يقدر عدد من المراقبين أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى إنهاء الحرب في أفغانستان بصورة تموه بها فشلها وذلك بعد حوالي إحدى عشر سنة من الحرب. والسؤال الذي يطرح هو متى وهل يكون عن طريق التوصل إلى تسوية مع حركة طالبان مثل تلك التي تمت مع ثوار الفيتنام في باريس في 23 يناير 1973، أم بشكل آخر. يوم الخميس 2 فبراير 2012 اكد المتحدث باسم البيت الابيض ان الرئيس باراك اوباما يرفض فكرة «حرب بلا نهاية» في افغانستان، وذلك ردا على انتقادات وجهها المرشح الجمهوري ميت رومني الى اهداف الولاياتالمتحدة في هذا البلد بحلول 2013. وذكر المتحدث جاي كارني ان «للرئيس استراتيجية واضحة، محددة وواقعية ومفصلة. ما يرفضه هو حرب بلا نهاية». وهاجم كارني الجمهوريين من دون ان يسميهم متحدثا «عمن دعموا استراتيجية في افغانستان ابان الادارة السابقة» لجورج بوش. وتساءل «لماذا كنا هناك ما كان الهدف؟. لم يكن الامر واضحا على الاطلاق»، مذكرا باهداف الولاياتالمتحدة في افغانستان كما حددها اوباما، اي الانتصار على القاعدة وارساء الاستقرار في هذا البلد لتتمكن القوات الافغانية من القيام بدورها. واعلن وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا يوم الاربعاء الأول من فبراير ان بلاده تأمل بالانتقال «في النصف الثاني من 2013» من مرحلة القتال الى مرحلة تدريب القوات الافغانية ومساعدتها. واضاف بانيتا ان لم يتخذ «اي قرار» في شان عديد القوات الامريكية التي ستظل منتشرة في افغانستان العام 2013. وينتشر هناك حاليا تسعون الف جندي امريكي على ان يخفض العدد الى 68 الفا مع نهاية الصيف المقبل. وسارع رومني بدوره الى انتقاد الادارة الديموقراطية بعد تصريحات بانيتا، معتبرا ان اعلان استراتيجية مماثلة في شكل مسبق ينطوي على «سذاجة». وقال رومني من لاس فيغاس، «لماذا تقولون للناس انكم تقاتلون في حين انكم ستنسحبون ؟ هذا غير منطقي». الفشل يوم 9 يناير 2012 كتب المحلل ديدييه بيليون مقالا في نشرة آراء وأفكار بعنوان أين تمضي أفغانستان؟ قال فيه: في شهر ديسمبر 2011 شهدت مدينة بون انعقاد مؤتمر جديد حول مستقبل أفغانستان، أي في المدينة التي شهدت يوم 5 ديسمبر من عام 2001 قيام الدولة الأفغانية الجديدة تحت رعاية الأممالمتحدة بعد سقوط طالبان. كان يمكن للذكرى العاشرة أن تكون مناسبة لإغلاق الفصل السياسي العسكري الذي أودى بحياة الآلاف من البشر وكلّف كل سنة مليارات الدولارات. لكن ذلك المؤتمر الذي لم تحضره باكستان وطالبان فشل فشلا كبيرا مما عكس تدهور الوضع في أفغانستان وتباعد وجهات نظر البلدان الأجنبية التي شاركت فيه. كان الهدف الأساسي لذلك المؤتمر هو تهيئة إطار لما بعد عام 2014 الفترة المحددة لرحيل قوات الأطلسي بغية إدارة المساعدات الدولية التي تسمح للبلاد بتأمين حاجتها الاقتصادية. وهذه مسألة أساسية كون أن حوالي 90 بالمائة من ميزانية البلاد تأتي من المساعدات الخارجية ولا تستطيع الحكومة الأفغانية دفع رواتب جنودها وهي عاجزة عن تسيير أمور إداراتها. بالنسبة للوضع العسكري يعرف الجميع أن موازين القوى تميل لصالح طالبان. حاولت الولاياتالمتحدة من ناحيتها أن تقيم شراكة على المدى