ما سجلناه من إيجابيات لا يمكن أن يخفي عنا جوانب التقصير التي سجلناها بكل أمانة في العمل الحكومي لرفع التحديات التي تواجه بلادنا في مجالات تأهيل قوى الإنتاج الوطنية وتشييد مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والتضامن وإحقاق المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي أضحى يحظى بإجماع الأمة المغربية قضية وحدتنا الترابية تظل قضية وطنية مركزية يتعين إدراجها في مقدمة أولويات البلاد في مختلف المناسبات السيد الرئيس المحترم، السيد الوزير الأول المحترم، السيدات والسادة الوزراء المحترمون، السيدات والسادة النواب المحترمون. لا شك أننا، السيد الوزير الأول، نقاسمكم نفس الاعتزاز ونحن نساهم اليوم في مناقشة التصريح الذي أدليتم به لاستعراض ومناقشة آفاق العمل الحكومي مستقبلا، والوقوف في نفس الوقت على ما تم إنجازه بعد ما ينيف عن سنتين ونصف من تنصيب الحكومة. ونحن كذلك في غير حاجة للتأكيد على أن مبادرتكم لتكريس هذا التقليد الديمقراطي، الذي تم التأسيس له مع مجيء حكومة التناوب، تشكل بحق مبادرة موفقة لترسيخ آليات الحوار الهادف بين مؤسستينا. وتعزيز الحوار السياسي كقيمة ديمقراطية، يهدف إلى رسم الخطة الضامنة لتحقيق الإصلاحات الضرورية لتقدم البلاد.++ ورغم أن هذه المبادرة غير متبوعة بأثر سياسي وفق ما تحدده الآليات الدستورية لمراقبة الحكومة فيما يرتبط بإثارة مسؤوليتها، فإن حرصكم على ضمان التفاعل الإيجابي لإعطاء سلط البرلمان أبعادا ديمقراطية حقيقية، سيقودكم، تأكيداً لرغبة جميع الأطراف، لتجعلوا من هذه المناسبة فرصة سانحة لتبادل الرؤى والملاحظات والمقترحات ووجهات النظر اللازمة لترسيخ المكتسبات وتقويم الاعوجاجات. إن مبادرتكم هذه، السيد الوزير الأول، التي قلتم بأنها تأصيل للتقاليد الديمقراطية في الحياة السياسية المغربية لن تؤدي دورها إلا بالاستناد إلى الأسس الدستورية والمفاهيم والمبادئ القانونية الرئيسية، غير القابلة للمزايدة عليها، والتي تحدد وتوضح وتنظم الضوابط اللازمة في علاقة الحكومة بالبرلمان. السيد الرئيس المحترم؛ السيدات و السادة الوزراء المحترمون؛ السيدات والسادة النواب المحترمون؛ تظل قضية وحدتنا الترابية، قضية وطنية مركزية، يتعين إدراجها في مقدمة أولويات البلاد في مختلف المناسبات، وتعبئة كل القوى الحية والإمكانيات اللازمة من أجل الدفاع عنها. وخاصة في هذا الظرف الدقيق والحاسم، الذي تتكثف فيه مناورات خصوم وحدتنا الترابية، بعد أن تمكن المغرب من استرجاع زمام المبادرة في الساحة الدولية، بشأن إيجاد تسوية سلمية عقلانية ونهائية لهذه القضية. ولا شك أن مجلس الأمن قد وجه صفعة مؤلمة لخصوم وحدتنا الترابية بمقتضى قراره الأخير رقم 1920، حيث وافق على تمديد مهمة المينورسو لسنة أخرى، وقام بتعزيز المسار التفاوضي وتأكيد ما نصت عليه قرارات مجلس الأمن خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ورفض كل المحاولات الهادفة إلى تقويض الدينامية الإيجابية التي خلقتها مبادرة الحكم الذاتي، من خلال التوظيف اللا أخلاقي والمغرض لحقوق الإنسان. إن المغرب الذي راكم بفضل تضحيات شعبه وقواه الحية مكتسبات هامة في مجال احترام الحقوق و الحريات لن يقبل على كل حال أية مزايدات في هذا الإطار، وخصوصا من الجزائر والبوليساريو. إن محاولاتهم اليائسة للركوب على حقوق الإنسان وهم أول من يخرقها، لن يحجب أنظار العالم عن الأوضاع المزرية للسكان المحتجزين بمخيمات تندوف، الذين يتعرضون لأبشع صور القمع، ومصادرة الحريات التي تصل حد العبودية، والتهجير القسري للأطفال، والاستغلال المادي والمعنوي للنساء، والمتاجرة في المساعدات الإنسانية وفي معاناة المحتجزين. إن زيف إدعاءات البوليساريو، الذي لم يعد يملك زمام المبادرة اتجاه حكام الجزائر، يكشف عنها توالي الأيام. فهاهي أفواج من المحتجزين بمخيمات تندوف، خاصة الشباب منهم، تلتحق بدون انقطاع بأرض الوطن بعدما تبين لهم زيف أطروحة الانفصاليين. ونعتبر هذه الالتحاقات المتتالية تجسيدا قويا لتقرير المصير، فهؤلاء الشباب يعبرون عن رأيهم في الاستفتاء بخطواتهم المتجهة نحو وطنهم المغرب، متحدين بذلك كل أنواع الحصار المضروب عليهم، وعلينا أن نهيئ لهم كل ظروف الاستقبال والاستقرار والإدماج اللائقة. إن