رما حزب الاستقلال بصخرة كبيرة في بركة الحياة السياسية للبلاد ، فجأة صحا الجميع بأنه على هذه الأرض ما يستحق الحياة على رأي الرائع محمود درويش ،ثلاثة أشهر كاملة شكل فيها حزب الاستقلال الحدث الإعلامي والسياسي الأبرز ، إذ لم يسبق للساحة السياسية الوطنية أن انشغلت باستحقاق تنظيمي داخلي لهيئة سياسية أكثر مما فعلت مع انتخاب الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال ، فالاستحقاق لم يكن خاصا بحزب الاستقلال بل بالسياسة بصفة عامة داخل بلادنا ، في زمن كثر فيه الحديث عن موت الأحزاب وهيئ البعض لوازم الجنازة ، تماما كما يسارع بعض المنتخبين مع سكان دوائرهم وناخبيهم المفترضين... البعض جنح إلى الموضوعية الشديدة وهو يحاول توصيف ما جرى في البيت الاستقلالي، وقدم صورة جميلة على قدرة التحليل السياسي الرصين عندما يلتزم أقصى درجات الموضوعية والاتزان العلمي والأكاديمي والحياد ، وكذلك فعل الكثير من السياسيين حتى أولائك اللذين كنا نتصور أن أنهم صاموا عن قول كلمة إيجابية في حق حزب الاستقلال لأسباب تاريخية وشخصية ، والبعض الآخر رفض الأسلوب والنتيجة وقرر اعتماد نهج أوديب كي لا يرى الحقيقة ، فلا أعينهم ظلت سليمة ولا الحقيقة ارتفعت...وإن كانوا قدموا دون قصد صورة عن الأعطاب البنيوية التي تمس جوهر الديمقراطية ببلادنا ، مما جعل الممارسة الديمقراطية ببلادنا تقترب من المستحيل وتغادر الممكن ، ليس فقط كاحتمال بل وكعقيدة عند البعض ممن طبع الله على قلوبهم. الحقيقة الوحيدة اليوم هي أن حزب الاستقلال قدم نفسه مرة أخرى كمجدد للحياة السياسية ، وكصاحب السبق في إحداث التحولات الضرورية لمواكبة الإنتظارات الكبيرة للشعب المغربي ، وكهيئة سياسية راكمت ما يكفي من الخبرة لكي تقدم في كل فترة الجواب الذي يخدم الوطن شكلا ومضمونا ، فكانت الديمقراطية الداخلية في أبهى صورها وبحضور الجميع في شفافية كاملة يعتز بها الإستقلاليون وسيعتزون بها مستقبلا ، كما يعتزون اليوم بإنجازات قادتمه التاريخيين على مستوى الإستقلال والحرية والوحدة الوطنية والترابية ، وكل المعارك النبيلة التي قادوها من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع . كان منظر تسليم السلط بين الأخ عباس الفاسي الأمين العام المنتهية ولايته ، والأخ حميد شباط الأمين العام الجديد المنتخب في القاعة الكبرى للمقر المركزي للحزب ، تقدم صورة جميلة عن شعب متحضر ، فالمشهد لم يكن يوازيه سوى تلك الصور التي كنا نتابعها عن الدول الأجنبية عندما يلتقي رئيس مغادر مع رئيس منتخب جديد ، ويودعان بعضهما ، فيمضي الأول إلى بيته ومراكز الأبحاث والدراسات والعمل الإنساني ، يساهم بخبرته في دعم بلاده ، بينما يلتحق الرئيس الجديد بقصر الرئاسة لمباشرة مهامه الجديدة ..وشاهدنا يوم تسليم السلط كيف أقر الأمين العام السابق باستحقاق الأمين العام الجديد لمنصبه في صورة بديعة ، عكس ما يقع في البلدان المتخلفة عندما يرفض الخرج من السلطة نتيجة الاقتراع ويسارع إلى تجييش أنصاره ، فتكون فتنة في الأرض ينعل معها المواطنون الديمقراطية والانتخابات ، ويتمنون فقط أن يديم عليهم ديكتاتورية تضمن الأمن والاستقرار. لقد انتصرت الديمقراطية داخل حزب الاستقلال وحمل المناضلون مسؤولية قيادة الحزب للأخ حميد شباط اعتمادا على برنامج تعاقدي ، سيكون موضوع محاسبة في المستقبل ، وبذلك فإن التمرين الديمقراطي مستمر وبكل تأكيد فإن عدواه الجميلة سوف تصيب الجسد الحزبي الوطني برمته...