تعتبر السينما الكندية من التجارب السينمائية العريقة و الفريدة من نوعها والطامحة باستمرار على مستوى الدولة والمبدعين لإثبات وجودها وهويتها وتميزها، وقد تمكن بعض سينمائييها من التألق عالميا من بينهم على سبيل المثال دافيد كروننبيرغ، وأطوم إيغويان ، و نورمان ماكلارين وجاسون رايتمان وجامس كاميرون، نورمان جويسون، بروس ماكدونالد و دون ماكيلار وغيرهم من الذين مازالوا يتألقون. سيمكن مهرجان مراكش متتبعيه ومحبيه من عشاق الفن السابع، المغاربة والأجانب، من اكتشاف أو إعادة مشاهدة نخبة من أجود أفلامهم (31 فيلم) و اكتشاف جمالية هذه السينما وإبداعاتها الفكرية والثقافية و الفنية ، و قد سبق لفيلم "أ.ح.م.ق " للمخرج الكندي جون مارك فالي أن فاز بجائزة لجنة التحكيم بهذا المهرجان في دورته الخامسة سنة 2005، و سيتم بمناسبة هذا التكريم استضافة وفدا مهما من الممثلين والمخرجين و المهنيين السينمائيين الكنديين الذين يعتبرون اليوم أفضل مثال عن حيوية هذه السينما و تطورها المتواصل. إسمان بارزان و لامعان ساهما بعطاءاتهما الجيدة في تألق و تميز السينما الكندية على الصعيد العالمي ، و يتعلق الأمر بالمخرجين المقتدرين دافيد كروننبيرغ و أطوم إيغويان. ولد و درس دافيد كروننبيرغ بمدينة طورونطو ، و موازاة مع دراسة الأدب بالجامعة قام بإنجاز في سنتي 1969 و 1970 فيلمين وثائقيين قصيرين حول تجارب علمية متخيلة في المستقبل، و قد اعتبرا عملين طلائعيين بشكلهما و مضمونهما، و اختار بعد ذلك أن ينجز أفلاما تجارية للجماهير العريضة ، و هي أفلام تجمع بين الخيال العلمي و البشاعة و السخرية من العالم المعاصر من بينها أفلام "رعشات" (1975) ، "سعار" (1977) ، "مصحة الرعب" و "سكانير" (1981) و "فيديودروم" 1883) التي جعلته يصبح مخرجا لامعا في أعين النقاد و المهنيين ليس في كندا فحسب، بل في الولاياتالمتحدةالأمريكية و في أوروبا أيضا. تطرقت أفلامه أيضا إلى قضايا ميتافيزيقية و إلى علاقة الجسد بالروح و قضايا الأخلاق في علاقة مع التطورات التكنولوجية و العلمية في حياتنا العصرية. قام كروننبيرغ بإخراج فيلمين من إنتاج أمريكي أثبتا نجاحه الباهر في الأفلام التجارية و يتعلق الأمر بفيلمي "المنطقة القاتلة" (1983) و "الذبابة" (1986) ، و كانت بعض أفلامه مأخوذة عن بعض الروايات أو المسرحيات أو إعادة لأفلام سابقة تمت معالجتها بطريقة أخرى من أشهرها فيلمي "باترفلاي" (1993) و "طريقة خطيرة" المأخوذين عن مسرحيتين مختلفتين ، و فيلم "كراش" (1996) المأخوذ عن إحدى الروايات و الذي فاز به بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" لتفرده و جرأته مما دفع ببعض البلدان إلى منع عرضه في قاعاتها. سيبقى وفيا لأسلوب و مواضيع أفلامه المرتبطان بالخيال العلمي المستقبلي الممزوجة بالمؤثرات السمعية البصرية الخاصة و هو ما يلاحظ في فيلمه "سبايدر" (2002)، كما سيستعمل أسلوب قطاع الطرق في فيلمي "قصة عنف" (2005) الذي سيعرض خلال هذه الدورة، و "وعود الظل" (2007) و "كوسموبوليس" (2012) الذي سيعرض هة أيضا في هذه الدورة. تمكن هذا المخرج من الفوز في بلده عدة مرات بجائزة "جيني" و أصبح بذلك أفضل مخرج في كندا التي فاز فيها كذلك بالعديد من الجوائز المختلفة ، و تم ترشيح أفلامه عدة مرات للفوز بجوائز الأوسكار و بجوائز أخرى في مهرجانات دولية مختلفة. تعامل كروننبيرغ مع التلفزيون الكندي و أنجز عدة أعمال من أشهرها السلسلة التلفزيونية "كريم أغانست ناتور" ، و سبق له أن اشتغل كممثل في فيلم "كابال" للمخرج كليف باركير سنة 1990. كل هذا جعل الحكومة الفرنسية تمنحه وسام "فارس الفنون و الأدب" سنة 1991 ، كما ما زالت العديد من الخزانات السينمائية تنظم حصصا لعض أهم أفلامه، كما أن العديد من الإكسسوارات التي كان يستعملها تعرض في مختلف المتاحف بطوكيو و برشلونة و رييو دي جانيرو و باريس و بمدينة طورونطو أيضا. السينمائي الثاني الذي ساهم في تألق السينما الكندية هو المخرج و السيناريست و المثقف أطوم إيغويان الذي ولد بالقاهرة و ينتمي إلى أسرة أرمينية استقر مبكرا رفقتها في مدينة فيكتوريا بكلومبيا البريطانية قبل الإنتقال إلى مدبنة "طورونطو" للتخصص في دراسة العلاقات الدولية بالجامعة ، و كان بموازاة مع ذلك يمارس المسرح الجامعي ككاتب للدراما قبل أن ينتقل إلى كتابة و إخراج أفلامه التي كان يتناول فيها في البداية بعض القضايا التي أثرت فيه شخصيا ، و هي قضايا وجد فيها العديد من المشاهدين أنفسهم داخل كندا و خارجها من بينها فيلمه الأول "نيكسنت أوف كين" (1984) الذي عرض في إطار العرض ما قبل الأول في المهرجان الدولي للفيلم بطورانطو. ثلاث سنوات بعد ذلك تمكن من الفوز بفيلمه "فاميلي فييوتين" بجائزة أحسن فيلم في نفس هذا المهرجان و أصبح إسمه يفرض نفسه في الميدان السينمائي داخل كندا و خارجها و أصبحت أفلامه تعرض أيضا في حفل افتتاح مهرجان "كان" الفرنسي من بينها فيلمي "الأدوار الناطقة" (1989) و "الخبير الكئيب" (1991)، كما تم اختيار فيلمه "إكزوتيكا" (1994) للمشاركة في المسابقة الرسمية لهذا المهرجان ، و أصبح هذا الفيلم الكندي الإنجليزي أكثر توزيع في مختلف أنحاء العالم ، و أصبحت لهذا المخرج الشاب شهرة عالمية تنافس شهرة مواطنه و أستاذه المخرج المقتدر "دافيد كروننبيرغ" الذي يكبره سنا بثلاثة عشرة سنة و الذي أثر في أسلوب أعماله السينمائية كثيرا . ستتأكد كفاءة السينمائي أطوم إيغوان" على الصعيد العالمي بفيلمه "الأيام الموالية الجميلة" (1997) المأخوذ عن إحدى الروايات الأمريكية و الذي نال رضى النقاد و حقق نجاحا تجاريا و سيعرض خلال هذه الدورة إلى جانب أحدث أفلامه "تذكر" (2015)، و قد سبق له أن فاز به بمختلف الجوائز داخل كندا و عرض في مهرجان "كان" و رشح لنيل جائزتي الأوسكار سنة 1998، و يبقى فيلمه "سفر فيليسيا" (1999) المأخوذ عن رواية لكاتب إرلندي هو أول فيلم صوره خارج كندا و أول فيلم لم يتم إنتاجه ماديا بكيفية مستقلة، و تجدر الإشارة إلى أن هذا المخرج هو الذي يترأس الوفد الندي السينمائي الذي تم الاحتفاء به أول أمس خلال حفل التكريم الذي خصص هذه السنة للسينما الكندية. تشتهر السينما الكندية بمهرجانيها السينمائيين بمونؤيال و بطورونط: و سبق لها سنة 2004 أن فازت بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي بواسطة فيلم "الغزوات البربرية" للمخرج دونيس أركاند ، و سبق لمخرجها ميشيل برول أن فاز سنة 1974 بجائزة الإخراج في مهرجان "كان" عن فيلمه "الأوامر".