هذا الانفلات في الوضع بمخيمات تندوف هو الذي أدى بالجيش الجزائري إلى الشروع في بناء جدار رملي محاط بالأسلاك الشائكة جنوب مخيمات المحتجزين. ويأتي بناء مشروع الجدار نتيجة دواعي القلق بشأن فرار العديد من الأسر والعائلات بسبب عجز قيادة البوليساريو على إقناع سكان المخيمات بالبقاء في وضعية اللجوء. هذا اللجوء الذي لا تعترف به الجزائر سوى لمهاجمة المغرب، أما أن تتحمل مسؤوليتها تجاه ما تقتضيه من حقوق وواجبات إزاء القانون الإنساني الدولي والمنظمات الدولية المختصة، فذلك ما لا تعيره أي اهتمام. السيد الرئيس المحترم، السيد الوزير الأول المحترم، السيدات والسادة الوزراء المحترمون، السيدات والسادة النواب المحترمون، من الواضح، إن أي عمل حكومي لا يمكن له النجاح في بلوغ مراميه ما لم ينهج أسلوب حكامة سياسية جيدة. لذلك، السيد الوزير الأول، نحن معكم في تأطير عملكم الحكومي، من خلال الحرص على: * أجرأة التوجيهات السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في مجال الإصلاحات الكبرى. * تنفيذ التصريح الحكومي الذي نلتم على أساسه ثقة البرلمان. * تقوية التضامن الحكومي توخيا للنجاعة والفعالية والابتعاد عن أي تنازع في الاختصاص بين أعضاء الحكومة. * اعتماد أسلوب الديمقراطية التشاركية اتجاه كل قوى المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد كان بودنا لو كان أسلوب الحكامة السياسية الجيدة هو ذلك الخيط الناظم للحياة السياسية الوطنية وتدبير المؤسسات السياسية والدستورية. وقد كان بودنا أيضا لو استطعنا التأكيد على أن المسار الديمقراطي الذي مكن من مراكمة إصلاحات ومكاسب هامة، غير معرض اليوم إلى مخاطر حقيقية بفعل ممارسات منحرفة تؤثر سلبا على بروز حركة مجتمعية قوية قادرة على مواكبة هذا المسار وتحصينه من أي تراجع. إن المغرب، بكل أسف، في حاجة ماسة إلى رد الاعتبار للعمل السياسي، وللشأن العمومي عموما، وذلك بعد أن توالت الكثير من الممارسات بمناسبة الانتخابات أو غيرها، والتي من شانها زعزعة الأسس الهشة للمشهد السياسي الحزبي، وتوجيه ضربات في الصميم لدور الأحزاب في تأطير المواطنين ولمبادئ النزاهة والشفافية والتنافس الشريف والمتكافئ في الاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي إفراز هيئات منتخبة وطنية ومحلية بأداء ضعيف، مما يعطي صورة مشوهة للعمل السياسي، وذلك بدل الحرص على تخليقه والسعي إلى ترشيد الحقل السياسي، والإسهام في أن يستعيد مصداقيته وجاذبيته. السيد الرئيس المحترم، حضرات السيدات و السادة المحترمون، إن إكراهات العمل السياسي والمؤسساتي التي أشرنا إلى بعض جوانبها ومؤشراتها، وما فرضته علينا كفريق برلماني مشكل من حساسيات سياسية موزعة، رغم تقارب منطلقاتها الفكرية ومرجعياتها التحليلية. إن هذه الإكراهات لم تمنعنا من اكتساب منهجية عمل مرنة، مبنية على الموضوعية في مقاربة القضايا التي تهم حاضر ومستقبل المواطن المغربي. وهي المنهجية التي استطعنا أن نتجاوز بها إيجابيا حتى بعض أشكال التعاطي مع الحكومة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، حيث أصبح من الصعب معها التمييز بين أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة، أما ضمان استقرار هذه الأحزاب في هذا الجانب أو ذاك، فهي عملية تبدو عصية على المنال في الواقع السياسي الذي نعيشه. لقد استمعنا بإمعان للتصريح الحكومي، وأولينا في ذلك اٌهتمامنا للتركيز على المتطلبات الضرورية لتقدم بلادنا. ونعتبر بهذا الصدد، أن تحديد الأولويات عمل منهجي لا ينفصل عن المنهجية العامة التي تتبناها أية حكومة، والتي قلتم بشأنها في تقديم هذا التصريح بأنها منهجية تتجاوز سرد حصيلة القطاعات الوزارية إلى مقاربة مندمجة تأخذ بعين الاعتبار، محاور الإصلاحات الكبرى والآثار التي تحققت على أرض الواقع، وآفاق العمل الحكومي. وإذا كان الرأي العام الوطني ينتظر ما سيتم إنجازه فعليا في هذا الإطار، فإنه من الضروري الإشارة إلى أن منهجية العمل الحكومي، لابد أن تستند إلى تخطيط محكم ونظرة شمولية ذات خلفية سياسية واضحة. إن مفهومنا للبرنامج الحكومي، لا يعني إثارة كل المشاكل التي يتخبط فيها مجتمعنا، وإشعار المواطن بوعينا بها. بل هو بلورة سياسية تحدد فيها الأهداف والغايات