ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باريس عاشت ثماني أسابيع على صفيح ساخن إبان ثورة ماي 1968
نزول ساتر، فوكو، دولوز ومونتان إلى الشارع لتوزيع المنشورات
نشر في العلم يوم 15 - 08 - 2011

مؤلف كتاب « 1968 السنة التي هزت العالم» هو الكاتب الصحافي الاميركي مارك كورلانسكي وقد نال عدة جوائز على كتبه السابقة، نذكر من بينها تاريخ العالم، سمك القّد، سيرة حياة السمكة التي غيرت وجه العالم، الرجل الابيض في الشجرة.. الخ.
وفي هذا الكتاب الجديد يتعرض المؤلف للاحداث الهامة التي حصلت عام 1968 فهذا العام يعتبر منعطفا في تاريخ الغرب والعالم، ففيه تم اغتيال مارتن لوثر كنغ، وروبيرت كندي، وفيه حصل تمرد تشيكوسلوفاكيا على الهيمنة السوفييتية وربيع براغ، وفيه ظهرت حركات تحرر المرأة في الغرب وبداية نهاية الاتحاد السوفييتي، وفيه ظهر ياسر عرفات على مسرح التاريخ بصفته قائدا للحركة الوطنية الفلسطينية وفيه اهتز النظام الديغولي وكاد ان يسقط بعد الثورة العمالية والطلابية الشهيرة.
نقول ذلك ونحن نعلم ان ثورة مايو 1968 غيرت حياة المجتمع الفرنسي في العمق من جميع النواحي: النفسية، والثقافية، والجنسية، والتحررية، والسياسية، والفلسفية، والواقع أن رياح الثورة كانت تهب منذ فترة على عواصم الغرب وجامعات من روما، إلى برلين، إلى لندن، إلى مدريد، ولكن هذه الثورة بلغت ذروتها في باريس حتى اضطرت الجنرال ديغول الى الرحيل عن فرنسا مؤقتا، بعد ان عجز عن ايقاف التمرد.
ثم يردف المؤلف قائلا: وثورة مايو 1968 كانت في الأصل ثورة ضد المجتمع وتقاليده العتيقة الموروثة عن القرن التاسع عشر، كانت ثورة ضد الهيبة الأبوية داخل العائلة، وضد هيبة أرباب العمل في الصانع، أو الأساتذة في المدارس.. الخ.
الواقع أن الأنظمة التربوية في كل البلدان المتطورة كانت تبدو عاجزة عن مواجهة مطالب كل هذا العدد الهائل من الطلبة الذين يتدفقون على المدارس والجامعات وبرامج السوربون نفسها ما كانت قد تغيرت منذ نصف قرن.
ثم انتقل الطلبة من نقد الجامعة ومناهجها وبرامجها إلى نقد المجتمع كله، وبما أن السلطة كانت عاجزة عن إصلاح المجتمع فانه لم يعد أمام الطلاب الا الثورة عليها من اجل تغييرها، وبالطبع فكانوا يحلمون بوصول اليسار إلى السلطة، وبخاصة اليسار المتطرف على طريقة ماوتسي تونغ او هوشي منه أو تشي غيفارا أو جماعة تروتسكي.. الخ.
وقد عبر كل ذلك عن نزعة طفولية لدى الشبيبة الفرنسية، وهي نزعة مراهقة من الناحية السياسية ولكنها مليئة بالبراءة وحب الحرية. وطرحوا عندئذ شعار رامبو الشهير: ينبغي تغيير الحياة، هذه الحياة الرتيبة، التقليدية لم تعد تناسبنا، نريد شيئا آخر غيرها.
يقول هنري ويبر استاذ العلوم السياسية عن مايو 1968 ما يلي: الشيء الذي كان يجذب الطلاب في الماركسية، آنذاك هو البعد التبشيري أو التغييري الذي تتمتع به، كانوا يعتقدون أن المجتمع فاسد كليا وغير قابل للاصلاح، وبالتالي فلابد من تدميره من اجل تشكيل مجتمع آخر جديد.
