الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة أم قصص قصيرة؟
نشر في العلم يوم 07 - 06 - 2013

أ-من الأخطاء الشائعة- إن لم تكن مغالطة مقصودة- في التعامل النقدي المتداول، الحديث عن النص القصصي- بالتعريف- عوض الحديث عن نص قصصي يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة ،من جهة، والمرجعية الثقافية من جهة ثانية. فالنص لا يأخذ شرعيته إلا من الثقافة التي ينتمي إليها.(1)
ب- وهذا الترويج للقصة- تعريفا- يخفي منظورا استعلائيا يهدف
للسيطرة على الآخر ، الموازي أو المتقاطع، مع هذه المعيارية.
ج- ومن ثم تحولت هذه المعيارية الأدبية إلى مركزية جديدة تناظرالمركزية الافتصادية والسياسية المهيمنة.
د- واستنادا إلى ذلك تروج هذه المعيارية لقصة قصيرة بالمفرد عوض الجمع، علما- كما جاء على لسان ابن قتيبة- أن «البلاغة لم يقصرها الله على زمن دون زمن».فالحديث عن القصة القصيرة حديث عن تجربة محددة ، فى مكان معين، وزمان معين، في الوقت الذي تتوازى فيه، وتتقاطع،مع ما لا حصر له من التجارب في أنحاء العالم.فالعديد من الموضوعات، أوالقضايا،تعبر عنها الإنسانية بعشرات الأساليب والصيغ والطرائق.
ذاكرة النص
1- المفهوم:إذا كان السرد( الحكي) نزعة فطرية لدى الشعوب والحضارات المختلفة، فإن المنطقة العربية لم تشذ عن ذلك، وستزداد غنى وخصوبة بمجيء الإسلام .السرد ، إذن، ممارسة طبيعية في التاريخ البشري، دون أن يمنعنا ذلك من الحديث عن دلالات السرد ? بعيدا عن الدلالة اللغوية المباشرة-التي استوت في صيغ محددة شكلت بنيات فكرية، وحكائية، قائمة بذاتها.
أ- الخبر: وهو أصل القص.وهو لايقتصر على نقل الأحداث والوقائع، بل يمتد إلى الأشخاص والأماكن والأزمنة. في المستوى الحدثي نجد أخبار العرب ، وأيامهم، فضلا عن الأحداث التاريخية المتعلقة بالأفراد والجماعات. وفي المستوى الثاني نجد أخبار الملوك والشجعان والعشاق والحمقى ، وأخبار النساء والرجال من عامة الناس.(2)
ومن الخبر، خرج الأخباري- بالفتح- الذي اتهم بالتزيد في الأخبار، بعد أن أصبح ( الخبر) معادلا للتاريخ،أي معادلا للحقيقة.
2-القص: من المؤكد ؛أن جزيرة العرب لم تكن أرضا خلاء من القص المتداول - شفهيا- حكايات وخرافات وأساطير وأمثال ووقائع مختلفة. (فالذاكرة الجماعية لأي شعب من الشعوب تتجاوز نطاق ماهو فردي وتحتفظ بتراثها الأسطوري في مختلف «مؤسساتها الإجتماعية»، وضمن العناصرالتي تشكل ذاكرتها الجماعية أي في اللغة..... كما أن الأسطوري والعقلاني وجهان متكاملان من أوجه نشاط الفكر الإنساني)(3).
في المعجم العربي ؛ صار {القاص} راوية للأخبارشفاهة أوكتابة.(4)
وظل القص مخلصا للخبر؛ بل ظل أقرب إلى التواريخ والأخبار منه إلى الفن محافظا على أساليب الإسناد والرواية؛ حريصا على ضبط صحة المتن.وعلى هذا الأساس ارتبط القص بإعادة إنتاج ماهو متداول- دون التفريط في المتعة والإمتاع- من خلال مستويين:
أ- مستوى الرواية التي يمارس فيها القص الحكي عبرمرجعية متداولة. ومن ثم فهو مجرد وسيط؛ أو راو؛ بين الحكاية والمتلقي.
