في إطار الاحتفال بالذكرى المأوية لميلاد الزعيم الراحل علال الفاسي وفي إطار سلسلة الندوات واللقاءات الفكرية بهذه المناسبة نظمت مؤسسة علال الفاسي أول أمس السبت بالمكتبة الوطنية بالرباط ندوة فكرية هامة حول موضوعي الفكر والنظام الدستوريان بالمغرب وافاق التطور في القرن العشرين والنظام الجهوي. وقد تميز هذا اليوم بحضور أعضاء مجلس الرئاسة الاساتذة امحمد بوستة وأبو بكر القادري وعبدالكريم غلاب وكذا أعضاء في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وأعضاء من الحزب ومختلف هيآته وجمهور واسع من المتتبعين والمهتمين. وقد تميزت هذه الندوة بالعروض القيمة التي لاقت اهتماما وتتبعا كبير من طرف الحاضرين حيث كانت موضوع نقاشات مستفيضة اعقبت الجلستين الصباحية والمسائية الى أطرها أساتذة مختصون في الميدانين الدستوري والقانوني. الجلسة الصباحية الدكتور امحمد الداسر وتناول الكلمة بعد قراءة آيات بينات من الذكر الحكيم الدكتور امحمد الداسر عميد كلية الحقوق بالمحمدية فتحدث عن العوامل التي أدت إلى ظهور الفكر الدستوري بالمغرب والتي كان جانبها تقليدي وجانبها الآخر حداثي وأكد الدكتور امحمد الداسر أن الوثائق التي قدمها المغاربة في هذا الشأن القرن العشرين ابتداء من سنة 1901 لم يكتب لها التطبيق لأسباب متعددة. وأشار إلى أن هذه الوثائق الدستورية تظهر بجلاء أن المغاربة لم يكونوا غرباء أو متخلفين عما كان يجري في العالم خاصة الدساتير العثمانية، فتركيا كانت تتعرض لضغوطات من طرف الدول الأروبية التي أجبرتها على ادخال دساتير، كما أن التجارب الدستورية الأولى جاءت من الخارج خاصة من فرنسا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأشار الدكتور الداسر إلى أن هذه الدول كانت سباقة في الديمقراطية وفي الحياة الدستورية التي تطورت خلال القرن 17 و 18 و 19، أما المغرب خلال تلك المرحلة فإنه كان متخلفا، ولم يبدأ الاهتمام بهذا الجانب الا في بداية القرن العشرين. فنحن عندما نتحدث عن الدستور يقول الدكتور امحمد الداسر فإننا نتحدث عن الديمقراطية ونبذ الاستبداد، وهذه الأفكار التي راجت في العالم بقي المغرب بعيدا عنها لمدة طويلة، فالفكر السياسي بشكل عام يحتاج إلى سنوات كثيرة من أجل أن تحقق، وهذا ما جعل الحركة الوطنية لم تستطع فرض أي دستور على الاستعمار لان الظروف كانت صعبة جدا فهي الفترة ففي 1901 الى 1956 كان من المستحيل فرض أي دستور. وبعد هذه المرحلة أي بعد سنة 1956 يقول الدكتور امحمد الداسر كان هناك مجهود كبير في عدة وثائق رغم أنها لم تكن دستورا ولكنها كانت خطوات في اتجاه إرساء دولة الحق والقانون ومنها على الخصوص قانون الحريات العامة سنة 1959 وتأسيس المجلس الوطني الاستشاري سنة 1955 ، ثم جاء بعد ذلك دستور 1962 وحيث ان هذه الفترة ستشهد تطورا في الحركة الدستورية التي شاركت فيها وساهمت فيها بشكل كبير الأحزاب والهيآت السياسية والنقابية حيث كان الملك الحسن الثاني يستشير زعماءها وعلى رأسهم الزعيم علال الفاسي. ويمكن القول إنه بعد الاستقلال أصبح المغرب بفضل دساتيره يتوفر على مقومات الدولة الحديثة. وأشار الدكتور الداسر أن المقارنة تبين أن الدول العظمى تتحكم في باقي بلدان العالم ومنها المغرب وتدفعها الى تنظيم نفسها كي تضمن كل الدول مصالحها ، ففي الماضي كان الاستعمار يريد الخيرات والآن فإن دواعي العولمة تدفع الدول العظمى الى نهج نفس السلوك. الدكتور سعيد بلبشير بعد ذلك تدخل الدكتور سعيد بلبشير أستاذ بكلية الحقوق بأكدال الرباط في موضوع حول الفكر الدستوري الإصلاحي من بداية القرن الى الاستقلال سنة 1956 حيث أكد أن المغرب عاش أزمة دستورية إلا أنه مع ذلك واجهها بفكر سياسي قوي، فالتاريخ علمنا يقول الدكتور سعيد بلبشير أن الاصلاحات تنبثق من رحم الأزمات حيث يتبين لنا أن الحركة الوطنية واجهت التدخل الأجنبي. وأشار الدكتور سعيد بلبشير أن هذه الأزمة التي عرفها المغرب خلال القرن 20 كانت أزمة داخلية خطيرة، فالسلطة المركزية كانت ضعيفة وأسلوب الحكم كان غير ديمقراطي والإدارة كانت غير منظمة والأمية كانت منتشرة، والدولة لم تكن تتوفر عن جيش منظم أوعلى أسطول بحري لحمايتها ولكن في مقابل ذلك كانت هناك حركة فكرية مناضلة من أجل حرية المغرب واستقلاليته إلا أن النخبة لم تكن تملك سلطة القرار ومع ذلك فمجهوداتها لم تضع. وفي الخارج تميزت الفترة باستعداد أروبا لتحقيق أطماعها الاستعمارية وكانت تمهد لذلك من خلال المؤتمرات والاتفاقيات وأبرزها اتفاقية فيةنا سن 1815 التي ساهمت في اعادة ترتيب البيت الأوروبي حيث أن الدول المنتصرة في الحرب حددت موقعها . وأخذ الغرب يقسم الغنائم الاستعمارية. في هذا الوقت كانت انجلترا لعدة أسباب خاصة بها تريد أن يستمر المغرب في المحافظة على استقلاله بعد أن أصبح معرضا لتهديد مباشر من طرف فرنسا الا أن مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 وضع حدا لكل ذلك وجعله وجها لوجه أمام فرنسا واسبانيا ولم يتمكن مجلس الأعيان الذى أحدثه السلطان آنذاك من إنقاذ الوضع. لقد كان المغاربة وعلى رأسهم السلطان مولاي عبد العزيز يعتقدون ان أي اصلاح مثمر لايمكن أن يكون إلا إذا جاء من الشرق من العثمانيين، فالمغرب رغم عدم تعرضه للاحتلال العثماني إلا أنه كان متأثرا بالشرق من خلال فكر الرواد مثل عبد الرحمان الكواكبي ورشيد رضا وغيرهما وأشار الدكتور سعيد بلبشير الذي استشهد بفقرات من فكر ومؤلفات المرحوم علال الفاسي ان المغرب عرف تقديم عدد من الوثائق الدستورية 1901 1905 1906 و 1908 إضافة الى وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 ومذكرة حزب الشورى والاستقلال التي تقدم بها الزعيم محمد بلحسن الوزاني ثم جاء مشروع حزب الإصلاح سنة 1954 الذي كان يمثل نموذجا قويا بما كان ينبغي أن يكون عليه الاصلاح الدستوري بالمغرب هذا إضافة الى ما تضمنته مؤلفات الزعيم علال الفاسي في اتجاه الاصلاح الدستوري من أجل الاستجابة لحقوق المواطنين حيث كان رحمه الله يؤكد على أن ليس المهم هو الشكل الدستوري ولكن المهم المضمون أي الحقوق الأساسية للمواطنين. الدكتور محمد المدني: وتناول الدكتور محمد المدني استاذ بكلية الحقوق أكدال بالرباط موضوع التطور الدستوري من الاستقلال الى اليوم حيث استعرض الدساتير التي عرفها المغرب والظروف التي اتت فيها بدءا بدستور 1962 ومرورا بدساتير 1970 و1972 وتعديلات 1980 و1992 و1995 و1996. وأكد الدكتور محمد المدني أن التطور الدستوري يعني تطور متون التأويلات الدستورية خاصة تلك التي يقوم بها الفاعلون الساسيون والقضاء والتطور يضيف الدكتور المدني