افتتح المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب أعماله أمس في مراكش، بمناقشة قضايا المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية، وذلك بمشاركة أربعين دولة ومائة وأربعين خبيرًا ودبلوماسيًا، يشغلهم الخطر المتزايد من استفحال ظاهرة التحاق جماعات متطرفة ترفع راية الإسلام، كذبًا وبهتانًا وزورًا، وتدفعها الحماسة الهوجاء الجامحة إلى الانضمام للتنظيمات التي باتت تتكاثر لدرجة مدهشة، وتتخذ لها أسماء جميعها ذات طابع إسلامي، وتتمركز في كل من العراق وسوريا، بشكل خاص، وفي اليمن والصومال ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي وفي بعض دول آسيا الوسطى، ويأتي على رأس هذه التنظيمات الإجرامية التي تحترف القتل، والتي تمعن في تشويه صورة الإسلام، وكأنها أنشئت خصيصًا لهذا الغرض الدنيئ، تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي لم تفلح الضربات الجوية التي يشنها ما يعرف بالتحالف الدولي على المواقع التي يوجد فيها، في كسر شوكته، والحد من تمدده، وفي ضرب الحصار حوله بحيث لا يتحرك، تمهيدًا لتدميره والقضاء عليه. وإنْ كان هذا الهدف بعيد الاحتمال، حسب التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأمريكيون أنفسهم. ولئن كان موضوع محاربة داعش لا علاقة له بالاجتماع الدولي الذي بدأ أمس في مراكش وينتهي اليوم، حسب ما أعلن عنه في الصحافة في كل من الرباط ولاهاي، وهما العاصمتان المشرفتان على هذا الاجتماع الذي يدخل في إطار المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب، فإن طبيعة القضايا التي ستناقش لا يمكن فصلها عن الأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة العربية بالخصوص، من جراء تفاقم المخاطر الآتية من تغوّل داعش وجبهة النصرة وأنصار الشريعة وغيرها، التي تحسب على ما يسمى ب (الإسلام المتطرف)، أو (الإسلام السياسي)، أو (الإسلام المقاتل)، وهي جميعها تسميات لا دلالة لها، ولا معنى، ولا مضمون؛ لأن الإسلام لا علاقة له بالتطرف وبالإرهاب من قريب أو من بعيد، ولا مفهوم واقعيًا لما يقال عنه (الإسلام السياسي)، لسبب بسيط، وهو أن الإسلام إسلام وكفى، لا يجوز أن يفصل إلى سياسي وغير سياسي. وإنما هي أسماء من ابتكار الأجهزة، ومن اختيار بعض النخب الثقافية والقيادات الفكرية التي تقف الموقف المعادي، للدين من حيث هو، جملة وتفصيلا ً. فالقتلة الإرهابيون المجرمون الإسلام منهم براء. لأن الإرهاب والإجرام يعودان إليهم، فهم الذين يوصفون بالإرهاب بجميع أشكاله وبالإجرام بشتى أصنافه. وهذه مسألة دقيقة، الفصل فيها بحكمة وتحريرها بدقة، بالغا الأهمية. ذلك أن الأفراد والجماعات المتشددة والمتطرفة، والجاهلة أيضًا بحقائق الإسلام، التي تلتحق بصفوف التنظيمات الإرهابية الإجرامية، لا تملك مقومات الفهم الصحيح لمقاصد الشرع الحنيف، وهي في الغالب الأعم، سواء الوافدة من البلدان العربية والإسلامية أو من الدول الغربية، تنتمي إلى طبقات اجتماعية ذات الهشاشة، أو هي من أوساط يسود فيها الجهل بالإسلام وينعدم فيها العلم الشرعي، وهي تقع تحت تأثير الدعايات المصنوعة في أحايين كثيرة، من جهات أجنبية لها مصالح في زعزعة الاستقرار في العالم العربي الإسلامي، من جهة، وفي تشويه صورة الإسلام الحق، من جهة أخرى. إن محاربة الإرهاب يراد بها في الظاهر، محاربة الإرهاب الذي تمارسه تنظيمات تنتمي، فيما تزعم وتدعي، لأهل السنة والجماعة، وإن كان الواقع ينكر عليها هذا الانتماء، بالنظر إلى الجرائم التي ترتكبها ضد الإنسانية، ولا تشمل هذه المحاربة، التي أصبحت هدفًا مشتركًا مع دول كثيرة، التنظيمات الإرهابية التي تقف في الصف المناوئ، بل لنقل بمنتهى الصراحة، الصفَ المناهضَ والمحارب، للصف الأول، وأقصد به الصف الشيعي الطائفي الذي يكفر أصحابه أهل السنة والجماعة. فهؤلاء هم التكفيريون الحقيقيون الذين يدلسون، ويتحايلون، ويزيفون الحقائق، فيرمون غيرهم بالتكفير. هذه التنظيمات التي لها حضور مكثف وترتكب الجرائم ضد الإنسانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لا تدخل ضمن الهدف الذي تجتمع حوله غالبية دول العالم، لمحاربة الإرهاب. وهو الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة حان الوقت للإجابة عنها، حتى تتوضح الأمور بالقدر الذي يسمح لنا أن نفهم ما يجري على الأرض. إن المقاتلين الأجانب الذن يتوافدون على مناطق القتال في العراق وسوريا، لا يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية المحسوبة بالباطل على الإسلام السني فحسب، ولكن بعضًا منهم ينضمون إلى التنظيمات الإرهابية الشيعية التي تقوي من نفوذ الجبهة التي تخوض الحرب الطائفية المشهرة على أهل السنة بوجه خاص. فهؤلاء المقاتلون الأجانب يشكلون رافدًا للجماعات الإرهابية الطائفية التكفيرية. ولذلك فهي التنظيمات تجب محاربتها هي الأخرى، وهؤلاء الأجانب المقاتلون الذين يتدفقون من العالم العربي الإسلامي ومن الغرب، ينبغي التعامل معهم على هذا الأساس، باعتبارهم روافد للإرهابيين في مواقع القتال من الصفين معًا، الصف المحسوب على الإسلام السني بالباطل، والصف الشيعي الطائفي الدائر في فلك الدولة الإقليمية التي لها مصلحة في إضرام نيران الفتنة. وكون المغرب يحتضن هذا الاجتماع الدولي المهم الذي يدخل في إطار المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب، فهذا مكسب شديد الأهمية لبلادنا، يعزز حضور المملكة المغربية في الساحة الدولية من جهة، ويظهرها أمام العالم في صورة الانخراط الحقيقي في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بجميع أشكاله. من جهة ثانية، وفي جميع الأحوال، فإن هذا المركز الدولي الذي يحتله المغرب، يلقي عليه تبعات يتعين عليه النهوض بأعبائها، ليعطي لمفقهوم محاربة الإرهاب مشروعيته ومصداقيته وفعاليته. وليس معنى هذا أن المغرب يقصر في هذا المجال، بالعكس فإن المغرب يكاد أن يكون من الدول الرائدة في هذا المضمار، ولكن القصد في هذا السياق، هو أن يلتزم المغرب إلى أقصى الحدود، بالضوابط القانونية وبالقواعد الأخلاقية وبالقيم الإنسانية في الجهود التي يبذلها لمحاربة الإرهاب، سواء في الداخل أو في الخارج.