سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصائب قوم عند قوم فوائد: تراجع أسعار النفط العالمية تنعكس إيجابا على اقتصاد المغرب *انخفاض فاتورة النفط يجب أن يقابلها انخفاض في حجم الضرائب *تخوفات من أن يؤثر الانخفاض على الاستثمارات في مجال التنقيب بالمغرب
عرف سعر خام برنت انخفاضا جديدا في سعره وانتقل من61 إلى 42 دولارا، أي إن سعر البرميل من خام برنت تراجع بنحو 19دولارا، وهو تراجع كبير جدا. غير أن المشكلة هي عدم وجود أية ملامح في الأفق تشير إلى أن هذا التراجع في الأسعار سيتوقف عند مستوى سعري محدد. واليوم، تتزايد توقعات المراقبين بأن النفط في طريقه ليصل إلى 40 دولارا. وإن حدث هذا التوقع، سيتسبب في كارثة مالية للدول المصدرة للنفط، لكن ما هي انعكاسات ذلك على الدول المستهلكة, ومن بينها المغرب؟ لاشك أن هناك آثارا إيجابية لانخفاض أسعار النفط على اقتصادات الدول المستهلكة، خاصة في فترات الكساد والأزمات الاقتصادية، بما في ذلك الفترة الحالية، ولا يخفى على أحد أن انخفاض أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من نصف ذلك هو في صالح المغرب الذي شهدت فاتورته من الواردات النفطية تراجعا ملموسا سنة 2014، لكن هناك من يرى أن استمرار هذا التراجع في السوق الدولي من شأنه التأثير على مشاريع ضخمة، التي بدأ المغرب في تنفيذها مؤخرا، وأهمها الاستثمار في الطاقات البديلة. أسباب تراجع أسعار النفط يرى العديد من الخبراء أن أهم العوامل المسؤولة عن تراجع أسعار النفط هي السلوك المثير للدهشة لمنظمة »أوبك«. فقد كان من المتوقع أن تتخذ »وبك« موقفا حاسما لاستيعاب النمو في العرض، حتى تخفف الضغوط على الأسعار، باعتبارها اتحاد المنتجين للسلعة، الذي من المفترض أن تكون وظيفته الأساسية هي ضبط توازن السوق. في مواجهة هذا التراجع في الأسعار، لكن لم تقدم »أوبك« على خفض الإنتاج للحد من ضغوط العرض في السوق. وبدلا من ذلك، أعلنت »أوبك« عن الإبقاء على حصتها الحالية من الإنتاج، وهو ما تسبب في انخفاض الأسعار بصورة أكبر. هذا الطرح أكده محللون اقتصاديون، الذين أشاروا إلى أن هناك دورا أيضا لنظرية المؤامرة، حيث على الجانب الآخر يرى الرئيس الروسي فلاديميربوتين أن التراجع الحالي في سعر النفط مسبباته سياسية بالدرجة الأولى أكثر منها اقتصادية، الذي يعزوه بوتين إلى تعاون أمريكا وحلفائها ضد موسكو لتركيع روسيا أمام ضغوط الغرب حول مشكلة أوكرانيا، وقد بدأت روسيا تشهد بالفعل تراجعا في قيمة عملتها، مع تزايد الضغوط عليها في سوق الصرف الأجنبي بسبب ضغوط تراجع الإيرادات النفطية. واعتبر متتبعون اقتصاديون أن انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية يرجع إلى عدة عوامل أهمها عدم إقدام منظمة الأوبك على خفض الإنتاج، ثم الارتفاع النسبي لسعر الدولار مقابل العملات الأخرى، وارتفاع المخاوف من اندحار الأسعار داخل الأسواق العالمية، الذي أدى إلى تزايد المضاربة من أجل الحفاظ على العملاء من المستوردين، واستقطاب مستوردين جدد. وأوضح العسري أنه بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، هناك اعتبارات سياسية، مبرزا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى للضغط على روسيا التي تعتمد على النفط كمورد أساسي، بهدف إضعاف قوتها المالية. التأثير الإيجابي فهذا التراجع في أسعار النفط سيكون له انعكاس إيجابي على صندوق المقاصة الذي تراجعت نفقاته بشكل لافت خلال هذه السنة، ثم هناك الأثر الثاني المتمثل في تراجع الواردات المغربية من المواد النفطية، وهو ما يقلص بشكل أوتوماتيكي العجز التجاري المتفاقم منذ عدة سنوات، وثالثا، وهذا هو الأهم، انعكاس ذلك على سعر الوقود الموجه للمستهلك، بالإضافة إلى تأثيره على سعر الإنتاج بشكل عام، حيث إن الحركة الاقتصادية للعديد من المقاولات ستتأثر إيجابا، لأن الوقود يشكل أهم نفقاتها. انخفاض الفاتورة النفطية بالمغرب في الوقت الذي سجلت فيه الصادرات المغربية نحو الخارج ارتفاعا بنحو 11 مليار درهم (مليار أورو)، أشار مكتب الصرف في تقريره الأخير إلى أن الفاتورة النفطية للمغرب واصلت تراجعها بمتم نونبر المنصرم بشكل لافت بقيمة 7.72 مليار درهم. وعادت واردات المغرب من النفط لتسجل من جديد تراجعا هو الأهم من نوعه منذ سنوات بنسبة قياسية بلغت 22.6 في المائة، بفعل الانخفاض القياسي في أسعار البترول في السوق الدولية بمستويات قياسية. وساهم هذا التراجع في التأثير إيجابا على الميزان التجاري بنسبة 14 في المائة، حيث سجل ناقص 94.3 مليار درهم، مقابل ناقص 109.7 مليار درهم. وقال مكتب الصرف إن الواردات المغربية من النفط الخام تراجعت بقيمة 7.53 مليار درهم، بعدما بلغت 25.81 مليار درهم في الأشهر ال11 الماضية، مقابل 33.34 مليار درهم في الفترة نفسها من العام المنصرم. وسجلت واردات المغرب من الكازوال والفيول بنسبة 5.5 في المائة حيث سجلت خلال الفترة الممتدة ما بين يناير ونونبر من سنة 2014 نحو 30.56 مليار درهم، مقابل 32.35 مليار درهم في الفترة ذاتها من السنة المنصرمة. وفي الوقت الذي سجلت فيه الواردات من غاز البترول ومنتجات المحروقات زيادة بنسبة 22.9 في المائة، قال مكتب الصرف إن الفاتورة الطاقية الإجمالية سجلت تراجعا بنسبة 8.3 في المائة، حيث بلغ إجمالي واردات المغرب من هذه المنتجات 85.44 مليار درهم، مقابل 93.16 مليار درهم في المدة ذاتها من العام الماضي. الهبات للمغرب لن تتأثر خرجت دورية أمريكية متخصصة في الشؤون الإستراتيجية بفرضية مفادها أن الدول مثل المغرب والأردن ومصر، التي لا تتوفر على أرصدة كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، كانت منذ عقود تتلقى الدعم من لدن عدد من دول الخليج، متمثلة في المنح والاستثمارات الكبيرة. وأوردت المجلة في عددها للشهر المنصرم أن تواصل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية قد يقوض المساعدات المالية السخية التي تمنحها بلدان خليجية، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والكويت وغيرها، لبلدان عربية تربطها بها علاقات ثنائية استراتيجية. ولفتت المجلة إلى أن تلك المساعدات التي تأتي من خزائن دول الخليج في اتجاه دول من الشرق الأوسط، من قبيل الأردن، أو بلدان من شمال إفريقيا مثل المغرب ومصر، ليست من أجل سواد عيون أنظمة هذه الدول، بقدر ما هي أموال تصرف لغايات سياسية. الأثر الإيجابي