رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة التجديد حول الغش: الغش يغزو المجتمع
نشر في التجديد يوم 03 - 11 - 2002

في الأيام القليلة الماضية طفت ظاهرة التسممات الجماعية الناتجة عن تناول مواد غذائية "مغشوشة" وغير صحية، وفي السياق ذاته سمعنا عن اعتقالات ومحاكمات لمسؤولين "كبار" مدنيين وعسكريين بسبب "الغش في المسؤولية" واختلاس الأموال العمومية، واستعمال السلطة للاستحواذ على أراضي المواطنين. عندما قررنا إعداد ملف حول الغش كان هدفنا ينحصر في شيئين اثنين:
1 التحسيس بخطورة الظاهرة ودق ناقوس الخطر.
2 تسليط بعض الضوء على اتساع ظاهرة الغش وشموليتها.
فالغش لم يرتبط بالبضائع فقط، فكما أن هناك غش في البضائع والمواد الصلبة والغازية، هناك غش في أداء الأعمال وتزيين "الأفكار مغشوشة" وكذا"الغش في تحمل وأداء المسؤولية"...
وإذا كان الغش هو "إخفاء" العيب بل "تزيينه" بحيث لا يتعرف عليه الطرف الآخر، فإننا قد نقول بأعين مغمضة:"إن الغش قد طال كل شيء": الأفراد والجماعات والهيئات والشركات والمؤسسات التعليمية وغيرها، وقد غزت الآفة كافة الفئات بمستوياتها الدنيا والوسطى والعليا.. الشعبية منها والرسمية.. المدنية والعسكرية وما بينهما.فمن ترويج "الديانات المحرفة"إلى "البضائع المنتهية الصلاحية" مرورا بصياغة الاجيال الفارغة ..
ونعترف بداية أننا في هذا الملف لم ولن نقف على قطر الدائرة وحجم تأثيرها في المجتمع المغربي الذي تنخره يوميا علي أرض الواقع، بل إن قصدنا هنا هو التحسيس وتوسيع الدائرة في الأذهان.
ونعترف ثانيا أن ما جاء في هذا الملف هو فقط ما سمحت به "الظروف" و"الإمكانيات" وعدد الصفحات وحجمها وكذا ما سمحت به "شجاعة" بعض المستجوبين في القطاعات الحساسة التي اعتذر لنا بعضهم الآخر بحجة أن "القسم" يمنعهم من إفشاء "الأسرار"..!
ولذلك سنعتمد في هذا الملف على ذكاء القارئ لملء الفراغات التي سنترك بعضها "قصدا" أو بعضها الآخر "عجزا"، لأن الظاهرة أكبر من أن يضمها ملف من أربع صفحات من الحجم الصغير، والواقع أن "ما خفي أعظم"، والحمد لله أن في المغرب مصلحة لقمع الغش، وقانون لزجر الغش، وسلطات مكلفة بالبحث عن المخالفات وإثباتها وظهير متعلق بزجر الجنايات على صحة الأمة،.. ولكن الغش عم وطم.. لأن "المخلصين" في المراقبة والمعاقبة معدودون على رؤوس الأصابع و"معروفون" وقد تعد لهم ملفات خاصة بهم كما قد يعاقبون!! لأن للغش من يحميه..! وإليكم الملف.
في البداية نرحب بجميع الأساتذة المشاركين ونشكرهم على تلبية الدعوة لتأطير هذه الندوة التي خصصتها جريدة التجديد للحديث عن "تفشي آفة الغش في المجتمع المغربي".
فرغم تحريم الغش وتجريمه فإنه قد طال كل شيء تقريبا في مجتمعنا المسلم، ومن أجل رصد هذه الآفة الخطيرة في شتى مجالاتها، والوقوف عند أسبابها وسبل علاجها، تنظم هذه الندوة لتسليط المزيد من الضوء على هذا المرض العضال الذي استشرى في والمجتمع أفقيا وعموديا، قصد المساهمة في علاجه ومحاربته.
نبدأ مع الأستاذ ادريس هلال (رئيس فرع حركة التوحيد والإصلاح بالبيضاء)
ما تأثير آفة الغش على المجتمع المغربي؟
نسأل الله عز وجل أن تكون هذه الندوة المباركة مساهمة بقسط وافر في إصلاح هذه الظاهرة، وأشكر الإخوة في جريدة "التجديد" على هذه المبادرة، وأسأل الله تعالى أن يوفقهم في مسعاهم.