ليس مجرد نصوص وتأويلات ولكنه أيضا تطبيق وممارسة وهو أيضا مسألة ليست وطنية محضة بل يتداخل فيها الداخلي والخارجي واعطى مثالا الاتفاقيات المغربية الفرنسية 22 مارس 1956 حيث تم تحديد السلطة التي تتولى التشريع وهو جلالة السلطان. وكان في تلك الاتفاقات اتجاه إلى الحد من قوة حزب الاستقلال واتت كذلك كاستجابة للوضع الجيوسياسي انذاك الذي يجب أن يتموقع خلاله المغرب من خلال منع الحزب الوحيد واقرار التعددية الحزبية. ولاحظ الدكتور المدني ان خيطا رابطا ظل يميز هذه الحقبة وهي ميزة المؤقت مثل التنظيم المؤقت للسلطة العمومية 1956-1962. ولاحظ الدكتور المدني ان مرحلة 1960 - 1962 دشنت للعد العكسي لاصدار الدستور، وتميزت بانشاء المجلس الدستوري الذي لم يعمل نظرا لعدة ظروف. ثم جاءت مرحلة الاستثناء التي استمرت إلى سنة 1970 حيث أن الملك كان يملك كل زمام السلط. وقد تميزت هذه الفترة بكثرة التعديلات التي شهدت 23 تعديلا ثم جاءت الفترة 1972 -1977. وتحدث الدكتور المدني عن فترة دساتير 1992 و1995 و1996 ولاحظ أن ا لمرحلة الأخيرة تميزت هي الأخرى بالطابع الانتقالي إذ أجلت الاصلاحات الدستورية حيث أن الأحزاب الوطنية غلبت الأجندة السياسية والحكومة على الاصلاحات الدستورية معتبرة ان الاصلاح والاوراش المفتوحة تأتي في الاولوية. هذا في الوقت الذي تطالب فيه هيآت وجمعيات بأسبقية الاصلاحات الدستورية. الدكتور ميلود الوكيلي: في إطار التعقيب أخذ الكلمة الدكتور ميلود الوكيلي استاذ القانون الدولي بكلية الحقوق حيث تعرض لإشكالية القانون الوطني والقانون الدولي والعلاقة التي تربط بينهما، حيث أن القوانين الداخلية تقتضي مراعاة القوانين الدولية التي يصادق عليها أي بلد من البلدان. ولاحظ أن النظريات في هذا الباب لا تتوافق حيث يرى البعض أن الأسبقية للقانون الوطني آخذا بمبدإ الاستقلال القانوني في حين يرى البعض بضرورة توافق القانون الداخلي مع القوانين الدولية خاصة في عدد من المجالات وعلى رأسها حقوق الانسان، ولاحظ الدكتور الوكيلي أن المغرب صادق على عدة اتفاقيات في هذا الشأن وأن الدستور المغربي يتضمن هذا الإقرار بالحريات العامة ذلك رغم ان الدستور لايتضمن أي مادة تعطى للقوانين الدولية قوتها، ورغم ذلك فإنه يميل الى ترجيح الاتفاقيات الدولية على القانون الداخلي. الدكتور محمد المسكي: ثم أخذ الكلمة في إطار التعقيب أيضا الدكتور محمد المسكي حيث أشار أن الاصلاح الدستوري مازال مطروحا في المغرب الى اليوم مؤكدا أن النص الدستوري ليس محايدا بل هو تعبير سياسي عن ميزان القوى وهذا ما ينعكس في عملية التأويل، ولاحظ أن المغرب عرف رفع عدة مذكرات دستورية الى سلطات الحماية إلا أن هذه المذكرات ظلت تعيد طرح مطالب ولم تطرح شكلا سياسيا، مشيرا في ذات الوقت أن الزعيم الراحل علال الفاسي كتب عن الملكية الدستورية ولكن ما كتبه ظل عملا تقافيا محضا وأضاف ان جيل الحركة الوطنية طرح المطالب الدستورية بشكل مغاير أي طرح مفهوم الانتقال من مفهوم نظام سياسي غير مقيد الى نظام دستوري، وهذه المطالب لقيت صدى في عدد من الظهائر التي عرفها المغرب في فترة ما بعد الاستقلال. ولاحظ أيضا أن الخطاب حول الدستور ظل خطابا متجددا وتجلى ذلك في تأسيس الكتلة سنة 1970 التي طالبت بإخراج البلاد من حالة الاستثناء