يمكننا القول بأنه عَقِب ذبح الصحفين الأميركين جيمس فولي وستيفن سوتلوف" على يد ما بدا أنه جهادي بريطاني، وذبح عامل الإغاثة البريطاني ديفيد هينز، واحتمال وجود مزيد من الرهائن بيد التنظيم، اتضحت ضرورة الانتباه من جديد إلى المخاطر التي يشكِّلها المتطرفون من شباب المسلمين الأوروبيين المنضمين إلى القتال في سورياوالعراق، والتي باتت هاجس يشغل الدول الأوروبية، مما دفعها إلى تشديد إجراءاتها لمواجهة تزايد أعداد الشباب الأوروبيين الذين يشاركون في الحرب؛ لا سيما أن بريطانيا رفعت حالة درجة التحذير من أخطار الهجمات الإرهابية على خلفية الحروب الدائرة في كلٍّ من سورياوالعراق من درجة «خطر كبير» إلى «خطر شديد»، وأعلنت ألمانيا، أنها تعتبر أن أي أنشطة دعم وتأييد وترويج لتنظيم «الدولة الإسلامية» مخالفة للقانون، وذلك لتجنُّب التأثيرات الناجمة عن انتشار هذه الظاهرة، والتي ستتوقف على مجموعة من العوامل؛ أهمها التنسيق المستمر بين الدول الأوروبية لمكافحة هذه الظاهرة. أعداد «مفزعة» للمقاتلين الأوروبيين تفيد الدراسات، ومن بينها التي أجراها المركز العالمي لدراسة التطرف في جامعة لندن أن العدد الإجمالي للمسلمين الأوروبيين الذين حاربوا في سوريا، أو مازالوا هناك، قد يتجاوز 2400. وأكدت الدراسة أن هناك 55% من المجاهدين الأجانب أعضاء في داعش، و 14% ينتمون إلى جبهة النصرة، بينما الجيش السوري الحر ولواء التوحيد وأحرار الشام الأقل بنسبة تتجاوز 2%. ) ويقدِّر تقرير ظهر في مايو الماضي عن «مجموعة سوفان»، وهي مكتب استشارة، أن ثلاثة آلاف محارب تنقلوا إلى سوريا من بلدان غربية للمحاربة مع مجموعات متمردة تحت سيطرة المتطرفين الإسلاميين. ووفقاً للتقرير، تتوزع أعداد الأوروبيين الموجودين في سورياوالعراق، على النحو التالي؛ فهناك 700 قادمون من فرنسا، و 400 من بريطانيا، و 100 من الدنمارك، و 120 من هولندا، و51 من أسبانيا. وفي ألمانيا، وفقًا للمكتب الأتحادي الألماني لحماية الدستور، هناك 321 ذهبوا إلى سوريا، وعاد منهم مائة ولديهم خبرات قتالية ، بينما نجد أن 50 من إيطاليا يحاربون ضمن صفوف "داعش"، وفي إسبانيا فقد قبض على ثمانية يزعم تجنيدهم لقوات داعش . والأمر المثير للدهشة، أن استطلاع رأيٍ أجرته وكالة فرنسية تُدعى (ICM)، كشفت أن حوالي 16% من المواطنين الفرنسيين يدعمون داعش . وفقاً للاستطلاع ذاته يتعاطف نحو 7% من العينة التي أجراها المركز من البريطانيين والألمان مع داعش. وقد تسوقنا تلك النتيجة الملفتة للاستطلاع إلى اتجاهين؛ أولهما، أن عددا لا يُستهان به من الأوروبيين قد كفر بسياسات الدول الكبرى ووجد أنها لا تختلف عن داعش سوى في الوسيلة وطريقة تسويقها، لذا كان تعاطفه مع داعش ربما نكاية في الدول الكبرى، وقد يذهب الاتجاه الثاني إلى إيمان البعض بأن قوات داعش تتعامل في إطار رد الفعل قبل الفعل وأن سلوكها هذا الآن ربما نتج عن السياسات الأمريكية في العراق والتهميش الذي حدث للسنة تحت حكومة المالكي. وفي السياق ذاته، يعتقد المسؤلون الأوربيون أن عدد المجاهدين في أوروبا وصل إلى 2000 مواطن أوروبي، بينهم على الأقل 500 إلى ألفٍ انضمُّوا إلى تنظيم «داعش». وتسجِّل بريطانياوفرنساوألمانيا النسبة الأعلى، ومعهم بلجيكا؛ حيث وصل عددهم إلى 150 شخصًا، ومعظمهم انضموا إلى «داعش». وأشار