توالت مؤخرا على المغاربة بمختلف المدن أحداثا إجرامية مشينة لم يعهدها الشارع المغربي من قبل، قد اختلفت أشكالها تماما مثل ما تنوعت أسبابها، لكن النتيجة وإن تفاوت المواطنون في درجة التأذي بها فهي من جنس واحد: ذعر واستنفار وفرار. لم ننسَ بعد زوبعة الاغتصابات التي كانت قد أتت على كرامة وطهر واستقرار حياة بريئات في مقتبل العمر رحن ضحايا همج ومرض وتخلف وحوش آدمية وصل بها الشر إلى هتك أعراض المحارم والأقارب قبل الأغراب، فشرف أمينة الفيلالي قبلا وما تلاه من قصص أخريات بلا عدد، ممن شربن من الكأس نفسه، كفوزية الدمياني، وما خفي كان أدهى وأعظم، لا يترك فرصة لطي هذا الملف أو تناسيه. وحينما كاد المغاربة يهملون ظاهرة "التشرميل" التي عصفت بأمن جل المدن المغربية لِما رأوه من تراجع لهاته الموجة البئيسة، بعد أن حدّ الأمن من انتشار عدواها، عاد المواطنون هذه الأيام لمواجهة جرائم بأشكال جمعت ما تفرق في سابقاتها: نهب وسرقة وتعدي بالأسلحة البيضاء في الشواطئ والطرقات والهجوم على المسافرين في القطارات وركاب الحافلات ونصب على بعض السيّاح الأجانب فضلا عن التحرش الجنسي الذي استفحل أمره وبات يهدد راحة الجنس اللطيف أينما حل وارتحل. وفي هذا السياق وصل الأمر إلى معاقبة بعضهم الناس في الشارع العام دونما أي اكتراث لوجود القانون، ورغم أن وزير العدل والحريات، المصطفى الرميد، أكد غير ما مرة على ضرورة الاحتكام إلى القانون وعدم محاسبة الناس بالهوى، إلا أن الواضح أن توصيات الوزير لم تخرج عن قبة البرلمان ومكتبه، بل إن بعض رجال الأمن أنفسهم تعرضوا للتعنيف والضرب؛ فبعد قتيل طنجة، كانت قد تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا فيديو يظهر اعتداء شباب بشاطئ المحمدية على ثلاثة من رجال الشرطة في مشهد يكشف إلى أي مدى مُسّت هيبة رجال الأمن. وإذا كان المغرب قد نجح في إعطاء المثل في محاربة الإرهاب من الداخل والخارج، واستطاع الحفاظ على استقراره الأمني الذي هو أحد نقاط قوته التي ساهمت في الرفع من مستوى الاستثمار الأجنبي وتحسين السياحة نسبيا، فإن حاجة مواطنيه اليوم إلى التفاتة جِديّة للأوضاع المُقلقة التي آل إليها أمن البلاد من جديد، تبقى مُلحّة وذات طابع استعجالي، حتى لا تتخدش تلك الصورة التي طالما حرص المغرب على تلميعها.