كما أن الدساتير التي أتت كانت استجابة لمطالب الكتلة. المناقشة وبعد هذه المداخلات فتح باب المناقشة التي انصبت علي ملاحظات تعدد المفاهيم رغم أن الزعيم علال الفاسي كان يتحدث عن الملكية الدستورية بوضوح. وأشارت التدخلات إلى المواقف التي وقفها الزعيم علال الفاسي خاصة من دستور 1970 ورفضه الدخول في حكومة ائتلاف. كما أشارت التدخلات إلى العطاء الذي قدمه الزعيم علال الفاسي والمواقف التي وقفها حزب الاستقلال والتي كانت مواقف تتسم بالاتزان حيث أنه رفض المشاركة في عدة حكومات عندما كانت الشروط غير متوفرة وان القول بأن بعض الأحزاب اختارت التسويات السياسية فمرده إلى التباس في الرؤى فهناك أحزاب اختارت منطق الخيار الثوري وحزب الاستقلال كان مقتنعا بأن ذلك لم يكن مقبولا وهو ما جعله منسجما مع نفسه وأنه اختار بمعية عدد من الأحزاب الوطنية الاصلاحات الديمقراطية لتلبياته حاجيات المواطنين الاجتماعية والسياسية. كما طرحت مسألة التوفيق بين القانون الدولي والقانون الداخلي. وقد تركزت إجابة السادة الأساتذة على هذه التساؤلات حيث تم التأكيد على أن الحركة الدستورية في المغرب لم تتوقف أبدا وأن الحديث عن التسويات لا يعني مرحلة السبعينيات بل يعني مرحلة التسعينيات التي رافقت حكومة التناوب وان الديمقراطية لا يمكن أن تبنى على التسويات. وعن ملاءمة القوانين الدولية أكدت الأجوبة أن ذلك إشكال قانوني يجب أن تغلب عليه الكثير من المرونة والتفهم وكذلك الجهود وأن القانون في النهاية هو ميزان القوى وعلى الجميع توخي الحذر في ملاءمة هذه القوانين خاصة مع ما تفرضه العولمة. الجلسة المسائية الجهوية بالنسبة للمغرب اختيار إرادي وطني لاحظ الدكتور عبد السلام المصباحي، كاتب ا لدولة لدى وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية في تقديمه للجلسة المسائية التي تمحور النقاش فيها حول موضوع « النظام الجهوي» أن هذا النظام بنية ووظائف وحيز جغرافي وعلاقات تفاعلية داخلية وخارجية ونموذج متعدد ومتنوع، بما هو صيغة مرنة بمضمون متغير يحدده ويضبطه المبرر الداعي إلى الأخذ به بين ما هو الاقتصادي إنمائي والمبرر الإداري الإصلاحي وكذلك المبرر السياسي الديمقراطي أو فقط المبرر الأمني. وأكد أن النموذج المختار هو وليد خصوصيات كل بلد التاريخية والجغرافية والسوسيو-اقتصادية، وقال إن الجهوية بالنسبة للمغرب اختيار إرادي وطني يندرج في المسار الوطني الإصلاحي الخطي التراكمي لتطوير الإجابة عن سؤال الجهوية حسب ما تفرضه المرحلة التاريخية. والمرحلة الحالية تفرض الارتقاء بالجهوية من جهوية ناشئة إلى جهوية متقدمة، مما يستوجب استحضار التجارب التي مرت منها البلاد في كليتها، بما في ذلك ما يمكن أن يطلق عليه الجهوية التاريخية لما قبل ا لحماية، وكذا تجارب الدول الأخرى لاستثمار إيجابياتها وتدارك سلبياتها في هذا الارتقاء، ومن جهة أخرى اعتماد منهجية التدرج فيه. واعتبر الجهوية المتقدمة التي أعلن عنها جلالة الملك في خطاب 6 نونبر 2008 وخطاب 3 يناير 2010 ورشا يهم كل جهات المملكة بما في ذلك الصحراء المغربية، ومن تم وجب التفريق بينها وبين الحكم الذاتي، كما أفاد أن الجهوية ورش إصلاحي هيكلياعميق محدد الأهداف بتوخي ترسيخ الحكامة المحلية وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة وأوضح أن المرتكزات هي الوحدة والتوازن والتضامن، لكن في حاجة إلى تدقيق من خلال الإجابة على العديد من الأسئلة منها الحديث عن طبيعة النموذج المغربي للجهوية المتقدمة. وأشار بالمناسبة أن حزب الاستقلال في مؤتمره 15 «في يناير 2009 « دعا في وثيقة الشؤون السياسية إلى ضرورة الارتقاء بالجهة من مجرد جماعة محلية إلى وحدة ترابية أسمى، وكذلك فعل في الورقة التي قدمها إلى اللجنة الاستشارية للجهوية. وأضاف المصباحي أن حزب الاستقلال يدعو إلى تمتيع الجهة باختصاصات واسعة حقيقية تنقلها إليها الدولة بموازاة مع نقل الاعتمادات المالية، ويؤكد على إعادة صياغة العلاقات الدستورية والسياسية بين الدولة والجهات على ضرورة الأدوار الجديدة للدولة، كما يدعو إلى الاحتفاظ للدولة بالاختصاص العام مع ضرورة مراعاة البعد الاستراتيجي لبعض القطاعات لارتباطها بالصلاحيات الحضرية للدولة وكذا العمل على تفادي التداخل في الاختصاصات بين الجهات والجماعات المحلية الأخرى الموجودة في دائرة ترابها. وفي المداخلة التي ألقاها بالمناسبة أكد أن التنمية المجالية هي مفهوم استراتيجي يحيل إلى البحث عن الانسجام والرؤية الشمولية في مجال ترابي ما، وتهدف إلى تنمية الموارد الطبيعية والاقتصادية والثقافية الكاملة في هذا المجال من خلال تعبئة مختلف الفاعلين على قاعدة الحوار والتشارك والتعاقد واعتبر ذلك يكمن في البعد الجديد لحكامة التنمية على المستوى الجهوي. وأشار أن التقسيم الجهوي الملائم يقوم على محددات ضابطة تمكن من ظهور جهات اقتصادية حقيقية قائمة الذات وقادرة على الاستمرار والمنافسة. وحصر هذه المحددات في ستة، هي المحدد الوظيفي ومحدد التوازن وآخر للتكامل بالإضافة إلى التنافس أي جعل الجهة قطب اقتصادي واجتماعي وهناك محدد التضامن والتعددية والتنوع. وفي عرض حول «التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة» تساءل الدكتور محمد الأعرج وهو أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بفاس عن إمكانية الوصول إلى جهوية اقتصادية واجتماعية بالاقتصار فقط على تطبيق جهوية سياسية أو وظيفية. وقال في هذا الصدد إننا نريد تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية ولكن بتصورات واضحة وفق مؤسسات رائدة للتنمية الاقتصادية، وأضاف أنه لابد من الترتيب والتدرج في إطار الوحدة الترابية عند الحديث عن الجهوية الاقتصادية والاجتماعية، ولابد من وضع منطلقات وآليات لهذه التنمية مؤكدا أن الجهات تنطلق من آليات التقطيع الترابي والتوزيع العادل للبنيات والأشخاص بهدف التقليص من درجة التفاوت بين الجهات كما ركز على منطلق إنعاش الاستثمار والتشغيل. وتطرق الدكتور عبد العالي حامي الدين وهو أستاذ بكلية الحقوق في مداخلة ألقاها في الندوة ذاتها حول موضوع »هياكل الجهة« إلى المقتضيات الضرورية لتطوير النظام الجهوي مؤكدا أن رصيد المغرب في هذا الاتجاه غني ومهم إضافة إلى التجارب المقارنة، وقال إن النظام الجهوي بدأ في المغرب قبل الجماعة والآن من المفروض ضخ جرعات جديدة لتطويره، موضحا أن المغرب يتوفر على ثوابت موحدة كالمؤسسة الملكية بما ترمز إليه لكونها مرجعا للتحكيم في القضايا الكبرى وإشرافها على الشأن الديني كذلك، بالإضافة إلى ثابت الوحدة الوطنية على اعتبار إجماع كل