رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عائدات المخدرات وتهريبها نقلت أسماء كثيرة إلى مراكز اجتماعية راقية دخلت بها عالم الاقتصاد والسياسة
«العلم» تغوص في عالم كتامة الرهيب
نشر في العلم يوم 06 - 02 - 2009

بقدر ما ارتبط الريف في الأذهان داخل المغرب و خارجه بمرحلة سطع فيها نجم المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي فإن شهرة المنطقة الجبلية تجاوزت مياه المتوسط بفعل نمو نشاط دأب الإنسان بجبال الريف على ممارسته منذ أزيد من قرن و نصف بين مرتفعات ووديان و تضاريس صعبة مثلت موردا معيشيا للأسر أمام تكاليف الحياة على اختلافها، نشاط تداخلت فيه عناصر مختلفة أهمها شبكات تعتمد على سماسرة ووسطاء جلهم ارتقوا درجات في المستوى الإجتماعي، منهم مليارديرات و رجال أعمال اغتنوا بفضل هذه العشبة الخضراء. لم يحرثوها و لم يحصدوا أو يجففوها يوما بل وجدوها جاهزة تنتظر تسويقها بعد دورة سنة فلاحية سهر فيها المزارع البسيط بأعالي الريف على تنميتها و تتبع مراحل نموها و حراستها من أعين السلطة و المتطفلين إلى أن يحين وقت بيعها و نقلها في اتجاهات عدة تلتقي في جلها ما وراء الضفة الأخرى للمتوسط. الحذر و الترقب سمة أهل المنطقة تجاه الزائر
رغم الصعوبات و المخاطر التي تحيط بعملية ولوج فضاء تضاريسي متشعب لا مجال فيه للغريب من حرية في التنقل أو السياحة ، تمكنت «العلم» من توظيف شبكة علاقات مرافقنا في رحلة بدأت انطلاقا من تاونات لتطل على حياة خاصة لأسر و أشخاص يجمعهم قاسم مشترك و هو أن مصدر رزقهم يتلخص في عائدات النبتة الخضراء التي ما إن تغادر حقولها حتى تتحول إلى ذهب من نوع خاص جلب أنظار المهتمين بهذه العشبة خارج الحدود حبث ان من الأجانب من يحفظ كتامة كما يحفظ مراكش و فاس ، إنه عالم متفرد و غريب يجمع بين الخوف و الفقر و الغنى و البساطة و السلطة و المستقبل المجهول.
يكاد القادم من جهة الناظور أو الحسيمة أو طنجة في اتجاه مرتفعات كتامة مشبوها إلى حد ما، الشيء الذي حتم على العلم أن تنطلق صوب حقول الكيف من بوابة مقدمة الريف بتاونات (البوابة الجنوبية) في اتجاه حقول القنب مرورا بمناطق فلاحية مترامية تغطيها أشجار الزيتون في الجزء الجنوبي وصولا إلى مرتفعاتها الشمالية التي تخترقها وديان و حقول الحبوب لتتوقف بأحد الدواوير التابعة لجماعة غفساي حيث تربط أهلها قرابة برفيقنا في الرحلة و هو ما ساعدنا على اكتشاف أشياء عديدة تخص جوانب من الحياة المتقلبة لهؤلاء مع الطبيعة و ظروف إنتاج القنب الهندي من خلال ما جاء على لسان بعض منهم .
نماذج حية من مجتمع خبر دهاليز صناعة الكيف و انعكاساته
فمن الحديث عن سنوات الجفاف و إكراهات الحياة اليومية سرد عبد السلام المعروف ب «لخصيم» كيف انتقل بين مهن و أعمال مليئة بالصعوبات مع التنقل من دوار لآخر ثم تجربة أربع سنوات بأحد الحقول بجنوب إسبانيا التي وصلها على متن قارب مطاطي يقول: «اشتغلت تاجرا متنقلا بين الأسواق و سائقا لسيارة في النقل السري كما أنني بدأت حياتي العملية و أنا شاب في حقول القنب الهندي أساعد عمي في الزراعة و التجفيف تعلمت كيف يتم تلفيف البضاعة و إعداد الطلبيات، مهنة رأيت فيها أصنافا من المشاكل التي لا تنتهي، مذكرات بحث، اتهامات متكررة، ومطاردات، أشياء لم نكن نعير لها أهمية ما دامت جزء من حياتنا. فرغم ذلك كان للمال الذي نتحصل عليه دور في تشبثنا بهذا النشاط غير المرغوب فيه من طرف المخزن إلى أن فكرت في اكتشاف الخبايا الأخرى غير الزراعة و التجفيف لكني اصطدمت بحواجز أدركت معها أنه لا مجال للعب مع الكبارفكان ذلك سببا في ابتعادي عن هذا العمل و العودة إلى سياقة سيارة النقل السري طمعا في مناخ مستقر بعيدا عن الخوف و المطاردات و حسابات شبكات تهريب المخدرات و إغراءات عالم الكيف ».
