اختلف المشاركون في ندوة حول «عقوبة الاعدام» نظمها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يومي 11 و 12 أكتوبر بالرباط. وذهب المناهضون لهذه العقوبة إلى القول بأنها ضد حرية وكرامة الإنسان بل إنها ضد الحق في الحياة الذي يعتبر أسمى حقوق الإنسان، مبررين أن تطبيق هذه العقوبة في بعض البلدان يتخذ طابعا عنصريا، حيث غالباً ما تمس فئات إثنية بعينها أو المهاجرين والأجانب كما أشار إلى ذلك ادريس اليزمي. وأكد المنادون بإلغاء عقوبة الإعدام في هذه الندوة أن تحقيق العدالة داخل المجتمع لايمكن أن يتحقق بتطبيق عقوبة الإعدام وإنما بإصلاحات وتدابير هيكلية تهم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية ملحين على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار السياق العام والتحولات العميقة التي يعرفها المجتمع، حيث لايمكن اغتصاب الذي يقوم بعملية الاغتصاب وسرقة الذي يقوم بالسرقة، وأيضا لايمكن قتل الذي يقوم بعملية القتل. وذهب المدافعون عن إبقاء عقوبة الإعدام إلى القول بأن ذلك ضروري ومفيد وخلاص للمجتمع وللمجرم نفسه من ورم خبيث،خصوصاً في حالات القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، مطالبين بإصلاحات على مستوى المنظومة الجنائية لحصر الجرائم التي يتم الحكم فيها بالإعدام. وقد أبرزت السيدة سيسيل تيمورو مديرة منظمة «جميعاً من أجل إلغاء هذه عقوبة الإعدام» أن التوجه العام في العالم يسير نحو إلغاء هذه العقوبة أو إيقاف تنفيذها كما هو الحال في المغرب الذي اعتبرته من الدول التي ألغت العقوبة عمليا، ويتطلب القيام بمجهود لإلغائها قانونيا، مؤكدة أن هذا البلد المسلم يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به في هذا المجال. وأوضحت تيمورو أن الوضعية المتعلقة بعقوبة الإعدام في العالم خلال سنة 1978 كانت تتميز بوجود 19 دولة لاتعمل بعقوبة الاعدام ، و22 دولة توقف تنفيذها و311 دولة تطبقها، وأصبحت هذه الوضعية في سنة 2008 تتسم بوجود 94 دولة ألغت عقوبة الإعدام في جميع الجرائم، و41 دولة لاتطبقها واستمرار 54 دولة في العمل بها.. وقال الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي إن العمل بالإعدام كعقوبة لوحظ منذ الحضارات القديمة كالفرعونية والبابلية والإغريقية واليونانية، بناء على معتقدات مختلفة تدخل ضمنها الديانات السماوية، مبرزا، بخصوص الإسلام، أن القرآن يحصر نطاق العقوبة في البغي والقتل العمد، على وجه القصاص في الحالة الأخيرة، وأضافت السنة الردة والزنى بعد الإحصان، ويشترط تطبيق الإعدام دائما توفر شروط جدية تضيق من إمكانية إجرائه،وهو الأمر الذي ذهب إليه الأستاذ أحمد عبادي حينما تناول موضوع عقوبة الإعدام في الفقه الإسلامي، حيث حصرها في ست حالات الردة وزنا المحصن والقتل العمد والحرابة والجاسوسية والقتل الخطإ، يصعب فيها التنفيذ لأنها تخضع للتقييد أو المرونة أو التغيير والاستبدال. ووقف المشيشي عند استحالة اعتماد الإعدام كعقوبة على مستوى المبادئ العامة أو المشتركة بين علم الإجرام والقانون الجنائي والعلوم المتداخلة معهما. وأوضح أن مسألة قبول عقوبة الإعدام في المنظومة الجنائية كانت محل خلاف ونقاش أزلي وكوني شامل في الزمان والمكان والنطاق، مبرزا أنه منذ فجر القرن العشرين سجلت هيمنة خط عام نحو الإلغاء في كثير من الدول، بالرغم من غياب الحجة القطعية أو الحاسمة بين دعاة الإلغاء والمدافعين عن الاستمرار في التكريس. ولاحظ الاستاذ الإدريسي عدم تجانس التركيبة اللغوية لعبارة «عقوبة الإعدام»، موضحا أن العقوبة تقتضي بقاء الشخص المعاقب حيا ليشعر بالألم وليربط بينه وبين السلوك الإجرامي ومسؤوليته عنه. وانتهى الى القول بأن مفهوم الإعدام لايتطابق مع مفهوم العقوبة كمؤسسة قانونية ولا معنوية ولا أخلاقية. وفي خلاصة عرضه، قال الأستاذ العلمي المشيشي إن استبعاد الإعدام على وجه العقوبة وعلى وجه العلاج تظل قائمة في جميع التوجهات التي نهجها علم الإجرام، وتؤكد في جميع الأحوال أن الموقف الذي يتأسس عليه في أي تشريع وضعي لايرتكز على أساس علمي وإنما على ظروف أو معطيات سياسية خاصة بكل دولة.