كان عام 2010 الأسوأ بالنسبة لقوات الولاياتالمتحدة وحلفائها ضمن مجموعة التدخل «إيساف» في أفغانستان وذلك منذ أن غزت واشنطن هذا البلد في اكتوبر سنة 2001 ثم ضمت إليها بعد ذلك وحدات عسكرية من عدة دول غالبيتها أعضاء في حلف الناتو. فمن يناير 2010 وحتى 28 ديسمبر، قتل 705 من جنود من قوة الحلف الاطلسي حسب احصاء اجرته فرانس برس استنادا الى موقع «ايكاغولتيز دوت اورغ» المتخصص. وأدى النزاع منذ اواخر 2001 الى مقتل 2275 جندي -منهم أكثر من 1400 أمريكي- في «ايساف» التي تعد حاليا 140 الف رجل ثلثاهم امريكيون. بعض أنصار مواصلة الحرب يردون بالقول أن خسائر التحالف في أفغانستان أقل كثيرا مما سجل عليه في العراق التي دخلت حربه سنتها السابعة، زيادة على أن الخسائر البشرية لدى الخصوم الأفغان اضعاف ما تكبده «الناتو». تقارير كثيرة توقعت ان تكون سنة 2011 أكثر خطورة لقوات التحالف الغربي التي تحاول تجنب تكبد هزيمة مثل تلك التي لحقت بالولاياتالمتحدة في الفيتنام. في منتصف شهر ديسمبر 2010 قالت کارولين وادهامز خبيرة شؤون جنوب آسيا بمرکز التقدم الأمريکي وهي مؤسسة بحثية قريبة من البيت الأبيض: هناك شکوك کثيرة داخل الإدارة في مدى نجاح الاستراتيجية بمن في ذلك بعض مسؤولي المخابرات وبعض النافذين بالبيت الأبيض. ويشير ملاحظون إلى وجود خلافات عميقة بين الوکالات التي تقدم التوصيات لأوباما وحتى داخل طاقمه الرئاسي. وتعتقد قيادات البنتاغون أن سياسة مقاومة التمرد التي صاغها ويديرها الجنرال ديفيد بتريوس أحرزت تقدما في إخراج مقاتلي طالبان من أجزاء من أفغانستان ثم السيطرة على هذه الأراضي. اعتراف بالصعاب يوم الخميس 15 ديسمبر قال الرئيس الامريكي باراك اوباما ان الحرب في افغانستان تسير «كما هو مخطط لها» وهي تتقدم ولكن ببطء وبتكلفة عالية جدا من حياة رجالنا ونسائنا من الجنود. وحذر من أن المكاسب التي تحققت بفضل استراتيجيته لزيادة عديد القوات الأمريكية في البلد المضطرب «هشة» ويمكن أن لا تدوم. وكشف اوباما عن المراجعة أو التقييم الذي طال انتظاره للحرب في افغانستان وقال ان التقدم يكفي للسماح للقوات الأمريكية بالبدء في «الانسحاب المسؤول» من ذلك البلد في يوليو 2011 رغم انه من المرجح ان يكون حجم ذلك الانسحاب محدودا. ورغم تحذيراته من أن الحرب في أفغانستان لا تزال «مهمة صعبة للغاية» الا أنه قال ان العمليات الأمريكية متواصلة، وإن ظل التقدم غير سريع بالدرجة الكافية. اللافت في خطاب الرئيس اوباما أنه لم يشن هجوما قويا على حركة طالبان مثلما جرت العادة، وحدد أهداف الحرب في تفكيك تنظيم القاعدة. وبالرجوع إلى كل ما أثير خلال الأشهر الماضية عن تحمس غربي للتفاوض مع طالبان فإن ذلك يعتبر مؤشرا ان هناك في واشنطن من بدأ يسلم بأن حركة طالبان هي القوة التي ستتولى إدارة شؤون البلاد على الأرجح، في حال إنسحاب القوات الامريكية في نهاية المطاف. المراجعة التي كشف عنها اوباما والى جانبه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس، جاءت كتقرير ينقل صورة عن الحرب ولم يحمل تغييرا كبيرا في الاستراتيجية. واكدت كلينتون أن الادارة لا تحاول تجميل الجهود الحربية، وأضافت «لا اعتقد أنكم ستجدون اشخاصا في قيادة هذه الإدارة، بمن فيهم الرئيس، يضعون سيناريوهات وردية فقد كانت هذه مراجعة صعبة للغاية». بعض المحللين أنتقدوا محتوى المراجعة التي عرضها أوباما لأنها في نظرهم افتقرت الى