ظاهرة الغش هي ظاهرة قديمة لها جذورها في التاريخ، كما أنها ظاهرة عالمية، لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، وتجلياتها تظهر تقريبا في جميع المجالات، وإن كان ولابد أن نجلي هذه الظاهرة في مجتمعنا المغربي، فإننا نجد أن هذه الظاهرة للأسف تطال جميع المستويات والمرافق ومناحي حياة الإنسان المغربي المسلم.
فهناك ظاهرة الغش في الامتحانات التي أصبحت "قيمة" من القيم التي تعارف عليها المجتمع بل أصبحت "مكتسبا" وأصبح الاستثناء هو القاعدة في هذا الشأن، وإذا رأينا أن هذه الظاهرة قد عمت جميع المجالات: في التعليم والمعامل والتصنيع والإدارة... فإن ذلك يعتبر مؤشرا حضاريا خطيرا على أن الأمة التي تفشت فيها هذه الآفة تسير نحو التخلف والاندحار الحضاري، ويعتبر تفشيها عنصرا من عناصر قتل الإبداع في الأمة.
كيف يتم انتشار مثل هذه الأمراض الاجتماعية؟
تقول نظرية الفساد أن هذا الأخير يبدأ غالبا من القمة (أي النخبة) ثم تسري الظاهرة بعد ذلك عموديا في اتجاه المجتمع ثم تعود مرة أخرى بشكل عمودي نحو القمة، وهكذا حتى تعم الظاهرة (القمة) و(القاعدة) على السواء.
ما الذي يكمن الأستاذ هلال وراء تفشي الظاهرة بهذا الحجم الذي نراه في الواقع، حيث لم يسلم أي مجال من المجالات من أضرارها، رغم تحريم الدين لها بوضوح وكذا تجريم القانون الوضعي لعمليات الغش: غش الأفراد أو غش الأمة على السواء؟
في تقديري هناك خمسة عناصر وراء هذه الظاهرة:
1 الضعف التربوي: ونعني بذلك ضعف الوازع الديني و"ثقافة الآخرة"، والبعد عن الله عز وجل، فهذا هو السبب الأساس في هذه الظاهرة لأن ذلك يؤثر على الضمير الحي للأمة، أي ضمير المراقبة، الذي إن ضعف أو أوشك على الموت فإن مآل ذلك بالطبع هو تفشي مثل هذه الظواهر.
2 ضعف الجانب الزجري في المجتمع:
الجانب الزجري والجانب الداخلي (الضمير) متلازمان، ولا يمكن لأي أمة أن تنجح في هذه القضية دون أن تزاوج بين الجانب التربوي الذي يركز على إصلاح الذات (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ثم تعزيز ذلك عن طريق القوانين والأحكام. والشريعة الإسلامية اعتنت بالجانبين معا.
3 الاستعمار: من المعروف أن الغش هو من موروثات الاستعمار، وأذكر أن أول انزياح ديموغرافي من أوروبا في اتجاه المغرب كان يركز على العناصر "الفاسدة"، من اللصوص والسماسرة ولاعبي القمار الذين وُجهوا إلى العالم الإسلامي، وبدأ التعلم على أيدي هؤلاء، وفعلا تعلمنا على يد الغرب أستاذنا في الغش وحدث هذا منذ الانزياح الأول للديموغرافية من أوروبا في اتجاه العالم الإسلامي، في بداية القرن التاسع عشر.
4 الهجمة الاستعمارية الجديدة: وهي عملية تثوير هذه الظاهرة من خلال عملية السلخ عن الإسلام فالصحون المقعرة والتطور التكنولوجي الذي عزز التواصل بين البشرية، فقد أصبحت مجموعة من القيم الغربية معممة في مجتمعاتنا، وتدخل إلى غالبية بيوت المسلمين، فهذا السبب ينمي الانسلاخ عن الهوية، وينمي مظاهر الفوضى في الانتماء بحيث يصبح الإنسان بدون لون أو طعم أو رائحة!
من بين معاول الهدم تنمية الجانب المادي في اهتمامات الإنسان المغربي عامة والشباب خاصة، فهم الشباب الآن هو الجانب المادي والمال وما يرتبط بهما.
