في 19 يونيو الماضي، بلغ سعر خام برنت 115 دولارا للبرميل، ويوم الجمعة المنصرم، قارب سعره 61 دولارا، أي إن سعر البرميل من خام برنت تراجع بنحو 54 دولارا، أو ما يمثل 48 في المائة من السعر، وهو تراجع كبير جدا. المشكلة هي أنه لا تبدو هناك أية ملامح في الأفق تشير إلى أن هذا التراجع في الأسعار سيتوقف عند مستوى سعري محدد. واليوم، تتزايد توقعات المراقبين بأن النفط في طريقه ليصل إلى 40 دولارا. وإن حدث هذا التوقع، سيتسبب في كارثة مالية للدول المصدرة للنفط، لكن ما هي انعكاسات ذلك على الدول المستهلكة, ومن بينها المغرب؟ لاشك أن هناك آثارا إيجابية لانخفاض أسعار النفط على اقتصادات الدول المستهلكة، خاصة في فترات الكساد والأزمات الاقتصادية، بما في ذلك الفترة الحالية، ولا يخفى على أحد أن انخفاض أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من نصف ذلك هو في صالح المغرب الذي شهدت فاتورته من الواردات النفطية تراجعا ملموسا سنة 2014، لكن هناك من يرى أن استمرار هذا التراجع في السوق الدولي من شأنه التأثير على مشاريع ضخمة، التي بدأ المغرب في تنفيذها مؤخرا، وأهمها الاستثمار في الطاقات البديلة. لماذا تراجعت أسعار النفط؟ يرى العديد من الخبراء أن أهم العوامل المسؤولة عن تراجع أسعار النفط هي السلوك المثير للدهشة لمنظمة «أوبك». فقد كان من المتوقع أن تتخذ «أوبك» موقفا حاسما لاستيعاب النمو في العرض، حتى تخفف الضغوط على الأسعار، باعتبارها اتحاد المنتجين للسلعة، الذي من المفترض أن تكون وظيفته الأساسية هي ضبط توازن السوق. في مواجهة هذا التراجع في الأسعار، لم تقدم «أوبك» على خفض الإنتاج للحد من ضغوط العرض في السوق. وبدلا من ذلك، أعلنت «أوبك» عن الإبقاء على حصتها الحالية من الإنتاج، وهو ما تسبب في انخفاض الأسعار بصورة أكبر. هذا الطرح أكده المحلل الاقتصادي عمر الكتاني في اتصال هاتفي مع «اليوم24»، مضيفا أن هناك دورا أيضا لنظرية المؤامرة، حيث على الجانب الآخر يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن التراجع الحالي في سعر النفط مسبباته سياسية بالدرجة الأولى أكثر منها اقتصادية، الذي يعزوه بوتين إلى تعاون أمريكا وحلفائها ضد موسكو لتركيع روسيا أمام ضغوط الغرب حول مشكلة أوكرانيا، وقد بدأت روسيا تشهد بالفعل تراجعا في قيمة عملتها، مع تزايد الضغوط عليها في سوق الصرف الأجنبي بسبب ضغوط تراجع الإيرادات النفطية. من جانبه، يعتبر عمر العسري، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية يرجع إلى عدة عوامل أهمها عدم إقدام منظمة الأوبك على خفض الإنتاج، ثم الارتفاع النسبي لسعر الدولار مقابل العملات الأخرى، وارتفاع المخاوف من اندحار الأسعار داخل الأسواق العالمية، الذي أدى إلى تزايد المضاربة من أجل الحفاظ على العملاء من المستوردين، واستقطاب مستوردين جدد. وأوضح العسري أنه بالإضافة إلى الأسباب الاقتصادية، هناك اعتبارات سياسية، مبرزا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسعى للضغط على روسيا التي تعتمد على النفط كمورد أساسي، بهدف إضعاف قوتها المالية. التأثير الإيجابي على صندوق المقاصة عن تأثير انهيار أسعار النفط على الاقتصاد الوطني، خصوصا في ظل نظام المقايسة الذي اعتمده المغرب مؤخرا، أكد العسري أن انخفاض أسعار المحروقات على المستوى الدولي سيمكن الدولة من رفع الدعم بشكل نهائي عن المحروقات. كما أنه سيساعد على تقوية القدرات الإنتاجية لمختلف القطاعات العامة والخاصة، المعتمدة على هذه المادة الحيوية، من خلال تقليص تكلفة الإنتاج، والرفع من المردودية. من جانبه، يرى طارق المالكي، الأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، أن تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد المغربي يمكن أن يفهم من خلال ثلاثة اتجاهات، أولا، على مستوى الموازنة العامة للدولة، وهذا يتوقف على السعر الذي اشترى به المغرب النفط، الذي يقوم على تقنية التغطية. فهذا التراجع في أسعار النفط سيكون له انعكاس إيجابي على صندوق المقاصة الذي تراجعت نفقاته بشكل لافت خلال هذه السنة، ثم هناك الأثر الثاني المتمثل في تراجع الواردات