مؤلف كتاب « 1968 السنة التي هزت العالم» هو الكاتب الصحافي الاميركي مارك كورلانسكي وقد نال عدة جوائز على كتبه السابقة، نذكر من بينها تاريخ العالم، سمك القّد، سيرة حياة السمكة التي غيرت وجه العالم، الرجل الابيض في الشجرة.. الخ. وفي هذا الكتاب الجديد يتعرض المؤلف للاحداث الهامة التي حصلت عام 1968 فهذا العام يعتبر منعطفا في تاريخ الغرب والعالم، ففيه تم اغتيال مارتن لوثر كنغ، وروبيرت كندي، وفيه حصل تمرد تشيكوسلوفاكيا على الهيمنة السوفييتية وربيع براغ، وفيه ظهرت حركات تحرر المرأة في الغرب وبداية نهاية الاتحاد السوفييتي، وفيه ظهر ياسر عرفات على مسرح التاريخ بصفته قائدا للحركة الوطنية الفلسطينية وفيه اهتز النظام الديغولي وكاد ان يسقط بعد الثورة العمالية والطلابية الشهيرة. نقول ذلك ونحن نعلم ان ثورة مايو 1968 غيرت حياة المجتمع الفرنسي في العمق من جميع النواحي: النفسية، والثقافية، والجنسية، والتحررية، والسياسية، والفلسفية، والواقع أن رياح الثورة كانت تهب منذ فترة على عواصم الغرب وجامعات من روما، إلى برلين، إلى لندن، إلى مدريد، ولكن هذه الثورة بلغت ذروتها في باريس حتى اضطرت الجنرال ديغول الى الرحيل عن فرنسا مؤقتا، بعد ان عجز عن ايقاف التمرد. ثم يردف المؤلف قائلا: وثورة مايو 1968 كانت في الأصل ثورة ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة عن القرن التاسع عشر، كانت ثورة ضد الهيبة الأبوية داخل العائلة، وضد هيبة أرباب العمل في الصانع، أو الأساتذة في المدارس.. الخ. الواقع أن الأنظمة التربوية في كل البلدان المتطورة كانت تبدو عاجزة عن مواجهة مطالب كل هذا العدد الهائل من الطلبة الذين يتدفقون على المدارس والجامعات وبرامج السوربون نفسها ما كانت قد تغيرت منذ نصف قرن. ثم انتقل الطلبة من نقد الجامعة ومناهجها وبرامجها إلى نقد المجتمع كله، وبما أن السلطة كانت عاجزة عن إصلاح المجتمع فانه لم يعد أمام الطلاب الا الثورة عليها من اجل تغييرها، وبالطبع فكانوا يحلمون بوصول اليسار إلى السلطة، وبخاصة اليسار المتطرف على طريقة ماوتسي تونغ او هوشي منه أو تشي غيفارا أو جماعة تروتسكي.. الخ. وقد عبر كل ذلك عن نزعة طفولية لدى الشبيبة الفرنسية، وهي نزعة مراهقة من الناحية السياسية ولكنها مليئة بالبراءة وحب الحرية. وطرحوا عندئذ شعار رامبو الشهير: ينبغي تغيير الحياة، هذه الحياة الرتيبة، التقليدية لم تعد تناسبنا، نريد شيئا آخر غيرها. يقول هنري ويبر استاذ العلوم السياسية عن مايو 1968 ما يلي: الشيء الذي كان يجذب الطلاب في الماركسية، آنذاك هو البعد التبشيري أو التغييري الذي تتمتع به، كانوا يعتقدون أن المجتمع فاسد كليا وغير قابل للاصلاح، وبالتالي فلابد من تدميره من اجل تشكيل مجتمع آخر جديد. وتدمير المجتمع لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الثورة العارمة ولذلك انخرطوا في ثورة ماي 1968 التي كانوا يعتقدون بأنها سوف تكنس كل الأنظمة اليمينية في أوروبا، وكان الحقد على اليمين الفرنسي الحاكم كبيرا، وديغول كان قد شاخ وقارب الثمانين، وبالتالي فقد ملوا منه على الرغم من عظمته التاريخية. واعتقد زعماء الحركة الطلابية بأن النقابات العمالية هي التي ستقوم بالثورة طبقا لنبوءة وتوقعات كارل ماركس، فهي أداة التغيير بحسب المنظور الماركسي، وبالطبع فإن الولاياتالمتحدة كانت هدف كل الاعتراضات والاحتجاجات. أليست هي رأس الحربة الرأسمالية في العالم؟ الا تقوم بحرب امبريالية بشعة في فيتنام انها عدو الشعوب وينبغي ان تدفع الثمن. وعلى هذا النحو وصلت حركة التمرد إلى بيركلي وبعض الجامعات الأميركية الأخرى، بل وحتى الطلاب في طوكيو تحركوا في كل أنحاء العالم كانت تندلع الشرارة الثورية، ولكن بعد أن قام الطلاب في السوربون بعدة أعمال استفزازية اصطدموا برجال البوليس وسقط العديد من الجرحى من كلا الطرفين وعندئذ قرر البوليس اعتقال قادة التمرد الطلابي، وكان عددهم بالعشرات. وجن جنون الطلاب المتمردين فاجتمعوا في جامعة نانتير بضواحي باريس، وخطب فيهم دانييل كوهين بندت قائلا: سوف نتحرك ضد القمع البوليسي ولن نسكت عن قمع رفاقنا، وصفق له الجميع طويلا لأنه كان قائد التمرد. وساهم المثقفون الكبار في دعم الحركة الطلابية والعمالية، فنزل جان بول سارتر إلى الشارع وراح يوزع المنشورات لصالح الطلاب وضد النظام. فاعتقلته الشرطة لفترة قصيرة ثم أخلت سراحه بعد أن قال لهم ديغول: من يستطيع ان يعتقل فولتير اتركوه حرا... والواقع أن سجن سارتر كان غلطة كبيرة لأنه أشهر من نار على علم ولان ذلك يسيء إلى سمعة النظام الديغولي. ثم نزل ميشيل فوكو إلى الشارع أيضا، وكذلك جيل ديلوز، وايفي مونتان وعشرات الفنانين والكتاب الآخرين. وتصاعد الحقد بين طرفي فرنسا: الطرف اليميني او حتى اليميني المتطرف، ثم الطرف اليساري، الحاقد على حكم اليمين، وكادت ان تنشب معركة بالسلاسل بين طلاب اليسار وطلاب اليمين في الحي اللاتيني، ولولا تدخل البوليس لسقط مئات القتلى والجرحى، وعلى الرغم من تدخل الشرطة حصلت أعمال عنف رهيبة وسفكت دماء كثيرة بل وقطعت أشجار باريس في شوارعها الجميلة. باختصار فان ربيع باريس ذلك العام كان أكثر من جميل، كان ساخنا جدا، وبعد أن حقق الطلاب عدة نجاحات صارخة ضد السلطة واليمين الفرنسي راحوا يستقبلون دانييل كوهين بنديت وكأنه بطل، فقد عرف كيف يتحدى البوليس ويصمد أمام التخويف والتهديد، ولمع اسمه منذ ذلك الوقت أصبح شبه أسطورة. ولكنه الآن أصبح عاقلا ومسؤولا ولم يعد زعيم الشغب والتمرد، لقد أصبح عضوا مشهورا في البرلمان الأوروبي، بل ويساهم في اتخاذ القرارات السياسية ويجتمع بكبار الشخصيات الفرنسية والألمانية والانجليزية. ولكنه قبل اربعين عاما كان يعتبر من فصيلة «الزعران» المشاكسين ليس إلا. وقد هجم البوليس على شقته في الدائرة الخامسة عشرة في باريس وقبضوا عليه، ثم اقتادوه الى مقر الشرطة حيث حققوا معه لمدة ثماني ساعات متواصلة. وقد حقد عليه اليمين المتطرف في فرنسا كثيرا باعتباره زعيم الشغب »وفي 2 ماي من عام 1968 كتب احدهم في مجلة الحزب يقول مهددا: ينبغي ان ننتهي من هذا النذل كوهين بنديت، انه يثير المشاكل والاضطرابات في فرنسا، ينبغي طرده من البلاد فورا، وإذا لم تفعل السلطة ذلك، فان شبابنا يتعطش لضرب هذا الشخص وتصفيته إذا لزم الأمر والمقصود شباب اليمين المتطرف. ولكن بعد ثمانية أسابيع من الاضطرابات العنيفة والفوضى راحت فرنسا تلتقط انفاسها، وعاد الجنرال ديغول إلى البلاد بعد أن هرب لعدة أيام وفي اثناء ذلك تحمل المسئولية رئيس وزرائه جورج بومبيدو بكل قوة ورباطة جأش. وانتهت ثورة مايو 1968 كما تنتهي كل الثورات ، وخلفت وراءها الخيبة والحسرة لانها لم تستطع ان تسقط النظام الحاكم اليميني بحسب رأيها، ولكنها استطاعت ان توصل الجمهورية الخامسة وزعيمها الى حافة الهاوية. وكالعادة فبعد كل اضطراب فوضوي يشعر الناس بالحاجة إلى الهدوء والنظام، وهكذا صوت الشعب الفرنسي لديغول وحزبه بعد الأحداث بشكل كثيف وقوي وكانت النتيجة أن سيطر الديغوليون على البرلمان والسلطة من جديد. وبعد أن كادت الأمور تفلت من أيديهم امسكوا بها بشكل أقوى مما سبق، والواقع ان معظم المؤرخين راحوا يتساءلون محتارين: كيف يمكن لفرنسا ان تسلم نفسها للفوضى والثورة وهي تعيش اجمل لحظات حياتها؟ ولماذا كل هذا لتخريب اذا كانت البلاد تعيش وضعا اقتصاديا ممتازاً ويحكمها زعيم تاريخي مثل ديغول، فهل جن الفرنسيون يا ترى؟ من المعلوم ان ميتران حاول استغلال الوضع اثناء الثورة الطلابية وطرح نفسه كبديل عن النظام، ولكن هذه العملية أساءت إليه أكثر مما أفادته. فقد أظهرت انه شخص انتهازي مستعد لاستغلال أزمة البلاد من اجل الوصول إلى السلطة. ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه: والواقع أن ثورة ماي 1968 حيرت كل المراقبين، ففرنسا كانت بلدا ديمقراطيا، والنقابات العمالية، كانت حرة في العمل وتنظيم المظاهرات الاحتجاجية في الشوارع، والمعارضة اليسارية كانت تهاجم سياسة الحكومة كما تشاء وتشتهي في البرلمان، ولكن قوى اليسار لم تكن تفكر إطلاقا بأتباع طريق آخر غير الطريق الشرعي للتعبير عن نقمتها وغضبها على الحكم. فلماذا إذن اندلعت مظاهرات الشغب والتخريب والفوضى الخارجة على القانون؟ لماذا انتقل هيجان الطلاب في بيركلي، الى طوكيو، إلى روما، الى مدريد، ولماذا لم يتحول الى ثورة عارمة على النظام الا في فرنسا؟ لايزال المؤرخون حتى الان يتساءلون عن سر ثورة مايو 1968 في فرنسا، فالبعض يقول بان فرنسا هي بلد الثورة الفرنسية وليس غريبا بالتالي ان تظهر فيها الثورات من وقت إلى آخر، والبعض الآخر يقول بأن المجتمع الفرنسي كان بحاجة إلى خضة كبيرة لكي يجدد نفسه ويخرج من امتثاليته وعاداته الرتيبة المملة. فالشبيبة كانت بحاجة إلى تأكيد نفسها في ذلك الربيع الجميل، والعدالة الاجتماعية لم تكن متوافرة إلى الحد الذي يزعمه اتباع النظام، فالهوة كانت سحيقة بين الطبقة العمالية التي تشتغل وتنتج ثروات البلاد، وبين الطبقة البورجوازية التي تجني معظم ثمار هذا الكدح والعمل. والواقع أن طلاب الجامعات والمثقفين كانوا يعتمدون على الطبقة العمالية التي هي ثورية بطبيعتها من اجل تغيير النظام وتوزيع الثروة بشكل عادل على الشعب. وقد توهموا، ولو للحظة بأن الحزب الشيوعي والنقابات التابعة له سوف تمشي معهم في خط الثورة حتى النهاية وتدمير النظام. ولكن الحزب الشيوعي كانت له حساباته، ولم يتجرأ في نهاية المطاف على اعلان الثورة الكاملة على ديغول، والواقع أن الأحوال المعيشية للطبقة العمالية كانت قد ابتدأت بالتحسن، وبالتالي فلم يرد الحزب أن يضحي بتلك هذه المكتسبات الاجتماعية من اجل سواد عيون الطلاب. فهناك فرق بين المراهقة السياسية والمسؤولية السياسية، ويرى احد المفكرين الذين عاشوا أحداث تلك الفترة إن ثورة مايو 1968 كانت حديثة وعتيقة بالية في ذات الوقت، كانت حديثة لأنها أرهصت بآفاق القرن الواحد والعشرين قبل أن تحصل، وقديمة لأنها كانت لاتزال تؤمن بالشعارات الثورية على الطريق الماركسية أو الماوية أو ما إلى ذلك. والواقع أن السلطات الفرنسية أجرت إصلاحات عديدة على المجتمع بعد تلك الثورة، وبالتالي فحتى احباطها او فشلها كان مفيدا، ولم تذهب تضحيات تلك الانتفاضة سدى. ثم إن الماركسية بدت على حقيقتها بعد تلك الثورة، لقد تبدلت محدوديتها كنظرية اجتماعية او انقلابية، وكذبت الأيام توقعات كارل ماركس في انهيار الرأسمالية وحلول طبقة البروليتاريا محلها، فالواقع ان الرأسمالية عرفت كيف تتأقلم مع الواقع الجديد، وكيف تعطي للعمال حياة استهلاكية ترضيهم وتجعلهم يتراجعون عن الحلم الثوري. وهذا ما كان، فما لبثت الطبقات الوسطى في المجتمع الفرنسي أن اغتنت، وما لبثت طبقة العمال أن تحسنت أوضاعها وأصبح العامل الفرنسي يمتلك سيارته الخاصة، وشقته المتواضعة او حتى الجيدة، وكل أدوات الحياة الاستهلاكية الحديثة، وبالتالي فلماذا الثورة إذن يا سيد كارل ماركس؟ نعم لقد أثبتت الطبقة الرأسمالية مرة أخرى إنها ذكية وتعرف كيف تتصرف لكي تمتص النقمة الاجتماعية أو الشعبية عليها، ولولا ذلك لتحققت نبوءة كارل ماركس ولذهبت الرأسمالية إلى مهاوي الجحيم. وأما بالنسبة للنظام الجامعي والبرامج التعليمية والحياة الثقافية بشكل عام، فان تأثير هذه الثورة عليها كان كبيرا، فبعدها تجددت البرامج التي كانت سائدة في الجامعات الفرنسية، وظهرت تيارات فكرية جديدة وبخاصة تيار البنيوية، وسيطر رولان بارت على النقد الأدبي، وميشيل نوكد وجيل ديلوز على الفلسفة، وكلود ليفي ستروس على الانتربولوجيا، وبيير بورديو على علم الاجتماع، ولاكان على علم النفس.. الخ، وشحب بريق جان بول سارتر وبدت ماركسيته المطعمة بالوجودية مهترئة أكثر من اللزوم، والواقع أن رولان بارت كان قد خاض معركة كبيرة مع النقد التقليدي السائد في السوربون، وربح المعركة بعد مايو 1968، وقل الامره عن بقية التيارات التجديدية في الفكر الفرنسي. من الوثائق التي نشرت في ثورة ماي 1968 في فرنسا بلاغ أيها الرفاق حيث أن معمل طيران سود في نانت قد جرى احتلاله خلال يومين من قبل عمال و طلبة تلك المدينة ، و أن هذه الحركة تنتشر اليوم إلى معامل أخرى ( نوفيل ميساجيرس دي لا برس باريس ، رينو في كليون و غيرها ) فإن لجنة احتلال السوربون تدعو إلى الاحتلال الفوري لجميع المعامل في فرنسا و تشكيل مجالس العمال . أيها الرفاق ، قوموا بنشر و نسخ هذا البيان على وجه السرعة .السوربون ، 16 ماي 1968 ، الساعة 3،30 بعد الظهر احذروا من المخربين ! احذروا من البيروقراطيين ! أيها الرفاق ، يجب أن يدرك كل فرد أهمية انعقاد الجمعية العامة هذا المساء ( الخميس 16 مايو أيار ) . في اليومين الماضيين نجح بعض الأفراد الذين تم التعرف عليهم من قبل لأنهم كانوا ينشرون وثائق أحزابهم المختلفة ، في بذر التشويش و التغطية على اجتماع الجمعية العامة بوابل من المناورات البيروقراطية التي أظهرت فظاظتها الاحتقار الذي يحملوه للجمعية العامة . يجب على هذه الجمعية أن تتعلم كيف تجعل نفسها تحترم أو أن تختفي . تجب مناقشة نقطتين قبل أي شيء آخر : من يسيطر على عناصر شرطة الأمن ؟ الذين لا يمكن تحمل دورهم المثير للاشمئزاز . و لماذا لجنة الصحافة ؟ التي تجرؤ على مراقبة البلاغات التي اتهمت بالإرسال إلى وكالات الأنباء ?و التي تتألف من صحفيين مبتدئين يحرصون على ألا يخيبوا أمل مدراء التلفزيون و الإذاعة الوطنية كيلا يعرضوا للخطر احتمالات مستقبلهم المهني ؟ بصرف النظر عن ذلك : و حيث أن العمال قد بدؤوا باحتلال عدة مصانع في فرنسا ، مكررين مثالنا و وفق نفس الحق الذي نملك ، فإن لجنة احتلال السوروبون أصدرت بيانا تؤيد فيه هذه الحركة في 3،00 ظهر اليوم . إن المشكلة المركزية هذه الأمسية في الجمعية العامة بالتالي هي أن تعلن نفسها بالتصويت الواضح تأييد أو التبرؤ من هذا النداء للجنة الاحتلال . إذا ما رفضت البيان فإنها بذلك ترفض منح الطبقة العاملة الحق الذي أعطته للطلبة ، و في هذه الحالة من الواضح أنها لن تنشغل هي نفسها فيما بعد بأي شيء أبعد من إصلاحات ديغولية للجامعة . لجنة احتلال جامعة السوربون الشعبية الحرة 16 ماي 1968 الساعة 6،30 مساءا