لا شك أن الحدث الأبرز في مسار بلادنا ومحيطها الإقليمي والجهوي والعربي كان بامتياز هو يوم 20 فبراير الذي سيضاف إلى تواريخ مهمة في تاريخ هذا الوطن العزيز . وبقطع النظر عن لغة الأرقام ، والأرقام المضادة ، وحقيقة ما عرف ب» حركة 20 فبراير «، التي أصبح الجميع يعرف من يقف وراءها ، ويوجه تحركاتها، وحجمها الحقيقي في أوساط الشباب المغربي ، وبغض النظر عن الانزلاقات التي عرفتها بعض مناطق بلادنا لأسباب ظهرت أنها ترتبط بطريقة التدبير المحلي في مدن ، وباستغلال الفرصة للنهب والتخريب في مدن أخرى، ولو أننا ملزمون بقراءة هذه المنزلقات بالحكمة الضرورية ، واستخلاص ما يجب استخلاصه لحماية حقوق المواطنين والمنشآت العامة ، قلنا بغض النظر عن تفاصيل كثيرة لها قيمتها وأهميتها في التحليل المستقبلي لوطننا ، نستطيع أن نجزم أن بلادنا قدمت صورة حية لحقيقة نتائج اختيارات مبنية على أسس تطوير مسارات الحرية المسؤولة وحيوية النقاشات المستمرة داخل مجتمعنا ، ولا يختلف اثنان على أن يوم 20 فبراير كان انتصارا لوطننا برمته ، هذا الانتصار الذي تجلى في شكل متطور وحضاري سواء للمعبرين عن المطالب ، أو لتعامل السلطات مع هذه الاحتجاجات، هذا الوضع لم يأتي من فراغ ولكنه كان نتيجة طبيعية ومنطقية لمخاضات كثيرة، ونضالات متواصلة للقوة الحية بالبلاد منذ مدة طويلة ، هذه المخاضات والنضالات التي توجت في العشرية الأخيرة بالإرادة الملكية السامية من خلال العديد من المؤشرات من ضمنها المفهوم الجديد للسلطة المبني على القرب وتفعيل مضامين المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كخيار أساسي من الخيارات الاجتماعية ، والحرص على تقوية الاستثمارات من خلال أوراش استراتيجية كبرى تنجزها الحكومة بديناميكية متواصلة لتحقيق مناعة اقتصادية تمكن من مواجهة آثار التحولات الاقتصادية العالمية المطبوعة باللاستقرار ، والمؤثرة على القدرة الشرائية لعموم المواطنين ، وهو ما نجحت الحكومة في تحقيقه من خلال الحرص المتواصل منذ تعيينها على جعل العامل الاجتماعي معطى أساسيا في توجهاتها الميدانية ، وهذه النتائج كانت انعكاسا مباشرا لاختيار سياسي جوهري في مسار المغرب وهو تبني خيار المنهجية الديمقراطية التي قادت حزب الاستقلال عبر صناديق الاقتراع لقيادة المرحلة الحالية، وإذا كنا لا نجادل في شرعية ومشروعية العديد من المطالب التي تابعناها في مختلف التجمعات على امتداد التراب الوطني، فإننا نؤكد أنها مطالب ظلت حاضرة بقوة في برامج الأحزاب الوطنية الحقيقية خاصة حزب الاستقلال منذ فجر الاستقلال ، وفي مقدمتها مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية التي تقدم إضافات نوعية لتمنيع المسار الديمقراطي من الشوائب ، وتقوي الثقة في صدقية ومصداقية كل المؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا وصولا إلى مؤسسة البرلمان كمؤسسة دستورية أساسية لإنتاج المبادرات وتجويد القوانين التي تؤطر الصيرورة المجتمعية ، وتشكل صورة عن الواقع السياسي ، والذي ظل من المطالب الأساسية لحزبنا وغيره من القوى الوطنية الديمقراطية أن يبتعد هذا الواقع عن فبركة أحزاب مصطنعة تسيء للديمقراطية وأسسها، إضافة لكون مطالب الحد من الفوارق الاجتماعية ، والقطع مع كل أشكال الامتيازات ، ومحاربة ظواهر الرشوة والزبونية وصولا إلى إصلاح منظومة القضاء ظلت تشكل قطب الرحى في مطالبنا إلى جانب القوى الحية في البلاد . نعتقد أن هذا التذكير كان ضروريا وأساسيا في هذه المرحلة ، التي يجب أن تكون مرحلة لحوار وطني حقيقي بعيد عن المزايدات السياسية الجوفاء ، وبعيد عن استغلال أي ظرف كيف ما كان لتحقيق رغبات ليست جديدة على كل حال ، كما يجب علينا جميعا وبدون استثناء فاعلين سياسيين ومجتمعيين ، ومسؤولي الدولة ونحن نتحدث عن الاستماع للشباب ، وأفكار الشباب ، ألا نجعل من ذلك جملا لدغدغة العواطف لأن الجزء الأكبر ، والغالبية العظمى من هذا الشباب لم تكن مشاركة ، ولم تكن حاضرة يوم 20 فبراير وهي حقيقة أيضا علينا قراءتها بما يستلزم من الجدية والمسؤولية ، فبين شباب حاضر بشكل متوسط عبر عن مطالبه بانضباط ، وشباب على قلته سبب خسائر في الممتلكات الخاصة والعامة في مناطق من الوطن، وأغلبية شبابية ساحقة التزمت الصمت ، تساءلنا جميعا حقيقة مؤلمة : هل فينا فعلا من يؤطر الشباب ليكون هذا الشباب قاطرة حقيقية بطاقاته وإبداعاته، أم أن هناك من يريد أن يجعل من الشباب حطبا لفتنة لا قدر الله سيكون الخاسر الأول والأخير فيها هو الوطن كل الوطن، وهي خلاصة جوهرية فاصلة في مستقبل وطننا . لست متشائما لأنني أثق في أجيال هذا الوطن بأنها قادرة على التمييز ، واثق أكثر في الشباب الذي تأطر في مدارس سياسية حقيقية مرتبطة بالوطن وهمومه ، حريصة على تطوير مساراته ، هذا الشباب الذي قدم أدلة عبر محطات تاريخية في بلادنا على أنه قادر على صنع المستقبل في ظل الهدوء والموضوعية، هذا الشباب وأمثاله هم القادرون على جعل رسائل 20 فبراير الظاهرة والخفية تشكل في مستقبل الأمة قوة إضافية تحصن مكتسبات البلاد، وتجود مساراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عبر تواصل دائم ومستمر مع كل الشباب المغربي بدون استثناء.