بدقة، وتعبأ لها الاعتمادات والإمكانيات الضرورية لإنجازها، وفق تحديد زمني معقول. لذلك كنا نتمنى لو أن تصريحكم، السيد الوزير الأول، توفق في تحديد الأولويات، كما فعل ذلك في الارتكاز إلى الثوابت والمقدسات، وحصر من أجل إنجازها الوسائل والاعتمادات لبلورة كل ما تتضمنه من مشاريع وطموحات. وبهذا التحديد فإننا قد سجلنا إيجابيا ما استعرضتموه من أهداف تم تحقيقها حيث سنقف عند ما يتعلق بالمحاور التالية: * الاهتمام بالتنمية الجهوية من خلال تعزيز القدرات الاستقطابية للاستثمارات الخاصة للجهات، وخلق أحواض تشغيل محلية، وفتح آفاق جديدة للتوازن المجالي والتنمية البشرية، حيت تم خلق 21 قطبا تنمويا جهويا مندمج في مختلف المجالات. * العمل على إعطاء دينامية لمكونات الطلب الداخلي عبر الرفع من القدرة الشرائية وتكثيف الاستثمار العمومي لمواصلة الأوراش الكبرى المهيكلة، حيث تمت مضاعفة الميزانية المخصصة للاستثمارات العمومية من 82 مليار درهم سنة 2007 إلى 163 مليار سنة 2010، كما تم تحقيق ارتفاع متوسط الاستهلاك ما بين 2008 و2009 بنسبة 7% مقابل 4% سنة 2007. * بذل مجهودات ملموسة لتحسين الدخل حيث بلغ مجموع ما تم تخصيصه للحوار الاجتماعي في السنتين الماضيتين ما يناهز 19 مليار درهم، وتم الرفع من الأجور بنسبة تتراوح ما بين 10 و22% في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية، كما تم الرفع من الأجر الأدنى من 1560 إلى 2450 درهما عن طريق حذف سلالم الأجور من 1 إلى 4 بالوظيفة العمومية والجماعات المحلية، إضافة إلى بعض الجهود المتعلقة بالزيادة في الحد الأدنى للأجور بقطاعات الصناعة والفلاحة، والتخفيض من نسب أشطر الضريبة على الدخل، وإعفاء بعض الملزمين من الضريبة على الدخل، والرفع من حصيص الترقي من 22 إلى 28%. * الرفع من ميزانية الاستثمار بالعالم القروي من 8.3 مليار درهم سنة 2007 إلى 20 مليار درهم سنة 2010، وتطوير دور صندوق التنمية القروية والرفع من حجم مخصصاته المالية إلى 500 مليون درهم سنويا. * اعتماد الاستهداف الاجتماعي والمجالي في السياسات العمومية لفائدة الفئات الأكثر فقرا وهشاشة، حيث تمت تعبئة أزيد من 50 مليار درهم خلال سنتي 2008 و2009 في إطار صندوق المقاصة لدعم المواد الأساسية، كما تم العمل على تحسين جاذبية النسيج التعاوني وتثمين منتوجاته والرفع من جودتها، إضافة إلى سعي الحكومة لإعطاء دفعة جديدة وقوية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. السيد الرئيس المحترم؛ السيد الوزير الأول المحترم؛ السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛ السيدات والسادة النواب المحترمون. إن ما سجلناه من إيجابيات ينبغي تعزيزها وترسيخ مكاسبها لا يمكن أن يخفي عنا جوانب التقصير التي سجلناها بكل أمانة في العمل الحكومي، انطلاقا من منظورنا لرفع التحديات التي تواجه بلادنا في المجالات التالية: * تحدي تأهيل قوى الإنتاج الوطنية بهدف تقوية الأسس المادية لاقتصادنا وتحقيق نمو اقتصادي مرتفع ومستدام. * تحدي تشييد مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والتضامن، من خلال توزيع عادل للثروات بين الفئات والمجالات والأجيال، ومن خلال التصدي لمظاهر الإقصاء والفقر والهشاشة مع السعي إلى تحقيق المساواة بين الأفراد وبين الجنسين؛ * إحقاق المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي أضحى يحظى بإجماع الأمة المغربية، وضمان تفتح الشخصية والهوية المغربية من خلال التفاعل الإيجابي مع القيم التنويرية الكونية. إننا نعتقد في فريقنا، فريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية، بأنه مهما بلغت هذه التحديات من كبر، فإن بلادنا قادرة على رفعها وتحديها. ومصدر تفاؤلنا بهذا الشأن هو الإمكانية التي يمكن للقوى التقدمية والديمقراطية أن تلعبها في هذه اللحظة التاريخية الدقيقة. ذلك أن المناخ السياسي انطلاقا من الوصف الذي سبق وقمنا به، أصبح يوفر كل الشروط الموضوعية والكثير من الشروط الذاتية لهذه القوى كي تستعيد، كما كانت عبر التاريخ المعاصر لبلادنا، موقع المبادرة السياسية، وإحداث شحنة قوية في شرايين المجتمع، لإعادة بناء المشروع السياسي المجتمعي الديمقراطي الحداثي، بناء على استيعاب التحولات السوسيوثقافية التي