التفاصيل والأدلة الداعمة، ولم تشتمل على الانتقادات الموجهة الى حكومتي باكستانوأفغانستان والتي ظهرت في الوثائق التي سربها موقع «ويكيليكس». ورغم أن واشنطن تعهدت في المراجعة بالعمل مع افغانستان لتحسين الحكم وخفض الفساد، الا انها لم تتطرق الى عمليات النصب والاحتيال التي تتم على مستوى البلاد بما في ذلك في حكومة كرزاي، والتي يرى العديد من المحليين انها تنتشر كالوباء. صحيفة «ذي غارديان» البريطانية رأت في مقال افتتاحي ان «استراتيجية الرئيس اوباما ستفشل لأن العنصرين الاساسيين للحملة ضد حركة طالبان مفقودان: حكومة قومية شرعية شغالة، والقدرة على حرمان طالبان من الدعم الخارجي. ولا توجد امكانية عملية لتأمين اي من العنصرين قريبا». البحث عن وسيلة للخروج في الثلث الأول من آخر أشهر سنة 2010 كتبت كاندس روندو المحللة السياسية في شؤون أفغانستان في مجموعة الأزمات الدولية: «بينما تدخل العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان عامها العاشر يبحث صناع القرار في واشنطن عن وسيلة للخروج، ومع أنه من المقرر إجراء مراجعة متواصلة للسياسة الأمريكية إلا أن خطوطها العريضة غدت غير واضحة. ستحاول القوات الامريكية توجيه ضربة لطالبان لجرها إلى طاولة المفاوضات وستنقل مسؤولية الأمن إلى القوات الأفغانية على نحو تدريجي بالإضافة إلى ضخ المزيد من الأموال للتنمية الاقتصادية. هذا وقد وافق شركاء قوات التحالف الدولي في قمة لشبونة على انسحاب تدريجي للقوات بهدف تسليم المسؤولية للقوات الأمنية الأفغانية بحلول نهاية عام 2014. أما الهدف فهو سحب القوات بكرامة خاصة بعدما تراجع التأييد الشعبي ولكن مع ضمان أن لا تتحول أفغانستان إلى بؤرة للارهاب الدولي بعد الانسحاب على أقل تقدير». وفي حين يقاس نجاح العمليات حاليا بعدد المسلحين الذين قتلوا أو أسروا فليست هناك أدلة كافية تشير إلى أن العمليات حدت من نشاط التمرد أو زادت الاستقرار. وبالتالي لا تتطابق الرواية الأمريكية مع الحقائق على أرض الواقع». وكانت «مجموعة الازمات الدولية» «انترناشونال كرايسيس غروب» قد حذرت في تقرير نشرته يوم السبت 27 نوفمبر 2010 من أن الغربيين يفشلون في افغانستان. فبعد تسع سنوات على دخوله البلاد، لم يتمكن التحالف الدولي من القضاء على تمرد طالبان ولا من كسب تاييد الرأي العام ولا من إقامة دولة وقوات أمنية قوية. مضيفة ان «عناصر قليلة جدا تشير إلى أن العمليات «الأمريكية وعمليات حلف شمال الاطلسي «أخلت باندفاعة حركة التمرد» حيث أن «حركة طالبان أصبحت أكثر نشاطا من أي وقت مضى ولا يزال لديها مخابىء آمنة وتحظى بدعم في باكستان». ولفت التقرير إلى أن رهان واشنطن على من وضعتهم في كراسي السلطة في كابل، رهان خاسر فالشرطة «فاسدة وجشعة وعنيفة» والجيش يحركه عدة رجال اقوياء يشكلون حركة مافيا، والقوات الافغانية غير مدربة بشكل كاف وتسودها ظاهرة الفرار مشيرا الى انها «لا تقاوم طالبان سوى بشكل متواضع». واستنتج التقرير ان الانسحاب التدريجي للقوات الغربية المرتقب في هذا الاطار لا يشكل الحل للأزمة في افغانستان. وأضافت المجموعة «بدون دعم خارجي، ستنهار الحكومة وستسيطر حركة طالبان على غالبية البلاد، أي سنعود إلى نقطة البداية شتاء سنة 2001 وستكون كل تضحيات الولاياتالمتحدة بدون جدوى. بعد 48 ساعة من نشر التقرير وفي مؤشر واضح على رفض الأفغان الوجود الأجنبي اعترف حلف شمال الأطلسي أن جنديا من شرطة