حالة عبد السلام نموذج ضمن حالات أخرى يقول مرافق الرحلة فيما وجدت «العلم» سياجا محكم الإغلاق حول مناطق أخرى تعرف بتحرك شبكات و سماسرة المخدرات ، حيث أن من صادفناهم في طريقنا رفضوا الإدلاء بكلمة واحدة رغم أننا تعمدنا الحديث معهم في مواضيع كالتعليم و ظروف الحياة الأخرى مبدين بذلك تحفظا و تخوفا من أن نكون طرفا في السلطة أو كما يسمونه بالمخزن حيث أن هذا الحيز الجغرافي يعرف بأعلى مستوى من المراقبة الأمنية.
تفاصيل أخرى أكثر دقة وصفها لنا عبد الله صاحب محل لبيع المواد الغذائية و التبغ. « كل مراحل إنتاج هذه النبتة لم تكن لتخفى عن أعين السلطة من رجال الدرك أو فرق القوات المساعدة و أعوان السلطة ، و حتى إن نجحنا في إخفاء كميات معدة للبيع فإن ذلك يطال نسبيا أمام باقي البضاعة التي لا يمكن بتاتا نقلها أو تسويقها بالسهولة الكافية كما يبدولأول وهلة من خلال التضاريس الصعبة لكن نفوذ من نسميهم بالرؤوس الكبيرة و الذين يقطنون بأهم المدن المجاورة في الحسيمة و طنجة و تاونات و الناظورو تطوان باستطاعتهم أن يوفروا لنا مجالا للتحرك و الإشتغال وفق الزمان و المكان المحددين. المهم أن الأمور تتم حسب ما خطط لها لدرجة أن دوريات الدرك لم تعد تهمنا بقدر ما يهمنا إعداد الطلبيات لأصحابها الذين يتوفرون على وسائل تفوق أحيانا ما تتوفر عليه الدولة بهذه الأماكن النائية و البعيدة».
أما عبد الرحيم الشاب المتعلم الذي أمضى سنتين بكلية الآداب بفاس فله رأي آخر يوحي بمستوى وعي و ثقافة تركت بصماتها على تفكيره، « لا أخفي أنني حاولت استغلال العطل الصيفية في العمل بحقول القنب الهندي ليساعدني على توفير متطلبات الدراسة خاصة وأن لي خمس إخوة و دخل والدي محدود تتحكم فيه ظروف متقلبة. لذا وجدت نفسي أعيش مفارقة غريبة تتمثل في أي مستقبل أريده لنفسي حيث الحاجة دفعتني إلى الإنغماس في مهنة يحرمها القانون و يرفضها العقل، و بقناعتي الشخصية قررت أن أدير ظهري لهذه الآفة و لو كلفني ذلك التوقف عن الدراسة و الحمد لله استطعت أن أحصل على عمل بإحدى مقاهي الحسيمة خلال أوقات العطل فيما لا زلت أعرف أقرانا لي طلبة
وشبابا آخرين مرتبطين بهذا الميدان الذي يمثل لهم مهربا أمام الحاجة في طبيعة ينطق لسان حالها بالكيف في مختلف الإتجاهات.»
