أي موقع للجالية المغاربية في هرم المسئولية الإقليمية بلدية بعد أن نطقت الأرقام الرسمية الخاصة بالانتخابات الإقليمية الفرنسية، بمشاركة جد باهتة لأبناء الهجرة لم تتجاوز 0.5%، فيما لم يفز من المغاربة سوى ثمانية مرشحين على رأس القوائم في مجموع التراب الفرنسي؟.. وهل استفادت الجالية المغاربة من ثقل عددها البالغ حوالي مليونين من الناخبين من حاملي الجنسية الفرنسية، لتشكل قوة انتخابية وازنة في المشهد السياسي الفرنسي؟ وما هي طبيعة العوائق التي تحول دون تفعيل قوتها تفعيلا ذكيا يغتنم هذه المناسبات الانتخابية لفرض الذات؟ وأية تداعيات سياسية واجتماعية على المشهد الاغترابي الفرنسي بعد الفوز الكاسح الذي حققه اليمين الجمهوري بفوزه ب64 إلى 70 إقليما، فيما مني اليسار الحاكم بخسارة فادحة بعد حصوله على 26 إلى 30 إقليما. أما اليمين المتطرف، فلم يتربع على أي إقليم لكنه عزز تواجده في المجالس الإقليمية، وحل ثالثا في المشهد السياسي الفرنسي من حيث عدد الأصوات ؟ كل هذه الأسئلة تتبادر إلى الذهن والجالية المغربية دخلت المعترك الانتخابي الإقليمي بقائمة محدودة من الأسماء سواء ضمن الهياكل الحزبية الفرنسية القائمة علي الازدواجية التقليدية يمين/يسار، أو في إطار تنظيمات حزبية أخرى وسطية و يسارية، أو على قوائم مستقلة غير ذات لون وفق قناعات المرشحين وحساباتهم الانتخابية المختلفة. ومن بين المرشحين المغاربة من استقدمتهم أحزابهم إلى دوائر انتخابية غير مضمونة النتائج فوضعتهم على قوائم لغرض الديكور والاستخدام الانتخابي ليس إلا.. وبهذه النتيجة غير النهائية للانتخابات الإقليمية التي جرت في أزيد من 1900 دائرة انتخابية بمشاركة تجاوزت نسبتها 51%، يكون اليمين الجمهوري، الذي يقوده الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، قد استرجع عافيته ليفرض نفسه من جديد على الساحة السياسية الفرنسية بعد انهياره في ماي 2012 عقب الخسارة التي مني بها ساركوزي خلال الانتخابات الرئاسية. وعبر نيكولا ساركوزي، الذي يترأس الاتحاد من أجل حركة شعبية عن فرحته "العارمة" بهذه النتيجة" معتبرا الأكاذيب والوعود التي لم تتبعها الأفعال هي التي قادت الحزب الاشتراكي إلى هذه الانتكاسة الانتخابية". كما حدد الأهداف التي يجب التوصل إليها في كل المجالس الإقليمية التي تفوق فيها اليمين الجمهوري، وأبرزها تقليص النفقات العامة وخفض الضرائب ومحاربة الفساد، إضافة إلى العمل من أجل اقتراح مشروع سياسي واقتصادي بديل يقود اليمين الجمهوري إلى انتصارات جديدة في الانتخابات الجهوية التي ستجري في شهر دجنبر القادم. أما معسكر اليسار، بما فيه الحزب الاشتراكي الحاكم، فلقد مني بخسارة فادحة، إذ فقد أكثر من 40 إقليما، وهي خسارة توقعها المراقبون السياسيون وكل معاهد استطلاع الرأي. وبالعودة إلى الجالية المغاربة، فقد وجدت النخب المغاربية ومعها أيضا شريحة من صغار المثقفين والموظفين والسياسيين، نفسها متحمسة لخوض الاستحقاقات الإقليمية وأمامها من جهة، تراكمات الماضي الصعب الذي عاشه جيل الآباء، وواجه خلاله العنصرية والتمييز المجحف على المستويين التمثيلي والقانوني، وكذلك الإقصاء الثقافي والاجتماعي، واختلاف سلم القيم، وأنماط العيش والتفكير. ومن جهة ثانية، فإن صورة اضطرابات الضواحي التي تسكنها أغلبية مغاربية، والتي حصلت في خريف سنة 2005 لا تزال ماثلة في الأذهان، لأن وعود الحكومة الفرنسية للعمل على معالجة الاختلالات الكبيرة في هذه المناطق كانت مجرد كلام في كلام. وهكذا فإن تحمس أبناء الجيل الثاني والثالث لاقتحام ميدان السباق الإقليمي، وإن كان يأتي في وقت انطوت فيه صفحة طبقة سياسية شاخت وبلغت سن التقاعد السياسي، فإنه يعتبر برأي المرشحين أنفسهم، ردا طبيعيا على حالة التهميش التي طالت آباؤهم، بعد أن أصرت أطراف سياسية مختلفة على حرمانهم من اكتساب حقوق المواطنة على نحو طبيعي، أسوة بالمهاجرين الذين قدموا من البلدان الأوربية مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا. وفي غياب أي استطلاع للرأي بشأن اتجاهات التصويت في الأوساط المغاربية، لأسباب قد تكون مرتبطة بمحاولة التقليل من أهميته، أو عدم إعطائه الفرصة لكي يصبح احد المكونات الفاعلة في العملية الانتخابية، فإن الشيء المؤكد هو أن النتائج كانت أكثر من باهتة بالنسبة للمرشحين المغاربيين وخاصة منهم المغاربة. وقد يكون للربط بين الهوية والهجرة الذي تبناه اليمين المتطرف في هذه الانتخابات، وقعا خاصا بعد أن اقتنع الكثير من الفرنسيين بمن فيهم المحسوبين على التيار الاشتراكي، بأن المهاجرين في بعدهم العربي والإسلامي يمثلون الخطر الفعلي على الهوية الفرنسية. غير أن نفور الفرنسيين انتخابيا من أبناء الهجرة، يقابله أيضا العزوف عن المشاركة وغياب "الصوت العربي" في هذه الانتخابات، وغياب حركة توعية تقوم بها الجمعيات المغاربية لدفع أبناء الضواحي للتعبير عن أنفسهم على نحو تمثيلي والقيام ب بنهضة مواطناتية تحول انتفاضة الضواحي من انتفاضة سخط واحتجاج إلى انتفاضة صناديق الاقتراع. ومن الملفت في هذه الانتخابات، التنافس الشديد بين المرشحين الفرنسيين على الصوت العربي، حيث الجميع بما في ذلك اليمين الجمهوري بذل جهدا كبيرا لتغيير أسلوب تعامله مع الجاليات العربية والمسلمة، وهو الأسلوب الذي اتسم في السابق بفوقية واحتقارية للقيم العربية والإسلامية بدءا من مواجهة الحجاب إلى الاستهجان بذبائح العيد واعتبار الإسلام مرادفا لاضطهاد المرأة. ومهما يكن، فإن تطلع الفرنسيين للأصوات العربية يعكس من جهة الثقل الذي باتت تمثله الجالية العربية في المشهد الفرنسي العام، ومن جهة أخرى قدرتها على التأثير في مجرى الحياة السياسية في فرنسا، مما يطرح بقوة فكرة إقامة تكتل عربي قوي وقادر على مواجهة التداعيات المترتبة عن بعض إشكال التطرف السياسي والاجتماعي.