الحدود الأفغانية قتل ستة من أفراد القوات الأمريكية بالرصاص أثناء تدريبات في شرق أفغانستان يوم الاثنين 28 نوفمبر قبل أن يقتل بدوره، في أسوأ عملية قتل من هذا النوع تتعرض لها القوات الأجنبية منذ أكثر من عام. تقدم طالبان حتى التقارير الداخلية للبنتاغون تكشف عن حقيقة الأوضاع يفيد أحدها: كلما تفاقم العنف أثبتت قوات الأمن الأفغانية عدم قدرتها على مجابهة طالبان. وقد تزايدت الخسائر البشرية في صفوف قوات «ايساف» بالإضافة إلى صفوف المدنيين. هذا ولا تزال أفغانستان تفتقر إلى استراتيجية أمنية وطنية متماسكة ولاتزال أجهزة الجيش والشرطة الافغانية متشظية ومسيسة على نحو كبير وخطير. من جهة أخرى وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في ميدان القتال تجد الجماعات المتمردة مجندين جددا في المنطقة الحدودية مع باكستان، وتستخدم المنطقة لتجميع صفوفها وإعادة تنظيمها وتسليحها بدعم ومشاركة تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الباكستانية والجيش الباكستاني. وقد سمح هذا الموقع الاستراتيجي للمتمردين بالإنتشار في كل أصقاع البلاد تقريبا وخلافا للرواية الرسمية لا تزال عشرات المناطق رابضة تحت سيطرة طالبان». «بعد مضي ما يقرب عقد من الزمن على بدء العمليات الأمريكية لا تزال أفغانستان تعمل وفق نظام معقد من إقطاعيات متعددة الطبقات حيث يسيطر المتمردون على نظم العدالة الموازية وأجهزة الأمن في كثير من المناطق إن لم يكن معظمها، في حين تحتكر النخبة اللصوصية في كابل العقود الدولية في أصقاع البلاد. وقد عزز تدفق مليارات الدولارات الروابط بين الأعضاء الفاسدين في الحكومة الأفغانية والقادة العسكريين المحليين والمجرمين على حد سواء. كما تلطخ النمو الاقتصادي من جراء انفجار السوق السوداء، والأمر الذي يجعل تمييز مؤشرات النجاح والاستقرار عن بوادر انهيار وشيك شبه مستحيل. لقد تجذرت مشاكل إهمال الحكم ووهن النظام القضائي وضعف سيادة القانون كما شحت الجهود الرامية لمعالجتها. وبالتالي فقد تمكن المسلحون والعناصر الاجرامية داخل النخبة السياسية من ملء الفراغ الذي خلفه ضعف الدولة الأفغانية». «يقع معظم اللوم في وضع كهذا على الادارات الامريكية المتعاقبة. فقد كان من الصعب منذ البداية الدفاع عن سياسة ترمي إلى اختيار بعض من الشخصيات الأكثر عنفا وفسادا في البلاد، واغراقهم بالمال والوعود بتقديم المزيد ومن ثم تعينهم كمسؤولين. فلم تكن تلك السياسة وصفة لإرساء الاستقرار في البلاد وناهيك عن البناء المؤسساتي». «لقد فشلت واشنطن على نحو منهجي بوضع وتنفيذ سياسة متماسكة». تناقضات داخل واشنطن خلال الأسبوع الثالث من شهر ديسمبر 2010 أعلن في واشنطن، عن ملخص للتقدير الذي قامت به وزارة الدفاع الأمريكية، بقيادة فريق مجلس الأمن القومي، لوضع الحرب في أفغانستان. هذا هو التقدير الثاني الذي يصدر عن الحكومة الأمريكية حول الحرب في فترة وجيزة، بعد التقدير الذي صدر عن مجموع الوكالات الاستخباراتية، بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية. ولكن، بينما كان التقدير الاستخباراتي متشائما، مشيرا إلى أن ما تحقق حتى الآن لا يوحي بتقدم ملموس، جاء تقدير المؤسسة الدفاعية أكثر تفاؤلا، وإن بحذر. الجدير بالتنويه أنه من المفترض أن تكون المؤسسة الاستخباراتية، وهي كذلك عادة، أكثر استقلالا وموضوعية في تقديراتها عن أجهزة الدولة المرتبطة بالإدارة