عندما اغتيل الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي عام 1963 ، كان هنالك 16300 مقاتل أمريكي في فيتنام، تحولوا فيما بعد من مستشارين لجيش فيتنام الجنوبية إلى مجرد جنود. وعندما اعتبر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، بعد خمس سنوات من ذلك، التاريخ أن الحرب خاسرة، كان عدد الجنود هناك بلغ 536 ألف جندي. وعند توقيع اتفاقية باريس للسلام في يناير 1973 التي أوفقت الحرب، بلغ عدد قتلى الجنود الأمريكيين 58193 قتيلا، بيد أن الحكمة لعبت دورها ولم تقدم الهزيمة في فيتنام أو تؤخر في نتائج الحرب الباردة، حيث ربحت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ، وخسر الاتحاد السوفياتي وجمهورياته. باراك أوباما ليس إبراهام لينكولن، الذي يحمل جهاز «بلاك بيري» كما يعتقد البعض، بل هو ليندون جونسون في حرب ما عادت تلقى دعماً داخلياً، ووالتر كرونكيت جديد يتحدث عن حقارة الأفغان. ويمكن لأعداد متزايدة من الأمريكيين، من جمهوريين وديمقراطيين، ولأغلبية الأوروبيين، رؤية أفغانستان وهي تتجه بعناد إلى المأزق. ومستقبل الحلف الأطلسي في خطر مجدداً. أما الجنرالات، ومنهم المتبجّح والعقلاني، فهم جيل جديد من الخبراء في حروب مكافحة التمرّد، وبالتالي هم أيضاً كأسلافهم يصبون إلى قيادة المزيد من الجنود من أجل تحقيق الانتصار، لكن مرور سنة ودفع مئات مليارات الدولارات تلخص المأزق الذي يقعون فيه اليوم. جاء الرأي اليميني الأول اللاذع مؤخراً في مقالة للمحلل الصحفي المحافظ جورج ويل، تحت عنوان «جاء وقت الانسحاب من أفغانستان»، حيث اعتبر أن الحرب الأفغانية أطول بنسبة 50% من الفترة التي شاركت فيها الولاياتالمتحدة في الحربين العالميتين. وأضاف ويل «يعمل المتشددون ضدّ «الفوز» بمعناه الكامل، ونقل عن مجلة «الإكونومست» وصفها حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي «بالخرقاء والفاسدة والسارقة إلى درجة أن الشعب يتوق إلى استرجاع جنرالات الحرب الذين كانوا أقل فساداً ووحشية من كرزاي». ويتحدث قائد هيئة أركان الجيوش الأمريكية ،الأميرال مايك مولن ، عن محاربة «ثقافة الفقر» الأفغانية ، غير أن ويل يرى أن ذلك يحتاج إلى عقود لإنجازه في عدة مترات مربعة من جنوب برونكس في نيويورك. وتساءل ويل «إذا كان هدف القوات الأمريكية في افغانستان «منع إعادة بناء تنظيم القاعدة لقواعده التي هي بالفعل ما عادت موجودة ، فهل يجب أن يكون في الصومال واليمن ودول سيدة أخرى قوات تسعى لذلك الهدف؟. وتابع ان «نظرية مكافحة التمرّد المتعلقة بوقت وعدد القوات المطلوبة لحماية المدنيين، تشير إلى أن أفغانستان قد تحتاج إلى مئات آلاف الجنود ربما لعقود أو أكثر. وهذا الأمر غير مقنع». الحاجة ل400 ألف جندي اعتبر أحد القادة العسكريين في قوات حلف الأطلسي «الناتو» أن أفغانستان، التي توازي مساحتها مساحة فرنسا ومعظم أراضيها قاحلة، قد تحتاج إلى 400 ألف جندي. ويتواجد فيها اليوم 70 ألف جندي أمريكي و40 ألف جندي من بلاد أخرى ،أغلبهم بريطانيون وكنديون وفرنسيون وألمان يمكنهم إطلاق النار للدفاع عن النفس فقط. في المقابل، يؤيد ويل استراتيجية معدلة صارمة تشدّد فقط على «ما يمكن القيام به من الشواطئ وعبر استخدام الاستخبارت ، وطائرات الاستطلاع ، وصواريخ «كروز»، والهجمات الجوية ووحدات صغيرة خاصة مدربة من الجنود لتنفيذ العمليات، وكذلك التركيز على الحدود مع باكستان». لكن للأسف ما يمكن القيام به عن طريق الشواطئ قليل، أقله وفقاً للمقاييس التي ذكرها ويل، فالاستخبارات التي تعتمد على المواطنين تحتاج إلى تسهيلات. والهجمات الجوية التي تستهدف غالباً قواعد تابعة لتنظيم «القاعدة» في باكستان يمكن أن تنفذها طائرات من دون طيار تنطلق من قواعدها في أفغانستان وتعود إليها. ويشكل تنظيم «القاعدة» الهدف الأساسي الذي يدفع بأوباما لمتابعة الحرب الأفغانية،غير أن عناصر «القاعدة» تركوا أفغانستان بعد معركة تورا بورا في دجنبر2001، وهم اليوم في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان(فاتا ) وفي بلوشستان، إحدى الأقاليم الباكستانية التي تقع على الحدود مع إيرانوأفغانستان. وبالتالي فإن قررت قوات حلف شمال الأطلسي التركيز على الحدود الأفغانية مخلفة وراءها ثغرة ، فإن «القاعدة» ستعود بطرفة عين، ومن هنا يأتي تركيز أوباما على «حركة طالبان». من هذا المنطلق يجب أن يكون مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الحرب الأفغانية محط اهتمام أوباما، فالخسارة في أفغانستان من شأنها نزع المصداقية التاريخية عن الحلف الأكبر في العالم، والانسحاب منها قد يؤدي إلى احتفالات النصر في العالم الإسلامي. والأمر الأهم هو أن دول قوات «الناتو» التي تشارك عسكرياً في أفغانستان لا تظن أنها قادرة على تهدئة المعارضة الداخلية فيها إلى أكثر من العام 2010. وتظهر الانتخابات الرئاسية الأفغانية الأخيرة إحدى أوجه الفشل في دولة يحكمها جنرالات الحرب وحلفاؤهم، وإدخال أفغانستان إلى القرن الحادي والعشرين يحتاج إلى جنود أكثر مما تقدمه أي دولة غربية أو تخطط تقديمه. والطريق إلى النجاح هو مضاعفة عدد القوات الأفغانية ثلاث مرات لتصل إلى 230000 ، مما يتطلب سنوات عدة من الولاياتالمتحدة لاختبار ذلك. في حين أن الوضع الأمني يتدهور باضطراد. وطالب قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ،الجنرال ستانلي ماكريستال ، في مراجعته الأخيرة للوضع، بثمانية ألوية إضافية من الجنود أو حوالى 40 ألف جندي أمريكي إضافي، منهم ال21 ألف جندي الذين كان أوباما قرر إرسالهم.