مرة أخرى أبانت مصالح الاستعلامات المغربية عن علو كعبها في ترصد و إفشال المشاريع الإرهابية التي تحولت إلى صناعة عابرة للقارات . المعلومات الواردة من باريس تفيد بأن المعطيات التي وفرتها أجهزة الأمن المغربية كانت حاسمة في الوصول الى العقل المدبر لهجمات باريس و إفشال مخططات جديدة لزرع الرعب و الموت في شوارع العاصمة الفرنسية عبر مداهمة شقة بالضاحية الشمالية لباريس كانت تأوي مجموعة من الجهاديين في طور التحضير لمشاريع إرهابية جديدة . كفاءة و سمعة الاستخبارات المغربية و التي كانت في عدة أوقات و مناسبات موضوع تنويه و إشادة من طرف رجال دولة بارزين بالعديد من الحكومات الأوربية تجد تفسيراتها في إستراتيجية المملكة طويلة المدى التي تستهدف جذور العنف والإرهاب عبر الواجهات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والدينية يوازيها مجهود مضني و شاق و طويل النفس لتطوير المقاربات و المبادرات المستدامة للتنسيق و التعبئة من أجل احتواء الأخطار المستقبلية بموقع جغرافي منفتح ينطوي على العديد من التحديات و الاكراهات .و قريبا من جوار يعج بالاضطرابات الاجتماعية و الاقتصادية و يشكل فضاء خصبا لتناسل الجماعات المتطرفة و تدفق التهديدات الأمنية المختلفة الأوجه . مباشرة بعد أحداث 11 شتنبر 2001 الإرهابية بنيويورك , وجد المغرب نفسه في قلب تهديد امني عالمي جديد يرتدي حلة التطرف و ينوع أهدافه و تقنياته التخريبية لذلك بادر إلى إعادة هيكلة مصالحه الأمنية و الاستخباراتية بغرض التموقع بفعالية ضمن حملة عالمية لمحاصرة فلول القاعدة و مخططاتها . اندمجت الرباط بثقة كبيرة في التحالف العالمي للتصدي للإرهاب و استحقت بذلك مبكرا صفة الشريك الاستراتيجي لواشنطن في الحرب التي قادتها ضد بن لادن و أتباعه المنتشرين بشتى بقاع المعمور . نهاية شتنبر من نفس السنة ستوقع المملكة على الاتفاقية الدولية لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب و ستتألق مصالحها الأمنية في كشف الخلية النائمة لتنظيم القاعدة التي كانت تخطط لتنفيذ هجمات ضد مصالح وأهداف أميركية في مضيق جبل طارق و اعتقال السلطات المغربية لأعضائها القادمين من أفغانستان في اتجاه المغرب في إطار مهمة تستهدف الهجوم على سفن حربية أميركية وبريطانية بالمضيق . هذا الانجاز الإقليمي الواعد سيتوج الرباط بتقرير لمصالح البيت الأبيض على رأس دول المنطقة التي سجلت محليا أعلى درجات اليقظة الأمنية لتتبع أية ملامح أو مظاهر أو معطيات لها صلة بالإرهاب، داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تشكل ميدانا رئيسيا لنموه. في 16 ماي 2003 سيضرب الإرهاب بقوة عبر خمسة مواقع بالعاصمة الاقتصادية للمملكة من طرف 12 انتحاريا متطرفا مما أسفر عن مقتل 45 شخصا و جرح العشرات . مباشرة بعد الحادث سيدرك المغاربة أن الحقل الديني لا بد له من إعادة هيكلة للوقوف في وجه التيارات الإسلامية العنيفة وذلك لتحصين المجتمع وفئاته الشابة من تأثيراتها, ليتم موازاة مع المساطر القضائية و التحقيقات الأمنية الشروع في مشروع ديني "إصلاحي" ضخم، اصطلح عليه رسميا بمشروع "إعادة هيكلة الحقل الديني" بهدف الحفاظ على مقومات الهوية الدينية المغربية المتمثلة في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف على طريقة الجنيد السالك؛ ثم احتواء مظاهر التطرف الديني. مع توالي الأعوام ورغم أن التهديدات الإرهابية تواترت على المغرب واحة الاستقرار بالمنطقة ككل من الشرق الأوسط الى شمال افريقيا فإن الخبرة التي راكمتها الأجهزة الأمنية المغربية في مجال المكافحة الاستباقية للتهديد الإرهابي و التي أصبحت حاليا معترفا بها على الصعيد العالمي، مكنت المملكة من تفكيك عشرات الخلايا الارهابية التي كانت تحضر لمشاريع إرهابية داخل حدود المملكة فضلا عن معلومات أمنية ثمينة وفرها المغرب لشركائه الأوربيين و الأمريكيين فيما يتصل بما يسمى مخططات