التقرير السابق، أنَّ 6% من المتمردين الأجانب القادمين من دول الاتحاد الأوروبي تحوَّلوا إلى الإسلام، وأن العديد من المقاتلين من الدول الغربية هم من الجيل الثاني أو الثالث للمهاجرين، وقليل منهم كان لديه اتصال مسبق مع جهات في سوريا. وعلى الرغم من أن أغلب المقاتلين الذين سافروا إلى سورياوالعراق من الرجال، فإن الجماعات الإرهابية نجحت في جذب العديد من العناصر النسائية، فهناك من 10 إلى 15% من المقاتلين الأوروبيين عنصر نسائي، منهم 30 على الأقل من السويد. ويحاول تنظيم داعش استقطاب السيدات، والنداء الاسلامي لبناء الخلافة الإسلامية، عبر الزواج، ويعتمدون في ذلك على السيدات المتزوجات من الجهاديين بندائهم عبر الفيس بوك وتويتر، وإطاعة أوامر "داعش". وقد أفتتح داعش مكتباً للزواج في مدينة الباب شمال سوريا، للراغبين في الزواج من المجاهدين، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الانسان. وفي يونيو، أشارت وزيرة الداخلية البريطانية تريزا ماي، أن نحو مائة من امرأة من أصل 400 بريطاني سافروا إلى سوريا، . وبالرغم من أنهم ينضمون إلى جماعات إسلامية مختلفة، فإن الأغلبية العظمى تنضم إلى داعش ، والسبب في ذلك يكمن في امتلاكهم مشروع إسلامي ممثَّلًا في الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة الاسلامية. أسباب «الانضمام» اختلفت الأسبابُ التي أدت إلى التحاق المجاهدين بالحرب في سوريا، ففي بداية الحرب، ذهب عددٌ منهم لأغراض إنسانية، ومع احتدام الحرب في سوريا وتحوُّلها إلى حرب طائفية، انضم معظمهم للقتال، وفقاً لدراسات لأكاديمية، إما هربًا من الملل، أو ربما للبحث عن هوية أخرى. ويُعَدُّ الانضمام إلى " محركًا قويًّا لما يمكن وصفه ب تحويل القومية وهي الظاهرة التي تسمح للمجاهدين أن يكونوا أكثر وطنية، وتقدم الفرص للانتقام من الأعداء. وقد نجحت «داعش» في تكوين «إمبراطورية» مالية تصل إلى 2 مليار دولار، وهي أضعاف ما كان يمتلكه القاعدة إبان أسامة بن لادن، وهو ما يجعلها أكثر تأثيرًا. وأما عن طريقة الذهاب، فإن هؤلاء يذهبون إلى سوريا أو العراق، عبر حجز تذكرة ذهاب بلا عودة إلى تركيا، ثم التنقل داخليًّا عبر الحدود التركية السورية، والتي يمكن تسميتها ب Jihadi Express"". والبعض منهم قد لا يعود بعد قيامهم بحرق جوازات السفر الخاصة بهم، واعتمادهم جواز سفر آخر خاص بهم، وهو بالطبع غير معترف به في أي مكان في العالم. وبالرغم من تأكيد الحكومة التركية على أن الحدود مع سوريا مغلقة، فإن انتقال الناس أو وسائل النقل عبر الحدود يتم دون مشكلات، فهناك حركية دائمة التكرار، وقد تتجلى أيضًا في إمكانية تهريب السلاح والذخيرة. وسائل «تجنيد» المهاجرين طرح تزايد أعداد المهاجرين الأوروبيين إلى سورياوالعراق، تساؤلات جمة حول الوسائل والآليات التي أفضت إلى تنامي هذه الظاهرة في وقت لا يتجاوز الثلاثة أعوام، على الرغم من أن تجنيد المجاهدين هو أمرٌ شائعٌ؛ لا سيما منذ الحرب السوفيتية على أفغانستان، ولكن لم يصل أعداد المجاهدين في الحرب على أفغانستان والتي أمتدت عشرة أعوام إلى عدد المجاهدين في سورياوالعراق الحالي، ويمكن تصور عدد من الوسائل التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة: 1- التجنيد الإلكتروني: وذلك بالاعتماد على عدة وسائل، ومنها