سينتهي خلال فترة قصيرة إذا كان العديد من المحللين الاقتصاديين يرون أنه من الطبيعي استفادة الدول المستهلكة للنفط، ومن بينها المغرب، من تقهقر أسعاره في الأسواق العالمية، فإن هناك خبراء آخرين ينظرون إلى الأمر من زاوية أخرى، ومن بين هؤلاء أنس بن فيصل الحجي، الخبير في شؤون النفط، وكبير الاقتصاديين في شركة «إن جي بي» الأميركية، حيث يؤكد على أن تأثير هذا التراجع في الأسعار على الدول المستوردة سينتهي خلال فترة قصيرة، موضحا أن أي آثار إيجابية لانخفاض أسعار النفط تقتصر على المدى القصير، وعلى الجانب الاقتصادي فقط، لكن انخفاض الأسعار ليس في صالح الدول المستهلكة على المدى الطويل، وأشار الحجي إلى أن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى زيادة الاعتماد عليه على حساب مصادر الطاقة الأخرى رغم التدخل الحكومي. فانخفاض أسعار النفط يزيد من تكلفة التدخل الحكومي بشكل كبير، الذي يؤدي بدوره إلى رفع الضرائب على المستهلكين، بعبارة أخرى، ستتوقف مشاريع الطاقة البديلة أو ستتباطأ مع انخفاض أسعار النفط، مشيرا إلى أن هناك الكثير من مشاريع الطاقة المتجددة التي ستعلن إفلاسها قريبا، ولمح الخبير إلى أن إنفاق بعض الدول مليارات الدولارات على مشاريع الطاقة المتجددة لن يؤول إلى نتائج ملموسة، وقد ينتهي هذا الاستثمار بأكبر عملية إفلاس في تاريخها، النتيجة الثانية لانخفاض أسعار النفط، حسب الخبير نفسه، هي زيادة اعتماد الدول المستهلكة، ومن بينها المغرب، على واردات النفط، وهو أمر يتعارض أيضا مع سياسات هذه الدول الرامية إلى تخفيف الاعتماد على النفط المستورد، ليخلص الحجي إلى أن الدول المستهلكة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة، وأمنها القومي والاقتصادي والبيئي، عن طريق تنويع مصادر الطاقة من جهة، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، خاصة المتجددة منها، وقد أثبت التاريخ أن أكبر مستفيد من الارتفاع الكبير في أسعار النفط هي مشاريع الطاقة المتجددة، وأنها هي أيضا أكبر الخاسرين من انخفاض أسعار النفط. تراجع أسعار البترول يقابله تراجع في الضريبة وأكد محللون أن أي انخفاض في أسعار النفط هو إضافة نوعية للميزانية، وبالتالي يؤثر إيجابا على ميزانية الدولة، بسبب تقلص الفاتورة الطاقية. «إذن، بالنسبة إلينا، هذه الوضعية إيجابية، لكن ما يمكن أن يكون له ضرر على البلد هو تراجع موارد الخزينة، على اعتبار أنه حينما تكون الأسعار مرتفعة، ومادام المغرب يستورد، فإن الضرائب تكون مرتفعة. وبالتالي، إذا تراجع حجم الاستيراد، ستتراجع أيضا الموارد الضريبية للدولة، في ظل وجود تقريبا 40 في المائة من المداخيل الجبائية المرتبطة بالمواد البترولية، لكن عموما، وبما أن الصناعة والنقل والفلاحة تعتمد على المواد البترولية، فإن ذلك سينعكس إيجابا على خزينة الدولة. وذكروا أن «التخوف الموجود على المستوى البعيد يكمن في أن يظل البترول دون سعر 45 دولار للبرميل الواحد»، وقالوا أن لا أحد سيقدم على الاستثمار في التنقيب عن البترول، وهذا الذي سينعكس على العرض في المستقبل، ربما بعد عشر سنوات، فاستمرار التراجع في أسعار البترول سيؤثر على الاستثمارات...