5 ضعف التوجيه التربوي على صعيد وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية وكذا حركات الإصلاح داخل المجتمع من علماء ودعاة، بحيث تعتبر حركتهم ضعيفة جدا مقارنة مع وسائل الإفساد المتطورة والمؤثرة.
ذ. مسعود الغلمي محام بهيئة البيضاء
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه، بداية أشكر الإخوة في جريدة التجديد الغراء على ما يقدمونه من إسهامات قيمة في مجال التوعية والدعوة، كما أشكر للجريدة هذه البادرة الطيبة لاستضافة هذه الندوة المتعلقة بموضوع من الأهمية بمكان ألا وهو تضخم وتفشي ظاهرة الغش في المجتمع المغربي.
لاشك أن أول ما يتبادر إلى الذهن بشأن هذا الموضوع هو أن الغش يمثل تلك الطاعة والاستجابة للنفس الأمارة بالسوء حينما تدعو صاحبها إلى البرهنة على القدرة في تحقيق أهوائها الرامية إلى حب التملك والجشع وجمع الثروات والإساءة إلى الآخرين وغيرها.
وبصفة عامة فإنه أي الغش يمثل مظهرا من مظاهر الفساد إذ أن آثاره لا تقتصر فقط على الشخص المنقاد لأهواء نفسه بل تتعداه إلى المجتمع الذي يكون هو الضحية وهو من يؤدي ثمن الانزلاق الأخلاقي لفرد أو جماعة..
هذه الظاهرة المرضية إذا أنت نظرت إليها من جانب علم النفس اكتشفت أن القائم بها شخص غير سوي، وهو إنسان افتقد عنصر القناعة والرضى وخضع لأهوائه ولأطماعه في سبيل كسب المال بأية طريقة كانت، ولو كان فيها إساءة إلى الآخرين، وتمثل كذلك مظهرا من مظاهر تفشي الأنانية والفردانية في المجتمع وبالمقابل تراجع قيم التكافل والتضامن وروح المسؤولية.
وإذا أنت رصدت هذه الظاهرة من جانب آخر اكتشفت أن الأمر يتعلق بحب الذات وغياب ثقافة الآخرة والحساب والعقاب وبالمقابل ترصد حضورا قويا لثقافة الدنيا القائمة على أن قوتك تقاس بما تملك دونما بحث في وسائل تحقيق ذلك إذ الغاية تبرر كل وسيلة.
وعلى الجملة فإن ظاهرة الغش ظاهرة إنسانية بحثة تلتصق بما جبل به الفرد من حب التملك وجمع الثروات والأموال، وهي ظاهرة عرفتها البشرية على مر العصور ولا أدل على ذلك من تكرار النهي عن الغش والتحذير منه في آيات القرآن العظيم وفي أحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله تعالى في سورة المطففين (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وفي سورة أخرى (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها) وفي سورة النساء (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما)... وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس. من غشنا فليس منا.." .
وهكذا يتبين أن الغش هو خلاف البيان والصدق والوضوح وهو خيانة وكذب وكتمان وهو كذلك أكل لأموال الناس بالباطل.
وعليه فإن المجال لا يتسع لسرد الأحاديث والآيات بهذا الخصوص يبقى فقط أن أشير إلى أن محاربة هذه الآفة اتخذت في عصور الإسلام النيرة صبغة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل قد وجدت لها مؤسسة لم تعرفها البشرية من قبل، ألا وهي مؤسسة الحسبة، والتي تعد المؤسسة القوية الثالثة في المجتمع الإسلامي إلى جانب مؤسستي الحاكم والقاضي، والتي كان من بين مهامها الأساسية ضبط حالات الغش في المجتمع وتتبع كل أشكال المخالفات العائدة للمعاملات بين الناس وسوق أصحابها إلى مجالس القضاء..
وفي العصر الحديث فإن كلمة غش حينما تطلق تنصرف إلى التحايل على القانون أو إلى التدليس المدني في المعاملات بين الناس أو إلى الغش في البضائع أو الانتخابات أو التهرب من سداد الضريبة أو تهريب البضاعة عبر الحدود دون تأدية واجبات الجمارك أو الغش في الامتحان أو غيرها من المظاهر التي تفيد كون هذه الظاهرة تلف كل مناحي الحياة.
