وقف الوزير في البرلمان يقرأ من ورقة أمامه، بصعوبة، يتهجى الكلمات ويخطئ في نطق بعضها. هذا المنظر الذي شاهده المواطنون على شاشة التليفزيون، يحزن القلب، ويثير في النفس الألم والشجن، ويدفعنا إلى التساؤل: ألم يتعلم هذا الوزير اللغة العربية في مساره التعليمي الأولي؟. أم يا ترى أنه اضطر، بحكم المنصب الذي يتولاه للمرة الثانية، إلى أن يجلس على مقعد الدرس ليتعلم العربية على عجل حتى ينقذ نفسه، فلم يتيسر له أن يتعلم شيئاً؟. أم أنه تعلم فعلاً في صباه الباكر، ثم جرفته صروف الدهر والاهتمامات التي انشغل بها حتى نسي دروسه الأولى وانقطعت أسبابه باللغة العربية؟. أم أنه أكره على قراءة النص المكتوب باللغة العربية الموضوع أمامه، إكراهاً، فهو لا يملك فكاكاً منه؟. أم أنه كان متردداً إلى آخر لحظة، بين أن يقرأ النص الفرنسي وبين أن يقرأ النص العربي، فاضطرته ضغوط العمل وضرورة التعجيل بالوقوف أمام البرلمان، إلى أن يركب الصعب ويقع في المحظور؟. تلك أسئلة كثيرة تصبّ في خانة واحدة، هي الجهل المعيب باللغة العربية الذي ظهر به الوزير المسؤول عن تعليم أبناء المغاربة، فكانت المهزلة التي ليست بعدها مهزلة، وكانت الفضيحة التي لا تضاهيها فضيحة، وكان كشف المستور، فظهرت الحقيقة واضحة ساطعة، وهي أن وزيراً في الحكومة المغربية لا يعرف كيف يقرأ قراءة واضحة وصحيحة وسلسة نصاً مكتوباً باللغة العربية. ثم يأتي هذا الوزير، فيصرح بأن مدرسي اللغة الفرنسية في بلادنا لا يعرفون الفرنسية بالقدر المطلوب، وبأن اللغة العربية في المدارس ضعيفة بحيث لا يصح أن تكون لغة التدريس للمواد العلمية، وبأن التعليم في المغرب يمر بوضع لا يليق بنا فعلاً. وهنا صدق الوزير، فالتعليم في بلادنا لا يليق بنا، والشاهد هو أن وزيراً في الحكومة لا يعرف كيف يقرأ باللغة العربية. فهل هذا يليق بنا؟. لا يا سادة، هناك أكثر من دليل على فشل هذا الوزير، وعلى أنه ليس في المستوى المطلوب، لأن فيه نقصاً معيباً، هو جهله للغة العربية. فكيف يستقيم أمر التعليم في المغرب وهو موضوع بين يدي وزير لا يعرف اللغة العربية؟. ستظل مسألة إصلاح التعليم في بلادنا مستعصية على المعالجة السوية والشاملة، ما دام أمثال هذا الوزير يتقلدون مسؤولية هذا الإصلاح. وما دام أعداء اللغة العربية والمحتقرون لها والمسيئون إليها والمتآمرون عليها، يمارسون ضغوطهم ويصنعون ما يريدون في غفلة من الحكومة التي وضع الدستور بين يدها صلاحيات واسعة يدخل ضمنها إصلاح المنظومة التعليمية، فلا فائدة ترجى من هذه المشاريع الإصلاحية. فهل من المعقول أن يكون وزير التعليم يغرد خارج السرب، وكأنه فوق الحكومة، أو أنه ليس عضواً فيها؟.