وتدمير المجتمع لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الثورة العارمة ولذلك انخرطوا في ثورة ماي 1968 التي كانوا يعتقدون بأنها سوف تكنس كل الأنظمة اليمينية في أوروبا، وكان الحقد على اليمين الفرنسي الحاكم كبيرا، وديغول كان قد شاخ وقارب الثمانين، وبالتالي فقد ملوا منه على الرغم من عظمته التاريخية.
واعتقد زعماء الحركة الطلابية بأن النقابات العمالية هي التي ستقوم بالثورة طبقا لنبوءة وتوقعات كارل ماركس، فهي أداة التغيير بحسب المنظور الماركسي، وبالطبع فإن الولايات المتحدة كانت هدف كل الاعتراضات والاحتجاجات.
أليست هي رأس الحربة الرأسمالية في العالم؟ الا تقوم بحرب امبريالية بشعة في فيتنام انها عدو الشعوب وينبغي ان تدفع الثمن. وعلى هذا النحو وصلت حركة التمرد إلى بيركلي وبعض الجامعات الأميركية الأخرى، بل وحتى الطلاب في طوكيو تحركوا في كل أنحاء العالم كانت تندلع الشرارة الثورية، ولكن بعد أن قام الطلاب في السوربون بعدة أعمال استفزازية اصطدموا برجال البوليس وسقط العديد من الجرحى من كلا الطرفين وعندئذ قرر البوليس اعتقال قادة التمرد الطلابي، وكان عددهم بالعشرات.
وجن جنون الطلاب المتمردين فاجتمعوا في جامعة نانتير بضواحي باريس، وخطب فيهم دانييل كوهين بندت قائلا: سوف نتحرك ضد القمع البوليسي ولن نسكت عن قمع رفاقنا، وصفق له الجميع طويلا لأنه كان قائد التمرد.
وساهم المثقفون الكبار في دعم الحركة الطلابية والعمالية، فنزل جان بول سارتر إلى الشارع وراح يوزع المنشورات لصالح الطلاب وضد النظام.
فاعتقلته الشرطة لفترة قصيرة ثم أخلت سراحه بعد أن قال لهم ديغول: من يستطيع ان يعتقل فولتير اتركوه حرا... والواقع أن سجن سارتر كان غلطة كبيرة لأنه أشهر من نار على علم ولان ذلك يسيء إلى سمعة النظام الديغولي.
ثم نزل ميشيل فوكو إلى الشارع أيضا، وكذلك جيل ديلوز، وايفي مونتان وعشرات الفنانين والكتاب الآخرين.
وتصاعد الحقد بين طرفي فرنسا: الطرف اليميني او حتى اليميني المتطرف، ثم الطرف اليساري، الحاقد على حكم اليمين، وكادت ان تنشب معركة بالسلاسل بين طلاب اليسار وطلاب اليمين في الحي اللاتيني، ولولا تدخل البوليس لسقط مئات القتلى والجرحى، وعلى الرغم من تدخل الشرطة حصلت أعمال عنف رهيبة وسفكت دماء كثيرة بل وقطعت أشجار باريس في شوارعها الجميلة.
باختصار فان ربيع باريس ذلك العام كان أكثر من جميل، كان ساخنا جدا، وبعد أن حقق الطلاب عدة نجاحات صارخة ضد السلطة واليمين الفرنسي راحوا يستقبلون دانييل كوهين بنديت وكأنه بطل، فقد عرف كيف يتحدى البوليس ويصمد أمام التخويف والتهديد، ولمع اسمه منذ ذلك الوقت أصبح شبه أسطورة.
ولكنه الآن أصبح عاقلا ومسؤولا ولم يعد زعيم الشغب والتمرد، لقد أصبح عضوا مشهورا في البرلمان الأوروبي، بل ويساهم في اتخاذ القرارات السياسية ويجتمع بكبار الشخصيات الفرنسية والألمانية والانجليزية.