الإرهاب الدولي العابر للحدود لتجد المملكة باستحقاقها نفسها عضوة ضمن قيادة فريق دولي لمكافحة الإرهاب إلى جانب كل من الولاياتالمتحدة الأميركية وهولندا. السياسة الاستباقية للمملكة في مجال مكافحة الإرهاب أتاحت خلال السنتين الأخيرتين تفكيك 30 فرعا لتجنيد إرهابيين أو خلايا نائمة كانت تستعد للقيام بأعمال إرهابية. في تقريرها السنوي حول الإرهاب في العالم الذي يغطي سنة 2013 نوهت الخارجية الأمريكية مجددا بالاستراتيجية "الشاملة" التي وضعها المغرب لمكافحة الإرهاب، مبرزة أن هذه المقاربة مكنت من "الحد بشكل فعال" من التهديد الإرهابي. و في تقييمه لهذه الإستراتيجية يشدد التقرير الأمريكي الذي يعده خبراء متخصصون على تدابير اليقظة والأمن، والتعاون الدولي وسياسات مكافحة التطرف التي تتضمنها مقاربة المملكة مستحضرة في هذا السياق الجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس، من أجل مكافحة زحف التطرف عبر ترسيخ قيم ومبادئ المذهب المالكي، الذي يقوم على الاعتدال والوسطية . مع بروز الخطر الارهابي الداعشي ستقدم وزارة الداخلية في يوليوز 2014 لأول مرة أرقاما رسمية مقلقة حول ملف المغاربة المجندين بالتنظيم الارهابي المعروف باسم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) حيث سيصدم الرأي العام بوجود مغاربة مجندين بها يتولون مراكز قيادية بهياكل و فروع التنظيم الارهابي و سيعلن رسميا و علنا على أن عدد الجهاديين المغاربة الذين يقاتلون تحت لواء "الدولة الإسلامية" يفوق الألفي جهادي، خمسة منهم أوكلت لهم "مسؤوليات" مهمة في التنظيم ضمن مجموعتين مجموعتين، الأولى مكونة من 1122 إلتحقوا بصفوف التنظيم الارهابي مباشرة من المغرب، والثانية تضم ما بين 1500 إلى 2000 جهادي يقيمون في الدول الأوروبية. يوليوز الماضي سيعلن حصاد لوسائل إعلام معتمدة أن 1350 مغربيا التحقوا بالجماعات الاسلامية المتطرفة بالشام و بلاد الرافدين منذ نهاية العام 2013 توفي منهم نحو 286 و سيصرح أن السلطات الامنية فككت 30 "خلية ارهابية" منذ عام 2013 أي بمعدل نحو خلية في الشهر. التصريحات غير المسبوقة ستثير مخاوف السلطات الأمنية و قلقها المتزايد من التهديدات التي يمثلها هؤلاء الجهاديين لسببين، أولهما أن المواطنين الذين يعيشون في أوروبا لديهم جوازات سفر أوروبية تسمح لهم بالسفر بحرية، وثانيهما أن للجهاديين علاقة مع الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل و هو ما يعني أن المملكة في بؤرة التهديدات المحتملة التي تفرض بلورة استراتيجية تمكن من حماية المغرب من استفحال ظاهرة الارهاب، وذلك بمضاعفة العمل الاستخباراتي، والتنسيق بين كل المصالح المتداخلة في هذا المجال على المستويين المركزي والمحلي أو خارج التراب الوطني . المقاربة الجديدة التي كان أبرز تجلياتها تجميع المصالح الأمنية في قطب واحد أثمر نتائج مهمة ضمن السياسة الاستباقية التي أدت بفعل تجميع الجهود و تركيزها الى تفكيكخلايا غالبا ما كانت في مراحلها الاخيرة لتنفيذ عمليات ارهابية نوعية مع توالي الأيام ستتقاطر بلاغات وزارة الداخلية المشيرة الى تفكيك الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي تلقب باف ب أي المغرب عشرات الخلايا الارهابية النشيطة أو النائمة بينما ستتواتر تقارير عن مساهمات مكثفة للأمن المغربي في ملاحقة و كشف شبكات خارج حدود الوطني مما سيؤهل ا لمغرب والولاياتالمتحدة الى إطلاق مبادرة حول أمن الحدود داخل المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب يوليوز الماضي بتعاون مع المركز الأممي لمكافحة الإرهاب . وسيتألق نجم المنظومة الأمنية المغربية بعد مشاركتها الموفقة قبل أيام في التحقيقات التي أفضت الى الوصول الى مجموعة سان دوني و عقلها المدبر , مضيفة وسام رضا جديد الى المسيرة المشرفة جدا و مبعث الفخر للكوادر الوطنية التي تسهر على أمن و استقرار المغاربة نهارا وليلا .