اليوتيوب، حيث استخدمت داعش ال«يوتيوب» من أجل نشر الفيديو الذي يصور ذبح الصحافي الأميركي جيمس فولي والصحافي ستيفن سوتلوف ، التي كانت الأشد قسوة، والتي شغلت اهتمام الأجهزة الأمنية الغربية. ويمثل، على سبيل المثال، موقع Salafi media UK، أرضية لشبكات المهاجرين، وفي يناير 2014م، وصل متابعو قنواتهم على اليوتيوب إلى 2 281 وهناك «الناشرون الجدد»، ويُعَدُّ ناصر بلوشي مصدر الإلهام الأساسي لشبكات المقاتلين الأجانب في سوريا، الذين يعملون على تجنيد المقاتلين عبر الإنترنت، فعلى سبيل المثال تأثر بأفكار ناصر البلوشي هذا الشهر 2.690 من المتابعين له على موقع تويتر ؛ حيث نشر تغريدات مكتوبة بالإنجليزية، و يعتمدون على تغريداتهم لإلقاء نظرة عامة على الجهاد. وهناك شخصية أخرى معروفة هو أحمد موسى جبريل، وهو مسلم من أصل أمريكي، و 60% من المجاهدين يتابعونه عبر صفحته الشخصية على تويتر، ومتابعوه على صفحة الفيس بوك وصلوا إلى 200,000، ولديه قناة على اليوتيوب. ويقدم كل من تويتر والفيس بوك، عن غير قصد، توصيات لغيرهم من الأفراد الذين يتبنون الفكر ذاته، وبالرغم من ذلك فإن هناك جماعات تناهض استخدام الفيس بوك مثل «المهاجرون». وهناك أيضًا المواقع الرسمية؛ مثل موقع «أنصار الحق» الفرنسي، الذي يحتوي على خطوات بسيطة لكيفية اعتناق الإسلام وتتبع التعاليم الدينية، ويجذب الموقع المتطرفين من خلال مقالات، وفيديوهات، ويعتبر هذا الموقع الوجهة للجهاديين الفرنسيين. وهناك المنتديات وغرف الشات، التي ما زالت تستخدم كآلية للنقاش بين المتطرفين، باللغة الإنجليزية والفرنسية، ومثال على ذلك مركز الفجر الإعلامي... ومن ثَمَّ يتبين أن وسائل الإعلام الاجتماعي مثل (فيسبوك وتويتر) تسهم في نشر الأيديولوجيات المتطرفة، وتجنيد المقاتلين، وجمع الأموال للجماعات المتشددة. 2 علماء الدين والمدارس: برغم أن الأغلبية العظمى من المساجد لا تعيِّن أئمة متطرفين، فإنها تعتبر حاضنة للمتطرفين والجهاديين، فهي وسيلة للتعرف على بعضهم ونشر أفكارهم. وقد كان هناك مسجد بريطاني هو مثالٌ على التطرف الإسلامي؛ حيث استخدم في أواخر التسعينيات لاستقطاب جهاديين لأفغانستان، الذي قاده حينها الإرهابيان أبو حمزة وأبو قتادة. وهناك مسجد دنماركي ، أعلن دعمه لداعش في 2 شتنبر 2014م. فهناك مدارس سلفية عديدة في أوروبا خاصة في بريطانياوفرنسا، حيث ينشر هؤلاء أفكارًا معادية للغرب، ويتحدثون في بعض الأحوال بلسان داعش . ووفقًا لتقرير صدر من الصحيفة الألمانية «بيرد»، فقد أشارت إلى وجود مدارس إسلامية متطرفة في المدارس الابتدائية والثانوية في مدينة هامبورج، وهي ثاني أكبر مدينة في المانيا، فهناك على الأقل 25 مدرسة ينتمون إلى الفكر السلفي والجماعات الإسلامية الأخرى المحافظة، وذكر التقرير أن هناك سبعَ مدارس على الأقل تشن حربًا دينية ضد المدرِّسين وزملاء الدراسة غير المسلمين في شتى أنحاء المدينة . ولكن في ظل الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبح تأثيرها «ممتد»، تزايدت الشكوك بأن المساجد ومعسكرات التدريب والمدارس أصبحت تحتل المركز الثاني في تجنيد الراغبين في السفر للانضمام إلى الجهاديين في سورياوالعراق. 