عرفها المجتمع المغربي، والتحولات السياسية والفكرية التي شهدها العالم خلال الربع الأخير من القرن الماضي. إن من أبرز هذه التحولات تلك التي بدأتم بالإشارة إليها، السيد الوزير الأول، في تصريحكم الحكومي هذا. ويتعلق الأمر بما عرفه العالم خلال السنتين الأخيرتين من ظرفية اقتصادية استثنائية تمثلت في أزمة الغذاء، وأزمة البترول، والأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وما كان لها من تداعيات على بلادنا. لقد أبرزت هذه الأزمة وجاهة رأينا لدور الدولة الذي ينبغي النظر إليه من زاوية الفعالية الاقتصادية وتحقيق النماء الاقتصادي والتكامل بين القطاع العمومي والقطاع الخصوصي، كما أبرزت وجاهة نظرتنا لنماذج التنمية المبنية فقط على الطلب الخارجي، على اعتبار أن هذه النماذج تعرض اقتصادات الدول المعتمدة عليها إلى صدمات خارجية دون التوفر على قدرة التحكم في انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية. فأنتم تعتبرون عن حق، السيد الوزير الأول، بأن الحكومة بادرت إلى التدبير الاستباقي لتداعيات الأزمة العالمية، حيث أكدتم في معرض حديثكم عنها بأن المغرب، بفضل دينامية الإصلاحات الهيكلية التي يباشرها، قد تمكن من مواجهة تداعيات هذه الأزمة باعتماده منهجية تتجاوز المعالجة الظرفية الاستعجالية إلى الاستباقية والتدبير الاستراتيجي الهيكلي. والحقيقة أن الحكومة ظلت تنكر تداعيات هذه الأزمة على بلادنا، ورغم التنبيهات التي قمنا بها خلال مناقشة مشاريع قوانين المالية السابقة، ومن خلال المناقشة في اللجان وطرح الأسئلة الشفهية، فإن الحكومة ممثلة في السيد وزير المالية ظلت تتغاضى عن ضرورة مواجهة هذه الانعكاسات، حتى أصبحت هذه الأخيرة واقعا معاشا لا يرتفع، ولا يمكن لأي كان أن ينكر وجوده. هكذا، وكما وسبق أن نبهنا لذلك، انعكست آثار الأزمة العالمية على المغرب من خلال أربع قنوات، ترتبط بانكماش الطلب الخارجي على المنتوجات المغربية، وبانخفاض عائدات القطاع السياحي وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إضافة إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وعلى الرغم من قدرة الاقتصاد الوطني إجمالا على مجابهة هذه الآثار نتيجة سنة فلاحية استثنائية بفعل التساقطات المطرية لموسم 2009، والتي لعبت دور أساسيا في تخفيف آثار الأزمة، فإن مظاهر الأزمة، رغم ضعف الارتباط بالاقتصاد العالمي، قد تجلت واضحة من خلال انخفاض نسبة النمو للإنتاج الداخلي الخام غير الفلاحي، وتراجع التوازنات الخارجية ومداخيل الميزانية العمومية، وانخفاض تمويل الاقتصاد ابتداء من سنة 2008، وتراجع أداء بورصة القيم بالدار البيضاء، مع ما لكل ذلك من انعكاسات على المستوى الاجتماعي، الذي سنعود لتقدير عجزه في ما بعد. في هذا السياق تفاعلت الحكومة مع الوضع الجديد من خلال بعض الإجراءات والتدابير لدعم ومساندة القطاعات التصديرية المتضررة للحفاظ على مناصب الشغل، وفق مقاربة تشاركية بين القطاعين العام والخاص، حيث تم التدخل لمساعدة بعض القطاعات الأكثر تعرضا للأزمة، وبالأخص قطاع النسيج والملابس والجلد ومعدات السيارات. وشمل هذا المخطط عدة محاور، تحملت الدولة مساهمة أرباب العمل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة للمقاولات المصدرة، مقابل الالتزام بعدم تسريح العمال، وإرساء ميكانيزمات الضمان بالنسبة للصندوق المركزي للضمان بالنسبة للمقاولات المصدرة، مع تحمل الدولة ل 80% من مصاريف المهام التجارية لتنويع المنافذ والأسواق. والصراحة، السيد الوزير الأول، مازالت فعالية هذا المخطط محدودة نوعا ما، حيث أن المقاولات المصدرة، وبالأخص في قطاع النسيج والملابس، استفادت من تحمل الدولة للمساهمات التي أشرنا إليها دون الوفاء بعدم تسريح العمال أو عدم خفض أوقات العمل أو الضغط على الأجور، وهذا ما نلمسه من خلال ارتفاع الاحتجاجات والإضرابات الاجتماعية في العديد من الأحياء الصناعية التي أقفلت أغلب وحداتها. إن تنفيذ معظم هذه المحاور المالية والتجارية لمخطط الدولة في مواجهة الأزمة ظلت غير مفعلة، نظرا لموقف البنوك المتردد، وضعف دينامية المقاولات، كما بقيت بعض القطاعات التي مستها الأزمة غير مشمولة بهذا المخطط مثل قطاع السياحة والفلاحة التصديرية والبناء... إن أخطر ما