ما يميز التدبير الرسمي في بلد كالمغرب، عندما يحدث كل ما من شأنه هز الصورة التي يسوقها عن نفسه سواء لمواطنيه أو غيرهم. هو لجوء أجهزته لما يسمى " بسياسة الحملات" كما نتابع هذه الأيام، كيف يدبر الأمن المغربي قضية رافعي الصور في الانترنيت أو ما عرف إعلاميا بظاهرة "تشرميل". وضعت العبارة بين مزدوجتين للعوز اللغوي الذي أصاب أقلام بعض الصحفيين، حيث اضطروا لمجارات مصطلحات تنهل من عالم الإجرام، وكان الأولى بحملة اليراع فرض اسم يصف الظاهرة والقاموس اللغوي حافل بالكلمات المعبرة. لعل مسايرة الشارع تدل عن الاختراق الذي أصاب الجسم الصحفي، جعله يفقد الكثير من المقومات المهنية، و منها أن يبقى حارسا وراعيا للقيم و بعيدا عن السوقية. ربما تأثر الصحافة بعالم المال والأعمال جعل الغلبة تكون لكفة التسويق، فاندثرت معه كثير من ملامح الإعلام المهني المسؤول. إن غزو مثل هذه المصطلحات ودخولها البيوت المغربية من نافذة الصحافة، تعد مصيبة أخرى تضاف إلى النازلة الأصلية المتمثلة في الفوضى التي باتت تقض مضجع كل المواطنين خاصة في المدن الكبرى، ولا بد من إسهام رجال ونساء الإعلام في تحصين المجتمع والذود عنه . فوضى وعبث يعرف المغرب تسيبا يعيشه الناس في الشوارع ، مرده لانعدام الأمن وبروز جيل جديد من محترفي السرقة في الشوارع يعيثون فسادا، في غياب المصالح المعنية، مما اضطر ساكنة بعض المناطق للخروج للشوارع أكثر من مرة يطالبون السلطات بتوفير الأمن لهم. ظاهرة انتشرت في مدن المغرب وقراه كانتشار النار في الهشيم، فأصبحت الصحافة تطالعنا عن أشكال وألوان من الاعتداءات على الأشخاص، وكذا بعض المؤسسات الخاصة في مشاهد هوليودية يخيل للمرء معها أن المغرب دخل عالم الكبار في الجريمة المنظمة. شباب في مقتبل العمر يواجه المجتمع بأسره، وينتفض بطرق بدائية في وجه رجال ونساء وشباب عزل، ينهبون الناس ويسلبونهم حاجاتهم نهارا جهارا ، ومن أبدى بعض المعارضة فمصيره "مستشفيات المملكة". لاشك أن ظاهرة السرقة وما يصاحبها من الاعتداءات وَشَمت تاريخ المغرب المعاصر، شأنه في ذلك كشأن باقي دول العالم، لكن ما يميزها اليوم هو اتساع نطاقها وخروجها للعلن في تحد مكشوف للقيمين على أمن المغرب. كما أن الجديد إعلانهم عن إطار يجمعهم، هو في بداية التأسيس، حيث ظهر بعض الشباب في صور عنترية جابت المعمور أطلقت عليه الصحافة اسم " التشرميل" ، أعضاءه شباب وشابات كذلك، لا يبالون بالعواقب هم إنتاج مغرب اليوم. الضحايا وطرق العلاج إن علاج هذه الظواهر التي استشرت في البلاد مؤخرا تتطلب يقظة جماعية، وعلاجا شاملا يبدأ بنقاش عام حول أي مغرب نريد، والى أين نحن سائرون، ومن المسؤول عن هذا الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم، وما المطلوب من فعاليات المغرب ورجالاته وهيئاته الشبابية، وكل مؤسسة ترى أنها معنية بما يحدث. لعل المعالجة الأمنية ستبقى قاصرة وهي كذلك، في علاج ظاهرة هي أكبر مما يتصور، يطفو على سطحها شباب متهور هو ضحية بالأساس لنظام تعليمي يتخرج منه الفاشلون، وتدرس فيه مضامين فارغة لا تعنى بالإنسان الذي يجب أن يتصدر الأوليات. نظامنا التعليمي يشير إليه الكل بالأصابع، باعتباره أهم مصدر من مصادر الخلل في هذه البلاد. شباب ضحية لمجتمع انفتح على الإعلام في غياب دولة ترشد وتوجه، فكان هو أول ضحاياه، أراد مسايرة المجتمعات الغربية، فتَشرب كل عاهاتها وعلى رأسها الأثَرة، مع اتساع الفارق بين دول غنية ودولة كالمغرب توجد في مؤخرة الركب، شباب أراد مجاراة ما يراه في العالم الافتراضي، فكان ضِيق اليد مدخلا شيطانيا، حيث خرج بعضهم للمجتمع يضرب الناس ويعتدي على الممتلكات. شباب ضحية لإفراغ دور الشباب من الجمعيات الجادة التي كان لها دور كبير في تنوير جزء منه، والتواصل مع مختلف الأعمار أخذا بيدهم و استماعا لمشاكلهم، مع المعالجة لها بالرغم من قلة الإمكانيات، وهذا ما دفع بجزء كبير من الفعاليات الجمعوية لتتوارى إلى الظل، بعدما اقتحم الميدان كل من هب ودب بحثا عن المِنَح، وسيادة هواة "المشاريع التنموية" التي تشجعها الدولة بمواصفات تشترطها ابتدءا ، فأصبحت "المشاريع التنموية" غاية يطمح لها البعض، والحقيقة أنها وسائل لخدمة الشباب، هذا الأخير لم يجد محاورا له بهذه الدور فهجرها، فهي اليوم تعيش حالة احتضار بعد ما كانت رافعة تربوية قبل أن تدخلها الأموال و"المنح". إن العلاج الأحادي للظاهرة سيجعلها تتفاقم وتأخذ صور أخرى، قد تكون صادمة للمجتمع وأكثر عنفا مما نشاهد، ولعل منطق الإقصاء الذي يتبناه المغرب الرسمي، الذي لا يسمح بمشاركة الجميع، ويفسح المجال لمن يباركون مبادراته فقط. سيحكم على هذه الحملة بالفشل كسابقاتها في ظل غياب إرادة للإصلاح الجدري للمشاكل التي يتخبط فيها الشباب، بداية من تعليم كسيح ومرورا بقلة فرص الشغل، بل انعدامها في كثير من المناطق، وما ينتج عن ذلك من ظواهر كالتي طفت على السطح مؤخرا، لتعري الواقع المغربي وتبرز وجهه القبيح للجميع.