ولكنه قبل اربعين عاما كان يعتبر من فصيلة «الزعران» المشاكسين ليس إلا. وقد هجم البوليس على شقته في الدائرة الخامسة عشرة في باريس وقبضوا عليه، ثم اقتادوه الى مقر الشرطة حيث حققوا معه لمدة ثماني ساعات متواصلة.
وقد حقد عليه اليمين المتطرف في فرنسا كثيرا باعتباره زعيم الشغب »وفي 2 ماي من عام 1968 كتب احدهم في مجلة الحزب يقول مهددا: ينبغي ان ننتهي من هذا النذل كوهين بنديت، انه يثير المشاكل والاضطرابات في فرنسا، ينبغي طرده من البلاد فورا، وإذا لم تفعل السلطة ذلك، فان شبابنا يتعطش لضرب هذا الشخص وتصفيته إذا لزم الأمر والمقصود شباب اليمين المتطرف.
ولكن بعد ثمانية أسابيع من الاضطرابات العنيفة والفوضى راحت فرنسا تلتقط انفاسها، وعاد الجنرال ديغول إلى البلاد بعد أن هرب لعدة أيام وفي اثناء ذلك تحمل المسئولية رئيس وزرائه جورج بومبيدو بكل قوة ورباطة جأش.
وانتهت ثورة مايو 1968 كما تنتهي كل الثورات ، وخلفت وراءها الخيبة والحسرة لانها لم تستطع ان تسقط النظام الحاكم اليميني بحسب رأيها، ولكنها استطاعت ان توصل الجمهورية الخامسة وزعيمها الى حافة الهاوية.
وكالعادة فبعد كل اضطراب فوضوي يشعر الناس بالحاجة إلى الهدوء والنظام، وهكذا صوت الشعب الفرنسي لديغول وحزبه بعد الأحداث بشكل كثيف وقوي وكانت النتيجة أن سيطر الديغوليون على البرلمان والسلطة من جديد.
وبعد أن كادت الأمور تفلت من أيديهم امسكوا بها بشكل أقوى مما سبق، والواقع ان معظم المؤرخين راحوا يتساءلون محتارين: كيف يمكن لفرنسا ان تسلم نفسها للفوضى والثورة وهي تعيش اجمل لحظات حياتها؟ ولماذا كل هذا لتخريب اذا كانت البلاد تعيش وضعا اقتصاديا ممتازاً ويحكمها زعيم تاريخي مثل ديغول، فهل جن الفرنسيون يا ترى؟ من المعلوم ان ميتران حاول استغلال الوضع اثناء الثورة الطلابية وطرح نفسه كبديل عن النظام، ولكن هذه العملية أساءت إليه أكثر مما أفادته. فقد أظهرت انه شخص انتهازي مستعد لاستغلال أزمة البلاد من اجل الوصول إلى السلطة.
ثم يردف المؤلف قائلا بما معناه: والواقع أن ثورة ماي 1968 حيرت كل المراقبين، ففرنسا كانت بلدا ديمقراطيا، والنقابات العمالية، كانت حرة في العمل وتنظيم المظاهرات الاحتجاجية في الشوارع، والمعارضة اليسارية كانت تهاجم سياسة الحكومة كما تشاء وتشتهي في البرلمان، ولكن قوى اليسار لم تكن تفكر إطلاقا بأتباع طريق آخر غير الطريق الشرعي للتعبير عن نقمتها وغضبها على الحكم.