غياب المشاريع السياحية التنموية
رغم المؤهلات الطبيعية الواعدة
بالنظر إلى طبيعة المنطقة و تحفظ أهلها في معاملة الزائر فإن أعدادا كبيرة منهم حاولوا اكتشاف مؤهلات المنطقة في جولات سياحية، أو قادهم فضول معرفة طبيعة و ظروف عيش أهل هذه المرتفعات الجبلية، فلم يجدوا إلا الأبواب الموصدة لدرجة سجلت معها حالات اعتداءات في حق من أفرط في التصوير الذي يعني عند هذه الساكنة تطفلا على خصوصياتهم. أما نقط التفتيش التي وضعها رجال الدرك فلا تكاد تقطع مسافات إلا وتواجهك أسئلة تتمحور في غالبيتها حول فحوى الزيارة و الوجهة المقصودة و مدة الإقامة كإجراء عادي كشف في مناسبات عن مجموعات تمتهن التهريب و الوساطة في تجارة المخدرات يقول مرافقنا، رغم ما تزخر به مناطق عديدة بالريف من غابات الأرز و التاج و نباتات طبيعية و أنهار تضاهي مثيلات لها بالأطلسين المتوسط و الكبير فأن مستوى النمو السياحي لا يكاد يفارق معدلاته المستقرة بعض الشئ فباستثناء بعض المشاريع المتوسطة و القليلة على شكل مطاعم و مقاهي
وباحات فإن الفكر التنموي و الرغبة في توظيف الأموال شبه غائب لدى ساكنة المنطقة التي لا تزال مترددة في الإنفتاح على عالمها الخارجي، و حتى المشاريع الكبرى تحتاج إلى رأسمال ومن يتوفر فيه هذا الشرط يقول أحمد النادل بإحدى المقاهي على بساطتها بدوارصغير يقع بجماعة بني بونصارحيث تختلط العربية و الأمازيغية كلغة متداولة بين الساكنة هناك «هم معروفون بأنشطتهم المرتبطة بالكيف و بالتالي لا يجب أن تتحول هذه المناطق إلى قبلة للناس و الزوار فهي أماكن لابد أن تبقى في الظل بطابعها المتميز بالتكتم والسرية و الإنغلاق».
وإذا استثنينا مبادرات قليلة لفعاليات جمعوية بالمنطقة أغلبها عبارة عن تعاونيات و جمعيات مهتمة بالبيئة طالبت بالرفع من مستوى البنية التحتية و توفير الخدمات الضرورية و رغم حاجتهم لمسالك و طرق فإن فئة عريضة من السكان يرون في إحداث طريق بداية للقضاء على مصدر عيشهم الذي ألفوه وبالتالي يصبح أمرهم مكشوفا و سهل الوصول إليهم يضيف أحمد «هناك من المسؤولين الجماعيين بالمنطقة من يعمل جاهدا على عدم إدراج مثل هذه المشاريع في برنامج الجماعة خاصة إذا علمنا أن من بينهم من يتاجر في هذه النبتة أو يشمله فضل شبكاتها و إغراءاتها مقابل الحفاظ على الوضع كما هو. وأغلب هؤلاء أمرهم معروف بين السكان و يقطنون خارج الجماعات التي يسيرونها من بعيد، فقط دورات المجلس او الأمور الطارئة هي التي تجبرهم على الحضور».
حواضر بالشمال تعد مراكز لاستقرار الشبكات المنظمة
إذا عرفت كتامة بعاصمة للحشيش و إنتاج النبتة الخضراء فهناك مناطق أخرى في الريف من شرقه إلى غربه حتى تازة و فاس جنوبا تعد مراكز مفضلة لتواجد شبكات التهريب و الوسطاء التي تملك وسائل جد متطورة و تشتغل بفضل قاعدة من الموارد البشرية المتخصصة ذات التجربة التي تمكنها من مجاراة إيقاع عمليات المراقبة و المطاردة ، فلا تجد تجمعا حضريا بهذه المناطق إلا و قد نسجت هذه الشبكات المنظمة حوله خيوطها ببراعة تامة من السعيدية حتى طنجة مما يدل على امتداداتها و تواجدها الميداني في كل النقط و المحاور وحتى إن وصلت حالات تورط بعضها في المحاكم يلاحظ تحرك أذرعها الخفية عبرسماسرة مهمتهم التوسط في تخفيف العقوبات من خلال البحث عن فجوات و هوامش لتقديم الرشاوى المغرية وهي سمة العديد من المحاكم بشمال البلاد حيث بمجرد الإقتراب من فضاءاتها تلاحظ تحرك أناس لم يرد إسمهم في قضية او ملف فقط براعتهم في التوسط تجعل منهم جزءا لا يتجزأ من المشهد اليومي بهذه المحاكم.
