نشرت جريدة «الأحداث المغربية» في صفحتها الأخيرة لعدد أول أمس عمودا للسيد المختار لغزيوي تحت عنوان: «غباء لغوي »، كله تهجم على حزب الاستقلال ومواقفه من المسألة اللغوية بشكل يتناقض كليا مع وظيفة الصحافة المستقلة التي يجب أن ترفع مستوى النقاش عن منطق البوليميك السخيف الذي يسيطرمع الأسف على الحياة السياسية في بلادنا، ولم أكن أعتقد أن السيد الغزيوي الذي أتفق معه في بعض كتاباته، أن ينهج أسلوب التجني والتجريح في حق هيئة سياسية وتحميلها مواقف لا توجد سوى في مخيلة السيد لغزيوي وإصدار أحكام على ما صنعه خياله بدون موضوعية بشكل يثير الشفقة، ناهيك عن الغمز في جريدة «العلم» دون إشارة إلى أسباب النزول، علما أن الغزيوي آخر من يمكنه أن يقدم دروسا في مهنة الصحافة وفي القيم التي تدافع عنها «العلم» قديما وحديثا. السيد لغزيوي يقول إنه نشأ في عائلة إستقلالية حقيقية، ولاأدري ماالمقصود بحقيقية وهو نفسه لم يكلف نفسه عناء كشف ذللك للقراء، لكنه بعد ذلك وبدون مقدمات وبلغة تقريرية وعطفا على فتح عينيه في عائلة إستقلالية حقيقية يقول بأنه عرف منذ بداية العمر الأول أن أغلبية الاستقلاليين يتحدثون الفرنسية أولا ثم العربية الدارجة، ثم العربية الفصحى في الختام..., هكذا تنتحر الموضوعية والمهنية على صفحات «الأحداث المغربية» فالزميل لم يعزز أحكامه بالإحصائيات التي استند عليها ليتحدث عن أغلبية ( هكذا ) الإستقلاليين، والمؤسف أنه بذلك كان يريد تسوية الطريق للهجوم على حزب الاستقلال، ويجعل من أحكامه المريضة دليل إدانة يرفعه في وجه الإستقلاليين، وهنا لابد من توضيح أمر في غاية الأهمية..فالسيد لغزيوي يمكن أن يفهم في الرقص الشرقي وأفلام سينمائية من الدرجة الخامسة أو الأولى لافرق، ويمكن أن يتقن الدفاع عن الشواذ وعن الموظفين السامين الذين أفسدوا الإعلام العمومي، ويمكن أن يكتب في صحيفة تسمح لنفسها بخدش الحياء العام في كل نهاية أسبوع في صفحة ساخنة تخالف قوانين النشر بشكل صريح، لكنه آخر من يمكنه دخول نقاش جدي حول المسألة اللغوية ببلادنا التي ليست في حاجة إلى مزيد من حاملي «المجامير». مناسبة هذه «الجدبة» التي كانت الصفحة الأخيرة للأحداث المغربية مسرحا لها، هو جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب ليوم الإثنين الماضي، والتي تميزت بالسؤال الشفهي الذي تقدمت به السيدة فاطمة شاهو المشهورة بتابعمرانت بالأمازيغية، وقد سبق وأن أكدنا في عمود أول أمس أن الحدث الذي اعتبره البعض تاريخيا، ليس سوى إستمرار لأسئلة أخرى طرحت بالأمازيغية في الولاية السابقة من قبل النائبين أوملود وأبركان، والجديد مع سؤال تابعمرانت أنه يأتي في ظل دستور جديد نص بإرتباك شديد على دستورية الأمازيغية كلغة رسمية، ومضامين الفصل الخامس غامضة وتحيل على قانون تنظيمي ينظم كيفيات الترسيم مستقبلا، وشكرت بالمناسبة السيدة شاهو لأنها أتاحت لنا جميعا فرصة تقديم النقاش حول الموضوع دون انتظار قد يمتد خمس سنوات حسب ما جاء به الدستور الذي حدد بشكل إلزامي نهاية الولاية التشريعية لإخراج جميع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور الجديد. السيد