الأمريكية. التقرير يعترف على أي حال بأن التقدم الذي تحقق في الحرب لم يزل هشا، وأن التحدي الرئيس في أفغانستان الآن هو تحويل ما تحقق إلى مكاسب ثابتة، غير قابلة للتغيير. وفي تحول ملحوظ في هدف الحرب، يشير التقرير إلى أهمية تدمير القاعدة وقدرتها على الفعل، وإلى إضعاف طالبان إلى الدرجة التي تصبح فيها غير قادة على إطاحة الحكومة الأفغانية، وليس إيقاع الهزيمة بطالبان، كما كان هدف الحرب المفترض طوال السنوات الماضية. الخلاف بين الجيش والاستخبارات فيما يخص الحرب الأفغانية يعكس مدى حدة النقاش في واشنطن حول ما إذا كانت الولاياتالمتحدة ستنجح في افغانستان من دون معونة باكستان التي ما زالت، رغم سنوات من الضغط الأمريكي عليها، تقاوم إبادة المقاتلين الموجودين على حدودها حسب تقديرات مسؤولين يحسبون كخصوم لاسلام آباد. ويظهر الخلاف كذلك التباينات الثقافية بين المحللين الاستخباريين، ممن يتمثل عملهم في التحذير من أخبار سيئة محتملة، وقادة الجيش الذين تدربوا على تعزيز المنطق المتفائل «نستطيع القيام بذلك». لكن وكالات الاستخبارات تقوم بدور قوي في أفغانستان التي توجد فيها أكبر محطة لوكالة الاستخبارات المركزية منذ حرب فييتنام ومقرها في كابل. كما يقود مشغلو الوكالة قوة الميليشيا الأفغانية التي يعد أفرادها بالآلاف ويعتبرون مرتزقة. وفي باكستان تدير وكالة الاستخبارات المركزية حربا خفية تستخدم فيها الطائرات من غير طيارين. باكستان والمعادلة الصعبة بعض المسؤولون الأمريكيين يقولون إن باكستان تدعم المقاتلين كقوة تعمل بالوكالة عنها في أفغانستان، استعدادا لليوم الذي يرحل فيه الحلفاء، غير أن هناك من يحذر في دوائر القرار الأمريكي من أن التصرف على أساس هذا التقدير من شأنه دفع باكستان إلى التحالف مع بكين وموسكو والتخلي عن واشنطن مما سيشكل كارثة للقوات الحليفة. يقول بروس ريدل من مؤسسة بروكينغز، الذي ترأس فريق مراجعة للاستراتيجية الافغانية عام 2009 نتج عنها إرسال اوباما تعزيزات عسكرية إضافية: «هذا ليس الحل المثالي. لكن علينا أن نتعامل مع العالم الموجود أمامنا، وليس العالم الذي نرغب فيه. لا نستطيع منع باكستان من التصرف بشكل سيء». ويواصل المسؤولون والعسكريون الأمريكيون علنا مدح باكستان وقائد جيشها الجنرال أشفاق برويز كافاني ويطلبون بذل مزيد من الجهود، ولو على الأقل على سبيل الاعتراف بوجود مشكلة. منذ حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية، وجه أوباما انتقادات لاذعة لسياسة سلفه في الحرب ضد الإرهاب، ليجعل من حسم الحرب في أفغانستان هدفا رئيساً لإدارته. كما كانت العراق حرب بوش الابن، أصبحت أفغانستان حرب أوباما. ولكن الرئيس لم يدرك حجم وأعباء المهمة التي كان عليه أن يواجهها. خلال العامين الماضيين، حققت طالبان إنجازات كبيرة على الأرض، بينما تعثرت جهود بناء الحكم والجيش في كابل. الآن، وبعد أن أصبحت الحرب في عامها العاشر أطول الحروب الأمريكية، ووصل تعداد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى مائة ألف جندي، وباتت الحرب تتطلب ميزانية من 113 مليار دولار سنويا، يبدو أن إدارة أوباما أكثر تواضعاً في الأهداف التي ترجو تحقيقها. في صيغته الجديدة، يعطي التقرير الأمريكي الأولوية في الحرب استهداف القاعدة، وذلك باعتبارها هدفا يسهل تسويغه، وتسويغ الحرب من ورائه، أمام الرأي العام الأمريكي، الذي يوشك أن يصاب بالإرهاق من الحرب