وحول سؤالكم المتعلق بالأسباب التي تقف وراء انتشار هذا المرض لابد من الإشارة إلى أن غياب الوازع الديني وغياب ثقافة الآخرة هما في نظري عاملين رئيسيين في انتشار الظاهرة المرضية وإلى جانبهما عوامل أخرى، لا سيما ما تعلق منها بغياب مؤسسة الحسبة وانكفاء المسلمين على ذواتهم وانشغالهم بأشخاصهم ومصالحهم دون ما يرجع إلى المصلحة العامة أو الشأن العام اعتبارا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مسؤوليات الحاكم وهو وحده الذي تبقى له صلاحية رعاية المصلحة العامة.
إضافة إلى ذلك هناك عوامل ترجع إلى الظروف العامة للمجتمع فأنت ترى مثلا أن المقاولة المغربية تخضع لمنافسة قوية من طرف المنتوج الأجنبي الذي يغزو السوق الداخلي بأقل ثمن وبالمقابل فإنها (أي المقاولة الوطنية) تؤدي ضرائب ثقيلة والتزامات جمة تجاه الدولة التي لا تضمن لها حتى أحقيتها في احتكار السوق الداخلي بله أن تشجعها بخفض الضرائب وغيرها أو تمنحها بعض الامتيازات التي تمكنها من تطوير منتوجاتها حتى تتمكن من مسايرة نظيراتها الأجنبية في أفق غزو أسواقها.
إذن فاستمرار المقاولة المنتجة ضمن هذه الأوضاع السيئة على مستوى الفرد العامل الذي لا يجيد عمله ولا يتقنه وعلى مستوى رب العمل الذي لا يؤدي الأجر الذي يمثل نظير الجهد الذي يقدمه العامل الكفء وعلى مستوى الدولة التي لا يهمها سوى إغراق المؤسسات وإثقال كاهلها بالضرائب دون إيجاد بنيات تحتية وغيرها وعلى مستوى الوضع الاقتصادي العالمي المحموم واشتداد المنافسة لاكتساب الأسواق، أمام كل ذلك قد تجد المقاولة لنفسها المسوغات كي تغرق السوق بالمنتوجات الرديئة.
وهذا المثال قد ينطبق على الصحافة التي تنشر الأخبار الزائفة وقصص الخلاعة المشينة وغيرها في محاولة لاكتساب المال على حساب صدق الخبر ومسؤولية الصحافي النزيه في رفع مستوى ثقافة ووعي المجتمع..
ولعل هذه الأوضاع هي التي جعلت بعض مؤسسات المجتمع المدني في الدول الأوروبية بالخصوص تتكتل وتنشئ تنظيمات محلية للمستهلكين، وهو ما أفضى إلى ظهور المنظمة العالمية للمستهلكين وإلى تدوين حقوق المستهلك في الإعلان العالمي لحقوق المستهلكين التي اعتمدتها هيئة الأمم المتحدة سنة 1985 والتي تتجلى بالخصوص في الحق في الأمان وحق المعرفة وحق الاختيار وحق الاستماع وحق إشباع الرغبات الأساسية وحق التعويض وحق التثقيف والحق في العيش في بيئة سليمة وصحية والحق في حسن المعاملة والاستقبال..
فيما يتعلق بسؤالكم الثالث الذي يتمحور حول الحلول الناجعة للحد من آفة الغش، أود أن أشير إلى أن طبيعة هذه الظاهرة وما تتميز به من إحاطة بمختلف مظاهر الحياة البشرية، فإن الحلول لابد أن تكون من الشمولية أيضا بحيث تستهدف إصلاح الخلل في أية ناحية كان.
وعليه فإن إشاعة ثقافة الآخرة وتربية الفرد على المسؤولية ومحاربة خلق الجشع وحب الدنيا وحب المال لابد أن تكون لها آثار إيجابية في محاربة الظاهرة كما أنه على المستوى العام لابد من إعادة إحياء مؤسسة الحسبة ورفع كل القيود التي تحول دون قيامها بمهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال البيوعات والأشرية وغيرها.
ومن الناحية القانونية أعتبر أن الزجر والردع وإن كان له أهميته في معاقبة كل من تسول له نفسه العبث بحقوق الآخرين ومغالطتهم بأي وسيلة كانت في جوهر الشيء المتعاقد عليه أو كميته أو مصدره أو مواصفاته، فإنه مع ذلك قاصر إذ أن الردع لوحده غير كفيل بإزاحة الظاهرة والقضاء عليها.