3 السجون الأوروبية: فتواجد المتطرفين والإرهابيين في السجون، يساعد على نشر أفكارهم، فكانت هناك شخصيات جهادية معروفة مثل ريتشارد ريد عام 2001م، ومختار سعيد إبراهيم 2005م في بريطانيا، وقد ساعد وجود هؤلاء في السجون على اعتناق عدد لا بأس به الإسلام. وبرغم أن عدد المسلمين في بريطانيا يشكل نحو 4% من عدد السكان، غير أنهم يمثلون نحو 13,1% من إجمالي المسجونين، ويشكل المسلمون الفرنسيون في السجون نحو 53%. وظهرت بعض المبادرات لمنع نشر أفكار المجاهدين والمتطرفين. ففي بريطانيا، يساعد برنامج "ليبانا"، على مواجهة المتطرفين، عن طريق استقطاب مسلمين داخل السجون لمواجهة أفكارهم المتطرفة، وشرعت بريطانيا في تطبيق هذا البرنامج منذ أبريل 2013م. ومع ذلك، مازال تأثير السجون «محدوداً»، خاصة في ظل تسارع وتيرة الأزمة في سورياوالعراق، فليس معقول الانتظار لحين خروج هؤلاء من السجون حتى ينجحوا في جذب العديد إليهم، كما أن العديد من الدراسات النفسية تشير إلى أن بعض المسجونين حينما يخرجون من السجون يقررون عدم الانخراط في الانشطة الارهابية أو المتطرفة مرة ثانية. العواقب المحتملة لعودة المقاتلين في داعش مع تعدد وسائل تجنيد المهاجرين من الدول الأوروبية، بدا للمتابعين أن ثمة عواقب محتملة من تواجد المجاهدين الأوروبيين في سورياوالعراق وانضمامهم إلى ساحة القتال. تتمثل أولهما في عودة الجهاديين، الذي يُعَدُّ الخطر الأكبر الذي تواجهه أوروبا اليوم، والذي تحول إلى ظاهرة جماعية بعد قيام تموش ? بالاعتداء على متحف يهودي في مدينة بروكسل في 24 مايو 2014م، وأدى الاعتداء إلى مقتل 4 أشخاص كانوا يزورون المتحف. وفي بريطانيا، أوضحت بعض التقارير الصحفية، أن "العلم الجهادي" رُفِع بجوار علم فلسطين، فوق مبنى في شرق لندن. وفي مدينة "كان" الفرنسية، وهي المدينة الفرنسية الشهيرة المعروفة بمدنيتها وابتعادها عن القلاقل، قبضت السلطات الأمنية على شاب فرنسي يحاول تصنيع قنبلة، عائد من القتال ضمن صفوف جبهة النصرة في سوريا، في فبراير العام الحالي، ويُعرف باسم إبراهيم ب. وفي ظل اختلاف مصادر تهديد عودة الجهاديين إلى أوروبا، والتي تتراوح بين الأقل خطورة والخطرة والأكثر خطورة، يمكن تصنيف أربعة أنماط للعائدين من سوريا. يتمثل أولهما: في عدم التكرار مرة أخرى، وهؤلاء يكون لديهم الحماس الشديدة للانخراط في القتال دفاعًا عن الدين، ولكنهم يكتشفون بعد ذلك مدى بشاعة القتال، ويقررون بعدم المشاركة مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة. أمًا النمط الثاني: فهو "الانزواء النشط" a ، وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، ولكنهم يحاولون منع ذويهم من المسلمين من الذهاب وخوض التجربة نفسها. أمًا النمط الثالث: وهو السياح المجاهدون، وهؤلاء يحملون في البداية أفكارًا مثالية عن القتال، ثم يصطدمون بالأمر الواقع، ولكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن "عظمة" الجهاد عند عودتهم إلى ديارهم، وهذا النمط يشكل خطورة على الدولة الأوروبية. وأما النمط الأخير: وهو الجهاد العابر للقارات ، وهؤلاء لديهم التزام إيديولوجي للعنف باسم الإسلام في الداخل والخارج، وهؤلاء لا يعودون إلى ديارهم إلا بعد تنفيذ عدة هجمات في الخارج، وهو النمط الأشد خطورة و الأكثر انتشاراً. وينصرف ثانيهما إلى إمكانية تزايد هجمات الذئب الفردي: مثلما حدث العام الماضي مع مقتل الضابط البريطاني «لي