الطويل تسمح لها بالاحتفاظ بالقواعد العسكرية الخمس التي تتيح لها الدفاع عن مصالحها. إيرانوروسياوباكستان أظهرت عدم موافقتها على ذلك. ويبدو أن حكومة حميد قرضاي تضع شروطا مالية تجعل الولاياتالمتحدة نفسها غير متحمسة كثيراً لمثل هذا السيناريو. لقد فهمت واشنطن كما يبدو أن النظام الأفغاني غير قابل للإصلاح وأنه لم يعد أكثر من نوع من تحالف المصالح الاقتصادية ذات الطابع المافيوزي غالبا وبدون مشروع سياسي ولا قاعدة اجتماعية. والفرنسيون والبريطانيون والألمان يفاوضون حول المساعدات الاقتصادية الثنائية دون أي تنسيق. أما منظمة الأممالمتحدة التي همشها مجلس الأمن الدولي منذ عشر سنوات على المسرح الأفغاني فهمت أنه ينتظر منها الكثير لإدارة المساعدة الاقتصادية بعد عام 2014. كذلك تختلف سياسات الحلفاء حيال الموقف من طالبان. الأمريكيون والبريطانيون يقومون باتصالاتهم دون فتح مفاوضات حقيقية، والألمان كانوا يريدون دعوة ممثلين عن طالبان لمؤتمر بون، الأمر الذي رفضه شركاؤهم. هذه الأسباب تشرح فشل المؤتمر الذي كشف بعد أشهر من الاتصالات السرية أو القمم العامة مثل قمة اسطنبول عن الطريق الدبلوماسي المسدود الذي يوجد فيه الملف الأفغاني. هذا خاصة أن إدارة اوباما التي دخلت عمليا في الحملة الانتخابية الرئاسية لن تأخذ أية مبادرة خلال الأشهر القادمة. وحركة طالبان التي تعتبر نفسها في موقع قوة قد تجد أنه من مصلحتها انتظار عام 2014. ففي ذلك التاريخ لن تكون حكومة قرضاي تحكم سيطرتها سوى على بعض المدن الكبرى ولن تستطيع الاعتماد سوى على بعض المعاقل الإثنية في الشمال والغرب. هذا الوضع يعني أن القسم الأكبر من المناطق الريفية ومناطق الحدود الأفغانية الباكستانية ستكون تحت سيطرة طالبان والمجموعات الجهادية. هكذا بعد عشر سنوات من التواجد الغربي ستعود أفغانستان من جديد إلى ما كانت عليه سنة 2001. ومع الانسحاب التدريجي لحلف الناتو سوف تنضم المدن الأفغانية تدريجيا للتمرد لأن قوات حكومة كابل ستتبخر في الخلاء، كل ذلك سيؤدي إلى إدخال الأزمة الأفغانية في إطار المنطق الإقليمي حيث يفقد ائتلاف القوى الغربية شيئا فشيئا كل سيطرة على الوضع السياسي. وبالنسبة للتوترات بين الهند وباكستان فإنها تنحو باتجاه التعمق. الهند تدعم صراحة جميع المجموعات المناهضة لطالبان. إنها ترمي بذلك إلى نقل نقطة التوتر الرئيسي مع باكستان من كشمير إلى أفغانستان. وبهذا المعنى تكمن الإستراتيجية الهندية في زيادة الأزمة السياسية الداخلية بباكستان عبر تدهور الوضع على الحدود الأفغانية الباكستانية وتسهيل حركة وعمل المجموعات الجهادية الباكستانية المتواجدة في المنطقة والتي تقوم بنشاطاتها أكثر فأكثر ضد إسلام أباد انطلاقا من أفغانستان. ولذلك تجد باكستان أن لها مصلحة في قيام حكومة لطالبان في كابل بأسرع وقت ممكن. العناصر السابقة كلها رغم عدم حصرها تبين الفشل الكامل للتدخل العسكري الغربي تحت رعاية الحلف الأطلسي. وهذا يدلل مرة أخرى أنه من المستحيل إعادة بناء أية دولة من الخارج. وكل محاولة للحلول مكان القوى المحلية ضرب من الأوهام. الأكثر إثارة للقلق هو أن البلدان الغربية هي المسؤولة عن تدهور الوضع الأفغاني وأنها ليست