ب- مستوى الإبداع؛ أو الخلق؛ الذي يبدع فيه القاص الحكي من بنات أفكاره، متماهيا مع شخصياته وأحداثه. فالقصاص هو( أن يفعل بالفاعل مثل ما فعل) (5). وفي الحالتين؛ تحضر ذات القاص بنسب متفاوتة سواء تعلق الأمر بالقاص المحترف؛ أو تعلق ذلك بالمتكلم تبعا لطبيعته؛ من ناحية؛ ولوضعية المتلقي من ناحية ثانية؛ ولوظيفته من ناحية ثالثة.
وفي العصر الحديث أصبح مصطلح القص دالا على( الروايات والقصص القصيرة كما تحتوي الدراما والملحمة والخرافة الأخلاقية وقصص الجان وحكايات الفولكلور.... وتعتبر السيرة الذاتية وترجمة الحياة والمقالة وبعض الكتابات التاريخية، غير قصصية، ولكن هذه الأنواع جميعا تحتوي في أغلب الأحوال على مكونات قصصية قوية)(6).
الإسلام والقص
ذكر القص؛ في القرآن الكريم؛ العديد من المرات ؛ وبدلالات مختلفة على الشكل التالي:
أ- دلالة الجمال والمتعة والإمتاع ورفض القبح. فليست كل القصص قابلة للحكي؛ بل إن ذلك يقتضي انتخابا من جهة؛ ومراعاة لمقتضى الحال.( نحن نقص عليك أحسن القصص)- سورة يوسف.
ب- والدلالة الثانية تعني تقديم الخبر اليقين الذي لا يطوله الشك.( نحن نقص عليكم نبأهم بالحق)- سورة الكهف.
ج- التقصي وتتبع الأثر.( وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون)-القصص.
د- التفريق بين القصص المزيف والقصص الحق(إن هذا لهو القصص الحق)-آل عمران.
ه- الموعظة والتدبر(فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)- الأعراف.
(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)- يوسف.
و- التأثيرالمعنوي على المتلقي ودور القص في مواجهة الشدائد(وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك)-هود.
ومن الطبيعي أن يتحول المسجد إلى فضاء- فضلا عن دوره الديني- للقص. فبجانب العالم والواعظ وجد القاص الذي انقسم إلى قسمين:
1- القاص المحترف الذي اتخذ القص مهنة.
2- القاص غير المحترف الذي وظف القص في سياقات علمية ووعظية وأدبية وتربوية .
القاص؛إذن؛ منتج لخطاب معين، يقتضي توفر خصائص محددة تدور حول الحكاية، ولا ترضى عنها بديلا.
ولما كان الخبر أصل القص،أو الحكي، فإن طبيعته المرنة تسمح باتخاذ صيغ حكائية عديدة نابعة من رصيد الثقافة التي ينتمي إليها في علاقتها
بالذات ، والآخر، الداخل والخارج.
وشكلت مرحلة النهضة العربية الحديثة- خلال القرن 19- ميدانا فسيحا للسؤال حول طبيعة الخطابات المتداولة -ومنها الخطاب القصصي- ومدى ملاءمتها للإنسان والمجتمع عربيا وإسلاميا.