إذا توجهنا إلى مرتفعات الريف كتامة بالخصوص سواء انطلقنا من الناظور أو الحسيمة أو تاونات أو شفشاون و تطوان تتضح على امتداد الطريق منازل بسيطة و أناس بسطاء إلى جانب إقامات تشبه القصور و سيارات فاخرة تسير في نفس الطريق التي تسلكها العربات و الدواب وهي ملاحظة تدعو إلى أكثر من سؤال حتى و إن اعتبرنا أن أهل المنطقة لديهم أقارب وأبناء في أرض المهجر حيث العملة الصعبة فإن طبيعة عيش العديد منهم ووفق إفادات توصلت بها «العلم» تؤكد أن عائدات المخدرات و تهريبها نقلت أسماء كثيرة في ظرف قياسي إلى مراكز اجتماعية راقية مهدت لها ولوج عالم الإقتصاد و السياسة من بابه الواسع إلى جانب بسط النفوذ و التحكم في أنشطة تجارية تشكل عصب الإقتصاد بأهم المراكز الجماعية و الحضرية جلها مرتبط بالعقارالذي ارتفع ثمنه بشكل ملحوظ أو النقل و المقاهي و المطاعم و محطات البنزين. وبين جماعة و أخرى تتراءى المنازل البسيطة المترامية و حال أهلها يعبر عن حاجتهم إلى أبسط مقومات الحياة، بل وسط العائلة الواحدة و أبناء العمومة الحاملين لنفس اللقب العائلي يوجد منهم أغنياء بملايير مكدسة في أبناك بمدن الشمال ومنهم من انتقل إلى المراكز الكبرى
كالدار البضاء و مكناس و فاس و الرباط كما يوجد فقراء يشتغلون مياومين في حقول ومزارع أو في حراسة إقامات و منازل أصحابها في المهجر فيما آخرون قد نزحوا إلى هوامش المدن القريبة لعلهم يجدون فضاء لقيام حياة مستقرة تضمن لهم عيشا كريما.
كتامة تعدى صيتها الحدود
و لا تزال منغلقة على نفسها
كتامة منطقة تقع أسفل جبل تدغين و المطل على جماعات أخرى كإساكن و عبد الغاية السواحل و بني بونصار ذاع صيتها لآفاق شاسعة والعديد لا يدري أنها بضع تجمعات سكنية و دواوير تتكون من دواربني أحمد و بني عيسى و دوار المخزن و تضم مركزا للقيادة و مركزا للدرك و محطة الطاكسيات إضافة لبعض المقاهي. هي نقطة عبور للقادمين من تاونات في اتجاه المناطق الواقعة جنوب إقليم الحسيمة أو المتوجهين إلى مرتفعات تدغين السياحية ويسكنها ما يقارب 16000 نسمة منتشرين على جماعات في إساكن و الغاية السواحل و أركيون وتزنتيسي ومعظم ساكنة هذه الأماكن تعمل في تنمبة حقول الكيف التي لا تحتاج إلى مجهود لرؤيتها فعبر الحافلة أو سيارة أجرة تتراءى مدرجات و حقول متداخلة و بأشكال هندسية مختلفة فيما هناك نسبة قليلة توجهت إلى التجارة أوفي زراعة مساحات من الحبوب و الكروم والزيتون والرمان و في بيع أخشاب شجر الأرز و بعض الصناعات التقليدية السائرة في الزوال كالخزف و الحصائر التي تباع في الأسواق الأسبوعية بقرى المنطقة.كما يأتي تعليم الأبناء في الدرجة الثانية من العناية بعد حقول القنب إذ أن جل المتعلمين يتوقفون عند المستوى الإعدادي و قليل من
سمحت له الظروف أو الأسرة بمتابعة التحصيل في مستوياته الثانوية و الجامعية و التي تعني عندهم موعدا مع البطالة و العودة إلى حقول القنب التي تعرف أزهى مراحلها في فترة الحصاد و تسويق البضاعة في اتجاهات يعلمها فقط المهربون الكبار و يتحكم في أثمانه سماسرة يقومون بجمع مادتها الخام و تخزينها و تكليف اليد العاملة المختصة في تحويلها و هي عملية تمكنهم من تحقيق هامش إضافي من الأرباح التي كان المزارع يحققها .