يواجهه الاقتصاد الوطني اليوم، هو التطور المقلق لتداعيات هذه الأزمة، خصوصا باستفحالها في الاتحاد الأوربي، الشريك الأول للاقتصاد المغربي. إن ما حدث بالأمس حيث بلغ انخفاض سعر الأورو أدنى مستوياته خلال الأربع سنوات الأخيرة، مسجلا قيمة 1.22 دولار أمريكي، ليجعلنا نقلق على مستقبل هذا الاتحاد، الذي نفتخر بالوضع المتقدم الذي حققته بلادنا في شراكتها معه. وذلك دون التأكيد على الانعكاسات المباشرة لانخفاض سعر الأورو على عائدات الصادرات المغربية، وعلى حجم المديونية العمومية المقدرة في 75% منها بالدولار. السيد الرئيس المحترم، حضرات السيدات و السادة المحترمون؛ إن التأثير المحسوس للأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني، لا يمكن أن يحجب عنا التطورات المهمة التي شهدها خلال العقد الأخير، وذلك نتيجة مسلسل إصلاحات انخرطت فيها بلادنا مع حكومة التناوب الأولى سنة 1998، وهي الإصلاحات التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، خصوصا في ما يرتبط بسياسة الأوراش الكبرى وتوفير البنيات التحتية. لقد نجمت عن هذا الإصلاحات التي تتم مباشرتها بسياسة إرادية، ظرفية اقتصادية مشجعة ومحفزة لتدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة، وارتفاع عام في الاستثمارات العمومية، مما مكن اقتصادنا من التموقع في عتبة جديدة للتنمية. لقد تمكنت بلادنا في هذه الفترة من التحكم في التوازنات الماكر واقتصادية، وتجنب أي اٌنزلاق من شأنه أن يعيد المغرب إلى عهود يخشاها المغاربة الذين عانوا من تبعاتها. وإذا كنا لا ننكر أهمية وقيمة هذا الإنجاز، فإننا نتساءل عن الآليات التي ستعتمدها الحكومة لمواصلة هذه السياسة، خصوصا فيما يرتبط بحصر عجز الميزانية. وعلاقة بالإطار الماكر واقتصادي الذي تؤطره مشاريع قوانين المالية، نود التنبيه إلى رتابة بنية الميزانية وعدم تطورها. إن لهذه الرتابة تفسير واحد، هو حياد الميزانية وعدم اٌعتمادها للتأثير في الاقتصاد، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية. وفي هذا السياق، وفي ارتباط مع ضرورة إصلاح المالية العمومية، ذكرتم السيد الوزير الأول، بأن الحكومة ستقوم قريبا بتعديل القانون التنظيمي للمالية حتى يستجيب أكثر للمتغيرات الاقتصادية والمالية ورهانات التنمية. ولقد سبق لوزير الاقتصاد والمالية أن صرح عن اعتماد سنة 2010 كسنة لإصلاح القانون التنظيمي للمالية، بهدف الرفع من نجاعة تدبير الموارد العمومية وبرمجة النفقات مع تطوير افتحاص السياسات العمومية. وهو ما يجعلنا نتساءل عن قدرة الحكومة على الوفاء بوعدها، وفق مقاربة تشاركية، ما دام الأمر يتعلق بورش كبير إصلاحي ومهيكل؟ وفي السياق، إننا ندعو إلى إخضاع المؤسسات العمومية والجماعات المحلية للرقابة البرلمانية. وارتباطا بتطوير أداء الاقتصاد الوطني، والذي شمل حسب تصريحكم، المؤشرات الماكر واقتصادية، حيث ساعد بروز قطاعات جديدة على تنويع مصادر النمو، مما أسفر عن تحول نوعي في بنية الاقتصاد الوطني. والحقيقة، أن واقع التفكك القطاعي في السياسة الحكومية هي التي هيكلت التصريح بشكل جعلته أقرب إلى تقرير عن أنشطة الحكومة (Rapport d?activités)، إذ يصعب تلمس خيط رابط بين برامج القطاعات، بل مازال كل قطاع له رؤيته الخاصة دون إشراك البرلمان، واللجوء بذله إلى مكاتب الدراسات الأجنبية في الغالب، لتصوغ له مخططا أو إستراتيجية،حتى أصبح كل قطاع له رؤيته. إن تنمية المغرب هو شأن المغاربة ،ويجب توفير المناخ الملائم لتجنيدهم لهذه الغاية، بما يقتضه ذلك من إعادة توجيه السياسات القطاعية. وإذا كان الحيز الزمني لا يسمح بالتطرق لكل القطاعات الحيوية، فمخطط المغرب الأخضر الذي تعول عليه الحكومة للنهوض بقطاع الفلاحة وتقوية إنتاجيته، والذي يهدف إلى إحداث تطور نوعي في القطاع الفلاحي بوصفه دعامة رئيسية لتنمية شاملة ومندمجة وأساس الأمن الغذائي، على أهمية هذه الأهداف التي يسعى إليها، فنحن نعتقد بأنه غير متوازن لأنه يهتم بالدرجة الأولى بالفلاحة الموجهة للتصدير وأصحابها على حساب الاستغلاليات الصغيرة ومصالح الفلاحين الصغار، مما يجعل العالم القروي يسري بوثيرتين غير متناسقتين، وهذا يمثل خطرا على الاستقرار الاجتماعي والاستقرار السياسي بالتالي. وانطلاقا من هذه