في كرة القدم يتحمل خط الوسط عبء المباراة كلها، فهو يساند الدفاع ويقوم في نفس الوقت بتطعيم خط الهجوم وبإتاحة فرص تسجيل الأهداف. وأعتقد أن نفس الشيء تقوم به الطبقة الوسطى حسب التركيبة الاجتماعية السائدة، فهي أيضا تتحمل عبء إنعاش الرواج الاقتصادي والتجاري وتحريك عجلات التنمية وتأمين السيولة اللازمة للاقتصاد المغربي. وللأسف لم ننتبه لهذه الحقيقة سوى مؤخراً، أي بعد أن أصبحت الطبقة الوسطى مهددة بالتلاشي والانقراض، وبعد أن أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الاعتقاد بأنه في المغرب لم تعد توجد سوى طبقتين، طبقة «المرفحين» والطبقة السفلى، وان من كانوا يمثلون الطبقة الوسطى إما تمكن بعضهم بشطارتهم من الصعود إلى الأعلى أو الاندحار إلى الأسفل. وكان لابد في البداية من تحديد المعايير الدقيقة التي تميز الطبقة الوسطى عن غيرها.. لأن ما ينطلق من فراغ يؤدي إلى الفراغ. في تقرير للمندوبية السامية للتخطيط تُصنف الطبقة الوسطى على أساس الدخل الشهري، فمن تصل أجرته الشهرية إلى ما بين 6000 درهم و 15000درهم فهو من الطبقة الوسطى، قد يكون هذا المعيار صالحا وصائبا، وقد لا يكون كذلك بالنظر الى التفاوت المخيف في هرم الأجور بالمغرب وبالنظر أيضا إلى مستوى المعيشة الذي يرتفع إلى أعلى عليين لدى البعض ينحدر إلى أسفل سافلين لدى الآخرين. جيل الستينيات والسبعينيات كان يتعرف بسهولة على الطبقة الوسطى في بيئته الاجتماعية.. وفي الغالب الأعم كان يمثل هذه الطبقة موظفو الدولة الذين يتسلمون أجوراً منتظمة ويلبسون بدلات وربطات عنق عادية لكنها نظيفة، ويغشون الأسواق للتبضع ويبحثون عن أكباش في المستوى للعيد ويهتمون بتربية ودراسة أبنائهم ويحظون بالوقار والاحترام. ولذلك كان الآباء والأمهات في تلك الفترة يأملون أن يقرأ أبناؤهم ليصبحوا موظفين مع الدولة. اليوم تغير الحال، وموظفو الدولة بدورهم أصبحوا في حيرة من أمرهم وهم يبحثون عن موقعهم في التركيبة الاجتماعية السائدة.. ولم يعودوا يستطيعون مسايرة هذا التطور السريع في أساليب الحياة ومستوى المعيشة ولم يجدوا بداً من الانغماس في الاقتراض من أجل الاستهلاك والاستهلاك فقط. لكنا نريد طبقة وسطى منتجة تساهم بشكل عملي في مسيرة التنمية وبالتالي في تعزيز المسلسل الديمقراطي وفي تحقيق مغرب الحريات والعدالة والانفتاح والتكافل. كل شيء ممكن إذا خلصت النوايا.