وتكلفتها البشرية والمادية. وقد تخلت إدارة أوباما عن هدف بناء الدولة الأفغانية «الحديثة»، وعن إيقاع هزيمة قاطعة بطالبان، بمعنى أنه ما إن تحقق الحرب هدف إضعاف طالبان، فستصبح أفغانستان شأن حكومة كابل. والواضح أن تأكيد التقرير لإمكانية بدء انسحاب أمريكي تدريجي في صيف 2011، كما كان أوباما قد وعد من قبل، أريد به التغطية على التزام الإدارة بالبقاء في أفغانستان حتى 2014، والمتوقع حتى أبعد من ذلك، كما سبق الإعلان في اجتماع لشبونه لحلف الناتو في نوفمبر 2010. رؤية الأفغان من المبكر جدا الإقرار بالتفاؤل الذي يوحي به تقدير المؤسسة العسكرية ومجلس الأمن القومي فيما يتعلق بمستقبل الحرب في أفغانستان. فمن المحتمل أن تستطيع القوات الأمريكية، وقوات إيساف الأخرى، إيصال الأوضاع إلى حد تصبح فيه حكومة كابل آمنة من احتمال إطاحتها من قبل قوات طالبان. ولكن المؤشرات الحالية ليست كافية بعد لترجيح هذا الاحتمال. فتخلي طالبان عن مواقع لها تحت ضغط الهجمات الأمريكية أو البريطانية ليس جديدا، وتظهر السوابق العديدة أنه ما أن تضعف قبضة هذه القوات، أو تنتقل إلى مهمات أخرى، حتى تعود طالبان إلى المواقع التي أخلتها. العامل المهم في هذه المعادلة ليس المقدرات العسكرية المكرسة لموقع أو مديرية ما، بل رؤية الأفغان أنفسهم في المنطقة لطبيعة الصراع. ما يراه الأفغان اليوم أن طالبان مهما ضعفت فهي الباقية، وأن الأمريكيين سينسحبون في النهاية، وهذا هو العامل الأهم في موقفهم من طالبان والحرب».يقول محللون إن ما يحاوله الرئيس الأمريكي في الوقت الراهن هو بناء رأسمال في الحرب يساعده في مسعاه لولاية رئاسية ثانية في نوفمبر 2012، مهما كانت التناقضات التي يستند إليها رأس المال هذا. ولكن أوباما سيجد نفسه مجبرا في النهاية على مواجهة حقيقة أن خيار استمرار الحرب هو خيار الكتلة الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، وليس قاعدته الديمقراطية، وأن الأمور لا تسير على أرض أفغانستان كما تتمنى إدارته، وأنه من الصعب إجبار باكستان على التخلي عن مصالحها الإستراتيجية، وأن ليس بإمكانه خوض نصف حرب وتحقيق أهداف تتطلب مئات الألوف من الجنود. وعندها، عليه أن يتخذ القرار الضروري بالتفاوض مع طالبان، أو أن تبقى أفغانستان ساحة حرب متعددة الأطراف، ليس بينهم من رابح. وفي المعسكر المساند لإوباما يشار إلى أن الدعم الشعبي الامريكي للحرب في افغانستان انخفض بشكل كبير حيث اظهر استطلاع نشرته شبكة «ايه بي سي نيوز» الاخبارية وصحيفة واشنطن بوست في ديسمبر أن 60 بالمئة من الامريكيين يعتقدون ان الحرب لا تستحق خوضها، بارتفاع سبع نقاط منذ شهر يوليو. وقال 34 في المئة فقط من الذين شملهم الاستطلاع ان الحرب الافغانية تستحق خوضها، بانخفاض سبع نقاط عن استطلاع نشر في يوليو. تطاحن في واشنطن ولعل هذه الاعتبارات هي التي تحدث اضطرابا في التقديرات والمواقف والتصريحات داخل مكونات القيادة السياسية في البيت الأبيض، فيوم الجمعة 24 ديسمبر أكد جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي في مقابلة مع قناة «أ بي سي» الامريكية مجددا خروج القوات الامريكية من افغانستان بحلول عام 2014 ، وقال «انني متأكد بشكل مطلق بأن هذا ما سيحصل». إلا انه لم يستثن في نفس الوقت بقاء القواعد الجوية الأمريكية في باغرام وقندهار بعد هذا الموعد. هذا وكان اعلان بايدن يوم 9 من الشهر الجاري عن الخروج الكامل