ولذلك فإني أعتبر أن تأهيل المقاولات الوطنية ومساعدتها على تجاوز أزماتها والرفع من مستوى معيشة المواطنين وتخفيف ثقل الضرائب على كل الفاعلين الاقتصاديين وتهييء البنيات التحتية وتشجيع التعليم الديني وإشاعة جو الحرية والانضباط ومحاسبة كل المفسدين، كل ذلك لابد أن يفي بالغرض ويجعل ظاهرة الغش تتوارى عن المجتمع لتحل محلها أخلاق الفضيلة والصدق والأمانة.
والله الموفق
أحمد كافي: الغش كبيرة من الكبائر
لاشك أستاذ أحمد كافي أن الشريعة الإسلامية لا تحرم شيئا إلا واكتشف عاجلا أم آجلا ضرره على الفرد والمجتمع وحديث "من غشنا فليس منا" يحفظه الجميع، فما درجة هذا الحرام الذي يدعى "الغش"؟
لا يخفى أن الغش من الكبائر، فهو ليس من اللمم أو من الصغائر، ولهذا قد لا تجد كتابا من كتب السنة والأحاديث النبوية، إلا وقد خصصت كتابا من كتبها للأخلاق والآداب، وذلك بالحديث عن الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة، وهو ما يعرف عند العلماء بالتخلية والتحلية، أي الأخلاق الفاضلة التي ينبغي التحلي بها، والأخلاق السيئة التي ينبغي للإنسان أن يتخلى عنها، فوجدنا أن من هذه الأخلاق التي تحدث عنها هؤلاء العلماء انطلاقا من النصوص الشرعية: الغش، حتى أن الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه الكبائر قد خصص الكبيرة السادس عشرة للغش، وأتى بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتحدثة عن الموضوع، ولم يقف الأمر عند الوعظ والإرشاد بل امتد إلى آليات تنزيلها، وذلك عن طريق قانون الحسبة، القصد من مهمة الحسبة هي الوقوف على الغش في جميع الأماكن التي يمكن أن يطالها الغش، والعلماء أنفسهم كانوا يقومون بهذه المهمة في العصور الأولى والتي بعدها، قبل أن يتم تنحية الدين عن الميدان، ولم يكن للتبريرات الدنيوية سبيل نحو تجويز القيام بمثل هذه الأعمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم وفي أوج معركته مع الكفار كان هؤلاء يودعون عنده الودائع، فلم
يشأ أن يخونهم، وهم قد قتلوا أصحابه وهي بين يديه، فلما أراد الرحيل وضع الودائع والأموال عند علي ابن أبي طالب لتسليمها إلى الناس بأعيانهم.
وتعود أسباب الغش في رأيي والله أعلم إلى أن المحاضن التربوية (المؤسسات التعليمية، دور الشباب، الجمعيات، الكتاتيب القرآنية...) قد ألفت وسارت على نهج "الاستسهال".
وعدم أخذ الأمر بجدية، جعل الطفل أو الشاب أو الإنسان "الراشد" يألف ويتعود هذه الأمور التي تظهر بسيطة، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، فأصبح الكل يحاول التخلص من مشاكله بأقرب السبل، وعن طريق الغش، وأصبحت مؤسساتنا التربوية تُخَرِّج غشاشين من النوع الممتاز! فالإنسان الذي لم يتعود على الصدق والصبر والجدية والإتقان فإنه يسقط لا محالة في حبائل الغش.
"ولكل امرئ من دهره ما تعودا"
وعادة سيف الدولة الطعن في العدا"
2 والسبب الثاني ينحصر في البعد الإيماني: فعندما غابت حقائق الدين ومعانيه في النفوس، وإذا حضرت لا تجاوز التراقي، وغاب معنى (الكبيرة) ومعنى (اللعنة) ومعنى (البعد عن الله) و(الطرد من رحمته)، ومعاني "ليس منا"... فعندما يغيب المعنى الحقيقي للمصطلحات الشرعية عن الناس تكون آثارها ما تحدثنا عنه، ولذلك فلا تساهل من الناحية الشرعية مع هذه الكبيرة، والتساهل في أمرها هو الذي يساهم في وجود النفوس الضعيفة.
