ستختتم مساء يومه السبت أنشطة الدورة السادسة عشرة لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف التي شهدت عدة ندوات قيمة و مفيدة بمضمونها و شيقة بتنوع مواضيعها ذات الارتباط بالسينما عموما و بسينما المؤلف خصوصا، و شهدت أيضا وفق برمجة محكمة و مضبوطة داخل إطار المسابقتين الدولية و العربية و خارجهما، عرض العديد من الأفلام الجيدة المتناولة بطرق مختلفة لمواضيع متنوعة من مختلف الثقافات و البلدان. و قد أعجبت بالفيلم العراقي «كيك أوف» (ضربة البداية) الذي عرض بقاعة سينما الملكي في إطار المسابقة العربية، و الذي أنجزه المخرج الكردستاني شوكت أمين كوركي في ظروف صعبة و بميزانية ضعيفة من إنتاج مشترك بين كردستان العراق و اليابان. تدور أحداث الفيلم خلال ثمانين دقيقة في كركوك بعد سقوط نظام صدام حسين داخل ملعب لكرة القدم، وهو ملعب مرمل مهجور و مدمر في بعض جوانبه و مدرجاته الإسمنتية، لجأ إليه عدد كبير من العائلات الكردية و العربية التي نزحت بأبنائها و حيواناتها إليه خوفا من الموت و هربا من قذائف العمليات الحربية الأمريكية، فجعلوا منه ملجأ و بنوا حوله أكواخا صفيحية على أمل العيش في أمن و سلام في بلد روعته العمليات الانتحارية و مزقته الصراعات الداخلية الطائفية والمذهبية و العرقية. و بالرغم من تهديدهم بالطرد من هذا المكان، فإنهم يحاولون التسلح بالأمل و الترفيه جهد المستطاع عن أنفسهم و مواصلة العيش بكيفية شبه عادية في أجواء استثنائية غير إنسانية و سوداوية قاتمة تجمع بين الفقر المذقع و البؤس و التشرد و التهميش و القلق و الخوف و المآسي و عدم الاستقرار. في ظل هذه الأجواء نتعرف على بطل الفيلم «آسو» ، هو الابن الأكبر لإحدى العائلات الكردية، و هو شاب نشيط و وطني و متسامح و مغرم بجارته الجميلة «هيلين»، يقوم بمساعدة صديقه «ساكو» لتنظيم مقابلة في كرة القدم بين أطفال الأكراد والعرب بهدف التخفيف من معاناتهم و الترفيه عنهم وعن شقيقه الصغير الذي بترت إحدى ساقيه في مقابلة سابقة عندما كان يحاول استرجاع الكرة داخل حقل للألغام. يحصل خلاف قبيل موعد ضربة البداية و انطلاق المقابلة ين الفريقين حول هوية الحكم، فالفريق العربي يرفض أن يكون الحكم كرديا، و الفريق الكردي يرفض أن يكون الحكم عربيا، و يتم الاتفاق بينهما على مصور أجنبي كان يتواجد بالملعب على قيادة هذه المقابلة، و في ذلك إيحاء إلى السياسيين العراقيين الذين غالبا ما يلجأون إلى الأجانب للوصول إلى التوافقات الوطنية. يذهب الشاب «آسو» على دراجته مع صديقه «ساكو» إلى بعض المحلات التجارية بكركوك لشراء كأس صغير كي يسلمه للفريق الفائز، و لكنه سيقتل في عملية تفجير انتحارية تركت ألما و حزنا شديدا في نفس كل معارفه عامة و عشيقته و شقيقه الأصغر خصوصا، هذا الأخير الذي يحاول باكيا الانتحار بقطع شرايين يده بموسى الحلاقة للتخلص من واقعه التعس و المؤلم. أراد المخرج شوكت أمين كوركي أن ينقل الواقع الاجتماعي و النفسي المزري لهؤلاء اللاجئين بالأبيض و الأسود مع الإبقاء على اللون الحمر الخافت و ذلك في قالب تنديدي و انتقادي مطبوع بالهزل الخفيف الأسود و المر و بالضحك المبكي، و قد أبدع في الحكي و التصوير و الغوص في عمق المأساة بواسطة الصورة، مما يجعل المشاهد العادي يفهم الفيلم رغم كونه ناطقا باللغة الكورديستانية و معنونا أسفل الصورة باللغة الإنجليزية، كما أبدع أيضا في بناء الأحداث و الشخصيات و تحريك عواطف المشاهد، و توفق كثيرا كذلك في اختيار الأغاني الكردستانية الجميلة الملائمة لمختلف المواقف. سبق للمخرج شوكت أمين كوركي أن أنجز خمسة أفلام قصيرة، وفيلمه الطويل الأول «عبور الغبار» (2006) الذي أحرز عدة جوائز بالهند و أندونيسيا و في بلدان اخرى، و يبقى «ضربة البداية» هو ثاني أفلامه الروائية الطويلة الذي أحرز عدة جوائز بمهرجان الخليج الثالث و مهرجانات دبي و مسقط و بوسان بكوريا الجنوبية، و من المحتمل كثيرا أن يفوز مساء هذا اليوم (السبت) بإحدى الجوائز بمهرجان الرباط.