اختُتمت الدورة الأولى من مهرجان "مواسم السينما العربية" بباريس بعد ثلاثة أيام من العروض الغنية التي حققت حضورا متميزا في مهرجانات سابقة من مصر واليمن والسعودية والإمارات ولبنان وسوريا والعراق وتونس وفلسطين. وللسينما العربية أكثر من مهرجان في باريس، بدأ أولها قبل ثلاثة عقود ثم تواصلت بشكل دوري مع تأسيس معهد العالم العربي. غير أن هذه التظاهرات الخاصة بسينما العالم العربي إذا كانت تتعدد في باريس وتركز خصوصا على سينما المغرب العربي التي تحتضنها أكثر من تظاهرة، أو السينما الفلسطينية - الإسرائيلية التي تحظى بتظاهرة خاصة أيضا، فإن تظاهرة "مواسم" تمتلك نظرة شاملة على الإنتاج العربي في الوثائقي والروائي والأعمال القصيرة والتجريبية. وقد ركز "مواسم" في دورته الأولى على الاتجاهات الشابة في السينما العربية وعلى الأفلام التي أنجزتها مخرجات واكبن قضايا النساء في بلادهن، من مثيلات اليمنية خديجة السلامي "قتلوها تذكرة للجنة" أو الإماراتية نجوم الغانم "حمامة" أو المصرية فيولا شفيق "أريج" وزميلتها هالة لطفي "الخروج للنهار" أو الفلسطينية راما مرعي "ازرقاق" أو التونسية كوثر بن هنية "يد اللوح" أو السعودية عهد كامل "حرمة". وتعتبر تظاهرة "مواسم" الحديثة الولادة استمرارية لدورتين سابقتين من "ربيع السينما العربية" وأقرب إلى الاهتمام بشكل أشمل بالسينما العربية لكن في ملامح وعلامات بارزة تلوح في الاختيارات الساعية لتقديم هوية وحضور مختلف ونوعي لهذه السينما على الساحة الباريسية. وتكتسب هذه التظاهرة أهمية أيضا من حيث استقلاليتها ما يمنحها حرية واسعة في أن تختار ما تعرضه ضمن مسعى قائم على الثقة والحب للسينما الذي يربط بين صنّاع التظاهرة وصنّاع الأفلام في وقت بدا فيه الكثير من المهرجانات العربية الكبيرة أسيرا لما التزم بإنتاجه من أفلام عربية يقدمها في مسابقاته. وقدم مهرجان "مواسم" 47 شريطا من تسعة بلدان عربية قادمة من المشرق ي إضافة إلى فرنسا، من بينها عشرة أفلام طويلة افتتحت بشريط المخرج العراقي الكردي، هينر سليم، المقيم في باريس "ماي سويت بيبر لاند" الذي خرج أمس (9 أبريل) إلى الصالات الفرنسية. وتمتلك التظاهرة الفنية "نبضا جديدا للحياة، ومختارات سينمائية منسجمة مع المسارات الآنية للمجتمعات العربية، ولشبابها"، كما جاء في تقديم هذه النسخة الأولى، التي يأمل منظموها تحويلها إلى محطات عديدة في كل سنة "بهدف تقديم النتاجات السينمائية العربية الحديثة". وكان اختتام التظاهرة لفتة خاصة قدمتها التظاهرة لشريط "اليازرلي" للمخرج العراقي قيس الزبيدي. و"اليازرلي" صور عام 1972 ليعرض أول مرة عام 1974 وهو من إنتاج "المؤسسة العامة للسينما" في دمشق وممنوع من العرض حتى اليوم، وأنتج خلال الفترة الذهبية لتلك المؤسسة بالتزامن مع إنتاج أعمال خالدة مثل "الحياة اليومية في قرية سورية" لعمر أميرالاي، و"إكليل الشوك" لنبيل المالح و"رجال في الشمس" الذي أنجزه ثلاثة مخرجين في ثلاثة فصول. وتكشف الناقدة السينمائية هدى إبراهيم، مديرة المهرجان، ل"الخبر" أن الهدف من التظاهرة هو طرح الأسئلة وإثارة النقاش وتقديم واجهة لهذه السينما في أبرز أعمالها وخلق تفاعل حسي مع هذه الأعمال التي لا بد لقيمتها أن تلفت نظر من يريد أن يطلع ومن هو معني بالسينما وبالإبداع الفني عموما مهما كانت جنسيته".. ومن بين الأعمال الجديرة بالاهتمام في هذه الدورة، شريط "يد اللوح" للتونسية هند مؤدب التي تطرقت إلى ظاهرة الموسيقى الشبابية المعروفة بالكترو- شعبي والشائعة في أحياء القاهرة الشعبية والتي شكلت تمرد الشباب من قبل الثورة.. والفيلم من إنتاج مصري في حين تعيش المخرجة الشابة في باريس. ثم العمل المتفرد للمخرجة اليمنية خديجة السلامي التي واصلت من خلال "قتلوها تذكرة دخول للجنة" عملها على حقوق المرأة في بلدها اليمن من خلال قضية الصحافية بشرى المقتري التي أصدر السلفيون بحقها فتوى بالقتل. ومن دون سابق تصميم أو قصد فإن "مواسم السينما العربية" طغى عليها هذا العام العنصر النسائي ممثلا بالحضور الكبير لأفلام المخرجات العربيات وخاصة المخرجات اللاتي تبرزن مشاكل المرأة في المجتمعات العربية وتطلعاتهن إلى المساواة والعدالة.