الغش في المجال الفني
من المعروف أن "الغش" قد وصل أيضا إلى المجال الفني، بحيث تحصل الفرقة أو المسؤول على دعم أو ميزانية لإنجاز عمل فني جيد فيتم "اختلاس" ذلك وعرض أعمال فنية مغشوشة في الشكل والمضمون ماذا عن الغش في المجال الفني؟
محمد غلام: الفنان الأصيل لا يمكن أن يغش
لن أتحدث عن الجانب المؤسساتي الذي نخره الغش حتى الجذور، ولكن سأتحدث عن الفنان وغشه في فنه وبالضبط في علاقته بالجمهور بحيث تلجأ بعض الفرق أحيانا إلى بتر مشاهد كاملة من المسرحية من أجل التخلص السريع من الجمهور، بالإضافة إلى ضعف الأداء، وسرقة إبداعات عالمية وعرضها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي، والنماذج معروفة وقد فضحتها الصحافة الوطنية، والفنان الأصيل لا يمكن أن يغش في فنه لأنه يحاول أن يقدم لجمهوره أعلى درجة من الصدق، لأنه بدون صدق لا يستطيع أن يقنع المشاهد أو المستمع، إلا إذا اضطر إلى ذلك عن طريق جمهور "مشاغب"، فيحذف فقرات من المسرحية.
إدريس هلال:أكبر غش في المجال الفني هو غش الأمة بترويج الأفكار الهدامة
أعتقد أن أكبر غش في المجال الفني هو غش الأمة، وذلك بإدخال أفكار هدامة ومدمرة للإنسان المسلم، فيجب أن نركز على هذا البعد في الغش في هذا المجال، فحينما نأتي بمسرحية أو سكيتش أو شريط سينمائي، مقتبسا كان أم إنتاجا وطنيا "مغشوشا" يُسَوّق داخل مغربنا، فأكبر غش في تقديري المتواضع في هذا المجال هو ما ذكرت.
بمعنى تزيين وترويج أفكار فاسدة؟
نعم ترويج أفكار فاسدة، إما من خلال مشاهد أو حوار أو صورة الخ.
الغش الضريبي
الطيب أعيس خبير محاسب
سأتناول مسألة الغش في الشركات على مستويين اثنين:
المستوى الأول يهم الإنسان الفرد، أي ضمير الفرد وأخلاقه وطريقة تفكيره، فالنسق القيمي الذي يعتمد عليه الفرد في تفكيره وعمله، هو الأساس وهو الذي جعل الغش عند البعض مسألة عادية، والحركة الإسلامية هي القادرة على تخريج الإنسان الذي يتمتع بمقومات هي مفقودة الآن في المجتمع.
المستوى الثاني يتعلق ب "قواعد اللعب" في المجتمع أو الميكانيزمات التي تؤثر في حركة المجتمع، فإذا كانت "قواعد اللعب" فاسدة من أساسها، فلا مناص من ظهور مثل هذه الآفة، فالغش ظاهرة ترجع إلى الأساس الذي ذكرناه، وأعطى مثلا ملموسا في هذا الشأن، عندما تذهب إلى الجماعة الحضرية وتحاول أن تحصل على رخصة للبناء أو السكن فإن الموظف المكلف يجد أمامه قانونين: قانون يسمح وآخر يمنع، مما يترك له هامش "المراوغة"، فقانونيا يمكن أن يمنعك وقانونيا يمكن أن يمنحك الترخيص، فعندما تكون صياغة القوانين بهذا الشكل تسمح للموظف بالارتشاء والغش، ولأن القانون في أساسه غير مضبوط فلدينا مجموعة من القوانين في المغرب متعارضة.
أما فيما يخص الغش الضريبي فأسبابه متعددة ومنها أن الناس لا يعرفون أين تصرف الأموال التي يؤدونها فلو كان الناس يعرفون أن تلك الأموال تذهب إلى الصالح العام وتصرف إلى المؤسسات التي تستحقها وتساهم في إصلاح البنية التحتية للمجتمع، فإن الكل سيؤديها باقتناع، والدليل أن هناك من يتهرب من الضريبة ولكنه مستعد تمام الاستعداد لإخراج الزكاة، فترشيد مصاريف الدولة منعدم تقريبا، والسرقة قد عمت العديد من المؤسسات أمثال القرض العقاري والسياحي والبنك الشعبي والقرض الفلاحي وصندوق الضمان الاجتماعي الخ، وما خفي أعظم.