قادرة على حل الأزمة ذات الرهانات الإقليمية قبل كل شيء». قصة تتكرر يوم 17 يناير 2012 كتب الدبلوماسي الأمريكي جيمس دوبنز مقالا تحت عنوان صعوبات التفاوض مع طالبان قال فيه: بدأت مشواري الدبلوماسي كمساعد ل»أفريل هاريمان» و»سايروس فانس»، اللذين كانا يترأسان محادثات السلام مع الفيتناميين الشماليين في باريس. وبعد أربعة وثلاثين عاماً على ذلك، أنهيت ذلك المشوار كأول مبعوث خاص لإدارة بوش الابن إلى أفغانستان، حيث عينت بعد بضعة أسابيع فقط على 11 سبتمبر 2001. وعلى غرار «ريتشارد هولبروك»، الذي كان معي ضمن وفد باريس، وخلفني كمبعوث إلى أفغانستان، فقد فوجئت بأوجه الشبه بين الحربين وعمليتي السلام، التي انتهت أولاهما بالفشل وبدأت ثانيتها في التشكل للتو، ضمن ما يمكن اعتباره ثمرة الجهود المكثفة، التي بذلها كل من «هولبروك» وخلفه السفير «مارك جروسمان». وقد أصابت افتتاحية لصحيفة «واشنطن بوست» نشرت يوم 5 يناير 2012، عندما لفتت إلى أن تفضيل «طالبان» التفاوض مع واشنطن بدلا من التفاوض مع كابول يشبه تفضيل فيتنام الشمالي التفاوض مع الولاياتالمتحدة بدلا من التفاوض مع الحكومة في سايغون. وجميعنا يعلم المآل الذي آلت إليه تلك العملية- مع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية، وغزو فيتنامي شمالي، وانهيار المقاومة الفيتنامية الجنوبية، ثم اختفاء جنوب فيتنام. ومنذ ذلك الوقت يتهم نيكسون وكيسنغر بأنهما لم يسعيا من وراء تلك المفاوضات سوى إلى «فاصل محترم» بين الانسحاب الأمريكي والانهيار الفيتنامي الجنوبي. ولم تخف «واشنطن بوست» تخوفها من أن يكون لإدارة أوباما هدف مماثل. والواقع أن هذا التخوف معقول ومبرر بما يكفي، غير أنه لم يصدر عن أوباما ما يعلل هذا الخوف. فاتفاقات 1973 التي أنهت حرب فيتنام رسمياً لم يتم الوفاء بها من قبل كل من فيتنام الشمالي والولاياتالمتحدة، فقد نقضها الأول من خلال غزوه «الجنوب»، ونقضتها الثانية من خلال قطعها المساعدة الاقتصادية والعسكرية التي كانت وعدت بها «الجنوب» قصد دفع «سايغون» إلى توقيع تلك الاتفاقات، علماً بأن تلك الوعود شملت حتى التزام أمريكا باستئناف قصف فيتنام الشمالي في حال لم يف بنصيبه من الاتفاق. وبالمقابل، فإن مسؤولي إدارة أوباما أكدوا أن القوات الأمريكية ستبقى في أفغانستان إلى أجل غير مسمى بعد تسلم القوات الأفغانية المسؤولية عن القيام بالعمليات الحربية الرئيسية في 2014. وقد قال كرزاي الشيء نفسه. وحاليا، ينكب المسؤولون الأمريكيون والأفغان على التفاوض حول اتفاق رسمي بهذا الصدد. وقد ينظر البعض إلى التفاوض باعتباره طريقاً سهلاً وسريعاً للخروج من أفغانستان، ولكن الحالة الفيتنامية تشير إلى خلاف ذلك. ذلك أن محادثات باريس دامت أكثر من خمس سنوات، في حين أن العملية الأفغانية لم تبدأ بعد، ثم إن الانخراط الأمريكي في فيتنام طوال تلك السنوات كان أكبر، وأعلى كلفة من الانخراط الأمريكي الحالي في أفغانستان من حيث الأرواح والأموال. وطوال تلك السنوات، كانت المعارضة الأمريكية لتلك الحرب أكثر قوة مقارنة مع أي شيء رأيناه خلال العقد الماضي. غير أن وجود المفاوضات كان خلال معظم تلك الفترة بمثابة سبب لاستمرار القتال، وليس