مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الاعلام الإيطالي يواكب بقوة قرار بنما تعليق علاقاتها مع البوليساريو: انتصار للدبلوماسية المغربية    الخطوط الملكية المغربية تستلم طائرتها العاشرة من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر    مؤتمر الطب العام بطنجة: تعزيز دور الطبيب العام في إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب    استقرار الدرهم أمام الأورو وتراجعه أمام الدولار مع تعزيز الاحتياطيات وضخ السيولة    السلطات البلجيكية ترحل عشرات المهاجرين إلى المغرب    الدفاع الحسني يهزم المحمدية برباعية    طنجة.. ندوة تناقش قضية الوحدة الترابية بعيون صحراوية    وفاة رجل أعمال بقطاع النسيج بطنجة في حادث مأساوي خلال رحلة صيد بإقليم شفشاون    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    مع تزايد قياسي في عدد السياح الروس.. فنادق أكادير وسوس ماسة تعلم موظفيها اللغة الروسية    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إضاءات رمضانية‪: ..لا إرهاب في لغة الضاد... ولا إرهاب في الإسلام... بقلم // محمد أديب السلاوي
نشر في العلم يوم 01 - 07 - 2014

بظهور المجموعات العنيفة / الارهابية على الخريطة الدولية (داعس/ القاعدة/ طالبان / بوكوحرام وغيرها) وماراكمته من جرائم ضد الانسانية في مشرق الارض ومغربها، اخذ الاعلام الغربي، الاكاديمي والسياسي والعقائدي، يسلط الأضواء على مصطلح الارهاب، باعتباره مصطلحا عربيا / اسلاميا ذو حمولة عنيفة، أفرزت للانسانية ولحضارتها هذه الموجة المخيفة من العنف الاسود.
في هذه الاضاءة، نحاول من جانبنا تفنيد هذا الاتهام الاهوج، بتسليط الضوء على مصطلح الارهاب عربيا واسلاميا، واستقراء حمولته اللغوية والعقائدية، من أجل الحقيقة، ومن اجل إغناء النقاش حوله.
-1-
"الارهاب" مصطلح في القاموس العربي، لا يعني اطلاقا ما يعنيه في القواميس الغربية، سواء من حيث اللغة والمفهوم، أو من حيث النظرية والممارسة. فالمفردة العربية لكلمة "ارهاب" والاصول التي اشتقت منها، لا تتضمن تلك الحمولات الفكرية والسياسية والعملية نفسها التي تتضمنها هذه المفردة في قواميس اللغات الاخرى.
في اللغة العربية، الارهاب مصدر أرهب ومعناها لغة " اخاف وأفزع "، جاء في لسان العرب "لابن منظور" في مادة "رهب" وأرهبه ورهبه واسترهبه، أي أخافه وأفزعه، اذ أن إرهابا في الوجدان العربي، هو تخويف الآخر، ورهب فلان فلانا، أي أخافه وأفزعه لا قتله ومثل به. والترهيب بالعربية ليس امرا مستنكرا بل مطلوبا ومستحبا في بعض الاحيان، اذ يقول المثل : " لأن ترهب خير من أن ترحم" اذ ذاك ترهب بفضل القوة وترحم بسبب ضعف فيك." والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف" وهذا معلوم بين المسلمين، أما الراهب فهو الذي يخاف الله وينقطع له. وكذلك هي "الراهبة" و "الرهبانية" حالة روحية تنم عن التقوى والخوف من الوقوع في الخطيئة (1).
ففي اللغة العربية، تشتق كلمة "ارهاب" من فعل " أرهب" ويقال أرهب فلانا أي خوفه أو فزعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف " أرهب" فيعني خاف. أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو "رهب / يرهب / رهبة ورهبا"، فيقال رهب الشيء رهبا ورهبة، أي أخافه، أما الفعل المزيد وهو ترهب فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه " الراهب / الرهبة / الرهبانية " (2).
