جدول أعمال هذه المرحلة يتضمن قضية جديدة هذه المرة تتعلق بما ينشره موقع ويكيليكس من وثائق هامة وما تتضمنه من معلومات ومعطيات وضعت العلاقات الدولية على صفيح ساخن، هكذا يقع التداول على جدول أعمال انشغالات الرأي العام الدولي بشكل لا يمكن أن يكون اعتباطيا وتلقائيا. نتذكر أن قضايا أسالت كثيرا من الحبر وشدت إليها اهتمامات الرأي العام الدولي في العالم بأسره، وبعضها شد أنفاس الناس بالنظر إلى الخطورة التي قدم بها، وبعد أن راكمت الشركات العملاقة الأرباح الطائلة، وبعدما تيقن أصحاب القرار أن القضية أدت دورها واستنفدت أغراضها عادوا بنا إلى شواطئ الأمان في انتظار إلقاء عود ثقاب آخر مشتعل على أكوام تبن قضايانا المتراكمة. قد تكون ظاهرة ويكيليكس متمردة عن كل هذه السياقات وأنها جاءت في إطار سياق معاكس قد يؤشر على بداية فعلية لتغيير معالم التحكم في الرأي العام وإحكام القبضة على المعلومة، ولكن مع ذلك يجب أن نسجل أنها قضية ملأت انشغالات الرأي العام الدولي، وأضحى كل شخص ينتظر كل صباح قبل أو بعد تناول فطوره ما يسد به موقع ويكيليكس رمقه. ما الذي يحدث إذن، ولماذا كل هذه الهزات التي لا يمكن الاقتناع بأن شخصاً واحداً ولو كان سويديا قادراً على إحداثها بكل هذه القوة والعنف؟ لابد أن هناك من بداية ، ولابد للقضية من نهاية، ولابد أن هناك تفسيرات لكل هذا الذي يحدث. بداية لابد من الإقرار بأن ظاهرة ويكيليكس تؤشر على مرحلة جديدة توازي التحولات التكنولوجية الهائلة الحاصلة في مجال المعلومات، ونكاد نرى أنه لأول مرة يحدث انفلات معلوماتي بهذا الحجم في عالم الغرب المنتج لهذه التحولات، إذ كان هناك نوع من التواطؤ بهدف التستر على بعض المعلومات التي تهم حياة الانسان، وكان ولايزال القانون الوضعي يجد ألف تفسير وتبرير لهذا التواطؤ، ولعل هذا ما يفسر عدم وضع كثير من الأحداث في سياقاتها الطبيعية التي تنتج فهما كاملا ومقنعا، ويكيليكس يؤشر على نهاية هذا التواطؤ، ويؤكد أنه لم يعد بالإمكان نهائيا حجب المعلومة وإن اكتست صفة الاستثنائية، ظاهرة ويكيليكس تقدم نموذجا جديدا للعالم وللعلاقات الدولية السائدة في العالم، يستند إلى أن الرأي العام يجب أن يطلع على كل كبيرة وصغيرة ويتداول فيها. هل تقبل الغرب الذي يستعرض علينا يوميا عضلاته في مجال الممارسة الديمقراطية هذا السلوك الجديد، سلوك مدني سلمي ينسجم مع عمق الشعارات التي يرفعها هذا الغرب؟ الجواب طبعا سلبي للغاية، بل إن ردة فعل هذا الغرب اتسمت بكثير من الإنفعال والعنف، وهذا ما يبرر الإسراع نحو تجهيز ملف قضائي بشكل غير محجوب بحث في ماضي الحياة الخاصة، وبحث عن اعتقال المتسبب في هذا الانقلاب بتهمة الإغتصاب، وهو سلوك اعتدناه بطبيعة الحال في أنظمة سياسية شمولية لا تجد أي حرج في إلباس قضايا السياسة بقضايا الحق العام. ويمكن القول: إن هذا الغرب اجتاز امتحانا صعبا خسره بامتياز، ويصعب أن نصدق بعد الآن أن هذا الغرب بمنظماته وهيآته وحكوماته غيور على مصير الحريات العامة في أقطارنا. مع كل ذلك ، لا أعتقد أن قضايا بهذه الأهمية تفرعت عما أقدم عليه موقع ويكيليكس قادرة على أن تحجب علينا الوجه الآخر من الظاهرة، وإن كنا نقبل به ونستسلم له، إلا أن كشف النقاب عنه يبقى ضروريا لتكوين قناعة أقرب ما تكون إلى الحقيقة. فهل نقبل بكل هذه البساطة، وحتى السذاجة أن شخصا أو حتى مجموعة أشخاص نجحت نتيجة جهودها الخاصة في إفراغ الخارجية الأمريكية من جميع أسرارها ونشرها على العموم؟ الأمر لا يتعلق بخبر أو معلومة أو برقية، بل إننا أمام سيل جارف من الوثائق يعد بالملايين، وكلها تتضمن معلومات سرية جدا في غاية الأهمية. المنطق يقول إن هذه العملية الضخمة يتطلب القيام بها وإنجازها جحافل من العاملين وإمكانيات لوجستيكية ومالية ضخمة جدا. ولا يمكن أن يقبل العقل الانساني أن شخصاً أو مجموعة أشخاص توفقت، في إنجاز هذه العملية في ظرف وجيز. إنني أميل إلى الاعتقاد أن الرأي العام الدولي استفاد من احتدام الحسابات الأمريكية - الأمريكية الداخلية، ذلك أن جهة أمريكية نافذة جدا عملت بجهد وتفان من أجل وضع الإدارة الأمريكية في وضع حرج جدا بما يمكن من إضعاف موقف الرئيس أوباما قبل سنتين من الانتخابات الرئيسية، ومن الطبيعي أن تجد هذه الجهة من ينفذ. bakkali _alam @ hotmail.com