إن وجود التلوث البيئي وتناميه المطرد في السنوات الأخيرة هو حقيقة مؤكدة تؤكده أجهزة الرصد المكلفة بمراقبة جودة الهواء، حيث سبق لمجلس جهة الدارالبيضاء أن صادق في أحد دوراته ضمن الولاية السابقة على وضع إطار قانوني لمحاربة تلوث الهواء ووضع آليات ومحطات قارة لقياس جودة الهواء بجهة الدار البيضاء وتم تخصيص ميزانية التدبير المستقل لمديرية الأرصاد الجوية الوطنية «سيكما». وحتى لاندخل في التفاصيل التقنية، فإنه وحسب دراسة سابقة حول التلوث بمدينة الدار البيضاء فإن نسبة تلوث الهواء بلغت ماقدره 100 ميكروكرام في المتر المكعب في حين أن النسبة المعتمدة في دول الاتحاد الأوروبي لاتجاوز 40 في المائة على أكثر تقدير. فنسبة عدد السيارات الموجودة بالمدينة تكاد تصل الى حوالي 38% من النسبة العامة على الصعيد الوطني بما يفوق 600 الف سيارة وحافلة منها عدد كبير من سيارات وحافلات الخردة التي جاءت في أوروبا الى المدينة وهي تجاوزت مدة صلاحية خدمتها بعدة سنوات فضلا عن تقادم السيارات المحلية ونفثها لديوكسيد الكبريت رغم تغير استعمال الوقود بدون رصاص. وتصل نسبة التلوث الناتجة عن حظيرة السيارات والحافلات والشاحنات مانسبته 37% من مجموعة نسبة التلوث التي تساهم فيها الوحدات الصناعية المتمركزة بمدينة الدار البيضاء هذه الوحدات التي تبلغ نسبتها مايزيد عن 50 في المائة من الوحدات الصناعية على الصعيد الوطني. فحسب المعطيات الرسمية فمخلفات الوحدات الصناعية تمثل 97 في المائة من انبعاث غاز مونكسيد الكاربون و 94 في المائة من أكسيد الآزوت و 88% من ديوكسيد الكبريت و 85 في المائة من الغيار. إن وضعية التلوث البيئي هذه ليست فقط أصبحت مقلقة بل كارثية، فنسبة التلوث بمدينة الدار البيضاء تفوق بكثير النسبة المقبولة دوليا، فالأمراض التنفسية الناتجة عن التلوث هي في تصاعد خطير وتصل الى نسبة أكثر من 20 في المائة وحساسية الأنف بنسبة ما يفوق 52 في المائة والربو 16 في المائة إضافة الى الحساسية البصرية والتأثير على العين. فالمشكل المطروح على مدينة الدار البيضاء، ليس بمشكل الرصد مادام أن أجهزة الرصد كما سبقت الإشارة الى ذلك آنفا أصبحت متوفرة، وتسلم بشكل منتظم تقاريرها ومعطياتها الى الجهات المعنية. كما يمكن للعين المجردة أن ترصد التلوث على واجهة المباني ببعض شوارع مركز مدينة الدار البيضاء وآثار السواد على واجهة العمارات بفعل دخان السيارات والحافلات. فانخراط المغرب التلقائي في مسلسل احترام البيئة والتنمية المستدامة أصبح يفرض على الجميع تفعيل المبادئ العامة والمنطلقات على الواقع، ونحن هنا نتكلم عن واقعنا المحلي ومدينتنا التي لم تبق بيضاء مائة في المائة وهي المسماة بالدارالبيضاء، فوضع استراتيجية متكاملة لمواجهة واقع التلوث البيئي أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى من أجل الحد نسبيا من آثار التلوت، ومما لاشك فيه أن ثمة تراكمات وسوف لن يتم الانطلاق من الصفر. ويدخل من ضمن العناصر التي يجب الاهتمام بها تطوير النقل الجماعي (من غير الترامواي) عبر تقوية أسطول الحافلات النظيفة ووسائل النقل الجماعي الأخرى «طاكسيات» كبير ذات حمولة أكثر من الحالية، وضع أماكن خاصة بمركز المدينة يمنع فيها استعمال السيارات مع تشجيع الاستثمارات في انشاء المرابض العمومية للسيارات التحق والفوق أرضية، تجديد النظر في صلاحية السيارات والشاحنات والحافلات، والتفكير في تطوير الحلول فيما يتعلق بالمناطق الصناعية الحضرية والمصانع.. كما أن تنمية الفضاءات الخضراء هي من بين الأمور المهمة التي ينبغي ايلاؤها أهمية بالغة، فأهم الفضاءات الخضراء الموجودة حاليا تعود الى فترة الاستعمار، بل هناك تقهقر ملحوظا بها. فالنسبة الحالية من المساحة الخضراء بالنسبة لكل مواطن بيضاوي هي أقل من متر مربع واحد في الوقت الذي تحدد فيه المنظمة العالمية للصحة نسبة 20 متر مربع بالنسبة لكل ساكن. ان الوضعية الكارثية للتلوث بمدينة الدار البيضاء هي حقيقة مؤكدة، ولايمكن لأي كان إنكارها وهي في حاجة لمواجهتها الى أفعال سديدة بعد استثراء الاهمال وفشل بعض المبادرات مثل عملية زرع مليون شجرة وعدم تحمل المجالس المنتخبة المتعاقبة لمسؤوليتها.