فمحاربة الفقر لا تكون بتجريم أصحاب الشركات أو المستضعفين الذين يطالبون ب 35% أو 44% لا يعلمون أين مصيرها، فالأصل كما قلت هو الميكانيزمات أو قواعد اللعبة المغلوطة، ونفس الشيء بالنسبة للشأن العام، فإن كانت الانتخابات مزورة فالغش ينتعش، أما إذا كانت نزيهة وشفافة فإن الانتخابات ستفرز لنا نخبة حقيقية في المجتمع، أما الآن فكل شيء مزور، فالنخبة السياسية مزورة والنخبة الاقتصادية مزورة...
والحل ينحصر في شيئين اثنين! أولهما الإنسان وذلك بتربيته على الأخلاق وثانيهما وضع ميكانيزمات وأدوات حقيقية لضبط صيرورة المجتمع سواء على المستوى الدستوري أو القانوني أو على المستوى التطبيقي وكافة المستويات، فإذا كانت هذه المقدمات واضحة تكون نتيجتها سليمة.
الغش في المجال الطبي
د حسن عباسي طبيب
إن ميدان الطب هو الآخر لم يسلم من هذه الآفة بالإضافة إلى آفات أخرى، وسأقتصر هنا على الغش في مجال الصحة، يبدأ الغش في ميدان الطب من فترة التكوين حتى مرحلة التخرج والعمل.
فهناك من الأساتذة من يغش الطلبة في تكوينهم، والغريب أن الشاذ في الأساتذة هو الذي يقوم بعمله بإتقان وبدون غش! فنجد أن الأستاذ المشرف لا يحضر في الوقت وإذا حضر يقوم بجولة خفيفة ويذهب إلى القيام على أموره الشخصية، فقليل من الأطباء في المستشفيات الجامعية من يعتني بالطلبة الأطباء ويقوم أخطاءهم، ونفس الشيء بالنسبة للطالب الطبيب الذي يكلف بمهام كالحراسة مثلا، حيث يكلف الطبيب الطالب بإجراء المراقبة على رأس كل ساعتين ، ولكن الطبيب الطالب يذهب لينام أو إلى مكان آخر حتى الصباح ويقوم بملء ورقة المراقبة من خياله!!.
وكذا الشأن بالنسبة للأطروحات الجامعية التي أصبح الطلبة يعتبرونها ثانوية، ويشجع بعضهم على إنجازها في أوقات قياسية وذلك بأخذ أطروحات بعض الزملاء وتعديل الإحصائيات وتقديمها لينال إعجاب لجنة المناقشة!!
أما القطاع الخاص فيعرف إجراء عدة عمليات جراحية لا حاجة لها، فعندما يذهب المريض مثلا إلى إحدى المصحات الخاصة سيوهمه العاملون بها بأنه يحتاج إلى عملية جراحية استعجالية والغرض طبعا استنزاف المريض وأسرته ماديا ولدي أمثلة واقعية على ذلك.
وطال الغش أيضا مصحات الأشعة، فبدل أن تستعمل حزم الأشعة مرة واحدة فقط تستعملها المصلحة لأكثر من مرة فيؤثر ذلك على جودة الصورة المعكوسة بالأشعة.
أما مجال الشواهد الطبية فينتعش فيه الغش بقوة، حيث يساعد الطبيب المتغيبين عن أعمالهم وأصحاب الأغراض الشخصية بشهادة طبية مغشوشة بالإضافة إلى الشواهد التي تقدم للتعاضديات بحيث تنافس الشواهد المزورة الشواهد الحقيقية التي يتأخر الصندوق في صرف مستحقات أصحابها.
كما قد يقوم الطبيب بعملية إجهاض غير شرعية، ويبرر ذلك بأن الأم الحامل قد كانت في حالة خطيرة يجوز فيها الإجهاض بل هناك متخصصون في هذه العمليات وذرائعهم جاهزة.
هذا بالإضافة إلى العلاقة بين الأطباء وأصحاب محلات بيع المنتوجات الطبية والصيدليات فيفرض الطبيب على المريض اقتناء المعدات الطبية من مكان معين لأن له نسبة من الأرباح.
والسبب في تفشي هذه الظواهر هو غياب البعد الأخروي عند الإنسان ولا يستحضر أنه سيحاسب يوم القيامة.