هكذا نجد المفردة العربية لمصطلح "إرهاب" لا تتضمن الحمولات الفكرية والعلمية والسياسية نفسها التي تتضمنها المفردة في اللغات الغربية. والدالة بالخصوص على العدوان، ولكن بعد احتكاك العرب بالأمم والشعوب الغربية، أدخل " المنجد العربي الجديد" بعض التعديلات على مفاهيم هذه الكلمة، بعدما استعار المعنى من اللغات الغربية، وحمل المفردة العربية الجديدة، شحنة معنوية لم تكن تحملها بالاصل، فأصبح "الإرهابي" من يلجأ الى الارهاب لإقامة سلطته، وأصبح " الحكم الارهابي" نوع من الحكم يقوم على الارهاب والعنف، تعمد اليه حكومات أو جماعات أو منظمات...وأصبح الارهاب حقيقة وجودية.
وأكيد ان العرب الذين عرفوا على مدار تاريخهم الطويل العريض، مثلهم مثل الاجناس الأخرى، جرائم ومجازر عنيفة، وحالات تمرد دموية لا عد لها ولا حصر، لم يستخدموا مفردة " إرهاب" للتعبير عن ممارسات الإجرام السياسي أو الديني أو الاجتماعي التي اتسمت بالعنف والعدوانية. وهو ما يعني أن الكلمة العربية " للإرهاب" لا تنظوي على مفاهيم نشر الدعر أو القتل أو سفك الدماء في سبيل هدف من الأهداف سواء، كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية.
جاء في المنجد : الإرهاب من يلجأ الى الارهاب لأقامة سلطته، وهو ما يعني تحميل مفردة الارهاب شحنة معنوية لم تكن تحملها بالأصل.
واذا ما توقفنا اليوم متأملين هذه المفردة في معانيها ومفاهيمها الجديدة في القاموس الادبي / السياسي العربي، فإننا سنلتقط لها اكثر من مفهوم وأكثر من معنى، وهو ما يفسر لنا سر الاختلالات والتباينات حول موضوع الارهاب في الثقافة العربية المعاصرة، فهي تعني عملية مضادة للآخر، وتعني كبح جماح الآخر ومعاقبته مهما كان الثمن بوسائل غير مشروعة، وهي تعني عملية او عمليات لا تخضع لقيم الحرب ولا لقيم السلام، وهي تعني القتل والتدمير والتصفية العشوائية، وهي لا تفرق في ذلك بين المدنيين والعسكريين، ولا بين الشيوخ والأطفال والنساء، ولا بين الاهالي والاجانب، ولا بين الأقوياء والضعفاء، ولا تميز بين المؤسسات والأديان والمجتمعات.
في نظر العديد من الباحثين، ان " الارهاب" مفردة حديثة في اللغة العربية لا وجود لها في أدبياتها الكلاسيكية القديمة، ولم تكن تعرف بالمعاني الحديثة التي بلورتها أحداث الارهاب في العالم خلال هذا القرن والذي قبله، وبذلك فهي في الثقافة العربية لا تتضمن الحمولات الفكرية والسياسية والقانونية نفسها التي تتضمنها في الثقافات الغربية.
– بالنسبة للشاعر العربي ادونيس : الارهاب هو " نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطته الرهبة الناجمة عن العنف الى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة ".
– وبالنسبة للباحث محمد العالول : الارهاب هو : العنف الذي يمارس بدوافع لها علاقة بقضايا شريرة تهدف الى الابتزاز أو كسب غير مشروع.
– وبالنسبة للباحث السوري علي حافظ : الارهاب هو عملية مضادة للآخر لكبح جماح الآخر.
وبالنسبة للباحث المغربي ادريس الكريني : الارهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية، يثير الرعب والخرف، ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة، بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي.
– وبالنسبة للدكتور احمد كمال ابو المجد (استاذ القانون الدستوري بمصر) : الارهاب يشمل كل صور العدوان على الحياة والممتلكات والمنشأت بقصد إثارة الدعر والرعب الذي تتجاوز شخص المعتدي عليه، والعنف هو العنصر الاساسي المكون لجريمة الارهاب.
