إلتقط الرأي العام الوطني بما يجب من أهمية تصريحات السيد وزير الداخلية أمام لجنة الداخلية لمجلس المستشارين في بحر الأسبوع الماضي والتي أكد فيها أن سنة 2011 ستخصص لمناقشة مشاريع القوانين المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية المزمع تنظيمها خلال الربع الأخير من سنة 2012. وإن كنا نحبذ أن يجري هذا الاشتغال خلال هذه السنة لتوفير مايكفي من الوقت لضمان جودة الاشتغال على جميع القضايا المتعلقة بالانتخابات من تقطيع ولوائح ونمط اقتراع وغيرها كثير، وكان مفيدا للغاية لو أننا تمكنا من أن نطوي كثيرا من هذه الملفات لنتفرغ لما قد يكون تبقى، وهي تحظى بأهمية بالغة جدا لدى الرأي العام الوطني. ومع كل ذلك يمكن التوقف عند تصريحات السيد وزير الداخلية وتسجيل أهميتها البالغة، إذ لاشيء يمكن أن يقلل من أهميتها. إن الحديث عن القضايا المتفرعة عن الملف الانتخابي تحتم علينا أن نعيد التأكيد على الثوابت التي تركز عليها القوى السياسية الوطنية الحقيقية التي يمكن القول الآن إن أية محاولة لتجاوزها أو القفز عليها أو الالتفاف عليها ستفرغ العملية الانتخابية برمتها. لايخفى أن معطيات كثيرة سادت خلال المرحلة الماضية دفعت فئات كثيرة من الشعب ومكونات متعددة من المشهد السياسي إلى التخوف من أن تفضي تلك المعطيات إلى تسجيل أي نوع من أنواع التراجع، فلقد سجل العالم بمداد الفخر كيف أن بلادنا قطعت أشواطا بعيدة في مسارها الشاق نحو تنزيه عمليته الانتخابية وتحصينها بجميع شروط المصداقية والشرعية، خصوصا منذ أن تحمل جلالة الملك محمد السادس نصره الله سدة الحكم قبل 11 سنة، ونسجل أن جميع الانتخابات التي جرت في عهد جلالته لم تكن موضوع أي طعن من طرف الفرقاء السياسيين، نعم كانت هناك مؤاخذات وانتقادات تتعلق باستعمال المال، لكن الانتخابات في عمقها ظلت محصنة، ومن حق المغاربة أن يحلموا ويتطلعوا بل ويصروا على أن نزيد في قطع الأشواط الجديدة نحو تحقيق تنزيه كامل للعملية الانتخابية، ولذلك يتخوف المغاربة من أن تسجل أية تراجعات تمثل انتكاسة لاقدر الله إن أي حديث عن الاشتغال على ملف الانتخابات الذي يتطلع المغاربة إلى أن ينجح جميع الفرقاء السياسيين في توفير شروط تميز هذا الاشتغال بالشمولية ، لابد أن ينطلق من مسلمتين ثابتتين تمثلان الركيزة في تحديد طبيعة الإرادة التي ستحصن العملية الانتخابية برمتها، ونكاد نقول بأن لكل إرادة خصوصيتها وتقنية تصريفها، ولن يكون كافيا الاطمئنان الى قوانين انتخابية جيدة تترك على الرفوف بينما تجد الأيادي العابثة بإرادة المواطنين نفسها طيعة تعيث فسادا كما تريد في الاستحقاقات الانتخابية. ولتفسير الإشكالية أكثر فإننا نؤكد أن تحديد نمط الاقتراع مثلا مهما كان جيدا ومثاليا فإنه لن يكون حاسما في إضفاء الشرعية والنزاهة على العملية الانتخابية، إذ لكل نمط اقتراع سلبياته وإيجابياته، كما أن الاتفاق على تقطيع انتخابي لن يكون قادرا على دفع الناس الى الاطمئنان، فجميع أجزاء العملية الانتخابية نسبية وتفتقد بحكم المنطق الى الاطلاقية، لذلك لابد القول الآن إنه لابد من مناقشة جميع القضايا المرتبطة بنمط الاقتراع والتقطيع واللوائح وغيرها، والاتفاق على أجود الصيغ، لكن ذلك لن يكون كافيا، بل لابد من توفر شرطين أساسيين، أولا، لابد من ضمان حياد حقيقي إيجابي للإدارة حتى لا نقول السلطة، ومن الطبيعي أن يتعمق هاجس المغاربة بهذه القضية الآن بعدما عاينوه خلال المرحلة الماضية وما زالوا يرونه إلى الآن، وثانيا لابد من ضمان حصانة حقيقية للانتخابات من عبث المال حلاله وحرامه، الذي يشوه العملية الانتخابية برمتها، لذلك نقول يجب أن يكون حياد الإدارة إيجابيا، فالحياد لا يعني أن تستقيل الأجهزة عن القيام بدورها ووظيفتها في إطار القوانين. نحن لا نبادر إلى إصدار الأحكام الجاهزة، ولكن نحن بصدد التفكير بصوت مرتفع، ونحن بذلك نعبر عن مخاوف موجودة فعلا.