كما لم يستحضر القسم الذي أداه يوم التخرج، والذي مضمونه أنه سيخلص في عمله ولن يضر أحدا كل ذلك يضرب به عرض الحائط ويخون القسم.
الغش في الأدوية في تركزها وثمنها
الطب الشرعي، شهادة الطبيب قد تؤدي ببريء إلى السجن وقد تبرئ ظالما وذلك بعملية الغش في المسؤولية والشهادة.
الحلول
د. إدريس هلال:
قبل أن نتطرق إلى الحلول يجب أن نضع معادلة لهذه الظاهرة فالغش ليس ظاهرة اجتماعية فقط بل هو ظاهرة حضارية لأنها تحولت إلى قيم متحركة في المجتمع، وهنا تكمن خطورة القضية، والمعادلة هي القاعدة والاسثناء، فالحل لا يعني أن الظاهرة ستختفي ولكن الأفق هو تغير طرفي المعادلة، أي أن يصبح ما هو الآن استثناء هو القاعدة وأن تصبح القاعدة التي هي الغش هي الاستثناء.
يمكن أن نضع الحلول في خمس نقط أساسية:
فأول حل والله أعلم هو تعميق ثقافة الآخرة بحضور البعد العبادي في كل عمل من الأعمال وأي مجال من المجالات.
2 الوعي بالخطورة: فمن مؤشرات انهيار واندحار الأمة حضاريا هي تكون أو بروز الظاهرة دون أن تعي الأمة في نخبها خاصة خطورتها.
3 استعادة شخصية الفرد وشخصية المجتمع وكذا النظام القائم في المجتمع، ففي أي مجتمع منظومة من القيم المتحركة التي يضبطها القانون أو العرف والتقاليد، فلا بد من بناء شخصية الفرد على أساس الإيمان والخوف من الله عز وجل، فالآن هناك منظومة غربية هي التي تؤطر جميع مناحي الحياة، حتى الموت الذي تدخلت الأبناك من أجل التأمين والتنظيم لمراسم الجنازة، فالنظام الموجود هو الآن ضد القيم.
4 رفع الحصار عن المشروع الإسلامي: فالقيم التي تحدثنا عنها تتحرك الآن والحمد لله عن طريق المشروع الإسلامي، وهذا الأخير هو مشروع للحياة، وهناك من بني جلدتنا من يقف ضد هذا المشروع فلا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله.
فحركة الإصلاح عند المغاربة غبر التاريخ تنطلق من المساجد والزوايا وبقيادة العلماء.
5 حفظ نواة الأسرة: ونعني بذلك إعادة الإسلام إلى الأسرة وأسلمة ثقافتها حتى نعيد لها الدور الثقافي والتربوي في توريث القيم داخل المجتمع.
6 تثوير القيم: نحن الآن أمام قيم غربية هي التي تؤطرنا ولا يمكن أن ننسلخ منها ونتحرر منها إلا بمنظومة قيم أخرى، ونعطي مثالا بثقافة الصورة التي يعبر عبرها مجموعة من القيم المدمرة، فشركة كوكا كولا مثلا في إشهارها تحمل نظام حياة عبر علاقة الذكر بالأنثى وطريقة اللباس إلى غير ذلك من القيم.
ذ. أحمد كافي:
1 التركيز على الفرد بإشباعه بالإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والنار وألا يتكفل المسجد أو الواعظ فقط، بل يقوم بذلك المؤسسات التربوية والنوادي وفي أي مكان يرتاده الفرد.
2 تقوية الجانب المسطري، بحيث لا يوجد ما يتعارض مع القيم الأخروية المنشودة.
3 الجانب الإعلامي
4 إنتاج أشكال من الشهادة بتأكيد أن هذه الظاهرة من الممكن القضاء عليها في مجموعة من الميادين.
5 إيجاد الكفاف للناس، فينبغي التفكير في الإنسان المقهور، لأن الكفر قرين الفقر، فغياب الوازع وحضور الحاجة يدفع الإنسان نحو الغش.
6 حماية المتضرر من الجانبين بمساطر معقولة تؤدي إلى النجاح ونرجو الله تعالى أن تجد القدرات والأفكار التي نؤمن بها طريقها نحو التطبيق، وتقديم الأسوة.
أعد الملف إسماعيل العلوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.