– وبالنسبة للواء (المصري) طلعت مسلم (خبير استراتيجي) : الارهاب، هو نوع من العنف المفاجئ الذي يخالف طبيعة الجريمة العادية.
– وبالنسبة للواء وجيه عفيفي (مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والعربية) الارهاب هو الاعتداء على الآمنين في غير وقت حرب، وعن طريق المفاجأة والاختفاء. وهو عمليات غير منظمة وغير مستمرة ضد المدنيين وممتلكاتهم، تهدف لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عقائدية بقصد فرض ارادة بالقوة وبطرق غير شرعية.
– وبالنسبة لاحمد عبد الحليم (باحث، خبير استراتيجي) ): الارهاب هو العنف المعتمد ضد المواطنين، أو ضد اراضي الغير . وهو الاختطاف والقتل والتخريب.
– وبالنسبة للباحث العربي الدكتور عبد الستار قاسم (محاضر بجامعة النجاح / نابلس ) : الارهاب هو ممارسة متعددة للقوة، قائمة على تخويف أناس فرادى أو جماعات بصورة مباشرة أو غير مباشرة معنويا أو ماديا بهدف ردعهم عن القيام بعمل أو تطويعهم للقيام بعمل.
- وبالنسبة للباحث المغربي يحيا محمد : الارهاب هو عمل عنيف، مرعب، غير مشروع، يقترفه فرد أو جماعة أو دولة لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي.
-2-
أما بالنسبة للدين الاسلامي الحنيف، فيصنف " فعل" الارهاب في نوعين : عدواني وانتقامي.
بالنسبة للصنف الاول (العدواني) هو كل جرم وقطع للسبيل وفساد في الارض، اما بالنسبة للصنف الثاني (الانتقامي) فهو ما يتصل بالمقاومة، من أجل الحق، لا ينتمي الى الجريمة التي حرمها الله، فهو "فعل" من أجل الحق ورد الظلم. وهو نفسه " الفعل العنيف" الذي قام بدور هام في طرد الاستعمار من البلاد الاسلامية، أو الذي استعملته المقاومة الفلسطينية والعراقية من أجل التحرير وقيام الدولة.
حسب قراءة الفقهاء والمفسرين، أن مفهوم الارهاب في الاسلام لا يتخذ الصورة ولا المضمون الذي يحمله في الفكر الغربي اذ تم ذكره في القرآن الكريم بصورة مغايرة تماما عما ينطوي عليه معنى هذا المصطلح في الثقافة الغربية، أو في الثقافة العربية الحديثة المتأثرة بالغرب. والتي تدور جميعها حول العنف والتدمير والقتل والترويع، وهي الأفعال التي يرفضها الاسلام شرعا، فالإرهاب في معناه الفقهي يعني الرهبة، والإستعداد بما يرهب العدو ويخيفه فيجعله لا يقدم على عمل حرب أو عنف أو قتال.(3)
ان القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح الارهاب بصيغته المتداولة في الثقافات الحديثة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) في مواضيع مختلفة من الذكر الحكيم.
يقول تعالى : " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها "(الحديد-25) فالرهبانية سلوك تعبدي انتهجه أتباع عيسى عليه السلام، ابتغاء مرضاة الله وطاعته، وذلك بالانقطاع عن ملذات الحياة الدنيا والتفرغ لعبادة الله، على الرغم من عدم وفائهم بما يستلزمه من رعاية وحدود، وقد سمى الحق سبحانه أتباع هذا المنهج " الرهبانيين" يعتري حالهم الهداية والانحراف كسائر الخلق.
يقول تعالى في منحى الهداية، " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستنكرون " (المائدة- 84).
وفي الموطن الثاني تنبيها للمؤمنين : " يا أيها الذين آمنوا ان كثيرا من الاحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله " (التوبة آية 35).
وتبلغ الرهبة أعلى ذروتها عند الخوف والخشية من عذاب الله : وقال الله تعالى " لا تتخذوا إلاهين اثنين، إنما هو اله واحد فإياي فارهبون" (النحل-51) أي انتهوا من اشراك طواغيت اخرى مع الله في الاعتقاد والعبادة.