للقوات الأمريكية من افغانستان قبيل حلول عام 2014 «مهما حصل» قد أثار صدى واسعا في المجتمع، حيث اضطر البيت الابيض من جديد إلى توضيح كلام بايدن، الذي يلقى الكثير من الانتقاد ل «صدور كلام عنه دون تفكير»، اذ قام رئيس المكتب الصحفي روبيرت غيبس غير مرة بالاعلان عن أن قصد نائب الرئيس الأمريكي هو إنتهاء جميع «المهمات الحرببية» بعد أربع اعوام. ويبدو ان شخصيات عسكرية بارزة غير مرتاحة لتحديد بدء الانسحاب في يوليو 2011، ويبدو من غير المرجح ان تبدأ عمليات انسحاب واسعة النطاق بعد ذلك التاريخ. وصرح وزير الدفاع الأمريكي غيتس في مؤتمر صحافي ان وتيرة انسحاب القوات الامريكية من افغانستان لا تزال غير واضحة، إلا انه أعرب عن تفاؤله حيال مسار الحرب. وقال أنه تم إحراز تقدم «ملموس» على الأرض، إلا أنه اعتبر ان من المبكر تحديد عدد الجنود الذين يمكن سحبهم بعد الموعد المحدد للبدء في الانسحاب في يوليو 2011. واضاف غيتس أنه «بالنسبة لموعد سحب القوات، فقد اوضح الرئيس أن ذلك يستند الى عدد من الشروط». واضاف «اما بالنسبة لما ستسير عليه الأمور بعد يوليو 2011، فأعتقد ان الجواب هو: لا نعرف في هذه المرحلة». الحقائق الميدانية في رد على التقرير الذي قدم في واشنطن، اكدت حركة طالبان الافغانية يوم الجمعة 17 ديسمبر ان الاستراتيجية الامريكيةالجديدة في افغانستان التي قررها الرئيس باراك اوباما في نهاية 2009 «فشلت» نافية ما اكده التقرير عن تحقيق «تقدم» في مكافحة حركة التمرد. وقالت طالبان في بيان لها ان «الكل يعلم ان الحقائق الميدانية هي عكس» ما اكده التقرير من «احراز تحقيق عسكري نسبي» في بعض مناطق افغانستان. واشارت الى «مقتل المزيد من الامريكيين في افغانستان منذ أن اختار الرئيس اوباما التصعيد العسكري بارسال 30 الف عسكري اضافي لتعزيز قواته في افغانستان. واضاف بيان طالبان ان «استراتيجية اوباما لم تفشل في المجال العسكري فحسب بل انها لم تحقق اي نجاح على المستوى المدني والاداري». وشددت حركة طالبان على أنه «في نظر المواطن الأفغاني العادي فإن النتيجة الوحيدة التي حققتها هذه الاستراتيجية هي مساعدة حكومة كرزاي الدمية على البقاء في السلطة ونشر الفساد وعدم الأمان والشعور بالمرارة وعجز المسؤولين وقتل الاف المدنيين في عمليات امريكية». الأممالمتحدة إذا كانت الإدارة الأمريكية تتحايل على الحقائق بإسلوب قد يعتبره البعض بارعا كما كشفت عن ذلك تسريبات «ويكيليكس» فإنه يحدث أن يقع خلل بسيط في الآلة الضخمة التي تتحكم فيها واشنطن ومن خلالها المركب الصناعي العسكري في العديد من التوجهات السياسية والاقتصادية العالمية، لتفضح الأكاذيب. يوم الاثنين 27 ديسمبر 2010 اعترف ناطق بإسم الأممالمتحدة بأن تمرد طالبان امتد في الأشهر الأخيرة إلى بعض المناطق في افغانستان، مؤكدا أنه «اصبح من الصعب العمل في بعض أنحاء البلاد». ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» خارطتين للأمم المتحدة تكشفان تدهورا واضحا للوضع الأمني في بعض اجزاء أفغانستان، خصوصا في الشمال والشمال الغربي. وقال كيران دواير رئيس قسم الاعلام في بعثة الأممالمتحدة في أفغانستان أنه «مع تصاعد النزاع في بعض مناطق البلاد، ظهر المتمردون في مقاطعات لم تستهدف من قبل». إلا ان دواير قال انه لم يقرأ مقال «وول ستريت جورنال» ولا يمكنه التعليق على الخارطتين. وتتضمن الخارطتان تقييما لمستوى الأمن في كل ولاية. وقد