كانت تسوية وضعية المهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة من أبرز ما ميز الساحة السياسية على مدار سنة2008 ، حيث تمحور النقاش حول مدى أولوية تسوية وضعية هؤلاء، والجهة المخولة بإجراء هذه التسوية، باعتبارها إشكاليات حقيقية. وبقيت القضية عالقة إلى حدود الآن، ما أثار الاستياء وردود أفعال متضاربة لدى الطبقة السياسية البلجيكية. ورغم كل شيء، كانت الحكومات البلجيكية المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة قد وعدت جميعها بوضع معايير واضحة لتسوية أوضاع المهاجرين، لكن هذه الوعود لم يتم الالتزام بها في ما يخص مصير100 ألف مهاجر غير شرعي ببلجيكا. وفي مقابل ذلك قامت الدولة بعمليات ترحيل لأشخاص مقيمين بصفة غير قانونية، وارتفعت الميزانية المرصودة لهذه الغاية سنة2008 إلى أزيد من6 ملايين ونصف المليون أورو. وفي ما يخص المهاجرين، هناك سخط عام ترجمته الإضرابات المتتالية عن الطعام، والاعتصام بأماكن تابعة للجامعات والكنائس والمنشآت العمومية، فضلا عن تنظيم العديد من الوقفات والتجمعات. هذا في الوقت الذي ترفض فيه الحكومة البلجيكية، التي لديها أولوياتها المتعلقة خصوصا بالأزمة السياسية وتداعيات الأزمة المالية العالمية، فكرة تسوية وضعية المهاجرين «تحت الضغط». ورغم اعترافها بالطابع المعقد لهذه القضية، فإنها تفضل حلا شاملا يكون منسجما مع القوانين الأوروبية المنظمة للهجرة، والتي لن تدخل حيز التنفيذ قبل2009 . وعوض التوصل إلى اتفاق شامل بهذا الخصوص، تم إصدار مذكرة وزارية ترتكز مبادئها الأساسية على «الهجرة المنتقاة». وهي المذكرة التي كانت محط انتقاد من قبل نواب الأغلبية أنفسهم، ورجال القانون، وأيضا بعض أعضاء الحكومة. وتضع المذكرة كشروط مسبقة، على الخصوص، وبناء على نظام تنقيط، ضرورة إتقان لغة البلد المضيف وحصول الشخص المقيم بصفة غير قانونية على عمل. ومنذ سنة2000 ، لم تلجأ بلجيكا إلى تسوية وضعية المهاجرين على نطاق واسع، وذلك على غرار ما قامت به عدد من البلدان الأوروبية. وبما أن هذا البلد، الذي يضم 10 ملايين نسمة ينحدر أغلبها في الأصل من جنسيات مختلفة وثقافات متنوعة، عضو في الاتحاد الأوروبي فلا يسعه إلا التجاوب مع القوانين الأوروبية المنظمة للهجرة كما أكدها مؤخرا الميثاق الأوروبي الجديد حول الهجرة واللجوء. ويشدد الميثاق الأوروبي، الذي قدمته الرئاسة الفرنسية في يوليوز الماضي أمام البرلمان الأوروبي، على الحاجيات الاقتصادية وقدرات الاستقبال في أوروبا، كما يدعو إلى تنظيم عملية الهجرة الشرعية. وبالنسبة لواضعي هذا الميثاق، لا ينبغي إطلاقا لأوروبا أن تشكل «معبرا» انتقائيا كما لا ينبغي لها في ذات الوقت أن تصير «حصنا». وفي هذا الإطار تشكل «البطاقة الزرقاء»، المستوحاة من «البطاقة الخضراء» المعتمدة في الولاياتالمتحدة، صيغة جديدة تمكن من تسهيل استقطاب المهاجرين ذوي الكفاءة العالية وإقصاء الهجرة «غير الملائمة». وبناء على هذه المعادلة، كان الوزير الأول البلجيكي إيف لوترم قد أكد للصحافة، في شتنبر الماضي، أن الاتفاق حول سياسة الهجرة واللجوء في بلجيكا، قد يتم «خلال الشهور القادمة بتوافق مع السياسة الأوروبية المشتركة». وتعزيزا لما سبق، أوضحت الوزيرة المكلفة بسياسة الهجرة واللجوء أنيمي تورتلبوم، صاحبة المذكرة الوزارية السالفة الذكر، في شهر غشت الماضي أنها ليست مع «»الأبواب المفتوحة»، جاعلة بذلك في المقام الثاني الاعتبارات الإنسانية والاستقرار الدائم للمهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة، والذين لديهم أبناء ولدوا داخل بلجيكا. وتلجأ الوزارة في كل مرة إلى تغيير معايير اختيار المهاجرين لتكون أكثر «انتقائية». وإذا كان الهدف من وراء ذلك هو تفادي التجاوزات، فإنه لا يساهم بحال من الأحوال في تسوية وضعية المهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة، والتي تبقى أوضاعهم هشة ومأساوية. وبخصوص نظام التنقيط، الذي تقترحه الوزارة المكلفة بالهجرة فإنه يستلزم أن يحصل المهاجر على ما مجموعه70 نقطة لكي تتم تسوية وضعيته. وإذا تمكن مثلا من الحصول على عمل سيحظى ب40 نقطة، و10 نقاط بالنسبة لكل طفل متمدرس... ويرى العديد من الخبراء، أن هذا النظام المبالغ فيه يتضمن شروطا غير قابلة للتحقيق. وبالرغم من ذلك، فقد أبرزت دراسة أجرتها اللجنة الأوروبية الجوانب الإيجابية للهجرة. فمن المنتظر أن تكون أوروبا، التي تعاني من شيخوخة ساكنتها ومعدل ضعيف للخصوبة، في حاجة بحلول2050 إلى ما يناهز56 مليون عامل من المهاجرين. وفي انتظار أن يتم تفعيل توصيات هذه الدراسة، فإن الوضع في بلجيكا يظل كما هو عليه. وداخل الاتحاد الأوروبي، حيث يعيش ما بين5 ،4 و8 ملايين مهاجر غير شرعي، لا تزال رخصة عمل خاصة تدعى «البطاقة الزرقاء» في مرحلة المخاض.