بذلك أصبح الارهاب في نظر أحد الفقهاء الباحثين(4) سلوكا دفاعيا، لا علاقة له بمعنى الإفساد والخراب والقتل، بل يهدف رد العدوان وإقبار الفتن حتى يعبد الله على حق، يقول تعالى توبيخا ليهود خيبر، وفضحا لنفوسهم الجبانة والمزعزعة " لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله" (الشر-12).
ج- أما المجتمع الفقهي الاسلامي وفي بيان أصدره إثر اجتماع مجموعة من العلماء في رابع يناير من سنة 2002 اعتبر الارهاب هو ذلك " العدوان" الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الانسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه، وأنه يشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد. ويهدف بث الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، ويعتبر إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والاملاك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، والقتل بغير حق وقطع الطريق إرهابا، وأكد العلماء أن الجهاد لا يمكن أن يرتبط بالإرهاب وشددوا على أن الجهاد في الاسلام شرع للدفاع عن الوطن ضد الاحتلال ونهب الثروات، وضد الاستعمار الاستيطاني الذي يخرج الناس من ديارهم...(5).
-3-
وعلى مستوى السياسات الدولية، تمدنا القراءات السياسية التي تمت لاحداث 11 شتنبر 2001 وما بعدها بمفهومين متباعدين للارهاب، بينها تباين واضح وصارم، الاول تتبناه الدول الغربية، الولايات المتحدة الامريكية على الخصوص والدول التي تسير في ركابها، وهو يتفق ومصالحها الداخلية والخارجية، ويعتبر مدخلا أساسيا لاحكام السيطرة على باقي دول العالم.
يقول هذا المفهوم : " الارهاب فعل منسوب الى كل شخص يقتل شخصا آخر في ظروف مخالفة للقانون، أو بسبب ضررا جسديا بالغا أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا قام أو حاول القيام بفعل كهذا". والارهاب هو كل عنف تمارسه أي جهة ضد مصالحها داخل امريكا وخارجها.
أما المفهوم الثاني، وتتبناه دول الجنوب وشعوبها (دول العالم الثالث) فيرى الارهاب هو كل سياسة عنصرية استعمارية احتلالية ومهيمنة تقف في وجه الشعوب والامم المناضلة من اجل التحرير والاستقلال وتقرير المصير، أو تحول دون الدفاع عن حقوق الانسان وكرامته. ويرى أن إرهاب الافراد والجماعات ما هو الا نتيجة حتمية للإرهاب الرسمي الذي يعتبر أبشع انواع الإرهاب، لأنه غالبا ما يمارس على أرض الواقع بواسطة الأجهزة القمعية ووفق طرق وامكانات تكون سببا في اسقاط عدد كبير من الضحايا الابرياء.
ويرى العديد من الباحثين الاكادميين، أن هذا الصنف من الإرهاب غالبا، ما يلتقي في أشكاله ومضامينه مع الإرهاب الدولي، أي يعد شكلا من أشكال العنف والاضطراب السياسي في المجتمعات المعاصرة، وهو يشكل في الزمن الراهن ظاهرة ذات أبعاد خطيرة، تتزايد عملياتها الارهابية مع تزايد حصة الصراع بين الشمال والجنوب، أو بين الحضارات والايديولوجيات والمذاهب المتصارعة على الأرض. وقد صنفته القواميس السياسية هو الآخر في مفاهيم غامضة، هو : كل عنف، مرعب، مدبر، وغير مشروع، يقترفه فرد أو جماعة أو دولة، لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي، وهو تلك الاعمال العنيفة المدبرة لاسباب سياسية أو ايديولوجية أو دينية أو إثنية.
-4-
تقودنا هذه الاضاءة في مفاهيم الارهاب الصادرة عن مؤسسات محلية أو دولية رسمية، وغير رسمية أو عن أدباء ومفكرين وباحثين ينتمون الى الشرق أو الغرب، الى مضامين لا تخضع الارهاب الى أية قاعدة عربية أو إسلامية، فهي جميعها اديولوجية / سياسية / طائفية / استعمارية، تستخدم الخوف والدعر والفزع والقتل والاعتداء لإبراز مفهوم الارهاب، ولكنها لا تحدد مفهومه النهائي.