لإنهائه، وأعتقد أن معظم المؤرخين سيوافقون على أنه في غياب محادثات باريس للسلام، فإن الانسحاب الأمريكي من فيتنام كان سيحدث في وقت أبكر. ومن إحدى النواحي، يمكن القول إن عمليتي السلام مختلفتان إلى حد ما، وذلك على اعتبار أن مفاوضات فيتنام انبثقت عن مبادرة أمريكية، إذ جاءت رداً على إكراهات سياسية داخلية وعلى خلفية اعتراضات متكررة من نظام «سايغون». هذا في حين أن العملية الأفغانية تمتد جذورها في أعماق ذلك المجتمع، وليس مجتمعنا، حيث تظهر استطلاعات رأي متكررة دعماً كبيراً جداً عبر المجتمع الأفغاني لمحادثات سلام مع «طالبان». ورداً على ذلك، فإن «كرزاي» ينتصر لهذه الفكرة منذ سنوات، وإن لم يستطع تبديد تشكك إدارتي بوش وأوباما إلا قليلا. صحيح أن «كرزاي» يفضل أن يكون في قلب العملية بدلاً من أطرافها، حيث تحاول» طالبان» أن تبقيه. وصحيح أيضاً أنه إذا لم تتغلب واشنطن بسرعة على مقاومة «طالبان» لمشاركة مباشرة للحكومة الأفغانية، فإن المحادثات لن تذهب بعيدا. ولكن مما لا شك فيه أن المسئولين الأمريكيين ينظرون إلى هذا باعتباره هدفهم القريب وسيربطون التقدم بشأن المواضيع الجوهرية بتوسيع المشاركة. الفشل الأمريكي عام 1975 في فرض الالتزام باتفاق السلام، الذي كان ساسة فيتنام الشمالي قد وقعوه قبل عامين يعزى في المقام الأول إلى التأثيرات السياسية الداخلية لفضيحة «ووترغيت»، واستقالة نيكسون، وما تلا ذلك من انهيار للسلطة الرئاسية ولو لفترة قصيرة. والواقع أن فشلاً مماثلاً قد يعقب عقد اتفاق سلام في أفغانستان. غير أنه في حال حدث ذلك، فإن الفشل سيحدث باتفاق أو من دونه، لقد انضممت في 2010 إلى عدد من المسؤولين السابقين في عملية جس نبض للرأي العام الأفغاني تمهيداً لعملية سلام أفغانية من خلال التحدث إلى كل المشاركين المحتملين، بمن فيهم وسطاء «طالبان»، فتوصلنا إلى أن الوقت مناسب للشروع في ذلك، ونصحنا الإدارة الأمريكية بالمضي قدما. ومما لا شك فيه أنه سيتعين على الولاياتالمتحدة، أن تكون مستعدة لتطبيق أي اتفاقات يتم التوصل إليها في مثل هذه المحادثات، غير أنه ما إن كانت واشنطن ستثبت أنها مستعدة للقيام بذلك، فذاك أمر لا يتوقف على وجود اتفاق سلام أو غيابه، وإنما على قوة الدعم الأمريكي لالتزام سيتطلب من دون شك قدراً أقل من الدعم في حال وجود اتفاق، وأكبر في حال غيابه. ثمن الهزيمة نشرت صحيفة “روسيسكايا غازيتا” مقالا عن الوضع في أفغانستان بمناسبة مرور عقد من الزمن على التدخل الأمريكي الذي تلاه جر حلف شمال الأطلسي إلى الفخ الأفغاني جاء فيه: أن القوات الأمريكية بدأت عملياتها العسكرية على أرض هذا البلد أوائل شهر نوفمبر عام 2001 . والأن بعد كل هذه الفترة تعتبر هذه الحرب الأكثر فشلا لواشنطن وحلفائها. وفي محاولة منها لتصحيح أخطائها بشكل ما، أخذت واشنطن تدرس تجربة القوات السوفيتية في سلسلة جبال هندوكوش، وتحليل ما قام به العسكريون السوفييت والمستشارون المدنيون، الذين كانوا يعملون في افغانستان في مجالات مختلفة: حزبية، واقتصادية وشبابية. في البداية اعتقد السوفييت أن قواتهم العسكرية ستسحق بسرعة فصائل المقاومة الأفغانية ذات الأسلحة البدائية، والعودة بعدئذ الى أماكن تمركزها