.. هم نجوم طبعوا الأغنية المغربية بإبداعاتهم الرائعة، وتميزوا بإسهاماتهم وبأفكارهم وعملهم الفني النير، منهم شعراء وزجالون، ومنهم ملحنون ومطربون وموسيقيون ومغنون .. هؤلاء الرواد تركوا علامات بارزة في التاريخ الفني الموسيقي المغربي منذ بداية انطلاقته في بداية الثلاتينات من القرن الماضي . لقد صنعوا المجد لوطنهم ورسخوا معالم الأغنية المغربية بصفة عامة والأغنية الأمازيغية والشعبية و العصرية بصفة خاصة ، ومزجها بعضهم بفن العيطة التي هي مكون أساسي من مكونات تراث غنائي شعبي أصيل . كما يوجد من بينهم نجوم في الموسيقي الأمازيغية التي لها مسار فني غني بتجربة متميزة. ومنهم من أسس لأغنية مغربية عصرية وارتقوا بها إلى مستوى عال .. ومنهم من حافظ على مكانة الموسيقى الأندلسية (طرب الآلة) بالمغرب التي هي متميزة بمدارسها الثلاثة الرئيسية : مدرسة عبد الكريم الرايس بفاس، مدرسة أحمد الوكيلي بالرباط، ومدرسة محمد العربي التمسماني بتطوان . ثم فن السماع والملحون والإيقاع ... هؤلاء النجوم قدموا للفن الموسيقي وللأغنية المغربية وللحن خدمات جليلة ، استطاعوا بأعمالهم الجميلة حمل مشعل التراث الفني الأصيل للأغنية واللحن والموسيقى بالمغرب، ومن ثمة إيصال هذا التراث الفني إلى الأجيال الصاعدة، وربطوا الجسور مع الأجيال المقبلة ، قبل أن يودعونا ، تاركين لنا أجمل الأعمال الخالدة. والتي من الصعب أن نجد رجالا بقيمة الرواد الأولون. محمد بلعيد -1875 -1945 مكون « الروايس»2/2 كان الفنان محبا للترحال والأسفار، سافر بلعيد إلى الشرق ومكث به سنتين حيث أدى فريضة الحج قبل رجوعه ليستمر في تكوين أفواج من «الروايس» إلى أن توفي قبل نهاية الحرب العالمية الثانية . وحسب بعض الوثائق فإن الرايس بلعيد قد حل بمدينة طنجة قبل أن يسافر إلى الشرق ، وفي 28 أكتوبر 1910 وصل إلى مدينة مرسيليا الفرنسية قادما من الحج ، حيث اتصل من هناك قبل عودته إلى مدينة طنجة ثم مدينة الصويرة . كما زار مصر والسعودية وفلسطين وسوريا وتركيا وتحدت عن رحلته في قصيدة شعرية عن الحج عندما عاد مابين 1908 و1910 حيث كان قد خرج من فرنسا ، وأحيى سهرات للجالية المغربية . تحدث بلعيد عن معركة فرنسا مع أيت باعمران، وعن معركة تيزي ... ووصف هجوم الطائرات الفرنسية على المواطنين الأبرياء . تحمل أغاني بلعيد تاريخا دقيقا للأحداث التي عايشها بتفاصيلها . وغنى أيضا عن كل المواضيع وعن المرأة والحب والوطن ، له أغنية حول باريس سجلها سنة 1930 بحضور الموسيقار محمد عبدالوهاب في إحدى الإستيديوهات بالعاصمة الفرنسية . كان قد تعرف على الفنان المصري محمد عبد الوهاب في استديو للتسجيل بباريس ، فأعجب به عبد الوهاب ، يقال أن عبد الوهاب اقتبس من بلعيد بعض الجمل الموسيقية . كانت للفنان بلعيد مجموعة غنائية يتنقل بها بين قصور القواد والأعيان في كل من سوس والأطلس وحتى مراكشوالصويرة . وكان له محبين يريدون الإستماع إلى أغانيه وألحانه . كما كان ينزل ضيفا عند اكلاوة بمراكش وتلوات ،ويقوم بجولات عمل في جنوبتزنيت إلى غاية نواحي أيت باعمران . وفي سنة 1932 كان بلعيد ضيفا عند «بروسبيرريكار» في معهد الموسيقى المغربية بالرباط . حاول أحد ممثلي شركة «بيضفون» بالمغرب (الخاصة بالتسجيل) استغلال الحاج بلعيد وفنه بأبخس الأثمان، ومن الأدلة على ذلك رسالة مؤرخة سنة 1933 يعبر فيها محمد القباج للفنان بلعيد على استعداده للتدخل لتسوية النزاع القائم بينه و بين ممثل «بيضافون» ، ومع ذلك فإن هذه المشاكل لم تمنع الحاج بلعيد من التعامل مع هذه الشركة في غياب بديل آخر . في سنة 1935 توصل بدعوى من الجالية المغربية بضواحي باريس حيث التزم بتقديم سهرات لمدة ثلاثة أشهر . وخلال هذه الجولة سجل بلعيد في باريس مجموعة من قصائده ، وكان من الأوائل الذين بادروا إلى التسجيل . وآخر رحلاته كانت سنة 1938 إلى باريس . كان حلمه أن يزورفرنسا منذ أن غنى قصيدة «أمودون باريز» (الرحلة الباريزية) يصف فيها محمد الخامس بالعاصمة الفرنسية سنة 1931 . وفي سنة 1940 تم إعفاءه من الخدمة المخزنية بسبب تقدمه في السن ، وبعد سنوات قليلة توفي ، أي ما بين سنة 1944 و1945 بعد أسبوع من المرض ، دفن في قريته «أنو ن عدوإدا ? أوبعقيل». يعتبر الفنان بلعيد قيدوم الأغنية الأمازيغية ، فهو شاعر مبدع وموسيقي رائع ، كان أستاذا كبيرا في التأليف واللحن والغنى وكان معلما ونبراسا للعديد من الروايس .