موسم الحصاد موعد مع الخوف و دوريات المراقبة ومناسبة لتشغيل اليد العاملة
وسط حملات تزداد حدة و تشتد فيها أصناف المراقبة في جل المنافذ و الطرقات المؤدية إلى المساحات المزروعة في كتامة و إساكن وبني بونصار يمكن أن يتابع أحد أفراد الأسرة في أي لحظة بناء على مذكرة بحث أو وشاية الشئ الذي يجعل الخوف و الترقب شعورا يرافق الفلاح بهذه الربوع بينما المستفيدون الحقيقيون و القاطنون بعيدا عن هذه النقط الحساسة ينتظرون ما ستؤول إليه الأمور قبل التحرك لقضاء مصالحهم، حيث يفضلون عقد صفقاتهم على مسافات تبعد عنهم أنظار المتطفلين و أعين السلطة التي لا تنام أما نقل السلعة فقد تطور مع مرور الوقت فسابقا كان للدواب دور رئيسي في اجتياز و قطع المسافات بين التضاريس الصعبة و المرتفعة لتتحول سيارات متخصصة معدة للتهريب بدون وثائق إلى وسيلة افضل و أسرع ثم أصبحت كذلك السيارات الفاخرة طريقة لإبعاد الشبهات تحت غطاء جولة سياحية لتدخل على الخط وسائل متطورة كالطائرات التي اصبحت تخترق الأجواء في الشمال وتشحن كميات من المخدرات انطلاقا من السهول و الأماكن المنبسطة في القصر الكبير و سوق أربعاء الغرب و بلقصيري وهي مناطق فلاحية شاسعة تسهل عملية الهبوط و الطيران. فدوريات المراقبة تتكثف وسط الحقول و
المنازل القديمة والغير المكهربة باعتبارها الأماكن المفضلة لإعداد السلع من تجفيف و تحويل إلى صفائح حيث ينزح المئات من اليد العاملة مع إطلالة أولى أيام الحصاد قادمة من مدن فاس و تازة و تاونات و القصر الكبير و مكناس و حتى من مدن بعيدة كمراكش و بني ملال و خريبكة ، فالكل يريد عملا في هذه النبتة التي رسمت أحلاما و خيالا في الأذهان كجسر نحو الثروة فيما معاناة أخرى تنتظرهم أبرزها ضيق التحرك و انعدام شروط الإقامة و التغذيةومعاملة قاسية و تهديدات وهي أمور يتم نسيانها مادام أن هناك أجرة مقابل العمل .
بورصة مادة الكيف أو سوق الجملة
ارتبط الكيف أو القنب الهندي بالرصيد المعرفي لأهل المنطقة بالنبتة الخضراء حسب مصادر تاريخية بما يزيد عن القرن و النصف فلا تجد كبيرا ولا صغيرا إلا و له ما يكفي من المعرفة حول هذه الزراعة ومراحلها و منتوجها باختلاف أصنافه وثمنه ومن خلال محاولة «للعلم» للإطلالة أكثر على دهاليز هذه النبتة فقد لاحظنا أن ثمنها يتأثر بوضعية السوق و مستوى الرقابة فقد يصل ثمن الغرام الواحد أحيانا إلى 10 دراهم أو 12 درهما المتعلق بنوع الغبرة أي حوالي 12 ألف درهم للكيلوغرام أما نوع الطامبو فهو قسمين فهناك الطامبو بريميرا ما بين 7000 درهم و 8000 درهم و الطامبو سيغوندا ما بين 5000 درهم و 6500 درهم ثم الترقيعة المصنفة إلى نوعين الترقيعة المشمعة و الترقيعة الشاعلة وثمنها يتحدد بين 2500 درهم و 3000 درهم فيما هناك أنواع أخرى يتم استخراجها من نبتة الكيف و تعتبر أقل جودة و درجة وهي المسماة بالتشليلة التي لا يتجاوز ثمنها في أحسن الأحوال 1000 درهم أما الطابا فهي من مشتقاتها و تنقسم إلى تدريحة بالثلث و تدريحة بالربع و تدريحة بالخمس.