الدائمة. ولكن سرعان ما اتضح أن مجموعات المجاهدين الملتحين، ما هي الا قمة الجبل الجليدي، وان خلفها امكانيات هائلة من الولاياتالمتحدة والعربية السعودية والصين وباكستان ومصر واسرائيل، والكثير من الدول الأخرى، التي استغلت على نحو باهر الفرصة السانحة لاعلان الاتحاد السوفيتي «امبراطورية للشر»، وجره الى حرب استنزاف طويلة الأمد، وتحقيق الانتصار النهائي عليه. آنذاك تصدى للقوة العسكرية السوفيتية المحدودة كل الشرق الإسلامي عمليا، وكذلك «الغرب الامبريالي». وعلى العكس من ذلك، فإن قوات التحالف التي تقاتل اليوم ضد طالبان تتمتع عمليا بتأييد العالم كله، وضمنا روسيا الاتحادية. إن وحدات عسكرية من 50 بلدا تقريبا، ساعدت الأمريكيين لتعزيز مواقعهم في أفغانستان، ولكن دون جدوى. وتكمن المشكلة في أن الولاياتالمتحدة، وخلافا للاتحاد السوفيتي، اعتمدت لفترة طويلة على جبروتها العسكري حصرا. وفي هذا الشأن فإن الجيش قد ينتصر على العدو في معركة مفتوحة، ولكنه يجد نفسه عاجزا تماما حيث العدو شبح بلا جسد. ولن تنفع الجيش في هذه الحال كل الأسلحة الحديثة ووسائل الاتصال، وامكانيات أفضل الأجهزة الاستخبارية، وتوفر الاسناد في المؤخرة. وبالمناسبة، فإن أفغانستان هي تلك الحالة الغامضة حيث لا يوجد عدو ظاهر، مع ذلك فإن الجندي الأجنبي يجد نفسه عرضة للخطر في كل مكان. الولاياتالمتحدة لا تعزز حضورها في آسيا الوسطى رغبة منها بالتعامل مع خلايا طالبان النائمة، والقضاء على مقاتلي القاعدة الخرافيين، بل انها مهتمة بتحديات أخرى. إن واشنطن تريد التحكم بباكستان النووية، التي تلعب لحسابها الخاص. وكذلك بإيران التي لا يمكن التكهن بتصرفاتها، فضلا عن الصين المجاورة، التي ستغدو في المستقبل القريب المنافس الأول للولايات المتحدة. وإن وجود الأمريكيين في افغانستان يتيح لهم أن يضعوا تحت مرمى نيرانهم جزء الكرة الأرضية الأكبر حيث يصنع المستقبل. وبهذا الصدد ليس ثمة جواب عن السؤال المتعلق بموقف روسيا من الحضور العسكري الأمريكي في هذه المنطقة، فمن جهة يشعر الروس بعدم الارتياح لوجود هؤلاء الجيران. ومن جهة أخرى تدرك موسكو أن انسحاب قوات التحالف سيعني حتما عودة الإسلاميين الراديكاليين الذي ستنتشر أفكارهم في الجوار. وهذا يعني أن منطقة هائلة من الحديقة الروسية الخلفية ستتعرض لموجات من عدم الاستقرار، الأمر الذي لا يتوافق ومصالح روسيا القومية. تلاشي الآمال كتب المستشرق الإسرائيلي إيال زيسر في سياق تقرير نشره الموقع الإلكتروني للقناة العاشرة «الإسرائيلية» أن السياسة الأمريكية فى أفغانستان تم إقرارها بعد تولد شعور لدى الأمريكيين بأن الحرب التي تخوضها قواتهم هناك توشك على أن يفقدوا السيطرة عليها وأن الأوضاع هناك تسير من سيء إلى أسوأ. وتحدث زيسر عن أسباب ما وصلت إليه أمريكا في أفغانستان مشيراً إلى أنه يرجع إلي تلاشي الآمال العريضة التي وضعتها واشنطن لنفسها هناك فبعد ما كانت تنتظر حصولها على تأييد جارف من جميع الدول لما تقوم به هناك ومد يد العون لها خذلها الجميع، وتدهورت الأمور سريعاً في أعقاب حرب أمريكية على أفغانستان حيث راحت تدمر كل شيء في هذا البلد بعد أن قامت بإسقاط نظام حكم طالبان وسعت