فلماذا إذن اندلعت مظاهرات الشغب والتخريب والفوضى الخارجة على القانون؟ لماذا انتقل هيجان الطلاب في بيركلي، الى طوكيو، إلى روما، الى مدريد، ولماذا لم يتحول الى ثورة عارمة على النظام الا في فرنسا؟ لايزال المؤرخون حتى الان يتساءلون عن سر ثورة مايو 1968 في فرنسا، فالبعض يقول بان فرنسا هي بلد الثورة الفرنسية وليس غريبا بالتالي ان تظهر فيها الثورات من وقت إلى آخر، والبعض الآخر يقول بأن المجتمع الفرنسي كان بحاجة إلى خضة كبيرة لكي يجدد نفسه ويخرج من امتثاليته وعاداته الرتيبة المملة.
فالشبيبة كانت بحاجة إلى تأكيد نفسها في ذلك الربيع الجميل، والعدالة الاجتماعية لم تكن متوافرة إلى الحد الذي يزعمه اتباع النظام، فالهوة كانت سحيقة بين الطبقة العمالية التي تشتغل وتنتج ثروات البلاد، وبين الطبقة البورجوازية التي تجني معظم ثمار هذا الكدح والعمل.
والواقع أن طلاب الجامعات والمثقفين كانوا يعتمدون على الطبقة العمالية التي هي ثورية بطبيعتها من اجل تغيير النظام وتوزيع الثروة بشكل عادل على الشعب.
وقد توهموا، ولو للحظة بأن الحزب الشيوعي والنقابات التابعة له سوف تمشي معهم في خط الثورة حتى النهاية وتدمير النظام. ولكن الحزب الشيوعي كانت له حساباته، ولم يتجرأ في نهاية المطاف على اعلان الثورة الكاملة على ديغول، والواقع أن الأحوال المعيشية للطبقة العمالية كانت قد ابتدأت بالتحسن، وبالتالي فلم يرد الحزب أن يضحي بتلك هذه المكتسبات الاجتماعية من اجل سواد عيون الطلاب.
فهناك فرق بين المراهقة السياسية والمسؤولية السياسية، ويرى احد المفكرين الذين عاشوا أحداث تلك الفترة إن ثورة مايو 1968 كانت حديثة وعتيقة بالية في ذات الوقت، كانت حديثة لأنها أرهصت بآفاق القرن الواحد والعشرين قبل أن تحصل، وقديمة لأنها كانت لاتزال تؤمن بالشعارات الثورية على الطريق الماركسية أو الماوية أو ما إلى ذلك. والواقع أن السلطات الفرنسية أجرت إصلاحات عديدة على المجتمع بعد تلك الثورة، وبالتالي فحتى احباطها او فشلها كان مفيدا، ولم تذهب تضحيات تلك الانتفاضة سدى.
ثم إن الماركسية بدت على حقيقتها بعد تلك الثورة، لقد تبدلت محدوديتها كنظرية اجتماعية او انقلابية، وكذبت الأيام توقعات كارل ماركس في انهيار الرأسمالية وحلول طبقة البروليتاريا محلها، فالواقع ان الرأسمالية عرفت كيف تتأقلم مع الواقع الجديد، وكيف تعطي للعمال حياة استهلاكية ترضيهم وتجعلهم يتراجعون عن الحلم الثوري. وهذا ما كان، فما لبثت الطبقات الوسطى في المجتمع الفرنسي أن اغتنت، وما لبثت طبقة العمال أن تحسنت أوضاعها وأصبح العامل الفرنسي يمتلك سيارته الخاصة، وشقته المتواضعة او حتى الجيدة، وكل أدوات الحياة الاستهلاكية الحديثة، وبالتالي فلماذا الثورة إذن يا سيد كارل ماركس؟
نعم لقد أثبتت الطبقة الرأسمالية مرة أخرى إنها ذكية وتعرف كيف تتصرف لكي تمتص النقمة الاجتماعية أو الشعبية عليها، ولولا ذلك لتحققت نبوءة كارل ماركس ولذهبت الرأسمالية إلى مهاوي الجحيم.