المغربية من المواد النفطية، وهو ما يقلص بشكل أوتوماتيكي العجز التجاري المتفاقم منذ عدة سنوات، وثالثا، وهذا هو الأهم، انعكاس ذلك على سعر الوقود الموجه للمستهلك، بالإضافة إلى تأثيره على سعر الإنتاج بشكل عام، حيث إن الحركة الاقتصادية للعديد من المقاولات ستتأثر إيجابا، لأن الوقود يشكل أهم نفقاتها. انخفاض ملموس للفاتورة النفطية بالمغرب في الوقت الذي سجلت فيه الصادرات المغربية نحو الخارج ارتفاعا بنحو 11 مليار درهم (مليار أورو)، قال مكتب الصرف في تقريره الأخير إن الفاتورة النفطية للمغرب واصلت تراجعها بمتم نونبر المنصرم بشكل لافت بقيمة 7.72 مليار درهم. وعادت واردات المغرب من النفط لتسجل من جديد تراجعا هو الأهم من نوعه منذ سنوات بنسبة قياسية بلغت 22.6 في المائة، بفعل الانخفاض القياسي في أسعار البترول في السوق الدولية بمستويات قياسية. وساهم هذا التراجع في التأثير إيجابا على الميزان التجاري بنسبة 14 في المائة، حيث سجل ناقص 94.3 مليار درهم، مقابل ناقص 109.7 مليار درهم. وقال مكتب الصرف إن الواردات المغربية من النفط الخام تراجعت بقيمة 7.53 مليار درهم، بعدما بلغت 25.81 مليار درهم في الأشهر ال11 الماضية، مقابل 33.34 مليار درهم في الفترة نفسها من العام المنصرم. وسجلت واردات المغرب من الكازوال والفيول بنسبة 5.5 في المائة حيث سجلت خلال الفترة الممتدة ما بين يناير ونونبر من سنة 2014 نحو 30.56 مليار درهم، مقابل 32.35 مليار درهم في الفترة ذاتها من السنة المنصرمة. وفي الوقت الذي سجلت فيه الواردات من غاز البترول ومنتجات المحروقات زيادة بنسبة 22.9 في المائة، قال مكتب الصرف إن الفاتورة الطاقية الإجمالية سجلت تراجعا بنسبة 8.3 في المائة، حيث بلغ إجمالي واردات المغرب من هذه المنتجات 85.44 مليار درهم، مقابل 93.16 مليار درهم في المدة ذاتها من العام الماضي. هبات الخليجيين للمغرب لن تتأثر خرجت دورية أمريكية متخصصة في الشؤون الإستراتيجية بفرضية مفادها أن الدول مثل المغرب والأردن ومصر، التي لا تتوفر على أرصدة كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، كانت منذ عقود تتلقى الدعم من لدن عدد من دول الخليج، متمثلة في المنح والاستثمارات الكبيرة. وأوردت المجلة في عددها للشهر المنصرم أن تواصل تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية قد يقوض المساعدات المالية السخية التي تمنحها بلدان خليجية، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والكويت وغيرها، لبلدان عربية تربطها بها علاقات ثنائية استراتيجية. ولفتت المجلة إلى أن تلك المساعدات التي تأتي من خزائن دول الخليج في اتجاه دول من الشرق الأوسط، من قبيل الأردن، أو بلدان من شمال إفريقيا مثل المغرب ومصر، ليست من أجل سواد عيون أنظمة هذه الدول، بقدر ما هي أموال تصرف لغايات سياسية. إلا أن المحلل الاقتصادي هشام الموساوي، قلل من أهمية هذه الفرضية، وقال في تصريح ل «اليوم24»: «إذا كان من الوهلة الأولى الاعتقاد بأن انخفاض أسعار النفط سيدفع دول الخليج لترشيد المساعدات والتبرعات الموجهة إلى المغرب، فإنني لا أعتقد أن هذه الفرضية صحيحة، وذلك لسببين رئيسيين: أولا، أن هذه المساعدات مؤطرة من خلال شراكة استراتيجية تعكس التزاما صريحا من جانب دول الخليج تجاه المغرب، وثانيا، لأنه هذا الإجراء ليس عملا خيريا، بمعنى أن المغرب يتلقى المساعدات مقابل خدمات يقدمها للطرف الآخر المانح لتلك المساعدات، بما فيها الدعم السياسي والعسكري من المغرب تجاه دول الخليج العربي»، فمن الواضح، يضيف الموساوي، أن دول الخليج «لن تمر مرور الكرام على مثل هذه الخدمات المقدمة من المغرب، وخصوصا عندما تكون التهديدات الإرهابية التي يواجهها الخليج في ذروتها». ولعل منح الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، يوم الجمعة المنصرم لهبة بقيمة مليون دولار (800 مليون سنتيم) لمؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان، لخير دليل على أن الهبات الخليجية للمغرب ستستمر رغم تراجع أسعار النفط، وهو ما أكده كذلك الأستاذ الجامعي، عمر الكتاني، من كون الهبات الخليجية ستتدفق على المغرب مستقبلا، لأن