الخاص والعام في القص
لعله من نافلة القول التأكيد على رفض الحكاية لجواز السفر. فهي تنتقل مع الهواء، وتتسرب من المسام ، وتسيل مع الوديان والأنهار والغدران.ومن ثم فالحكاية ذاتها قد نجدها في قرية مهمشة، وقد نجدها في بغداد العامرة. كما أن شخصية قصصية تأخذ أبعادها الدلالية من تفاعلات المجتمع الإنساني،عبر وسائل عديدة- مادية ورمزية- تمنح لهذه الشخصية ملامحها المحلية تبعا لطبيعة المجتمع وأسئلته المختلفة .ف» بينيلوب» عند «هوميروس» لا تختلف - من حيث الدلالة- عن « هينة» في الحكاية الشعبية. ف( الغول) جوهر واحد ، سواء تجسد في الطامعين في السلطة( بنيلوب)،أوتجسد في الحيوان الخرافي - في الحكاية الشعبية- الذي يدمر الحرث والنسل. والفارق النوعي يكمن في طبيعة المحكي الذي يخضع لعملية تحويل نابعة من ذاكرة الحكي التي تحاور الوافد برصيدها الحكائي، عبر أسئلة الماضي والحاضر والمستقبل.وتقدم الأنماط الحكائية التالية بعض ملامح هذا الجدل بين الخاص والعام:خبر- نبأ- حديث- قول- رواية- مقامة- رحلة- رسالة-أسطورة- سيرة- مسامرة-
طرفة- نادرة- حكاية- لغز- خرافة-أحجية-أحدوثة- مستملحة- فكاهة-دعابة- حاشية-حكمة- مثل...
هذه الأنماط تنضوي تحت عنوان عريض هو عنوان القص. فالقصة ،عند العرب، يضم كل ما سبق، دون أن يمنع ذلك من توفر نوع من الوعي الأجناسي المتداول في الثقافة العربية من القديم . فالعرب صنفت، على سبيل المثال، قصصا قصيرة تصنيفا محددا تعاملت فيه مع الجانب البصري. هكذا أطلقت على هذه القصص :الشبريات نسبة إلى الشبر،أي المساحة القولية المتحكمة في الحكاية. يقول أبودلف الخزرجي: ومن قصص لإسرائيل - أو شبرا على شبر.( انظر:محمد سيد محمد:بين القصة الخبرية والقصة الأدبية. المجلة العربية للعلوم الإنسانية.مج.3.ع،12.ص.115.).
ولو رجعنا إلى الأنماط ،المشار إليها أعلاه ، لوجدنا أن التسمية الأجناسية نابعة من طبيعة الخصائص المشكلة لهوية النص ودلالاته.لنأخذ الأمثلة التالية، على سبيل التمثيل لا الحصر، من خلال أقوال العلماء والبلغاء التي حددت المثل على الشكل التالي:
أ- ( المثل مأخوذ من المثال . وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه....والمثال القصاص لتشبيه حال المقتص منه بحال الأول. فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول كقول كعب بن زهير: كانت مواعيد عرقوب لها مثلا- وما مواعيدها إلا الأباطيل)الميداني.وقال ابن السكيت:(المثل لفظ يخالف لفظ المضروب له ويوافق معناه).وقال إبراهيم النظام:(يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية فهو نهاية البلاغة).وقال ابن المقفع:( إذا جعل الكلام مثلا كان أوضح للمنطق وآنق للسمع وأوسع لشعوب الحديث) (7).
ب- حديث: خطاب متعدد الدلالات المتوزعة بين الحديث الشفهي العادي حديث العالم والفقيه، بين الحديث النبوي الشريف والمحكي الشفهي في الميادين والجلسات الخاصة( المقامات).
ج- طرفة: وهي الحادثة الواقعية الإستثنائية، وهي ، أيضا، الحديث المستحدث العجيب المستحسن(المعجم العربي الأساسي.ص.791.)
د- حاشية:وقد تكون تعليقا، في كتاب، طلبا للإيضاح، وقد تكون وقفة من قبل المؤلف للحكي أو ضرب المثل.
ه- الحكمة: ترادف ، في معظم الأحيان المثل. ويلتقيان في أن كلا منهما يدين بالولاء لقصة سابقة حدثت على أرض الواقع، وهما ، من ناحية أخرى، يمهدان لحكاية جديدة).