ريجبي» من قبل جهاديين في لندن. وهو يعني أن الفرد يتطرف من خلال الإنترنت دون معرفة سابقة عن الأيديولوجية المتطرفة. ويتعلق ثالثهما ب انتشار ممارسات داعش في الدول الأوروبية، وأهمها موضة قطع الرؤوس، ومستوردها الأول من دون أن يرغب هي بريطانيا، حيث قام "معتنق للإسلام" يوم 4 شتنبر بالإجهاز على امرأة عجوز بسكين «منجلي» الطراز كالخنجر، وبه جزّ رأسها وفصله، على الطريقة «الداعشية» في لندن. كما ظهرت ما يسمى شرطة «الشريعة» في ألمانيا من خلال تنظيم دوريات حراسة ليلا لمراقبة السلوكيات، وهو ما يبرهن أن الأدوات التي يجندها الشباب باتت بمثابة موضة fashion style يتتبعها الشباب، بعد أن جذبت الأنظار إليها ليس فقط من قبل وسائل الإعلام بل بين الشباب بعضهم البعض. السياسات «الوقائية»: ونتيجة للتهديدات التي تواجه الدول الأوروبية جراء تزايد أعداد المجاهدين المنضمين لداعش من ناحية، وتمدد خطرهم على المجتمع الاوروبي من ناحية أخرى، فقد انتهجت بعض الدول سواء منفردة أو بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي عدة سياسات لمحاولة تقويض انتشار تلك الظاهرة، ومن أبرز تلك السياسات: 1- مصادرة جوازات السفر: فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن خطط لمكافحة الإرهاب، تساعد الشرطة في مصادرة جوازات من يُشتبه بأنه من المقاتلين الإسلاميين، وتشدد إجراءات السفر جوًّا، وتفرض قيودًا على حركة المتطرفين المشتبه فيهم، خاصة بعد أن رفعت بريطانيا حالة التأهب إلى "خطرة". وأكد كاميرون أن البريطانيين الذين قاتلوا مع "داعش" لن يُسمح لهم بالعودة مرة أخرى، مضيفًا أنه سيتم منع المشتبه فيهم من السفر للقتال في صفوف "داعش".واقترحت هولندا أخيرا تعديل قوانين الجنسية الخاصة بها، بما يمكنها من سحب الجنسية الهولندية حال قيام أحد مواطنيها بالتطوع للانضمام إلى صفوف إحدى المنظمات الإرهابية. ورغم التهديدات التي يمثِّلُها الجهاديون العائدون من سوريا، فإن المهمة الصعبة التي يجب على الحكومات الغربية إنجازها، هي إيجاد توازن بين اتخاذ إجراءات وقائية والحرص على عدم تنفير الجاليات المسلمة. وفي إطار الاتحاد الأوروبي، تمت الموافقة على سلسلة تدابير خلال اجتماع عمل عُقِد في 8 يوليو بين وزراء داخلية تسع دول، هي بلجيكا وفرنساوألمانياوبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والدنمارك والسويدوهولندا، وأعلنوا أنهم سيتخذون تدابير وقائية في أكتوبر ومنها؛ كشف الشبان المستعدين للتوجه إلى سورية، وعرقلة سفرهم ومراقبتهم لدى عودتهم، وحتى اعتقالهم إذا كانت هناك ضرورة. وتسهيل تبادل المعلومات عبر نظام "شنغن". 2-التشديد الإلكتروني: تراقب بريطانيا مواطنيها على وسائل التواصل الاجتماعي في جزء من استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب. ففي بلجيكا أعلن وزير الداخلية "جويل ميلكيه" عن تشديد المراقبة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الجوَّالة والأجهزة اللوحية. وقامت وحدة مكافحة الإرهاب التي ترصد الإنترنت والمواد المتطرفة العنيفة على شبكة الإنترنت في بريطانيا بإزالة نحو 1100 مادة ينتهك محتواها تشريعات مكافحة الإرهاب، من بين تلك المواد التي جرى إزالتها نحو 800 مادة لها صلة بسوريا أو بالعراق. ولكن، قد تواجه هذه الدول مشكلات خاصة بصعوبة حظر مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الرسائل تنتشر بشكل واسع وفي زمن قياسي، وحيث يمكن لأشخاص خارج الأراضي الأوروبية أن يقومون بنشرها. 