وأما بالنسبة للنظام الجامعي والبرامج التعليمية والحياة الثقافية بشكل عام، فان تأثير هذه الثورة عليها كان كبيرا، فبعدها تجددت البرامج التي كانت سائدة في الجامعات الفرنسية، وظهرت تيارات فكرية جديدة وبخاصة تيار البنيوية، وسيطر رولان بارت على النقد الأدبي، وميشيل نوكد وجيل ديلوز على الفلسفة، وكلود ليفي ستروس على الانتربولوجيا، وبيير بورديو على علم الاجتماع، ولاكان على علم النفس.. الخ، وشحب بريق جان بول سارتر وبدت ماركسيته المطعمة بالوجودية مهترئة أكثر من اللزوم، والواقع أن رولان بارت كان قد خاض معركة كبيرة مع النقد التقليدي السائد في السوربون، وربح المعركة بعد مايو 1968، وقل الامره عن بقية التيارات التجديدية في الفكر الفرنسي.
من الوثائق التي نشرت في ثورة ماي 1968 في فرنسا
بلاغ أيها الرفاق
حيث أن معمل طيران سود في نانت قد جرى احتلاله خلال يومين من قبل عمال و طلبة تلك المدينة ،
و أن هذه الحركة تنتشر اليوم إلى معامل أخرى ( نوفيل ميساجيرس دي لا برس باريس ، رينو في كليون و غيرها )
فإن لجنة احتلال السوربون تدعو إلى
الاحتلال الفوري لجميع المعامل في فرنسا و تشكيل مجالس العمال .
أيها الرفاق ، قوموا بنشر و نسخ هذا البيان على وجه السرعة .السوربون ، 16 ماي 1968 ، الساعة 3،30 بعد الظهر
احذروا من المخربين ! احذروا من البيروقراطيين !
أيها الرفاق ، يجب أن يدرك كل فرد أهمية انعقاد الجمعية العامة هذا المساء ( الخميس 16 مايو أيار ) . في اليومين الماضيين نجح بعض الأفراد الذين تم التعرف عليهم من قبل لأنهم كانوا ينشرون وثائق أحزابهم المختلفة ، في بذر التشويش و التغطية على اجتماع الجمعية العامة بوابل من المناورات البيروقراطية التي أظهرت فظاظتها الاحتقار الذي يحملوه للجمعية العامة .
يجب على هذه الجمعية أن تتعلم كيف تجعل نفسها تحترم أو أن تختفي . تجب مناقشة نقطتين قبل أي شيء آخر :
من يسيطر على عناصر شرطة الأمن ؟ الذين لا يمكن تحمل دورهم المثير للاشمئزاز .
و لماذا لجنة الصحافة ؟ التي تجرؤ على مراقبة البلاغات التي اتهمت بالإرسال إلى وكالات الأنباء ?و التي تتألف من صحفيين مبتدئين يحرصون على ألا يخيبوا أمل مدراء التلفزيون و الإذاعة الوطنية كيلا يعرضوا للخطر احتمالات مستقبلهم المهني ؟
بصرف النظر عن ذلك : و حيث أن العمال قد بدؤوا باحتلال عدة مصانع في فرنسا ، مكررين مثالنا و وفق نفس الحق الذي نملك ، فإن لجنة احتلال السوروبون أصدرت بيانا تؤيد فيه هذه الحركة في 3،00 ظهر اليوم . إن المشكلة المركزية هذه الأمسية في الجمعية العامة بالتالي هي أن تعلن نفسها بالتصويت الواضح تأييد أو التبرؤ من هذا النداء للجنة الاحتلال . إذا ما رفضت البيان فإنها بذلك ترفض منح الطبقة العاملة الحق الذي أعطته للطلبة ، و في هذه الحالة من الواضح أنها لن تنشغل هي نفسها فيما بعد بأي شيء أبعد من إصلاحات ديغولية للجامعة .
لجنة احتلال جامعة السوربون الشعبية الحرة
16 ماي 1968 الساعة 6،30 مساءا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.