أما الحصول على على صفائح الشيرا فهو عمل يحتاج إلى أيادي بارعة و خفة في الإنجاز ربحا للوقت على اعتبار أن هذا العمل مهدد في أي لحظة من طرف الفرق المكلفة بمكافحة المخدرات و بالتالي فالعامل ذو التجربة و الكفاءة العالية يمكن أن يحصل خلال يوم واحد على أجرة تصل إلى 1800 درهم حسب ما ورد إلينا على لسان أكثر من مصدر بالمنطقة أما مساعدوه فلكل أجرته ابتداء من 300 درهم حتى 1300 درهم حسب مردودية كل واحد منهم ويمكن الحصول على صفائح الشيرا الممتازة عن طريق عملية غربلة أكوام القنب و مزجها بقليل من مادة التبغ بنسبة مئوية في كل قنطار حيث أن طنا منه يستخرج منه فقط من 10 إلى 12 كيلوغرام وتلفيفه بمادة السولوفان بعد أن يتم إحكام عملية الضغط عليها في قالب خاص بآلة ميكانيكية تسمى لا مبريسا أو الدكاكة تحت مفعول الحرارة لإنتاج صفائح بأحجام متماثلة يزداد الإقبال عليها سنويا نظرا لجودتها. ورغم تراجع المساحات المزروعة فهناك جهود متواصلة لمضاعفة الإنتاج الذي يجد في انتظاره قاعدة عريضة من المستهلكين سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي حيث تؤكد الأرقام عن وجود أزيد من 155 مليون شخص يتعاطى باستمرار لمادة القنب الهندي
أو الحشيش على اختلافه عبر العالم و هو السر الذي يجعل من كتامة قبلة تتوجه إليها أنظار شبكات التهريب الدولية بسبب موقعها في شمال المغرب و إفريقيا و بالقرب من سوق استهلاكية شاسعة بأوروبا.
تباين في كيفية محاربة شبكات التهريب بين المغرب و إسبانيا
في الوقت الذي أبدى فيه المغرب إرادة قوية لوضع حد لاستفحال هذه الظاهرة من خلال استراتيجية قانونية تعتمد المكافحة المباشرة و الزجر عبر تتبع خيوط الشبكات المنظمة وإتلاف الحقول ثم عبر مخطط تنموي يتوخى خلق بدائل اقتصادية للساكنة بهذه المناطق عن طريق برامج لفك العزلة و توفير المنشئات التعليمية و الصحية والمرافق الإجتماعية، يلاحظ تماطل الجانب الإسباني المعني هو الآخر بتداعيات تهريب المخدرات و ترويجها و باعتباره المستقبل الرئيسي لكميات المخدرات و صفائح الشيرا على امتداد السواحل الجنوبية كماربيا و ألميريا أو أليكانتي و كذا المناطق الجنوبية الشرقية المجاورة لفالانسيا و كاستيو دي لا بلانتا حيث توجد أكبر الشبكات المختصة التي تمتد خيوطها إلى أهم المدن الإسبانية الكبرى في برشلونة و العاصمة مدريد بل تتجاوز الحدود مع فرنسا في اتجاه هولندا التي تأتي في الدرجة الثانية بعد إسبانيا ثم باقي الدول الأوربية.
لقد ظلت وتيرة اشتغال الأجهزة الإسبانية المكلفة بتتبع ملفات التهريب محتشمة رغم ما تمتلكه من إمكانيات لوجيستيكية ووسائل حديثة يبدو أنها وقفت عاجزة أمام تقاطر القوارب النفاثة المحملة بمادة المخدرات طيلة السنوات الأربع الأخيرة حيث تمثل العمليات المحبطة من طرف الجانب الإسباني حالات شرود فقذ وسط عمليات متواصلة نجحت في اختراق خطوط المراقبة و الرادارات التي نصبت على طول الساحل الجنوبي من مضيق جبل طارق إلى ألميريا حتى بورتيبو الحدودية مع فرنسا مما يدعو إلى ضرورة مراجعة الجانب الإسباني لسياسته في مكافحة الظاهرة عبر تكثيف الجهود و اخذ الموضوع محمل الجد بعيدا عن توظيفه لأغراض و حسابات مرحلية تستخدم لإضعاف موقع و مكانة المغرب أمام شركائه الأوروبيين أو في محاولة للهروب إلى الأمام لعدم إثارة ملف سبتة و مليلية المحتلتين طالما أن هناك مشكلة من حجم تهريب المخدرات و شبكاتها .