وضعت الاولى في مارس في نهاية الشتاء التي تستأنف فيها المعارك عادة والثانية في اكتوبر بداية الشتاء التالي. وبالمقارنة بين الخارطتين، يبدو الوضع على حاله تقريبا في الجنوب الافغاني أصعب منطقة لقوات «إيساف» وفي الشرق حيث يبقى الوضع الأمني «خطيرا». إلا ان الوضع تدهور في 16 منطقة معظمها في الشمال والشمال الشرقي حيث ارتفع مستوى الخطر من «ضعيف» الى «متوسط» الى «عال». وحسب الخارطتين، تراجع الخطر الأمني في منطقتين فقط واحدة في منطقة قندوز (شمال) والثانية في هرات كبرى مدن غرب افغانستان المجاورة لإيران التي كثفت مساعداتها العلنية والخفية لخصوم طالبان وآخرها السماح يوم 26 ديسمبر ل 1600 شاحنة وقود بالدخول من أراضيها إلى أفغانستان. وقد خفض مستوى الخطر الأمني فيهما من «عال» الى «متوسط». حرب المرتزقة يقول محللون أن حجم الفشل الأمريكي في أفغانستان أكبر من كل ما تم الكشف عنه وزيادة على ذلك فإن هناك حربا سرية تخوضها جيوش من المرتزقة في أفغانستان كما في العراق وهذه القوات التي لا يكشف حتى عن جزء من خسائرها ترتكب أبشع الجرائم وتقوم بتصفية مئات المدنيين والخصوم شهريا. وأمر جيوش المرتزقة ينكشف من حين لآخر بسبب أخطاء ترتكبها شركات خوصصة الحرب، ولكن سرعان ما يجري طمسها بتواطؤ واشنطن وبعض حلفائها. يوم الأحد 26 ديسمبر كشفت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن شركة «بلاك ووتر» الأمنية الأمريكية خرقت القانون الألماني وهربت طائرات مروحية عسكرية ألمانية الصنع من نوع «بوما» إلى أفغانستان بمساعدة شركة شحن تابعة لها. وأضافت أن شركة «بريزيدينشيال إيروايز» وهي إحدى الشركات التابعة «لبلاك ووتر» لم تشأ أن تنتظر حتى يتم إصدار كافة الموافقات الأصولية حسب القانوني الألماني، وقامت بتهريب الطائرات إلى بريطانيا ثم تركيا ومنها إلى أفغانستان. ولم تكتف شركة المرتزقة بعملية تهريب واحدة بل أعادت الأمر ثانية عبر تركيا ومنها إلى جورجيا وأذربيجان. يذكر أن «بلاك ووتر» غيرت اسمها لتصبح «إكس إي» بعد أن تم الكشف عن بعض جرائمها في العراق والتهديد بمتابعتها قضائيا. السفير الأمريكي في ألمانيا وليام تيمكن وجه برقية إلى واشنطن يبدي فيها قلقه من تصرف «بلاك ووتر» يقول فيها: «قد يكشف الموضوع ويظهر للعلن في ألمانيا، وقد يكون له تداعيات أكبر بكثير من الفائدة التي يمكن أن تقدمها مروحيات، خاصة في ضوء انتشار التذمر الشعبي تجاه مشاركة ألمانيا في الحرب في أفغانستان». لكن واشنطن تغاضت عن الأمر. وتقول مصادر رصد ألمانية أن برلين تخشى من أن تأخذ عملية التهريب بعدا أكبر عندما تتحقق وتنكشف اتهامات لبلاك ووترز بقتل مئات المعتقلين الأفغان داخل حاويات معدنية كبيرة شحنوا فيها من شمال أفغانستان أمام أعين وحدات الجيش الأمريكي. يذكر أن الشكوك تدور حول تورط شركة «بريزيدينشيال إيروايز» مع «سي آي أي» في نقل معتقلين مشتبه فيهم بارتكاب ما يسمى أعمالا إرهابية إلى سجون سرية عبر أوروبا، الأمر الذي فجر احتجاجات عنيفة لدى الرأي العام الأوروبي عندما كشف النقاب عن تلك الرحلات. وكان تقرير صادر عن اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان في أوروبا عام 2006 قد توصل إلى أن 14 دولة من القارة الأوروبية قد تواطأت مع المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي أي» في قضية رحلات الطيران السرية الأمريكية لنقل متهمين بالإرهاب. تعقيدات الصراع