للإعلان عن إقامة نظام حكم ديمقراطي هناك وإقامة دولة عصرية تنبني النهج الغربي. ما من خبير واحد في العالم في الشئون الأفغانية يرى أن ما تقوم به أمريكا في أفغانستان حل واقعي فالجميع مقتنع بأن أمريكا عاجلاً أو آجلاً ستقوم بالإعلان عن رفع أيديها من أفغانستان والهروب من المستنقع الأفغاني، السيناريو ذاته حدث قبل 30 عاما في فيتنام وفي لبنان قبل 20 عاما وفي الصومال قبل نحو عشرة أعوام. خسارة أمريكا في أفغانستان حتى الآن تعود إلى أن طالبان ليست جيشا منظما يمكن توجيه ضربات موجعة وموجهة له للقضاء عليه ولكنهم عناصر منتشرون في سائر أنحاء الأراضي الأفغانية يعيشون بين السكان المحليين الذين يؤيدونهم ويباركون ما يقومون به ضد القوات الأجنبية. نظام الحكم القائم في أفغانستان الآن وهو نظام حكم كرزاي نظام فاسد وغير قادر على إحكام سيطرته على مناطق لا تتعدى حدودها العاصمة الأفغانية كابل، لكن وللأسف لا يتعلم أوباما من أخطاء التاريخ فبدلاً من الابتعاد عن المستنقع الأفغاني يظل على قناعة بأنه من الأفضل إرسال المزيد من القوات لأفغانستان وذلك بعدما نصحه مستشاروه بأنه من الأفضل لأمريكا العمل على زيادة تواجدها هناك، وهو ما يؤكد أن الوعود التي سبق له وأن قطعها على نفسها تلاشت وذهبت أدراج الرياح. أحلام نصر قادم يقول محللون أن حجم الفشل الأمريكي في أفغانستان أكبر من كل ما تم الكشف عنه وزيادة على ذلك فإن هناك حربا سرية تخوضها جيوش من المرتزقة في أفغانستان كما في العراق على أمل تخفيف وقع الانكسار، ولكن هذه القوات التي لا يكشف حتى عن جزء من خسائرها ترتكب أبشع الجرائم وتقوم بتصفية مئات المدنيين والخصوم شهريا. وأمر جيوش المرتزقة ينكشف من حين لآخر بسبب أخطاء ترتكبها شركات خوصصة الحرب، ولكن سرعان ما يجري طمسها بتواطؤ واشنطن وبعض حلفائها. وقرار الرئيس الأمريكي الأخير عن تخصيص مئات الطائرات بدون طيار لمطاردة الأعداء في العراق وأفغانستان يعكس تفكيرا مشوها لقيادة تحاول إخفاء الهزيمة بأحلام عن نصر قادم. تميز الصراع على الأرض الأفغانية عبر التاريخ بنوع من الغموض وتعقيدات واجهت غالبية القوى الأجنبية التي سعت للهيمنة على بلاد الهندوكوش، تعقيدات تركز جزء منها على طبيعة التحالفات في صراع دار ويدور في منطقة في غاية الأهمية الاستراتيجية، والتي انتهت بإنتصار الشعب الأفغاني. خلال القرن الماضي كانت المعركة الخاسرة التي خاضها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان أحد أسباب انهياره. ولعل من أحد دروس التاريخ أنه في الوقت الذي تضرب فيه واشنطن أخماسا في أسداس حول سبل الخروج من المتاهة الأفغانية، تكشف ملابسات عن حرب سابقة. فقد اظهرت ملفات سرية بريطانية تعود الى العام 1980، ونشرت يوم الخميس 30 ديسمبر 2010 ان الدول الغربية عقدت اجتماعا سريا للاعداد لدعم المقاومة الافغانية مباشرة بعد الغزو السوفياتي لافغانستان. وورد في هذه الملفات التي ظلت سرية 30 عاما ان مسؤولين كبارا بريطانيين وفرنسيين والمانا وامريكيين التقوا في باريس في 15 يناير 1980، مباشرة بعد الغزو السوفياتي في ديسمبر 1979 لاعداد الرد. وشارك زبيغنييف بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الاجتماع