وإن تتبعنا لمفاهيم الإرهاب كما طرحتها القواميس أو كما طرحها المفكرون والمثقفون، قد يقربنا من الرؤية الانسانية للمسألة الإرهابية، ولكنها تبعدنا في نفس الآن عن أي مفهوم موحد لآفتها.
على مستوى التأصيل اللغوي لمصطلح الإرهاب، لا يتجاوز هذا الاخير، الأعمال التي تزرع الخوف والرعب في النفوس، بغض النظر على الأهداف المتوخاة، شخصية كانت أو سياسية.
وعلى مستوى الفكر الادبي والسياسي، يشمل مفهوم الارهاب معايير أخرىتتصل بالعنف والرعب والخوف والعدوان كيفما كانت الأسباب والأهداف والغايات.
وعلى مستوى الفقه القانوني، يقع التركيز على مفاهيم العنف، ثم على الجوانب المذهبية والايديولوجية والاستراتيجية.
وعلى مستوى المبادرات الدولية، الارهاب يتم تعريفه باستمرار كأعمال إجرامية موجهة ضد دولة أو جماعة أو تنظيم، هدفه إثارة الفزع والرعب ضد مصالح أو شخصيات معينة.
وعلى المستوى الديني / الاسلامي، فالإرهاب وان لا نص عليه بالقرآن الكريم، فإنه بالنسبة للفقهاء هو كل جريمة تتصل بقطع السبيل وبكل فساد في الأرض.
على المستوى السياسي " الإرهاب" نزاع سري ومتستر أو مقنع، عادة ما يكون الطرف الارهابي هو سيد الموقف، يختار هدفه ويوجه ضربته حين لا يكون الخصم قادرا على الرد، في مكان العملية الإرهابية أو في زمانها.
وإجمالا، الإرهاب وحسب كل المفاهيم المتداولة، لا يخضع لأية قاعدة قانونية أو دينية وليس له أي تعريف موحد، بل أنه يستمد قوته ويكتسب فعاليته من كونه غير مقنن ولا يخضع لقواعد ثابتة متفق عليها ومعترف بها. وأنه الاستخدام المنظم للخوف أو للعنف غير المتوقع ضد الحكومات والافراد أو الجماعات، هدف تحقيق اهداف سياسية أو مالية أو اقتصادية وأنه نشر الدعر والفزع واللجوء الى القتل والاغتيال والتوقيف التعسفي والاعتداء على الحريات الشخصية لإرغام الافراد على الخضوع والاستسلام والرضوخ لمطالب الإرهابيين وبذلك يترك المقاومة من أجل الحق والاستقلال خارج مفاهيمه الاجرامي.
في حقيقة الأمر أن التوقف عند المفاهيم التي كشفت عنها أحداث 11 شتنبر للإرهاب، تعطي الانطباع منذ الوهلة الاولى، أن الاتفاق بين الشرق والغرب حول هذا المصطلح، يكاد يكون مستحيلا في الزمن الراهن، حيث تضبط امريكا وحدها معيار الإرهاب الذي تريده، أوالذي تحاربه، أو تسانده.
*****
انظر مقالا لسوسن الابطح / في الكلمة النجمة / جريدة الشرق الاوسط 16 اكتوبر 2001
يحي عبد المبدي / مفهوم الارهاب بين الاصل والتطبيق / مجلة الفرقان (مغربية) عدد 47 سنة 2002 ص04.
راجع مداخلة محمد سيد طنطاوي (شيخ جامع الازهر-مصر) حول هذا الموضوع / جريدة رسالة الامة (مغربية)22 دجنبر 2001.
عبدلاوي خلافة/ قراءة في مصطلح الارهاب من خلال سياقات قرآنية / جريدة التجديد(مغربية) 21 شتنبر 2001 ص 10
ابو ايمن / العوامل المغدية للارهاب / جريدة المنعطف (مغربية) 6 يونيو 2003 ص 03.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.