القناعة، فإننا نشجع ما تفضلتم به في تصريحكم، والذي أشرتم فيه إلى أنه بفضل كل هذه المجهودات المبذولة لتنويع اقتصادنا والرفع من جاذبيته، تم إحداث أقطاب تنموية صناعية وفلاحية وخدماتية مندمجة، ترتكز على حكامة ترابية أكثر نجاعة وأفضل تناسقا على الصعيدين المحلي والوطني، تمهيدا لمشروع الجهوية الموسعة التي نادى بها صاحب الجلالة أيده الله ونصره. السيد الرئيس المحترم؛ السيد الوزير الأول المحترم؛ السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛ السيدات والسادة النواب المحترمون. الأكيد أن التنمية المستدامة، لا يمكن أن تقوم إلا بالتوفيق بين الاحتياجات الاجتماعية وتحقيق نمو اٌقتصادي قوي ومستديم. إذ لا يمكن تحقيق الإقلاع الاقتصادي دون تدارك العجز الحاصل في القطاعات الاجتماعية. كما أنه لا يمكن أيضا، تحسين عيش المواطن إلا بالزيادة في الثروات الوطنية بنسبة تفوق نسبة النمو الديمغرافي وتشجيع الأشغال الكبرى الجماعتية والشعبية، لأنها من جهة ستخلق الثروات وتدر الدخل على السكان، ومن جهة ثانية ستساهم في المجهود التجهيزي للبلاد، مع الاستمرار في مواصلة الأشغال الكبرى، وتنمية الاستهلاك الداخلي والتركيز أكثر على العالم القروي. فعلى المستوى الاجتماعي وبالرغم من المجهودات المبذولة، لا يزال المغرب يعاني من أشكال عجز ثقيلة تعوق مساره التنموي. حيث أدت انعكاسات الوضعية المالية العالمية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى استفحال وضعية الضعف والهشاشة. فعلى مستوى التربية والتعليم، ورغم التقدم الملموس على مستوى التمدرس، نحن نسجل عدة ملاحظات من أهمها عدم الاعتناء الكافي بالتكوين، وتكوين المكونين أساسا، لأن عدد الأساتذة لا يكفي لتغطية الخصاص التعليمي المهول في العديد من مناطق البلاد، إضافة إلى غياب عنصر الجودة. كما تستغرب تعاطيكم غير الكافي مع التعليم العالي رغم ما يشكله بالنسبة للبلاد من أهمية بالنظر لكونه هو الذي يصنع الثروة البشرية الوطنية الكفيلة برفع تحديات المستقبل.++ إنها عناصر تحد، السيد الوزير الأول، من القيمة المضافة للتعليم العمومي وتحول دون بلوغ الأهداف المرسومة رغم ما يبذل في هذا القطاع. إذ ما زالت هناك عدة اختلالات وظيفية قوية ومستمرة في منظومتنا التربوية: كالهدر المدرسي، والتكرار، والمشاكل ذات الصلة بجودة التعليم والاكتظاظ في الأقسام، وتغيب المدرسين في العالم القروي، حيث عجز البرنامج ألاستعجالي عن مواجهة هذه المشاكل بالرغم من كل الأموال التي رصدت له بقدر لم يسبق له مثيل. كما ندعوكم، السيد الوزير الأول، إلى الانكباب باهتمام أكثر على الإشكاليات التي تعاني منها صناديق التقاعد الوطنية، وننبهكم إلى التهديد التي تشكله أوضاعها المستقبلية على استقرار أوضاعنا الاجتماعية. أما على مستوى الصحة، وبالرغم من الجهود المبذولة، فإن التأخرات لا تزال مستمرة في مجال الصحة. إذ لابد من التذكير بأن أعظم وأكبر مشروع في ميدان الصحة هو مشروع التغطية الصحية الذي وضعته حكومة التناوب وتمت المصادقة عليه من طرف البرلمان سنة 2002 ثم صدرت المراسيم المتعلقة بتطبيقه سنة 2005، إلا أن تطبيقه عرف تعثرات عديدة حيث مازال لا يستفيد من هذا النظام إلا الأجراء بالأساس، ومازال أكثر من ثلثي المغاربة لا يتوفرون على تأمين صحي. فنحن لا نفهم لماذا تعثر نظام المساعدة الطبية الذي لم ينطلق إلا في آخر سنة 2008 على سبيل التجريب رغم أن القانون قد تمت الموافقة عليه سنة 2002؟ وإذا كنتم تتحدثون عن النتائج الهامة التي تم تحقيقها على مستوى تقليص عدد وفيات الأمهات، فنحن نتساءل كيف تم ذلك رغم أن تقرير اليونيسف لسنة 2009 قد تحدث عن احتلال المغرب للمرتبة 81 عالميا فيما يخص وفيات الأطفال دون السن الخامسة، بنسبة 34 حالة في الألف سنة 2007. وحسب نفس المصدر تتعرض 227 امرأة من بين 100 ألف للوفاة خلال فترة الحمل أو أثناء الوضع خلال مدة لا تتجاوز 42 يوما، في العالم القروي ، وينخفض المعدل في الوسط الحضري إلى 187. وعلى مستوى الفقر والهشاشة الاجتماعية، وخارج إطار النقاش حول دلالات الأرقام، لا بد من أن نشير إلى أن قرابة 6 ملايين مغربي يصنفون في وضعية هشاشة حادة، وقرابة 2,8 مليون نسمة يعيشون تحت عتبة الفقر، وتبقى الفوارق مستمرة بين العالم الحضري وعالم