تميز الصراع على الأرض الأفغانية عبر التاريخ بنوع من الغموض وتعقيدات واجهت غالبية القوى الأجنبية التي سعت للهيمنة على بلاد الهندوكوش، تعقيدات تركز جزء منها على طبيعة التحالفات في صراع دار ويدور في منطقة في غاية الأهمية الاستراتيجية، والتي انتهت بإنتصار الشعب الأفغاني. خلال القرن الماضي كانت المعركة الخاسرة التي خاضها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان أحد أسباب انهياره. ولعل من أحد دروس التاريخ أنه في الوقت الذي تضرب فيه واشنطن أخماسا في أسداس حول سبل الخروج من المتاهة الأفغانية، تكشف ملابسات عن حرب سابقة. فقد اظهرت ملفات سرية بريطانية تعود الى العام 1980، ونشرت يوم الخميس 30 ديسمبر 2010 ان الدول الغربية عقدت اجتماعا سريا للاعداد لدعم المقاومة الافغانية مباشرة بعد الغزو السوفياتي لافغانستان. وورد في هذه الملفات التي ظلت سرية 30 عاما ان مسؤولين كبارا بريطانيين وفرنسيين والمانا وامريكيين التقوا في باريس في 15 يناير 1980، مباشرة بعد الغزو السوفياتي في ديسمبر 1979 لاعداد الرد. وشارك زبيغنييف بريجنسكي مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الاجتماع مع كاتب عام الحكومة البريطانية روبرت ارمسترونغ الذي اقترح أن يتولى «اصدقاؤنا» تنسيق الدعم المقدم للمجاهدين، وهو الإسم المحبب للاجهزة السرية ومن بينها جهاز الاستخبارات البريطاني «أم آي 6». وكتب ارمسترونغ في تقريره من باريس أنه في حين كانوا يريدون تفادي اثارة حرب حدود مع باكستان في المنطقة القبلية المضطربة، فقد كان بإمكانهم القيام بالشيء الكثير. وقال ان القوى المجتمعة خلصت إلى أنه «سيكون من مصلحة الغرب تشجيع ودعم المقاومة». وأضاف أنه طالما هناك أفغان راغبين في مواصلة مقاومة الغزو السوفياتي وطالما هناك باكستانيون راغبين في استخدام ارضهم، فينبغي دعم المقاومة. وتابع «هذا سيصعب على السوفيات عملية تهدئة أفغانستان ويجعلها أطول». وأضاف ارمسترونغ ان «وجود حركة تمرد في أفغانستان سيستقطب المقاومة الإسلامية، الأمر الذي سنرغب في استمراره». واقترح ان يتم تنظيم الدعم للمقاومة من خلال «ممثل لأصدقائنا» يلتقي نظراء له في الجانبين الأمريكي والفرنسي. قبل 72 ساعة من الكشف البريطاني وقع الرئيس الروسي دميتري مدفيديف يوم الاثنين 27 ديسمبر قانونين يتعلقان بالمصادقة على اتفاقيتين تسمحان بمرور الشحنات العسكرية الفرنسية والاسبانية وأفراد الوحدتين العسكريتين للبلدين إلى أفغانستان عبر الأراضي الروسية. وأكد المكتب الصحافي للكرملين أن توقيع الاتفاقيتين يندرج في اطار الجهود الدولية الرامية الى إشاعة الاستقرار في جمهورية أفغانستان وإعمارها، مشيرا إلى أنهما ترميان إلى وضع إطار قانوني لقيام روسيا، وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي، بإتاحة إمكانية نقل الأسلحة والعتاد العسكري والشحنات العسكرية والعسكريين والأطر المدنية بواسطة الطائرات عبر الأراضي الروسية. وتنص الوثيقتان على أن روسيا يمكن أن ترفض السماح بالمرور عبر أراضيها في حال ثبت أنه يشكل خطرا على أمنها أو يخالف الأهداف المثبتة في الاتفاقيتين. كما تلزم الاتفاقيتان الطائرات بالهبوط في الأراضي الروسية لدى نقل الأسلحة والعتاد والشحنات العسكرية، بينما لا تنصان على ذلك بالنسبة لنقل العسكريين والمدنيين. هناك مثل يتداوله الناطقون بالانكليزية «أعطه حبلا بطول كاف ليشنق به نفسه».