مع كاتب عام الحكومة البريطانية روبرت ارمسترونغ الذي اقترح أن يتولى «اصدقاؤنا» تنسيق الدعم المقدم للمجاهدين، وهو الإسم المحبب للاجهزة السرية ومن بينها جهاز الاستخبارات البريطاني «أم آي 6». وكتب ارمسترونغ في تقريره من باريس أنه في حين كانوا يريدون تفادي اثارة حرب حدود مع باكستان في المنطقة القبلية المضطربة، فقد كان بإمكانهم القيام بالشيء الكثير. وقال ان القوى المجتمعة خلصت إلى أنه «سيكون من مصلحة الغرب تشجيع ودعم المقاومة». وأضاف أنه طالما هناك أفغان راغبين في مواصلة مقاومة الغزو السوفياتي وطالما هناك باكستانيون راغبين في استخدام ارضهم، فينبغي دعم المقاومة. وتابع «هذا سيصعب على السوفيات عملية تهدئة أفغانستان ويجعلها أطول». وأضاف ارمسترونغ ان «وجود حركة تمرد في أفغانستان سيستقطب المقاومة الإسلامية، الأمر الذي سنرغب في استمراره». واقترح ان يتم تنظيم الدعم للمقاومة من خلال «ممثل لأصدقائنا» يلتقي نظراء له في الجانبين الأمريكي والفرنسي. كتب الصحفي بوب وودورد الذي إشتهر بكشفه في العام 1972 فضيحة ووترغيت التي أدت إلى استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون، إن القائد السابق لقوات الاحتلال في أفغانستان ديفيد بتراوس قال له «عليك أن تدرك بأنني لا أظن أننا نربح هذه الحرب، هي أشبه بالعراق. نعم أحرزنا تقدما هائلا في العراق. ولكن لا تزال هناك هجمات مروعة في العراق، وعليك أن تبقى يقظا. هو نوع من القتال الذي تمكث فيه لبقية حياتك، وربما حياة أولادك». ونقل وودورد عن اوباما قوله إن «الناس لا بد أن يدركوا بأن السرطان موجود في باكستان»، وخلق أفغانستان أكثر أمنا هو أمر مهم كي «لا يتفشى السرطان». غباء سياسي لقد جاءت الولاياتالمتحدة الى افغانستان والعراق مدفوعة بأطماعها الاقتصادية الخاصة وبالاحقاد على المسلمين، ولكنها حملت معها غباء مؤسستها السياسية وجهلها بالبيئة الاجتماعية التي جاءت لتحارب فيها. وكان من الطبيعي ان تكون النتيجة كارثة. فالساحر لا يكون غبيا إلا وينقلب سحره عليه. وبفضل هذا الانقلاب تكبدت الولاياتالمتحدة ما يناهز 3500 مليار دولار على حربين لم تجن منهما، فوق خسارة المال وآلاف الجنود، إلا انهيار مكانتها كقوة عظمى. لقد آمنت الولاياتالمتحدة بان القوة العسكرية يمكن ان تكفل لها كل شيء. ولكنها تدرك اليوم كم انها كانت غبية. الشعب الأمريكي شعب حديث ليس له حضارة، لذلك فهو لا يأبه للتاريخ كثيرا، لكن الذي يقرأ التاريخ ينبغي أن يعلم أن أفغانستان كانت مقبرة لكثير من الإمبراطوريات التي غزت العالم من قبل لكن لم يستقر لها مقام في أفغانستان، فهل يعتبر أوباما بمن سبقه، أم سيضيف اسم بلاده لقائمة الإمبراطوريات المهزومة في أفغانستان ؟. الهزيمة المحتمة في أفغانستان تبقى مفصلا تاريخيا على طريق التراجع المحتم لشرعة الغاب في عالمنا المعاصر، وبقدر ما تتلاقى قوى المقاومة على المستويات الإقليمية والعالمية، وتتلاقى دعوات تحرير الإنسان من العدوان والاحتلال والاغتصاب والاستغلال.. ومن الاستبداد المحلي والدولي، بقدر ما تتسارع خطى التاريخ نحو استئناف مسيرة الحضارة البشرية المشتركة، وتحريرها من هيمنة شرعة الغاب عليها.