الحقائق والتهريب الإعلامي لعبة لا يتقنها إلا الماكرون الذين يمارسون السياسة بعيدا عن مضامينها الأخلاقية، فينزلون إلى الحضيض بحثا عن التلفيق واختلاق كل أشكال الدعاية و أي شيء تافه يواجهون به الحقائق. وإذا كان هؤلاء يستطيعون أن يخضعوا جزء من الرأي العام ، فإن الحق مع ذلك يبقى حقا والباطل يبقى زهوقا. مناسبة هذا الكلام هو إطلاق موقع إلكتروني للتعريف بالمكاسب التي تحققت في عهد هذه الحكومة ، لكن بعض الأوساط روجت كون ميزانية الحملة التواصلية التي تقوم بها الحكومة للتعريف بهذه المكتسبات فاقت المليار سنتيم، وسبب هذا الادعاء الباطل هو تحويل اهتمام الناس من مناقشة مضامين هذه الحصيلة، ومعرفة ما إذا كانت الحكومة قد أوفت بالتزاماتها التي أعلنتها في التصريح الحكومي الذي قدمته في أكتوبر 2007 أم لا ، إلى سجن هذا الاهتمام في الميزانية المرصدة لهذه الحملة. شيئ مضحك أن يطلق هؤلاء هذا المبلغ هكذا بدون التأكد من حقيقته . إن إنشاء الموقع الإلكتروني لجأت إليه الحكومة لاعتبارين اثنين : أولا، لترشيد النفقات العمومية، فإطلاقه كما يعلم الجميع لا يكلف سوى ميزانية متواضعة ، فعوض أن تقوم الحكومة بطبع آلاف النسخ الورقية ، ارتأت أن تستعمل الأنترنيت ،وعند القيام بالمقارنة تبين أن النشر الإلكتروني هو أقل كلفة من النشر عبر الطباعة ، وهذا أمر من البديهيات. وثانيا ، لإيصال المعلومات لأكبر عدد ممكن من المواطنين وهم الملايين الذين يستعملون الأنترنيت . إن إطلاق الاتهامات والدعاية المغرضة يبين بوضوح المكر السياسي ولعبة التهريب التي يتقنها المهربون . إن النقاش العمومي الحقيقي الذي ينبغي أن يفتح اليوم أمام الرأي العام هو ما الذي حققته الحكومة طيلة أربع سنوات ، وما هي المكاسب والإخفاقات،وما هي المؤشرات الاجتماعية المنجزة والمؤشرات الاقتصادية ، ومقارنة الأرقام بالأرقام ، ومقارعة الحجة بالحجة ، وقول الحقيقة كاملة فإن اجتهدت هذه الحكومة وأصابت يكافئها الرأي العام بتجديد الثقة في مكوناتها السياسية ، وإن أخطأت وأساءت التدبير فيعاقبها الرأي العام بعدم التصويت للأحزاب المشكلة لها. أليس هذا هو مبدأ تقديم الحساب؟ يحتار المتأمل في بعض ممارسة رجالات السياسة ببلادنا ، فمرة يطالبون الحكومة بضرورة تقديم الحساب والتواصل مع الرأي العام وإخباره في إطار من الشفافية التامة ، وعندما تستجيب الحكومة لذلك انطلاقا من المبادئ الديمقراطية التي أصبحت تؤثث فضائات العام ، يدير هؤلاء ظهورهم وينأون بأنفسهم عن تقييم هذا الحساب ومناقشته ، ويتهربون من مناقشة مضامينه بكل موضوعية بالأرقام والبيانات والنسب المائوية، ويحورون اهتمام الرأي العام إلى أخبار زائفة من صنع مخيالهم السياسي . وهكذا يصبح المواطن البسيط هدفا لتيار شعبوي لا يزرع إلا الشك والتبخيس والتيئيس . إن إطلاق موقع إلكتروني www.makassib.ma هي سابقة الأولى من نوعها التي تلجأ إليها الحكومة، حيث قررت أن تخاطب مباشرة المواطنين الذين منحوا للأحزاب المشكلة لها ثقتهم ، لتقدم لهم الحساب في إطار تأصيل وتجذير تقليد ديمقراطي حضاري ، وللمواطن أن يقيم عمل الحكومة ويقف عند الإيجابيات والسلبيات. وكم كان الرهان كبيرا على الأحزاب السياسية لتجعل من هذه اللحظة السياسية لحظة ارتقاء بالممارسة السياسية ، وأن تفتح نقاشا عموميا أمام الرأي العام حول هذه الحصيلة ، لكن يبدو أن البعض لم يستوعب بعد أهمية هذه المحطة ، وراح يتقن فن التهريب والكر والفر عوض مقارعة الأفكار بالأفكار والحجة بالحجة والدليل بالدليل. نرجو أن يرجعوا هؤلاء إلى صواب رشدهم وأن تكون لديهم الشجاعة السياسية لفتح نقاش عمومي أمام الرأي العام حول حصيلة العمل الحكومي بعيدا عن الشعبوية والأفكار الهدامة ، وآنذاك سيدرك المواطن أن شيئا ما بدأ يتغير في الممارسة السياسية ببلادنا ، ويمكن أن يكون ذلك دعامة للتحفيز على المشاركة السياسية في الانتخابات المقبلة.