الفوائض المالية لهذه الدول لا تزال كبيرة رغم التراجع الحالي لأسعار البترول، مضيفا أن مبلغ الهبات التي تمنحها هذه الدول للمغرب ورغم أهميتها لا تمثل بالنسبة إليهم الشيء الكثير. الأثر الإيجابي سينتهي خلال فترة قصيرة إذا كان العديد من المحللين الاقتصاديين يرون أنه من الطبيعي استفادة الدول المستهلكة للنفط، ومن بينها المغرب، من تقهقر أسعاره في الأسواق العالمية، فإن هناك خبراء آخرين ينظرون إلى الأمر من زاوية أخرى، ومن بين هؤلاء أنس بن فيصل الحجي، الخبير في شؤون النفط، وكبير الاقتصاديين في شركة «إن جي بي» الأميركية، حيث يؤكد على أن تأثير هذا التراجع في الأسعار على الدول المستوردة سينتهي خلال فترة قصيرة، موضحا أن أي آثار إيجابية لانخفاض أسعار النفط تقتصر على المدى القصير، وعلى الجانب الاقتصادي فقط، لكن انخفاض الأسعار ليس في صالح الدول المستهلكة على المدى الطويل، وأشار الحجي إلى أن انخفاض أسعار النفط يؤدي إلى زيادة الاعتماد عليه على حساب مصادر الطاقة الأخرى رغم التدخل الحكومي. فانخفاض أسعار النفط يزيد من تكلفة التدخل الحكومي بشكل كبير، الذي يؤدي بدوره إلى رفع الضرائب على المستهلكين، بعبارة أخرى، ستتوقف مشاريع الطاقة البديلة أو ستتباطأ مع انخفاض أسعار النفط، مشيرا إلى أن هناك الكثير من مشاريع الطاقة المتجددة التي ستعلن إفلاسها قريبا، ولمح الخبير إلى أن إنفاق بعض الدول مليارات الدولارات على مشاريع الطاقة المتجددة لن يؤول إلى نتائج ملموسة، وقد ينتهي هذا الاستثمار بأكبر عملية إفلاس في تاريخها، النتيجة الثانية لانخفاض أسعار النفط، حسب الخبير نفسه، هي زيادة اعتماد الدول المستهلكة، ومن بينها المغرب، على واردات النفط، وهو أمر يتعارض أيضا مع سياسات هذه الدول الرامية إلى تخفيف الاعتماد على النفط المستورد، ليخلص الحجي إلى أن الدول المستهلكة تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة، وأمنها القومي والاقتصادي والبيئي، عن طريق تنويع مصادر الطاقة من جهة، وتطوير مصادر الطاقة البديلة، خاصة المتجددة منها، وقد أثبت التاريخ أن أكبر مستفيد من الارتفاع الكبير في أسعار النفط هي مشاريع الطاقة المتجددة، وأنها هي أيضا أكبر الخاسرين من انخفاض أسعار النفط. بوليف: تراجع أسعار البترول يقابله تراجع في الموارد الضريبية لخزينة الدولة نجيب بوليف، الوزير المنتدب المكلف بقطاع النقل، أكد أن أي انخفاض في أسعار النفط هو إضافة نوعية للميزانية، وبالتالي يؤثر إيجابا على ميزانية الدولة، بسبب تقلص الفاتورة الطاقية. «إذن، بالنسبة إلينا، هذه الوضعية إيجابية، لكن ما يمكن أن يكون له ضرر على البلد هو تراجع موارد الخزينة، على اعتبار أنه حينما تكون الأسعار مرتفعة، ومادام المغرب يستورد، فإن الضرائب تكون مرتفعة. وبالتالي، إذا تراجع حجم الاستيراد، ستتراجع أيضا الموارد الضريبية للدولة، في ظل وجود تقريبا 40 في المائة من المداخيل الجبائية المرتبطة بالمواد البترولية، لكن عموما، وبما أن الصناعة والنقل والفلاحة تعتمد على المواد البترولية، نعتقد أن أثر لما يحدث اليوم سينعكس إيجابا على خزينة الدولة»، يضيف بوليف في تصريح صحافي. ويرى بوليف أن الدول المصدرة للبترول ليس لها الأثر الكبير على الاقتصاد العالمي، وقال، «الذي يؤثر على النمو العالمي هي الدول المستهلكة أساسا، الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالتالي مادام المغرب سيقلص تكلفة المواد البترولية أساسا، فسيحدث تنافس، وستكون القيمة الإضافية بالنسبة إلينا إيجابية». ويشدّد المسؤول الحكومي على أن «التخوف الموجود على المستوى البعيد يكمن في أن يظل البترول دون سعر 60 دولار للبرميل الواحد»، وقال «لا أحد سيقدم على الاستثمار في التنقيب عن البترول، وهذا الذي سينعكس على العرض في المستقبل، ربما بعد عشر سنوات، فاستمرار التراجع في أسعار البترول سيؤثر على الاستثمارات، لكننا تعلمنا، من خلال أحداث الثلاثين سنة الماضية، أن التراجعات من هذا القبيل لا تستمر لفترة طويلة، وبالإضافة إلى ذلك، يكفي حدث آخر مثل انهيار العملة الروسية كي تعود أسعار البترول إلى المستوى الذي كانت عليه قبل ستة أشهر».