والخلاصة التي نستخلصها مما سبق تتجسد في كون التراث الحكائي، المشار إلى بعض أنماطه أعلاه، ممارسة من ممارسات «الذاكرةالجمعية» التي رسخت أساليب عديدة في الحكي، وقائع وشخصيات واستهلالات (8) وخواتم، فضلا عن استيعاب الذاكرة الحكائية العربية لتراث الشعوب التي دخلت الإسلام من كل فج عميق.هكذا يصبح الرأسمال الرمزي- ومنه الأدب بكل أشكاله وأنماطه- من تجليات الهوية لشعب من الشعوب، بل إنه محدد مركزي من محدداتها أو مكوناتها.
غير أن هذه الهوية قد تتعرض للخلخلة والإضطراب لأسباب عديدة ، ومنها الغزو الإستعماري، كما حصل في المجتمعات العربية والإسلامية في قرون سابقة.وبالرغم من مغادرة الإستعمار لهذه البلدان، فإن ذلك لم يمنع من استمراره بوسائل الرأسمال الرمزي التي طور طرائقها وأساليبها لغة ومفاهيم وأشكالا أدبية وفنية وأنماطا تعبيرية.
ولو حاولنا الرجوع إلى لحظة الصدام مع الغرب- خاصة في المشرق- لوجدنا أن أهم سؤال من أسئلة النهضة ،ارتبط بسؤال التعبير عن الهوية. ومصطلح البعث والإحياء يعكس إحساسا حادا بهذه الهوية المغيبة ، أوالمدفونة تحت التراب، وهي تنتظر من يزيح عنها هذا السديم.
وبجانب الشعر الذي حظي بنصيب الأسد، في التعبير عن هذه الهوية، وجد النثرالذي خرج من جبته السرد. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يكو ن المكون الرحلى عماد سرد هذه المرحلة المبكرة من أسئلة النهضة العربية( حديث عيسى بن هشام(9) ليالي سطيح(10)الدين والعلم والمال(11)؛ فالرحلة تسمح للمرتحل( البطل) بالسياحة في المكان والزمان، وتطرح- من ناحية ثانية- القضايا المختلفة، المرئية وغير المرئية،بأساليب متعددة. وستمتح القصة القصيرة- في مرحلة لاحقة- من أسئلة النهضة بطريقتها الخاصة المبنية على ما قل ودل، دون أن يمنع ذلك من وجود وعي نظري بطبيعة الجنس الأدبي مرسلا ورسالة ومرسلا إليه.(12)
لاغبار، إذن، على سؤال الهوية: من نحن؟ . فالسؤال طرح جذري لإشكالية التقدم والتخلف التي ما زالت مطروحة إلى الآن. غير أن السؤال ذاته ? في سياق الموضوع المطروح- التبس بممارسات فكرية( نظرية) أنتجت عكس ما هو مطلوب من خلال المظاهر التالية:
1- نقد الآخر دون نقد الذات. واتخذ هذا النقد- على المستوى الأدبي- أسلوبين اثنين:
أ- رفض المستورد بدعوى عدم ملاءمته للذات.
ب- والأسلوب الثاني- وهومكمل للسابق- يتجسد في الرجوع إلى الماضي الذي لا ينضب، والذي ، من ناحية أخرى، يكشف عن ادعاء الآخر لما نملكه نحن. هكذا يصبح( الشعر الملحمي بمثابة مرحلة غير مكتملة، والمقامة بذرة غير متطورة للرواية، وقصص الفروسية الذي يقرأ على الجمهور، ويقدم بشكل شبه تمثيلي في الساحات العامة، بمثابة محاولة مسرحية مجهضة)(13).
2- وعوض أن ينصب السؤال على طبيعة الجنس الأدبي- وهو القصة في هذا المجال- يتجه إلى الجدل الإيديولوجي جاعلا من الجنس مجرد تعلة لتصفية الحساب مع الآخر من النافذة عوض الباب.
