خمسون درهما أو سبعون في أحسن الأحوال، هذا تماماً ما تحصل عليه عاملات الفلاحة بآزمور من خلال اشتغالهن في المزارع والحقول، ، لكسب أجر يوم لا يزيد عن قيمة «سندويتش» عند البعض، قد يشتغلن يوما أو ثلاثة أيام متواصلة ويتعطلن أسبوعا أو يزيد حسب ظروف العمل في الضيعة، يتخبطن في مشاكل مادية عويصة، همهن المشترك هو الحصول على لقمة العيش.. نساء مكافحات يتعبن في صمت، فهن غير منتظمات في أي جمعية،ولا ينتمين لنقابة أو اتحاد، ولا يتمتعن بالحقوق التي ينص عليها قانون الشغل، إنهن فتيات في مقتبل العمر وأرامل ومطلقات من مدينة ازمور، يحملن زادهن وأدوات عملهن الى الحقول والضيعات الفلاحية، يخفين رؤوسهن ووجوههن، حتى لا يتعرف عليهن احد، ولئلا يتعرضن للتحرش ، قد يجدن من يشتغلن عنده في ضيعته، فتظفرن بيوم عمل أو يعدن لبيوتهن خائبات، العلم استطلعت أحوالهن وما يعانينه في عملهن اليومي فكان هذا الاستطلاع. بؤس وقدرة على التحمل يلاحظ كل متتبع لوضع المرأة بازمور تزايدا ملحوظا في عمالة الفتيات والنساء تشهده المدينة، وأنهن اقتحمن معظم مجالات العمل وميادينه، في الزراعية والصناعة والتجارة في مسعى سد حاجاتهن وتحسين المستوى المعيشي لأسرهن، لذلك فهن يقاسين بالحقول والضيعات الفلاحية في مدينة ازمور و مناطق الولجة، أولاد سيدي فارس، العصرية، اثنين شتوكة والجديدة، أشكالا وأنواعا من التعسف وهضم الحقوق، ويتعرضن فوق ذلك للتحرش الجنسي في صمت من قبل المشغل والعاملين معهن في نفس الضيعة ومن طرف المسؤول عن العاملات «الكبران»، ، فعمل النساء في الضيعات والحقول الفلاحية يعود أساسا إلى الظروف الصعبة التي تعيشها الكثير من العائلات بازمور ونواحيها، و الأجور التي يتقاضينها ضعيفة، ولا توفر الحاجيات الضرورية لهن ولأسرهن، ومع ذلك يخرجن باكرا كل يوم بهدف العمل، يتكدسن داخل سيارات «البيكوب» أو على جرار إلى الضيعات الفلاحية.. تقول عاملة رفضت الكشف عن اسمها وسنها إنها وجدت نفسها مضطرة للعمل في الضيعات الفلاحية، مقابل أجر يومي جد قليل لمساعدة أسرتها على تأمين احتياجاتها والمكونة من ثمانية أفراد، موضحة أنها تكدح نحو عشر ساعات يوميا مقابل خمسين درهما، ومع ذلك فهي تشكل رافدا أساسيا لأسرتها سيما وأن دخل والدها غير القار في الصباغة أو بالأحرى «الجيارة» لايسمن ولا يغني من جوع، وتضيف إن وضع الكثير من الأسر الازمورية المادي متدهور وتضطر الأمهات إلى الانخراط في العمل الزراعي، أو حتى بيع بعض المنتوجات الزراعية على الأرصفة، فظروف عمل هؤلاء النسوة لايمكن وصفها إلا ب»المأساوية» في ظل غياب أي حق سواء من ناحية التأمين الصحي، أو الضمان الاجتماعي، أو حتى وجود حد أدنى للأجر الذي يتحكم به أصحاب العمل. «كبرانات» الضيعات أشباح تفزع عاملات الفلاحة في تمام الساعة السادسة صباحا كانت وجهتنا إلى محطة البنزين بمنطقة مسور راسو بمدينة ازمور، التي تشبه سوقا تعرض