محمد بن سعيد آيت يدر: صنع الخريطة السياسية بدأ منذ الاستقلال من أجل الحفاظ على هيمنة المخزن وتزكية الدساتير الممنوحة تلخص المسألة الدستورية إحدى أوجه الصراع والتوتر التاريخي بين القوى الوطنية والديمقراطية من جهة، والقصر من جهة أخرى. وهو مسار يمتد عبر عقود من الزمن تساوق مع مجمل الدساتير التي عرفها المغرب منذ 1962. وتكثف مرحلة التسعينيات من القرن الماضي إحدى التمظهرات المرتبطة بالصراع الدستوري الذي أفضى إلى إقرار دستورين ما بين 1992 و 1996 في سياقات ورهانات مختلفة. إنها المرحلة التي دشنت تجربة متفردة في التاريخ السياسي الوطني بإخراج تجربة التناوب التوافقي التي أفضت إلى تشكيل حكومة ذ. عبد الرحمان اليوسفي ماي 1998. لكن هذا الشوط حمل معه العديد من التفاصيل ، والأحداث الهامة التي طبعت هذه المرحلة بالنظر لطبيعة التوافقات، المعلنة والمضمرة وكذا التجاذبات بين أقطاب الكتلة الديمقراطية من جهة، والقصر من جهة ثانية. ففي سياق وطني حمل معه العديد من مظاهر الأزمة البنيوية على المستوى الاقتصادي والإجتماعي، وحبل بمؤشرات السكتة القلبية التي أعلنها الراحل الملك الحسن الثاني، بادر الملك إلى اقتراح تعاقد جديد مع أحزاب الكتلة الديمقراطية لإخراج البلاد من عنق الزجاجة. غير أن ردود الأفعال التي عبرت عنها الأحزاب ما بين 92/95 حملت معها تفاصيل مثيرة حول رفض العروض الرسمية المقدمة لها من أجل تشكيل حكومة وطنية. في هذا السياق، تجري «العلم» سلسلة حوارات مع أبرز السياسيين المعنيين بالعروض خلال المرحلة المذكورة ، لتقريب القراء من بعض فصول هذا المسار السياسي الاستثنائي الذي عاشته بلادنا. لم يكن «الصراع » بين القوى الديمقراطية والقصر وليد التسعينيات، وهي المرحلة التي بدأ الحديث فيها عما يسمى بالتناوب ومحاولة إشراك أحزاب المعارضة في الحكم، ولكن هذا لم يأتِ من فراغ بل فتحه حراك سياسي وصراع أحيانا ابتدأ منذ الستينيات، ما هي العناوين الكبرى لمرحلة بعد الاستقلال إلى حدود تسعينيات القرن الماضي؟ طبعا تميزت مسيرة المغرب منذ الستينيات بمجموعة من الأحداث التي طبعت المرحلة وربما لازالت نتائجها وبعض تجلياتها أو أحيانا تكرار بعضها في اللحظة الراهنة، ومن بين ما ميز المرحلة منذ بداية عهد الاستقلال هو ما يمكن أن نسميه «صنع الخريطة السياسية» وتتجلى هذه العملية في تمظهرات وأحداث وإن اختلفت فإن هدفها يظلل واحدا هو الحفاظ على هيمنة المخزن على جميع الأصعدة والمجالات والتحكم في المشهد السياسي في البلاد، وتجلى ذلك بالخصوص في إنشاء الأحزاب وتفريخها ، وإعطاء الدساتير الممنوحة وفرضها بطريقة ممسرحة عن طريق استفتاء أربع تسعات99.99% وابتدأ التزوير منذ 1963 لما اضطرت الدولة المغربية إلى إنشاء البرلمان الذي أصبح فيما بعد واجهة ومن أجل الديكور والديمقراطية على الطريقة المغربية. وظهر ذلك جليا مع رضا اكديرة لما كان وزيرا للداخلية وأعطى، وأقول أعطى بمعناها الحرفي، الأغلبية لأشخاص جدد على الساحة السياسية المغربية، بل هناك منهم من لم يكن يعرف أحد اسمه، ولم يسبق له أن مارس السياسة لا من قريب ولا من بعيد، وجيء بهم لخدمة أجندة سياسية وتزكية الدستور الممنوح. * ولكن سنة 1960 خلال الإنتخابات البلدية والمحلية من كان يشكل الأغلبية هو حزب الإستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كيف تم هذا التحول في ظرف سنتين؟ كيف تم هذا؟ تم بواسطة التزوير والتزييف لإرادة الناخبين وصنع الأحزاب كما أسلفت ، وهي أحزاب بالأوراق القانونية والكلمة فقط، أما العمل والإستقلالية فلا يوجدان لكونها غير مستقلة عن السلطة والمخزن وأداة في يدها، ولا تستعمل وتصنع إلا من أجل المصادقة على الميزانيات وعلى الغلاف المالي الذي تفرضه توجهيات المؤسسات الدولية، فلم تكن هذه الأحزاب منذ ولادتها أحزاب ذات برنامج وعمل وتخطيط من أجل مستقبل البلاد والعباد. انخرطتم العمل السياسي كتنظيم حزبي سنة 1983 بإنشاء منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، كيف كانت نظرة الأحزاب الأخرى خاصة الوطنية لكم، خصوصا وتوجهكم الإيديولوجي المخالف لهم؟ بالفعل منذ تأسيس المنظمة سنة 1983 بدأت لقاءات مع بعض الأحزاب من بينها لقاء مع حزب الاستقلال حيث لقينا الترحيب خاصة أنه سبق لي أن التقيت الزعيم علال الفاسي بعد سنة 1962 بالجزائر، وكذلك يوم 15 غشت 1972 أي قبل انقلاب غشت بيوم واحد فقد زرته رفقة علال سي ناصر في ضواحي جنيف حيث كان يخضع للعلاج الطبي بعيادة هناك، وقد فرح كثيرا وبقينا اليوم اليوم كله ونحن نناقش مثل هذه المسائل، وأبدى أمله في أن تتوحد العائلة السابقة وتجتمع تحث يافطة العمل الوحدوي، وعندما عاد من علاجه حكى لأعضاء اللجنة التنفيذية ما دار بيننا وعلاقتنا ببعضنا البعض، لذا كان استقبالهم لانخراطنا في العمل السياسي جيدا ودون أي تخوف أو ما شابهه. بالنسبة للإخوان في الاتحاد الإشتراكي كان موقفهم مترددا وتلفه بعض الشكوك، خصوصا أن بعض العناصر بداخله كانت تعتبر أن مجيئنا تم بواسطة وزارة الداخلية وبإيعاز منها، من أجل عرقلة حزب اليسار وهو الاتحاد الإشتراكي آنذاك. وكان هذا خطأ ولا يخدم مصلحة الحركة الوطنية بمختلف انتماءاتها ومشاربها الإيديولوجية والسياسية. * بالنسبة لكم ما الهدف الذي من أجله أسستم تنظيما سياسيا جديدا؟ الهدف الأول الذي من أجله تم ذلك هو العمل على أساس توحيد الصف الديمقراطي، ويكون العمل الوحدوي هو مسعى مكونات هذا الصف، وكمناضلين داخل التنظيم الجديد سنعمل على إزالة بعض الضبابية التي اكتنفت الجو السابق بين المتطرفين من الجانبين، وذلك بتوحيد جهودنا وأصواتنا من أجل مغرب حر وحياة كريمة، ونجحت العملية بالفعل . وكمثال على ذلك هو نجاح التنسيق في البرلمان حيث كنت الوحيد الذي امثل الحزب وكان التعامل معي لا يتم على أساس أنني شخص واحد بل كحزب . وقمنا بخطوات أخرى جد مهمة خاصة داخل قبة البرلمان، وقد كان أنشط برلمان في تاريخ المغرب خاصة في عهد أحمد عصمان الذي نشطت فيه المعارضة، وكان ملتمس الرقابة وغيره من المواقف التي خلخلت الأفكار النمطية وخلقت رأيا عاما يتابع الجلسات عبر الشاشات ويتحدث عنها في الشارع والمقاهي. وبعد التنسيق في البرلمان تم التفكير في التنسيق في مجالات أخرى وهو ما يتطلب خلق إطار معين من هنا سيأتي التفكير ومناقشة إنشاء الكتلة، للعمل في إطار مشترك، ليس فقط بالنسبة للقيادة بل القواعد كذلك.