الجرعة الزائدة قد تفضي إلى الهلاك . ومافعله بنكيران هو جرعة زائدة في إطار الشعبوية التي اشتهر بها منذ أربع سنوات . الحملة الانتخابية التي يقوم بها أصحاب المصباح انطلقت فاترة ، وكان على بنكيران أن يسخنها لإنقاذ الموقف ، فلم يجد إلا الادعاء أمام الملأ أن حياته أصبحت في خطر ، وأنه لا بأس أن يموت في سبيل هذا الوطن . فبعد ان يئس الناس من وعود بنكيران ، وأصبحوا يعيشون في ظلام الحكومة الدامس طيلة أربع سنوات ، لا بأس أن تصدح حناجرهم هاتفين أمام بنكيران وصحبه أن يرحل ، قالها الناس مرارا وتكرارا ، وفي عدد من المحطات والمناسبات ، قالوها تحت قبة البرلمان ، ورددوها في الشارع العام ، وأجمعوا عليها مؤخراً في تازة وفي اسفي وفي سيدي البرنوصي بالدار البيضاء خلال الحملة الانتخابية . الرجل لم يف بالوعد الذي قطعه على نفسه ، أليس هو الذي صرح بأنه سيبادر الى الاستقالة عندما يبدي الشعب تضايقه وسخطه من سياسته . ارحل يا بنكيران تأتي في سياق الديمقراطية التي ينشدها الجميع ، كما تأتي في المناسبة ، أوَليست المناسبة شرط كما يقال ؟ وخير مناسبة هي انتخابات 4 سبتمبر . ليهنأ بالك يا سي بنكيران ، فالجماهير التي تطالبك بالرحيل ، لا تريد منك سوى المغادرة بعد أن قاست في ظل حكومتك ، وهي لا تريد بك سوءا ولاضرا ،بل إنها تدعو لك بالعمر المديد لأنها تأمل في محاسبتك ، ، وتريد أن تستفسرك عن وعودك وأوهامك لها ، وترغب في مساءلتك باسمها وباسم الأبناء والأحفاد ، وباسم كل العباد عما جعلك ترهن هذا الوطن بالديون وتضعه فريسة سائغة بين أيدي مؤسسات دولية وبلدان أجنبية ، وتريد أن تقول لك إنها لا تلمس ترجمة فعلية للوعود والأرقام التي أصبحت تستظهرها وتقدمها في كل المناسبات ، ويريد المعطلون أن يذكروك بأوضاعهم ، ويريد الشعب أن يسائلك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وعن المحسوبية التي مازالت تعشش في الإدارة والمؤسسات العمومية ، ويريد أن يسألك عما استفاد منه هذا الشعب في قطاعات الصحة والتعليم والعدل ، ويريد أن يسألك عن خلفيات تراجع مؤشر السياحة في المغرب رغم أن الظرفية الحالية تتيح له ازدهار هذا القطاع . ولأن الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة يحب ملكه ، وشعار (الله الوطن الملك) يجري في عروقه ، لدرجة أن المواطنين يعتبرون جلالة الملك ملكا وأبا وأخا وابنا . وهي جملة ترددها الطبقات الفقيرة المسحوقة المعطلة التي لا تتوفر على مأذونيات النقل ولا على مداخيل تجنيها من ريع المقالع والصيد ، فإن الشعب يتساءل عن أسباب لجوئك ألف مرة في اليوم للاحتماء بجلالة الملك وتأكيد ولائك له ، فكلنا نحب الملك ، ولا نريد مزايدة في ذلك . فأن تزعم ياسي بنكيران أن حياتك في خطر ، بهدف إحماء الحملة الانتخابية عن طريق استدرار عطف الناس ، فهذا يعتبر جرعة زائدة قد تؤتي عكس ما تهدف إليه ، لأن المواطنين تلقوا هذا الادعاء ، وأدرجوه في سياق الشعبوية التي ألفوها منك طيلة سنوات خلت ، لأنهم يعلمون أن المغرب بلد قانون ، وأن للبيت ربا يحميه ، وأنه لو كان دعاؤك صحيحا لقفز حرسك الخاص على من يهددك في سلامتك ، ولأصبح الأمر بعد ذلك في يد القضاء ، لكن أن ترفع الجرعة إلى أن يتهيأ لك أنك في مصاف عظماء التاريخ الذين تعرضوا للتهديد والاغتيال منذ عصر الخلفاء الراشدين إلى غاندي ولومومبا وغيرهم ، فأنت واهم والله ، لأنك تريد أن تنسج حولك هالة من الأوهام والخيال . حفظك الله ياسي بنكيران ، وأمد الله في عمرك ،ولو أن ادعاءك بتهديد حياتك إنما يندرج في سياق أهازيج النساء ، وهن ينشدن ( باردة باردة ، واللي ما حماها تقطع يديه ) .