الأرياف وبين الجهات، كما أن فوارق الدخل ازدادت حدتها. في هذا السياق فأن أسئلة الحلول المؤقتة والإقصاء من الحصول على الخدمات العمومية الأساسية تبقى مطروحة بحدة خصوصا في العالم القروي. مما يطرح الحاجة إلى دعم الميزانية المخصصة لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن للتمكن من مجابهة العديد من التحديات التي تواجهها على مستوى تحقيق برنامجها الذي يهم كل فئات المجتمع من نساء، أطفال، شباب، نساء، رجال، مسنين، معاقين... وإذا كنا مثلكم، السيد الوزير، نشيد بالنتائج الإيجابية التي سجلتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث استطاعت إحداث أكثر من 18.500 مشروع، ساهمت في إدماج أو تأهيل أو الرفع من مستوى دخل أكثر من 6,4 مليون مستفيد في المناطق الأكثر فقرا، خاصة بالوسط القروي. ولا شك في أن نجاح هذا الورش الملكي في تعبئة الموارد واستقطاب الجهود، يعود بالأساس إلى توجهها التشاركي والتعاقدي مع كافة الفاعلين؛ من منتخبين محليين ومنظمات المجتمع المدني، وكذا القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية في إطار برنامج الالتقائية. غير أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ذاتها لازالت تواجه تعقيدات البيروقراطية وهيمنة السلطات المحلية على مراحل برامجها، بما لا ينسجم مع روح وفلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهو ما يؤدي إلى الحد من النتائج المتوخاة منها. إن الوعي بكون تقييم العمل الحكومي سيتم بالنظر أساسا إلى ما سيتم إنجازه في محاربة البطالة، يقتضي اٌبتداع حلول جديدة لمعالجة هذه الآفة المقلقة. والحقيقة، وإن كنا نعلم أن لا أحد يملك عصا سحرية للقضاء عليها، فإن التدابير الواردة في التصريح لا تخرج عن دائرة المألوف، ولم نلمس فيها ما يتماشى ووضع قضية التشغيل المنتج على رأس الأولويات المسطرة. بحيث أن جعل التشغيل هدفا أفقيا لمختلف السياسات القطاعية والإستراتيجيات التنموية، والمراهنة على كل التدابير التي ذكرها التصريح من أجل الزيادة في معدل النمو المنتج لفرص الشغل، لا تبرز العناية الضرورية بهذا الملف. والدليل أن الأرقام التي ذكرها التصريح كمعدلات للبطالة ارتفعت، حيث تجاوزت عتبة 10% حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط الخاصة بالربع الأول من سنة 2010. واسمحوا لي قبل أن اختم هذا المحور لإثارة بعض القضايا المتعلقة بجاليتنا بالخارج، وهنا لابد أن نشيد بالعمل التواصلي الذي يقوم السيد الوزير المكلف بهذا القطاع، ونتطلع إلى تفعيل مضامين صاحب الجلالة بتاريخ 6 نوفمبر 2005، والرامي إلى تخويل مواطنينا بالخارج حق التصويت والترشيح لكل المؤسسات التمثلية الوطنية. السيد الرئيس المحترم، السيد الوزير الأول المحترم، السيدات و السادة الوزراء المحترمون، السيدات و السادة النواب المحترمون، لقد سجلنا التزام الحكومة باعتماد الحكامة الجيدة مدخلا رئيسيا لإقرار التنمية في بلادنا، بما أولته من عناية خاصة لتحسين الحكامة، حيث أكدتم أن الحكومة لم تتوان في محاربة الرشوة والفساد، وتخليق الحياة العامة، ودعم شفافية التدبير الاقتصادي، وتحسين مناخ الأعمال، وتقييم السياسات العمومية، ومراجعة نظام الرخص والامتيازات، ومحاربة المخدرات، وتخليق التدبير المحلي. وفي نفس السياق فقد سجلنا التزام الحكومة بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث تم إحراز تقدم في العديد من المجالات التي كانت موضوع توصيات الهيئة، خصوصا في مجالات جبر الضرر الجماعي والفردي. ولذلك السيد الوزير الأول، سوف لن نكون سوى مطمئنين على مصير باقي التوصيات، ومنها تلك المرتبطة بتعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان، ومواصلة الانضمام إلي اتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعزيز الحماية القانونية والقضائية لحقوق الإنسان، والتعزيز القانوني للحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتجريم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ووضع إستراتيجية لمكافحة الإفلات من العقاب... وارتباطا بممارسة الحريات فقد لعبت الصحافة أدوارا طلائعية في بناء المغرب الحديث وفي إقرار التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لذلك