3- والتوجه السليم- في هذا السياق- يقتضي ، كما سبقت الإشارة، نقدا مزدوجا للأشكال الأدبية والأنماط القصصية الصادرة عن الذات والآخر في آن واحد.وأهم عناصر هذا النقد ،الانطلاق - على حد تعبير عبد الله العروي- من كونية الأشكال الأدبية الغربية التي اتسمت بها، بحكم سيادتها الإقتصادية والسياسية.. غير أن هذه الكونية -أوالعالمية- لا تمنع من التأكيد على:
أ-محاورة أنساقها التعبيرية، وصيغها الجمالية، ما دامت ملكا إنسانيا ساهم فيه الكل. فالرواية الأوروبية مدينة - باعتراف الغرب- للمحكي الشرقي في ألف ليلة وليلة، وقصص الشطار وسير الفرسان، وعجائبية العوالم المرئية وغير المرئية والمتخيل الأخروي( الديكاميرون وألف ليلة وليلة/ الشطار والمقامات/ المعري ودانتي..) كل ذلك كان أساس النهضةالأوروبية في القرن الخامس عشر تمهيدا للأشكال الأدبية الملائمة لمرحلة معينة من مراحل التاريخ الأوروبي.
ب- استنبات شكل أدبي ملائم للذات في جدلها مع أسئلة الماضي والحاضر والمستقبل.ومن ثم يصبح الشكل القصصي الملائم نابعا من ذاكرة النص المشكلة من الرصيد الحكائي للأمة،أولا، ونابعا من تحديات الحاضر الذي يقتضي الانخراط ، ثانيا، في التجربة الإنسانية، ما دامت «الحكمة ضالة المؤمن»، والتوجه ?ثالثا- نحو المستقبل ، أي التموقع ، عالميا، عن طريق التجذر في التربة المحلية، كما هوالشأن في أدب أمريكا اللاتينية ودول آسيا، وبعض دول إفريقيا.
4- ولعل أخطر ما تعانيه الساحة الأدبية ترديد هاتين المقولتين المتناقضتين: مقولة الإنغلاق على التراث ومقولة الإرتماء في الحداثة.في المستوي الأول يصبح الفهم الخاطئ للتراث، الذي جعل منه المبتدأ والنهاية،عائقا من عوائق التطور. وفي المستوى الثاني يصبح التحديث حداثوية شكلية تركز على التخلف عوض التقدم. والحال أن التراث» صدقة جارية» تقتضي توظيفه حسب أسئلة المحتاج تبعا للتحديات المطروحة. كما أن الحداثة هي ا ختبار لأسئلة الهوية في عالم يعج بتعدد الأسئلة والتجارب المختلفة. التراث، قصصيا، غربلة للمكتوب والشفهي في المحكي العربي ، والإسلامي؛ والحداثة، قصصيا، توظيف للفاعل في الذات والواقع، عوض استيراد آخر التقليعات التي وصل إليها الآخر، تبعا لتطوره الطبيعي، عبر خصوصية الأسئلة المطروحة.فإذا كان الأدب قد أصبح ، في هذه البقاع، لعبا، مرة، وجهدا إستيطيقيا محضا ، مرة ثانية، وأصبح البطل هو « اللابطل» مرة، والوظفية هي « اللاوظيفة» ، مرة ثانية، إذا كان الأمر كذلك- وهوإفراز نوعي لهذه البيئة- فإن الذات العربية الإسلامية ما زالت محتاجة إلى الشخصية/النموذج، وإلى الجهد الإستيطيقي المبلورلموقف محدد،أو قضية معينة... أو بعبارة أخرى: الشكل الملائم لأسئلة مجتمع يملك أسئلته الخاصة، ويتفاعل مع ما يجري حوله من قضايا وتحولات وخطابات متعددة.
5- وهذا يقودنا إلى الحديث عن خصوصية المصطلح، وبالتالي خصوصية النص القصصي استنادا إلى ما سبق.