لغزيوي بدل أن يساهم في هذا النقاش الدستوري الرصين فضل تمييعه بكيفية تسيء لموضوع جدي وكبير يصعب تناوله بهذه السطحية التي فاضت في عموده أول أمس، بل أكثر من ذلك مارس كثيرا من الانتقائية في نقل ما جرى من نقاش في جلسة الإثنين بعد سؤال النائبة فاطمة شاهو والذي إستغرق حوالي نصف ساعة وتدخلت فيه جميع الفرق النيابية في إطار نقط نظام ، لكن المختار إختار أن يتوقف عند تدخلين فقط هما تدخل النائبين عبد القادر الكيحل عن الفريق الإستقلالي وعبد العزير العماري عن العدالة والتنمية ، وقام بقراءة شخصية متحاملة وسخيفة لتدخل الأخ الكيحل الذي سجل بإيجابية حق النائبة في التدخل بالأمازيغية ، لكنه وضع الموضوع في سياقه الدستوري وفي جوانبه التنظيمية المتعلقة بمجلس النواب وبسير جلسة دستورية عمومية هي جلسة الأسئلة الشفهية ، بلغة دستورية عالية أحاطت بإشكالية التواصل بين البرلمان والحكومة من جهة وبين التواصل بين النواب أنفسهم ، فجلسة طرح الأسئلة الشفهية لا تهم واضع السؤال والوزير المعني، وإلا ما الداعي لحضور النواب لجلسات الأسئلة الشفهية ، فالنائبة شاهو قدمت السؤال إلى وزير التربية الوطنية مكتوبا بالعربية وبذلك فإن الحكومة إطلعت على السؤال، لكن باقي نواب المجلس ممن لا يتحدثون بالأمازيغية صعب عليهم فهم السؤال وهذا أمر غير مقبول في مؤسسة دستورية كمجلس النواب، لذلك فإن الأخ الكيحل طرح ضرورة الترجمة ليتحقق التواصل اللازم، ولأن المختار يعتقد أن جلسات البرلمان هي مجرد « تفراق اللغا» ولا يعلم بأن هناك مصلحة خاصة بتسجيل الجلسات وتدخلات النواب لتنشر في الجريدة الرسمية، فإنه لا يدرك أهمية توفر المجلس على اللوجستيك اللازم لنقل تدخلات النواب بأمانة، وهذا المطلب قدمته أيضا السيدة النائبة خديجة الرويسي عن فريق الأصالة والمعاصرة دون أن يثير المختار. إضافة إلى ذلك فإن الإشكالية لا تقف عند هذا الحد بل هناك وجه آخر للموضوع، فالسيدة تابعمرانت طرحت السؤال بتشلحيت , وغدا سيطرح سؤال بتمازيغت وبتاريفيت وأيضا بالحسانية، حيث أنه في غياب لغة أمازيغية معيارية هي في طور الإنجاز في المختبر وبعض المدارس، فإن البرلمان ومؤسسات أخرى ستكون في حاجة إلى ثلاث ترجمات فورية على الأقل، وهذا الأمر ليس بالأمر البسيط بل يحتاج إلى مجهود كبير لتحقيقه ويجب تحقيقه بشكل سريع. أما دفاع حزب الإستقلال عن العربية والإنسية المغربية , فهذه ليست سبة على كل حال، وحزب الاستقلال لاينتظر من المختار تقييما لسياسته ومواقفه بهذا الخصوص، خاصة عندما يختلط الرقص الشرقي على صاحبنا بالسياسة , الذي يدافع عن الفرنكفونية وهو لا يكتب حرفا واحدا بالفرنسية، حيث نحتاج لعلم النفس لنفهم هذا الدفاع. لقد قلنا بعد التصويت على الدستور أن الأمازيغية يجب أن تكون موضوع نقاش بين اللسانيين وعلماء اللغة، وأن ينشغل السياسيون بقضايا أخرى، أما بعض الإعلاميين فمن الأفضل لهم الإستمرار في مجال تخصصهم الفني بدل الخوض في قضايا دستورية لا يملكون مقومات مناقشتها خاصة عندما ينطلقون من سوء نية ومواقف مسبقة حيث يصبح البحث عن الموضوعية في كتاباتهم، كمن يبحث عن قط أسود أبكم في غرفة مظلمة.