نناقش في حلقة اليوم موضوع نسبة المشاركة من الزاوية القانونية والحقوقية ودلالاتها السياسية من جهة ومن جهة أخرى قراءة الموضوع في ضوء التجارب المقارنة، خاصة في البلدان التي عرفت تجربة الانتقال الديمقراطي، من خلال مقاربة جديدة لهذه الظاهرة تدمج ما هو سياسي بما هو حقوقي. فعلى المستوى الحقوقي، يمكن القول إن عددا من المواثيق الدولية ساهمت في تأطير ممارسة حق التصويت والترشيح كحقوق سياسية أساسية، حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 في المادة رقم 21 على أنه «لكل فرد الحق في المشاركة في حكم بلده،مباشرة أو عن طريق نواب مختارين اختيارا حرا «و» أن إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكم، ويعبر عن هذه الإرادة في انتخابات دورية وصادقة تجرى بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراءات تصويت حر معادلة له»، وعلى نفس النهج سار ميثاق الحقوق السياسية للنساء الصادر سنة 1952، في مادته الأولى حيث نص على أنه «للنساء حق التصويت في كل الانتخابات وعلى قدم المساواة مع الرجال دونما تفرقة»، وفي نفس السياق سار ميثاق إلغاء جميع أشكال التفرقة العنصرية لسنة 1965 الذي فرض على الدول العضو في هذا الميثاق تمتيع جميع الأفراد ب «الحقوق السياسية، وبصفة خاصة حقوق المشاركة في الانتخابات _ حق التصويت وحق التقدم للترشيح _ على أساس من الاقتراع العام وعلى قدم المساواة مع الناخبين ...» وكذلك فعل ميثاق الحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 في مادته 25 بالتأكيد على أنه «لكل مواطن الحق والفرصة، دونما تفرقة أشير إليها في المادة 2 ودونما أي قيود غير معقول في: 1- أن يشارك في تسيير الشؤون العامة،مباشرة أو عن طريق نواب مختارين اختيارا حرا، 2- أن يصوت وأن ينتخب في انتخابات دورية صادقة بالاقتراع العام على قدم المساواة بين الناخبين يجري بالاقتراع السري، على نحو يكفل التعبير الحر عن إرادة جمهور الناخبين»، وسار على نفس الروح كل من ميثاق إلغاء جميع أشكل التفرقة اتجاه النساء الصادر سنة 1979، والإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان وواجباته الصادر سنة 1948 والميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان لسنة 1969 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981، والميثاق الأوربي لحقوق الإنسان لسنة 1950 البروتوكول الأول خاصة في المادة 3 حيث « تتعهد الأطراف المتعاقدة بإجراء انتخابات حرة على فترات معقولة بالاقتراع السري، في ظل ظروف تكفل التعبير الحر عن رأي الشعب في اختيار المجلس التشريعي « ...ويتضح من خلال هذه الوثائق القانونية ذات القيمة العالمية، أن التصويت حق أساسي من حقوق الإنسان ذات الطبيعة السياسية، ويشترط أن يكون في ظروف النزاهة والحرية والشفافية وأن يتخذ طابع الانتخاب طابعا دوريا، ومتى تحققت هذه الشروط فإننا نكون أمام نظام ومؤسسات تتسم بالشرعية ، ومن هنا نخلص إلى أن إنخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات لا يؤثر في شرعية المؤسسات التي تفرزها هاته الأخيرة، ونكون عند حديثنا عن نسبة المشاركة نقارب الموضوع من الزاوية السياسية أكثر من الزاوية القانونية والحقوقية، فتخلي المواطنين عن ممارسة حق التصويت، يجب معالجته من خلال مقاربات مختلفة منها ماهو سياسي وماهو إجتماعي وماهو عام يرتبط بالتجربة الديمقراطية وحداثتها والسياقات التي تحقق فيها التحول إلى الديمقراطية. إن مسألة ضعف المشاركة في الانتخابات يجب أن لا تتحول إلى سيف مسلط على مؤسسات الدولة لاعتبارات سياسوية غير قادرة على النظر بشكل متفاعل مع التحولات التي تعرفها بلادنا أو وضعية الجمود التي توجد عليها بعض البنيات الاجتماعية، وهنا يمكن أن نسجل بأن نسب المشاركة في التصويت على المستوى العالمي تنحوا منذ سنوات نحو الانحدار وتبلغ هذه النسبة درجات لافتة بالنسبة لدول ديمقراطية كبيرة كالولايات المتحدةالأمريكية التي أصبح من باب العادة أن انتخاباتها الخاصة بالكونغرس لا تتجاوز فيها نسبة المشاركة نسبة ثلث المسجلين في اللوائح الانتخابية، وتصل بالكاد خمسون بالمائة عندما يتعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية، وذلك رغم الحجم الهائلة من الموارد التي يتم صرفها لاستقطاب الناخبين، وعرفت أوربا نفس المصير خاصة مع انتخاب البرلمان الأوربي الحالي، حيث تجاوزت نسبة المشاركة 40 في المئة بقليل ،وبصفة عامة فإن الانتخابات أصبحت تدريجيا تفقد بريقها بالنظر للإشكالات التي أصبح مفهوم الديمقراطية كما تبلور في التجارب أوربا وأمريكا الشمالية، أصبح مشوشا وتطرح عليه علامات استفهام كبيرة، وهنا يمكن أن نفهم الشعار الذي رفع في مدريد وباريس وبرشلونة والقائل «ديمقراطية حقيقية الآن»، خاصة عندما تتزامن هذه الأزمة مع أزمة اقتصادية خانقة تعيدنا إلى ما دعاه صامويل هنتنغتون بانزياح الوهم، وهو يقصد هنا الوهم الذي سيطر على عدد من شعوب بلدان الموجة الثانية للديمقراطية، حيث كان العديد يعتقدون بنوع من الحماس أن الديمقراطية المجسدة في حرية الاقتراع هي الطريق نحو الرخاء والمساواة والقضاء على الفقر والبطالة، وعندما لا تتحقق تلك الآمال لأسباب سياقية حسب صامويل هنتنغتون..ترتبط بالبنيات الاجتماعية والاقتصادية والتفاوت بين الجهات والأقاليم وارتفاع تكلفة خدمة الدين الخارجي، فإن الدولة إما أنها تشهد تكريسا للاختيار الديمقراطي باعتباره الحل الوحيد لتدبير المنافسة على السلطة دون اللجوء على العنف، وطريقا لتحقيق تراكمات هادئة في كل مستويات الإصلاح، إما إعداد البلاد من خلال الحرص على تأزيمها، لعودة السلطوية السابقة في أحسن الأحوال أما في أسوئها، فإن هذه البلدان تواجه مخاطر الحرب الأهلية...وليس هناك من حل سوى تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة وفي العملية الإنتخابية، وبلادنا سوف تشهد إستحقاقا مهما يوم فاتح يوليوز سوف يكون إختبارا لتمثل المغاربة للديمقراطية ومدى إستفادتهم من التجارب السابقة.