وأهم ما يجب التأكيد عليه ، في هذا السياق،هو أن الخصوصية تدين بالولاء لجهد المبدع الذي ( يعيد خلق هذه الأشياء بأوضاع جديدة ، لم تكن معروفة في الحياة، أوضاع تتطور فيها الأشياء والموضوعات بقانونها الخاص، وتعبر عن نفسها بدون عائق)(14).هذا أولا. وثانيا، ترتبط الخصوصية بعوامل عديدة نقصرها- فضلا عن المبدع- على عاملين اثنين:
أ- القارئ غير المحترف الذي يملك تصورا ما عن النص الذي يساير» أفق انتظاره». فالقارئ ليس أرضا خرابا، بل إنه يملك رصيدا من القراءة ، في هذا الميدان، سمحت له بالتعامل مع النص ،من مواقع محددة،وصولا الى النص الملائم لذائقته الأدبية، وقيمه الأخلاقية والإجتماعية، وأسئلته الذاتية والموضوعية.
ب القارئ المحترف ، ونقصد به القارئ الناقد الذي ينطلق ،بدوره،من «مثل أعلى « يقترحه على الكاتب بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة. وتجدر الإشارة إلى أن الناقد يجسد، في عمقه ، مؤسسة متكاملة يتداخل فيها الأدبي بالإجتماعي، والأخلاقي بالإشهاري، والخاص بالعام.
عود على بدء
إشكالية المصطلح القصصي هي، في جوهرها، إشكالية الهوية. ولما كانت الهوة الفاصلة بيننا، وبين الآخر ، تزداد اتساعا، فإن ذلك يقتضي منظورا معينا نسائل فيه - كما سبقت الإشارة- الذات والآخر . وأقترح ، في هذا السياق، الإستئناس بما طرحه الإقتصادي المصري» سمير أمين»عن نظرية( التطور اللامتكافئ) للخروج من التخلف ، بعيدا عن مركزية الدول المتقدمة. ولن تتمكن الذات من تحقيق ذلك، إلا عن طريق الرجوع إلى إمكاناتها الذاتية في علاقتها بالتحديات المطروحة على كيانها المادي والرمزي.في المستوى الأدبي ، يصبح( التطور اللامتكافئ) ضرورة لامفر منها تحقيقا للآتي:
1- الإبتعاد عن اللهاث وراء تناسل المصطلح القصصي الذي قد يساير تحولات الآخر، في حين يقتضي ، بالنسبة للأنا، استنباتا جديدا ملائما للذاكرة النصية من جهة، ولأسئلة الحاضر من جهة ثانية.فمصطلح ( القصة) جامع مانع لأنساق سردية عديدة ،وأنماط حكائية متعددة.وهذ ا اللهاث ، من ناحية أخرى، ترسيخ لمركزية الآخر على حساب الذات.
2- ونتج عن ذلك فيض مصطلحي يساير متطلبات الآخر في التواصل عبر خطابات مختلفة. هكذا تشظت القصة القصيرة لتصبح ، مرة، NOUVLETTEأقصوصة، ومرة أخرى (قصيصة)NOUVELLE
مع وجود مرادفات أخرى مثل القصة القصيرة جدا(15)،والقصة الإلكترونية... كل ذلك خلق نوعا من الإضطراب المصطلحي الذي يخفي اضطرابا عميقا في الهوية والوجدان .
3- ويعود ذلك إلى نوع من المقايسة بين الحد اثة الإجتماعية والإقتصادية وبين الحداثة الأدبية.فالاعتقاد السائد، إلى الآن، يتجسد في إمكانية استيراد الحداثة لتحقيق الطفرة المطلوبة، في حين يقتضي الأمر مساءلة الحداثة من خلال أسئلة الذات. وقياسا على ذلك ساد الإعتقاد ذاته، في الميدان الأدبي، بالدعوة إلى استيراد التقاليد الأدبية- ومنها المصطلح النصي- علما أن هذه الأخيرة - التقاليد- تخضع لمبدع يعتمد في ترسيخها على ( مجموع المعايير الأدبية، هذا المجموع مصنوع- شأنه شأن تقاليد المخترع- من مجمل الإمكانيات التقنية المتاحة في عصره)(16).
