائضة وفرتها عائدات النفط خلال فترة إشتعال سعر البرميل في بورصات الذهب الأسود . الحكومات و قوى الاقتصاد الفاعلة بمنطقة شمال إفريقيا تنبهت منذ بداية الألفية الجديدة الى " كنز مغارة علي بابا الخليجية " و دخلت منذئذ في حرب ضروس للاستحواذ على حصة الأسد من الاستثمارات الخليجية و إغراء رؤوس الشركات الخليجية الرائدة بفرص المضاربة المتوفرة بالمنطقة . وتفيد التقديرات الاحصائية أن دول المغرب العربي تشكل المنطقة التي استقطبت أكبر حصة من الاستثمارات الخليجية بافريقيا خلال سنة 2008 , والى غاية تاريخ حديث ظل المغرب الذي كان من أوائل بلدان المنطقة التي نهجت سياسة الانفتاح الاقتصادي و تحرير المبادلات يستقطب حوالي 80 في المائة من الرساميل العربية المهاجرة و خاصة منها الاماراتية و الكويتية . و يتكهن خبراء اقتصاديون أن القارة الافريقية ستجذب خلال السنة الجارية ما لا يقل عن 150 مليار دولار من الاستثمارات الخليجية الهاربة من مناطق المخاطر التقليدية الناتجة عن تداعيات الأزمة المالية العاصفة بأمريكا و أوروبا . وتعد دول المغرب العربي و خاصة المغرب و تونس و الجزائر التي تراقب الوضع باهتمام منذ فترة مخططاتها لإغواء المستثمرين الخليجيين و حتما حينما يتعلق الأمر بموقف تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية بالمسؤوليات السياسية تبرز حتمية الاستعداد لحرب باردة ضروس لاقناع رؤساء الشركات الخليجية الضخمة الذين يضطلعون في نفس الوقت بمسؤوليات حكومية نافذة بإماراتهم بشبه الجزيرة العربية ، بجدوى اختيار بلد دون الآخر لضخ ملايير الدولارات المتأتية عن الطفرة البترولية الملجومة . و تتجاذب مراكز القرار بكل من الرباط و تونس و الجزائر الآفاق الواعدة لرؤوس الأموال الاماراتية و القطرية و الكويتية , و تسعى كل منها الى توفير خلفيات الدعم السياسي لتفويت فرص الاستثمار المتاحة للمنافسين الآخرين بما يشبه سباقا اقتصاديا شرسا للعب دور النمر الاقتصادي الجديد بمنطقة شمال إفريقيا التي يتوقع الخبراء الاقتصاديون أنه سيتموقع بالمنطقة . و إذا كان المغرب يراهن على منطقة جبل طارق التي تشكل منطقة عبور إقتصادي بحري رائد بالعالم باستحواذها على 20 في المائة من حركة العبور البحرية العالمية و بحجم 30 مليون حاوية سنويا , و برمج مشروع المحطة البحرية الضخمة لطنجة للتحكم في جزء من هذا الرواج البحري المتصاعد فإن تونس و الجزائر خاصة تستعدان من الآن لمواجهة احتمالات المنافسة الشرسة التي تطرحها المنشأة المغربية الرائدة بالبحث عن السبل الكفيلة لتشييد محطات منافسة على طول الساحل المتوسط الجنوبي و هو ما سيحيل استراتيجية حرب جذب الاستثمارات الأجنبية الى فصول أكثر حدة و منافسة خلال العشرية المقبلة .