3-برامج معارضة التطرف : تلجأ الحكومات أيضًا إلى الأئمة المعارضين للتطرف من أجل المساعدة على منع المسلمين من تبني أفكار راديكالية وإقناع من عادوا من أرض المعركة باعتناق أفكار معتدلة. وفي بريطانيا، بعد مقتل الصحفي "فولي"، دعا "قاري عاصم"، إمام مسجد مكة في ليدز، المسلمين إلى »العمل مع أجهزة الاستخبارات والحكومة للتأكد من أن هذه السموم لا تصل إلى حدودنا«. فقد جذب أحد مساجد "كارديف" الانتباه في يونيو عندما وردت تقارير بأن ثلاثة شباب منضمين إلى صفوف "داعش" كانوا من المترددين عليه بانتظام. وهناك جهود أخرى على المستوى غير الرسمي، وهي مبادرات عبر الإنترنت لتحدي الادعاءات التي تنشرها الجماعات المتشدًدة، ومواقع ومؤسسات تقدم خطابات لمكافحة الإرهاب، وهناك أيضًا مشاريع تعليمية تسعى للتوعية بمخاطر التطرف والجهاد، ومنها فتوى على الإرهاب ، والذي يديره الدكتور طاهر القدري، وكذلك إسلام ضد التطرف ، وهناك مبادرة تقدم دروسًا للشباب من سن 11-19 وتقديمهم مهارات خاصة لمواجهة التطرف. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن تلك الوسائل والبرامج قد تساعد في تخفيف حدة التطرف، لأنها تستهدف المراحل الأولية للتطرف، كما أن معظم هذه البرامج موجودة منذ أحداث 11 شتنبر 2011 وما قبلها، وبالتالي لم تنجح في اقتلاع الإرهاب والتطرف من جذوره. أوروبا جزء من التحالف تدرك الدول الأوروبية أنها لا تستطيع منفردة القيام بأي عمل سياسي أو عسكري دون الاشتراك مع الولاياتالمتحدة الأمريكية والتنسيق من قبل أطراف إقليمية أخرى، لمواجهة خطر تنظيم داعش، الذي تسبًب في جذب العديد من الجهاديين الأوروبيين. لذلك، شاركت بعض الدول الأوروبية في لقاء الناتو في مقاطعة ويلز البريطانية، يومي 4 و5 شتنبر، بحضور الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وهو اللقاء الذي كشف عن أن الضربة المقررة ضد "داعش" باتت شبه محسومة، حيث أبدى فيه قادة دول حلف الأطلسي استعدادهم لمساعدة العراق إذا ما طُلِب ذلك. وأعلن من خلاله عن تشكيل التحالف الجوهري ، الذي ضم 10 دولٍ؛ هي: بولندا، وفرنسا، وإنجلترا، وألمانيا، وإيطاليا، والدنمارك، وكندا، إضافةً إلى أستراليا والولاياتالمتحدة. وأكد الحلف الأطلسي، في البيان الختامي لقمة ويلز، أنه "سيرد بحزم ومن دون تردد، على تنظيم الدولة الإسلامية، في حال تهديده لأمن أي من الدول الأعضاء في الناتو، تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول الحلف". وأتخذ التحرك الأوروبي لمواجهة داعش شكلين رئيسيين. يتمثل أولهما في الدعم العسكري لقوات البيشمركة، حيث أعلنت عدد من الدول الأوروبية تسليح قوات البيشمركة، وكان آخرها قرار ألمانيا في 5 سبتمبر إرسال أول شحنة من المعدات العسكرية إلى قوات البيشمركة الكردية، على خلاف نهجها السابق القائم على النأي بالنفس عن النزاعات الخارجية. وينصرف ثانيهما إلى الإستعداد لتوجيه ضربات جوية ضد داعش في العراقوسوريا، وعلى رأسهما فرنسا، حيث أشار وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في 13 سبتمبر إنه لا يرى فائدة من ضرب الإرهابيين في