4- والاستيراد ،المشار إليه سابقا، ينتج تدرج لحظات القطيعة مع التراث، الذي وضع في الظل ،عوض أن يقرأ، من جديد، بأسئلة الحاضر.
5- وتنتج هذه الوضعية ،أيضا، نوعا من (العولمة القصصية) التي تنادي برفض خصوصية الشعوب- بما فيه الخصوصية الثقافية- وهي تجتاح الحدود والدول بواسطة نموذج معياري سائد.
6- من هنا يصبح الحديث عن قصة ،بالجمع،محاولة لإعادة الإعتبار لهذه الخصوصية الثقافية للشعوب المنتجة لتجارب مختلفة. ويصبح الحديث عن قصة ما ، بعيدا عن(أل) للتعريف، محاولة لرفض معيارية مستأسدة لا تتردد في إلغاء الآخر،علما أن أنماطا قصصية عديدة، وأشكالا حكائية متنوعة ، تظل فاعلة في تجارب أصحابها.فالأشكال الأدبية لا تولد من عدم، من جهة ، ولا تخضع للإنقراض من جهة ثانية، بل إنها خاضعة للتحول ، في البناء والوظيفة، مع ضرورة الإلتفات إلى العصر وتحولاته أيضا.(17).
هوامش:
1- عبدالفتاح كيليطو.الأدب والغرابة. دار الطليعة . بيروت. ص.24.
2- أبو الفرج عبد الرحمان بن علي الجوزي:أخبار الحمقى والمغفلين. دار المدى.2007.
3-محمد عجينة:موسوعة أساطير العرب . عن الجاهلية ودلالاتها. دار محمدعلي للنشر/ دار الفارابي.بيروت/ تونس.2005.ص.80.
4- المعجم العربي الأساسي.لاروس.بيروت.1991ص 991
5.علي بن محمد الشريف الجرجاني: كتاب التعريفات.بيروت.1990.ص.183.
6-إبراهيم فتحي: معجم المصطلحات الأدبية.دار شرقيات.مصر.2000.ص.185/187.
7- مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمدالنيسابوري المعروف بالميداني.1352ه.ص.9.
8- ويحتاج الإستهلال والخاتمة في الحكاية،أوالقص عموما، إلى دراسة خاصة.فأنواع الإستهلال ? شفهيا أوكتابة- مثل: كان ياما كان/ قال الراوي/يحكى أن/ زعموا/ حدثنا/روى...تشكل بنيات قائمة الذات لغة ودلالة.ف» زعموا» خرجت من المعنى القاموسي إلى المعنى الدلالي الذي أصبح مرادفا للتخيل والإبداع والخلق.
9- محمد المويلحي.
10- حافظ إبراهيم/
11- فرح أنطون
12-يحيى حقي: فجر القصة المصرية. المكتبة الثقافية. مصر. 1986
13- عبد الله العروي: الإ ديولوجية العربية المعاصرة.دار الحقيقة. بيروت.1970.ص.268.
14- بيرسي لوبوك: صنعة الرواية.ترجمة،عبدالستار جواد.سلسلة الكتب المترجمة.العراق.1981.ص.28.
15- عبد الرحيم مؤذن:معجم مصطلحات القصةالمغربية.منشورات»سال». دار نشر المعرفة. ط.2. الرباط.2001.
16.شكلوفسكي:بنية الرواية وبنية القصة القصيرة.ترجمة، سيزا قاسم.فصول.مج،2.ع،4..1982.ص.41.
17. تجارب عديدة لمتتنكر لذاكرةالنص العربي الإسلامي مثل تجارب جمال الغيطاني في استفادته من الرحلة و وكتب التاريخ ، وعبد الحكيم قاسم في توظيفه للعنصر الصوفي ، وجمعة اللامي في استيحائه للمقامة وخيري عبدالجواد في استفادته من كتب التعجيب القديمة والأمثلة كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.