المغاربة حوله، وأشار أن المطلوب الآن في المغرب هو إعطاء مضمون جديد للجهوية المنشودة سياسيا والذي ينتج آثارا اقتصادية واجتماعية هامة فيما بعد. وذكر بأن القضايا التي تدبرها الجهة تكون بواسطة هياكل ومؤسسات تتمتع باستقلالية وتكون منتجة ولا يمكنها أن تتمتع باختصاصات إدارية فقط، لكن يجب أن تتوفر على اختصاصات ذات طابع تقريري وتشريعي وتنفيذي وتنظيمي كذلك، وقال إننا بهذا الصدد إزاء تحول أساسي في هياكل الدولة. وأضاف أن هياكل الجهة لابد أن تنتخب بشكل مباشر كما يجب التنصيص على اختصاصاتها في الدستور، ودعا إلى تسطير قانون تنظيمي للجهوية يكون أسمى من القانون وأقل من الدستور . وعقب الدكتور الشريف الغيوبي أستاذ بكلية الحقوق بسلا على ما جاء في المداخلات موضحا أن طرح موضوع الإصلاح الجهوي في هذه المرحلة تحكمت فيه عدة عوامل ذكر منها اثنين داخلي مرتبط بحل قضية وحدتنا الترابية وعامل خارجي مرتبط بعلاقة المغرب مع الدول الأخرى وخلص إلى أن التنمية على المستوى الجهوي مرتبطة بضرورة تأهيل أقاليم الجهات اقتصاديا واجتماعيا. وانصب النقاش على الأفكار التي وردت في المداخلات وأكد بعض الذين تدخلوا على الفصل بين الحكم الذاتي والجهوية داعين إلى التفكير بجدية في هذه المفاهيم وفي مضامينها لتفادي العديد من الإشكالات التي تطرحها ه وتجنب ما يمكن أن يحدث بلبلة في العقول. وتساءل العديد من المتدخلين عن استقلال سلطة الجهات في حالة تطبيقها بالمغرب في حين ناقش متدخلون التقطيع الجهوي لسنة 1972 والذي أسفر عن وجود سبع جهات وكل جهة لها مخرج إلى البحر من أجل إنعاش اقتصادها عبر تصدير منتوجاتها نحو الدول الأخرى. وأوضح متدخلون أن المغرب بإمكانه تطوير تجاربه في مجال الجهوية وتفادي السلبيات التي يمكن أن تترتب عنها والإبقاء على الايجابيات، ودعوا بالمناسبة إلى التحلي أكثر بمبدإ المواطنة إضافة إلى وضع قضية الجهوية وتطبيقها في المغرب في إطار التشاور بين كافة فئات المجتمع المغربي. وربطت مداخلة بين نقاش الجلسة المسائية »النظام الجهوي« بمحاور النقاش في الجلسة الصباحية التي دارت حول »الفكر والنظام الدستوريان بالمغرب، وآفاق التطور في القرن العشرين« وتساءلت عن سبب تغيب هذا النقاش في العديد من الخطابات خاصة فيما يتعلق بالنقاش العمومي والإعلامي واعتبر الطرح الدستوري مدخلا أساسيا في مسألة الجهوية. وتحدثت عن الاختصاصات الجهوية والمخططات التنموية في هذا السياق. وناقشت مداخلات أخرى التجانس اللغوي في إطار التقطيع الجهوي وتساءلت عن هذا المعيار هل يدخل في إطار الجهوية الموسعة أم أنه يدخل في سياق التمايز العرقي والذي يمكن أن تكون له انعكاسات على وحدة التراث المغربي، واعتبرته معيارا ينبني على العرق نظرا لظهور تطورات تتعصب للغة على حساب أخرى. وأثارت إشكال تضخم الموظفين داخل الإدارة العمومية وحذرت من السقوط في تجربة تكون فيها الإدارة الجهوية مثقلة بالموظفين كما هو الحال الآن داخل الإدارات العمومية. وهناك من التدخلات من ركزت على أن تطبيق الجهوية في أقاليمنا الجنوبية يختلف عن كيفية تطبيقها في الجهات الأخرى من المملكة باعتبار الوضع الحالي للأقاليم الجنوبية وفضلت هذه المداخلة على أن تكون المساهمات في مثل هذه اللقاءات عبر تقديم مقترحات خاصة بمساءلة التقطيع الجهوي.