العراق دون ضربهم في سوريا، حيث تستعجل فرنسا ضرب تنظيم داعش الذي تقاتل في صفوفه بضع مئات من حملة جنسيتها، فيما تستعد قواعدها العسكرية، خصوصاً في جيبوتي وأبوظبي، لضربات جوية. كما استضافت فرنسا مؤتمر السلام والأمن في العراق 15 سبتمبر، بحضور دول أوروبية وعربية، وتقرر من خلاله مواجهة داعش بشتى السبل، وعكس استضافة باريس لهذا المؤتمر الدور النشط الذي تقوم به فرنسا، لمواجهة خطر هذا التنظيم، خاصة بزيارة الرئيس "فرنسوا هولاند" إلى بغداد وأربيل في 12 سبتمبر، وهو أول رئيس دولة يقوم بهذه المبادرة. وتسعى فرنسا للتنسيق مع دول إقليمية عديدة، على رأسهما المملكة العربية السعودية، التي استضافت مؤتمر جدة في 11 سبتمبر، ومن خلاله أعُلن التحالف الإقليمي لمواجهة داعش والمعروف ب الاجتماع " العربي-التركي-الأمريكي"، وفيه، على ما يبدو تقرًر فيه الاعتراف الإقليمي والدولي، بالقيادة السعودية الإقليمية لأي تحالف مقبل بسبب دورها في مكافحة الإرهاب، وفي ظل مباركة غير مسبوقة من قبل واشنطن بالدور الإقليمي لمصر. فقد اشار وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فابيوس أنّ "ملف الإرهاب يشكل تحديا دوليا لأوروبا والشرق الأوسط والخليج العربي ما يجعل دور المملكة مهمّ ومطلوب على الساحة الدولية، أثناء زيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز فرنسا في 1 سبتمبر. أمًا في بريطانيا، فمازال موقفها غير واضحاً، حيث تضاربت التصريحات الخاصة بالمشاركة في ضربات جوية ضد داعش، فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، أن لندن لن تشارك في ضربات جوية ضد "داعش"، داخل الأراضي السوريّة، ثم أعلن المتحدث باسم رئيس الحكومة البريطانية أن الأخير "لم يستبعد شيئاً، ولم يتخذ بعد أي قرار"، فيمكن فهم موقفها في سياق رفض مجلس العموم البريطاني العام الفائت توجيه ضربات عسكرية ضد دمشق بسبب استخدامها أسلحة كيميائية، كما أن داعش لديها رهينة بريطاني آخر، وهو ما يعني عملياً أن إقدام بريطانيا على المشاركة في الضربة الجوية، سيهدد حياة الرهينة الآخر. يمكن القول أن بعض الدول الأوروبية مازال لديها هاجس التعرض لهجمات انتقامية، خاصة بالنظر الى النتائج "الكارثية" التي اسفرت عنها حملة الناتو الجوية ضد ليبيا، والتي أفضت إلى انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة، حيث تبقى قضية »الجهاديين« الغربيين إحدى التبعات المباشرة لعدم الأستقرار في المنطقة على أوروبا، فالتهديد الإرهابي للدول الأوروبية مرتبط بمجموعة من الحقائق أهمها؛ أن انتشار نفوذ "داعش" وتمدده في المنطقة يمثل ضربة "قاسمة" للحرب العالمية على الإرهاب، التي تقودها الولاياتالمتحدة، وأن "داعش" مستمرة في تهديها للغرب بتوعدها بهجمات مباشرة، كما أن عدد المجاهدين الأوروبيين إلى بلدانهم لن يساعد فقط على نشر أفكارهم الجهادية فحسب، بل على تسريع ظهور خلايا إرهابية في مختلف الدول الأوروبية. ولكن العقبة التي تواجههم أن القوانين الأوروبية متساهلة حيال حق الحرية في التظاهر السلمي، والتي سمحت للمتعاطفين ومؤيدي "داعش" أن يشاركوا في مسيرات مؤيدة لهم. وبالتالي، فأي عمل عسكري في سوريا أو العراق، قد لا يؤدي إلى حلحلة الأزمة، بل إنها قد تمثل عبئًا إضافيًّا بعد التخلص من «داعش» وعودتهم إلى ديارهم.