مجهودات في حاجة إلى دعم و مواكبة تنموية
مكنت المجهودات المبذولة من من طرف السلطات المغربية في أكثر من بقعة بالريف و الرامية إلى استئصال المشكل من أصوله في الحد من التزايد المستمرفي المساحات المزروعة عبر إتلاف ما يقارب من 4376 هكتارو تعزيز آليات المراقبة و البحث و التقصي إضافة إلى تجهيزالموانئ و المطارات و نقط العبور بوسائل تكنولوجية حديثة التي كشفت عمليات تهريب على متن حافلات و شاحنات و سيارات حيث وصلت كمية المحجوزات سنة 2008 إلى 163 طن من الكيف و 88.50 طن من مادة الشيرا و 25 كيلوغرام من الكوكايين و 6 كيلوغرام من الهيروين تورط فيها أزيد من 1200 شخص نصفهم أجانب وهي مجهودات قلصت من المساحات المستغلة إلى أكثر من النصف بعدما كان إنتاج مادة القنب الهندي يفوق 47400، طن ومن جهة أخرى أقدمت الدولة على تشجيع الفلاحين على التكيف مع أنماط زراعية أخرى كالأشجار المثمرة خاصة الزيتون كنموذج العرائش و مقدمة الريف بتاونات لاسيما و أن الأراضي المزروعة تمثل ثلاثة أرباع المساحات الصالحة للفلاحة و المنتشرة في كل من الحسيمة و شفشاون و تاونات و تطوان العرائش وظهور مساحات أخرى جديدة على حساب غابات الأرز التي يتم استنزاف هكتارات منها سنويا في
المناطق الأشد ارتفاعا و صعوبة مما يحد من فعالية المجهودات بالنظر إلى محدودية وسائل التدخل و قلة الموارد البشرية و التقنية المختصة للقيام بمهام المكافحة و المراقبة خاصة في فترة الصيف التي تعرف تدفق الآلاف من المهاجربن على المنطقة و ارتفاع حركة السير في مختلف الإتجاهات الشئ الذي تستغله شبكات التهريب لاستطلاع أماكن تواجد هذه المادة و إتمام صفقاتها و إعدادها لعبور البحر و حتى و إن نجحت فرق المكافحة التابعة للدرك و الفرق المختصة في إيقاف بعض الأسماء و الكشف عن عمليات في مناسبات عدة من خلال حملات معروفة أطاحت بأسماء وازنة في عالم التهريب الدولي كالرماش و الديب و بين الويدان و عناصر الشبكة الأخيرة بالناظور فإن ذلك يعد فقط نقطة من بحر كبير يعج برؤوس عديدة ما تكاد تقطع واحدة حتى تطل أخرى.
إن إشكالية الحد من تهريب المخدرات يمثل ظاهرة مركبة و معقدة لا تكفي وسائل الزجر و العقاب أو دوريات المراقبة في وضع حد لها بقدر ماهي في حاجة إلى معالجة حقيقية و تحليل لكافة العناصر و الفقرات المشكلة لسلسلة تبتدئ من الحقل الصغير المتواري بين جبال و مرتفعات يقطنها أناس ينتظرون دورة حصاد لتسويق ما جادت به ارض يرون فيها ضالتهم و خلاصهم من إكراهات الحياة و مصدر رزقهم المحدود الذي يتحول على بعد كيلومترات منهم إلى ذهب أخضر اغتنت منه فئات انعشت اقتصادها الخاص و راكمت أموالا لا تعد و لا تحصى فيما الإقتصاد المحلي و الوطني معرض لضربات و استنزاف متواصل بفعل نمو نفوذ هؤلاء و سعيهم إلى امتلاك كل شئ مع الحفاظ عل الحالة هذه و فرض واقع لا يشرف أحداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.