فيه اليد العاملة، ليأتي المشرفون على الضيعات لاختيار عدد العاملات والعاملين الذي يرغبون فيه، أغلب النسوة تحاشين الحديث معنا حينما علمن بالمهمة الصحافية التي جئنا من اجلها لأنهن يخشين ما قد يكون سببا في طردهن من العمل، وبعد عدة محاولات استطعنا أن نقنع بعضا منهن بالحديث معنا، سألنا إحداهن لم نستطع تحديد سنها لأنها كما الأخريات تغطي وجهها، كم مضى عليك من السنوات في هذا العمل أجابت ضاحكة، عشر سنوات ولم أستفد شيئا غير المرض، الحقوق مهضومة والسب والشتم والنعت بأقبح الصفات هو رد فعل « الكبران» على كل تقصير في العمل، والنتيجة إني لا أملك أي وثيقة أو شهادة ضمان اجتماعي ولا أي شيء غير البؤس، و انطلقت تسرد لنا معاناتها من حمل الصناديق التي تملأ باللوبية أو البدنجان والفلفل هذه الأيام، وقالت « الكابران » لا يفهم إلا لغة السب، و الإسراع في العمل، أما التحرش فحدث ولا حرج، وتحكي أخرى يبدو من حديثها معنا أنها لازالت في ريعان شبابها فتقول عن أسباب لجوئها لهذا العمل أن والدها لم يعد يقوى على العمل كبناء في ورشات البناء بمدينة ازمور، فاضطرت للعمل لإعالة نفسها ومساعدة أسرتها على ما تحتاج إليه، تقاطعها زميلة قائلة لا نجني من هذا العمل سوى الشعور بالقهر والظلم وتابعت إنها الظروف القاسية التي دفعتنا لهذا العمل، فمنذ أن كنت طفلة في سن العاشرة وأنا أعمل في الحقول والضيعات الفلاحية، ولكن الحمد لله على أي حال نحن صابرات الى أن يأتي الفرج من عنده سبحانه وتعالى أو ربما يأتي الفرج من ولد الناس الذي سيقصدنا من اجل الزواج، لننعم نحن الأخريات بالراحة والسعادة، فتاة أخرى تقول إنها في عقدها الثاني وأنها لا تعرف الكتابة ولا القراءة وأنها منذ سنوات خلت وهي تعمل في الحقول، تارة تجني الطماطم ومرة تجني الخضروات، وأحيانا تعمل بحقول الشمندر، تقول، اخرج في «السروية» أي باكرا لأضمن فرصة عمل، نظل اليوم كله نكد ونعمل دون توقف ولما نعود في المساء نشعر بالتعب الشديد، وننهض في اليوم الموالي لأجل العمل وهكذا دواليك. تقدمنا إلى إحداهن ، قبلت الحديث معنا والإجابة على أسئلتنا على مضض وكانت هي الأخرى مغطاة بالكامل لا يكاد يظهر منها شيء، كم مضى عليك من السنوات وأنت تعملين في الضيعات الفلاحيه؟ عشر سنوات، هل لك أولاد؟ ثلاثة أبناء، وهل يتابعون دراستهم بالمدرسة؟ اجل، وتابعت تقول يؤلمني أن احرمهم من حقهم في التمدرس بعد أن توفي والدهم الذي لم يترك لنا من حطام الدنيا أي شئ، فما دمت في الحياة بصحة جيدة لن اتركهم يتضورون جوعا أو يحتاجون لأي شئ ، أبنائي لا قوت لهم إلا ما يأكلونه من شقاء عملي المضني، والحمد لله على أية حال.. ثم صمتت وهي تلتفت يمينا وشمالا ربما خوفا من أن يراها «الكبران» فيكون مصيرها الطرد، وتابعت الحياة مرة ومسؤولية تربية الأبناء وتعليمهم أمر من العلقم في ظل حياة الفقر والعوز وضيق ذات اليد ، فلا يخفى على احد ظروف الحياة في ازمور حيث تصعب فرص الشغل إلا من هذا النوع من العمل أو كمنظفة أو خادمة بيوت أو مقاهي أو مطاعم، ثم سألتها، عن عدد الساعات التي تعملها في الحقول في اليوم؟ أجابت تسع ساعات من طلوع الفجر الى غروب الشمس، وكم تتقاضين أجرا عن هذا العمل؟ خمسون درهما، قلت لها حين لا تجدين عملا بماذا تجابهين مصروف البيت والأولاد؟ تنهدت بصوت مسموع وقالت أقوم بنسج الصوف وبيعه في سوق الثلاثاء بازمور وأردفت، ما الحيلة نكابد قهر الزمان بسبب فقدان المعيل، وحتى في قيد حياته كان رحمه الله «على قد عيشته البسيطة»، و على أية حال الخير في ما اختاره الله.. لباسهن ذو منفعتين اتقاء حرارة الجو و برودته و يحفظ للمرأة وقارها وفي جوابها عن سر ارتداء جميع العاملات لنفس اللباس وإصرارهن على تغطية وجوههن، بادرت قائلة بعجلة وبثقة ويقين، هو لباس ذو منفعتين أولاهما اتقاء حرارة الجو أو برودته وثانيهما يحفظ للمرأة وقارها وان كان الوقار كما يقول المثل المغربي «وقر الشيخ من راسو» خاصة أنها تعمل مع الرجل في نفس الحقل جنبا إلى جنب، وأنها تتعرض للتحرش الجنسي بشكل يومي وبشكل فظيع وأنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها أو حتى الشكوى وإلا ستتعرض لقطع الرزق والطرد. ضيعات الخضر فضاءات للاستغلال والتعرض لكل انواع السب والاهانة حين بلغت الساعة السادسة صباحا بدأت سيارات «البيكوب» بشحن الرجال والنساء معا، حيث تلاصقت الأجساد واختلطت الأنفاس حتى أنهم يشعرون بعدم وجود هواء نقي يستطيعون تنفسه ، بعد الوصول إلى ضيعة الفلفل أو الباذنجان، كل واحدة تذهب إلى مجموعتها لتبدأ يوم عملها رفقة رئيس المجموعة «الكابران»، تحمل كل واحدة صندوقا بلاستيكيا صغيرا فتبدأ في جني حبات الفلفل، ولا حق لها في الراحة فالمشغل لا يهمه سوى المال وبأي طريقة كانت ، فمن خلال عملنا في الضيعات تقول إحداهن، تصاب أيدينا ب»المشك» أي خشونة في جلد اليدين وتضخم في سمكه، فيما تفضل بعض العاملات وضع قفازات أو جوارب تقوم برتقها، وتضيف لا يمكنني أن أعمل دون أن أخفي يدي في قفازين، أما عن حكايات الاغتصاب والتحرش الجنسي فكثيرة في الضيعات، فإن لم تكن من قبل المشغل فتكون من قبل عمال الضيعة أو الكابران، هناك من أرباب الضيعات و»الكابرنات» من يستغل عوز بعض الفتيات جنسيا ، ويقوم سلوك اغلبهم على التهديد بالطرد من العمل والشدة والإكراه، والاضطهاد والقهر والعدوانية.. تحكي فاطمة عن ما عانته نفسيا لحظة بدأت تبحث عن عمل في الضيعات الفلاحيه، حيث أنها كانت لا تستطيع التصريح بالضغوطات والمساومات التي يمارسها عليها مشغلها قصد إشباع نزواته، لذلك تركت المزارع والحقول الى غير رجعة وفضلت العمل في مقهى تغسل الكؤوس والصحون، وقالت أن أهم مشكل تعانيه العاملة في المزارع والضيعات الفلاحية هو التحرش الجنسي والاغتصاب الذي يمارس عليها من لدن المشغلين والعاملين معه، وتدني الأجور.