إذا كانت القناتان الأولى والثانية خلال برامجها الوثائقية للفن المغربي وكذا سهراتها المتنوعة الأسبوعية منها والأخرى المهتمة بالإبداعات الفنية المغربية ومعها العربية أحيانا قد انصب اهتمامها على أنماط من هذه الفنون الغنائية المغربية من أغاني (عصرية) وأخرى شعبية وتراث فلكلوري بمختلف أنواعه وموسيقى أندلسية، وغناء شبابي (وما أكثره) فإن المغبون وسط هذا كله هو طرب الملحون الذي ينفرد المغرب عالميا بخصوصيته ونمطه المتميز مما يمنحه صفة الطرب المغربي الأصيل نظما ولحنا وأداء وتوازنا جيلا بعد الآخر. ولماذا الحديث عن الملحون لأننا نلاحظ سنه صمت مطبق عليه بالقناتين وهذا الصمت يتجسد في غياب التفكير في التوثيق له عبر ما بقي من الرواد وعلى سبيل المثال لا الحصر الحاج أحمد سهوم والأستاذ الملحوني وبن عبد الجليل وآخرون ممن يعتبرون مؤرخين لهذا التراث المغربي الخالد والذين يمكن أن يثروا خزانة وأرشيف القناتين بحلقات توثيقية للأجيال القادمة خاصة وأن رجالات الملحون الأفذاد من المنشدين توفى الكثير منهم دون أن نعلم أي شيء عن خزاناتهم وكنانيش القصائد التي حفظوها، علما بأننا بحكم شغفنا وتقربنا من هذا الفن الرفيع نعرف أن بعض الشيوخ رحمهم الله من أمثال الهاروشي والحاج بنعيسى والحاج بنغالم وامحمد بوزوبع وعبد الكريم كنون والحسين التولالي وبوستة المراكشي والتهامي بنعمر وغيرهم كان كل واحد منهم يحفظ ما لا يقل عن 300 أو 400 قصيدة ومنها النادرة التي يعود تاريخها إلى أزيد من مائتي سنة. فأي مانع وهذا موضوع تساؤلنا أن تبادر القناتان إلى التوثيق لهذا الفن المغربي الأصيل للحفاظ على رونقه خاصة وأننا أصبحنا نصطدم حين إنشاد قصيدة ما بالبتر للعديد من أقسامها وكلمات نظمها المعبرة بدارجة مغربية راقية. إننا لا ننكر أن برنامج شذى الألحان كان يقوم ببعض الاطلالات من حين لآخر على طرب الملحون إلا أنه إنساق مع ألوان الطرق الأخرى وتغاضى بدوره عن منح حق مشروع للملحون ضمن هذا البرنامج. من هنا يمكننا القول بأن على القناتين منح هذا الطرب مساحة في البرامج والسهرات الأسبوعية والمتنوعة كبداية لعمل لابد منه لأنه ضروري والمتمثل في إعداد حلقات توثيقية له من أفواه رجاله الحقيقيين الذين سبق الإشارة إليهم وغيرهم من الباحثين والمبدعين وكل هذا المطلوب الهدف منه حماية هذا التراث الأصيل من الضياع والتلف وعبث المتسلطين الذين يشوهون جماليته التي ضحى من أجلها رواد سخوا كل حياتهم من أجل الحفاظ عليه.