ومن أجل تعزيز هذه الحرية التي تعتبر ضمانة ممارسة باقي الحريات الأخرى، فإننا نحتاج إلى وقفة تأمل جماعية للتطلع إلى مسارات جديدة لوسائل الإعلام تساير الرهانات الكبرى، وتساهم إلى جانب الحريات السياسية والنقابية في التطور الديمقراطي الذي تعرفه بلادنا. إن من المداخل الأساسية لإصلاح أوضاع البلاد إصلاح القضاء، ليكون سلطة حقيقية مستقلة بكل مقوماتها الدستورية والقانونية والإدارية والمادية. إن هذا الأمر أصبح ضروريا وملحا ولا يقبل التأجيل في هذه المرحلة الراهنة، التي يواصل فيها المغرب بناء نظامه الديمقراطي والاندماج في محيطه الدولي، حيث تشكل نزاهة القضاء واستقلاليته ضمانة في صيانة الحقوق وعاملا حاسما في التنافسية. وإصلاح القضاء كما نتصوره عملية شمولية تقتضي إصلاح جهاز القضاء برمته، وجميع المهن المرتبطة به من قبيل مهن المحاماة والتوثيق والخبرة، وذلك بهدف تأهيل النظام القضائي الوطني وتحديثه وجعله في خدمة التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي وتعزيز دولة الحق والقانون. وفي نفس الاتجاه، فإن التطلع إلى الانتقال من إدارة تبني شرعيتها على امتيازات السلطة إلى إدارة مواطنة وخدومة، مرتبط بمدى التزام الإدارة المغربية باحترام القانون والحريات الفردية وبمدى مساهمتها في دمقرطة المجتمع وضمان مساواة المواطنين أمام القانون. بما يقتضيه ذلك، من إرساء لثقافة إدارية جديدة مبنية على علاقات أساسها الشفافية والمسؤولية والمحاسبة. والمهم لدينا أن تصب جميع هذه الأوراش الإصلاحية المهيكلة في جعل المغرب قويا سياسيا واقتصاديا ومتماسكا اجتماعيا ومتنوعا ثقافيا، مغربا وازنا وفاعلا على المستوى الإقليمي والجهوي وعلى المستوى العربي والإفريقي ويتمتع بالتقدير على المستوى الدولي. وبالطبع أن ذلك لن يتأتى إلا والمغرب يسير بخطى ثابتة نحو دولة حديثة وديمقراطية مبنية على المبادئ والقيم الديمقراطية وعلى مبادئ حقوق الإنسان في شموليتها. وفي هذا السياق لا يفوتنا أن ننوه بمجهود الحكومة للتطوير أسس الحكامة الأمنية، حيث تستمر الحكومة في أجرأة المخطط الخماسي الذي يمتد إلى سنة 2012، والذي يهدف إلى تعزيز القدرات العملية لكافة المتدخلين في الشأن الأمني ومحاربة الإجرام، وتوسيع التغطية الأمنية، ودعم الوسائل البشرية والمادية لتمكينها من القيام بكل واجباتها، فضلا عن النهوض بأحوالها الاجتماعية. كما ننوه بجعل المسألة الدينية من أسبقيات العمل الحكومي، حيث تعمل الحكومة على تحصين الهوية الدينية للمغاربة، وتقوية حس الانتماء والمحافظة على الهوية والإنسية المغربية بمختلف روافدها الثقافية والتراثية. إننا نؤمن بأن المغرب موحد بتعدد ثقافته وغناها، فالمغاربة يدينون بالإسلام دين التسامح و التفتح، والدين الإسلامي هو مكون أساسي لهويتنا الحضارية والثقافية، وهو ملك لكل المغاربة ولذلك لا ينبغي التفكير في احتكاره وتوظيفه لأغراض سياسية. وفي هذا السياق لا بد من رد الاعتبار للثقافة والإيمان بدورها الموجه والمنتج، إذ نحمد الله على كون بلادنا كانت وستظل بلدا للتنوع والتفاعل الخلاق بين الثقافة الإسلامية واللغة العربية وبين الثقافة واللغة الأمازيغية في أفق منفتح على الثقافات المجاورة ذات البعد الإفريقي والمتوسطي. السيد الرئيس المحترم؛ السيد الوزير الأول المحترم؛ السيدات و السادة الوزراء المحترمون؛ السيدات و السادة النواب المحترمون. لا يفوتنا بهذه المناسبة، في الختام، أن نؤكد من جديد، إذا كان الأمر يحتاج إلى تأكيد، على اٌهتمامنا الراسخ بقضيتنا الأولى، قضية وحدتنا الترابية، وتتبعنا الحذر لكل مستجداتها، وعلى تجندنا الدائم وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، في الدفاع عن قضيتنا العادلة. ولا يسعنا كذلك، أن نذكر، في نفس السياق، بحق بلادنا الثابت في الأراضي المحتلة بكل من سبتة ومليلية والجزر المجاورة. كما لا تفوتنا بهذه المناسبة، دون أن نشيد بالدور الوطني الهائل وبالتضحيات الجسام التي يقدمها أفراد قواتنا المسلحة الملكية ورجال الدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة في الدود عن وحدة المغرب وسيادته، وأن ننحني اٌنحناءة خشوع وإكبار أمام أرواح شهداء الوحدة الترابية الأبرار. وفقنا الله لما فيه خير البلاد وشكرا على انتباهكم.