شيء عادي تماما أن يغادر الوفد الأمريكي أو الإسرائيلي قاعة الجلسات حين يتناول الكلمة مسؤول إيراني. والعكس صحيح . أما غير المألوف، بل ومن باب الاستغراب والاستفهام أن يغادر الوفد الإسرائيلي القاعة بمجرد أن شرع رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ، حامية اسرائيل وراعيتها (باراك وأوباما) في إلقاء خطابه . إِيه . انسحب وفد اسرائيل أثناء حديث أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . وكان غيابه مثيرا لانتباه وتعجُّب الملايين من الناس في العالم . كاميرات القنوات التلفزية العالمية حوَّلت عدساتها من المنصة الأممية التي كان يعتليها أوباما ، لتُسلِّط أضواءها الكاشفة الفاضحة على أعضاء الوفد الإسرائيلي وهم يغادرون القاعة، ثم على المقاعد التي تركوها خاوية . بالطبع ، وجد هذا السلوك مادة خصبة في الإعلام الدولي أما نحن ، في دار غفْلُون، لا نبالي إلاّ بكشف سَوْءاتنا، ونشر أوساخنا وتفاهاتنا ، وعرضها على العالم »فابور« ؛ وسال مدادُ كثيرٍ من المحللين والمراقبين الغربيين حول الهدف الحقيقي الذي ترمي إليه تل أبيب من هذه المقاطعة »الفنية« لخطاب أوباما. الإسرائيليون ، أو قُل الوفد الإسرائيلي اختار التوقيت المناسب ليرسلها رسالة مدوية تقول ، بالعيرية الفصيحة، أنه غير مستعد للاستماع إلى كلمة الحليف (الأمريكي) الأكبر والأوثق لتل أبيب ، ويدعوها إلى تمديد قرارها القاضي بتجميد عملياتها الاستيطانية ، وأهمية دعم مسلسل المفاوضات بينها وبين الفلسطينيين. وكان رفضا تاما وصارخا لخطاب أوباما ، عِلْماً أن اسرائيل تعي جيدا أنها توجد تحت ضغوط دولية متزايدة بشأن موضوع تمديد فترة تجميد الاستيطان . واشنطن لم تهضم هذا التصرف الذي يُذَكِّر بسنوات الحرب الباردة ، حين كان وفد الاتحاد السوفياتي ، ومن يدور في فلكه، ينسحب انسحابا مدويا من قاعة المؤتمر بمجرد صعود أوباما إلى المنصة لإلقاء كلمة بلاده. لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل شمل حتى الملتقيات الرياضية من قبيل منافسات الألعاب الأولمبية وكأس العالم.. ونتذكر جيدا فعلة الرئيس السوفياتي خروتشوف ، في ستينيات القرن العشرين ، وقد أمسك حذاءه ، يضرب به ، بقوة، على الطاولة خلال كلمة أمر يكا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة . لماذا أقدم الإسرائيليون على القيام بما قاموا به في وقت حرج .. ؟ تَذَرَّعت تل أبيب بمناسبة دينية يهودية تُسمّى »عيد السكوت«، حيث يمتنع فيه اليهود ،عادة، عن الخروج من بيوتهم . لكن الوفد الإسرائيلي خرج ليس فقط من بيته ، بل من فلسطين التي يحتلها ، وطارآلاف الأمتارفي الجوّ ، وقطع آلاف الكيلومترات ، ليصل إلى نيويورك ، ويدخل مقر الأممالمتحدة ، قبل أن يخرج وأوباما يلقي كلمة بلاده . العقلاء من المراقبين لم يقتنعوا بهذا التبرير الواهي ، وقالوا إن الإسرائيليين غاضبون من الإدارة الأمريكية ، بل اتهموا رئيسها أوباما بما اعتبروها »تدخُلاً غير مناسب« في شؤونهم. كم دخلت أمريكا وغيرها في ضلوعنا ، وليس فقط في شؤوننا ؛ وضربناها بسكتة خالدة. ربما يكون الاحتجاج هنا بمثابة اللّغو...