يعد إطلاق جامعة محمد السادس للعلوم والصحة بمدينة الداخلة، الأكاديمية الأفريقية لعلوم الصحة، تطوراً عميق الدلالة للتعاون جنوب/جنوب الذي تنبني عليه السياسة الخارجية المغربية، لخدمة المصالح التنموية العليا لدول القارة الأفريقية، في مجال البحث العلمي الطبي وتطوير العلوم الصحية، والنهوض بالتنمية العلمية الصحية، لتحقيق الأهداف الوطنية في هذا الحقل من التقدم متعدد الأبعاد ، وخاصة في مجالات ذات الصلة بالتكنولوجيا الصحية والابتكار العلمي المتخصص الذي يعزز المكتسبات التي حققتها الدول الأفريقية في هذا الميدان المرتبط بالنمو الاقتصادي وبالتنمية البشرية، وصولاً إلى امتلاك ناصية سيادة صحية إفريقية. ويندرج هذا المشروع العلمي الحضاري الذي تنفرد به المملكة المغربية، في إطار الرؤية الاستراتيجية، في مستوياتها الثلاثة القريب والمتوسط والبعيد، التي أبدعها وأطلقها جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله و أيده، وتشمل المشروع الرائد لولوج دول الساحل الأفريقي إلى المحيط الأطلسي، وجعل ميناء الداخلة الأطلسي منصةً للربط بين القارات الثلاث الأفريقية والأوروبية والأمريكتين الشمالية والجنوبية، وتمتين المبادلات التجارية والعلاقات الإنسانية بين الحضارات والثقافات، من أجل بناء سلام عالمي قائم على دعائم القانون الدولي ومبدأ التعايش السلمي والوئام الحضاري بين شعوب العالم. كما أن الأكاديمية الأفريقية لعلوم الصحة، تعد وجهاً من وجوه الدعم المغربي للتعاون الأفريقي/الأفريقي، الذي يتبلور في المشروع الضخم غير المسبوق الذي يتمثل في أنبوب الغاز المغرب/ نيجيريا الذي سيفتح الآفاق الواسعة أمام ثلاث عشرة دولة سوف يمر منها الأنبوب، لدعم اقتصاداتها، وتعزيز قدراتها في الزراعة والطاقة والصناعة والتجارة البينية. فهذان إذاً، مشروعان إفريقيان متكاملان، بل هي ثلاثة مشاريع كبرى، تجمع بين الطاقة والتجارة والانفتاح على المحيط الأطلسي وبين العلوم الصحية. وكلها من إبداع الرؤية الملكية الواضحة والمستنيرة، لمستقبل القارة الأفريقية، يتبناها وينهض بها ويقودها جلالة الملك، نصره الله. إن الأهداف العلمية التي حددت للأكاديمية الأفريقية لعلوم الصحة، تمثل انطلاقةً مبدعةً لتجسيد الحلم الأفريقي والعمل على تحقيقه على أرض الواقع. فهذه المؤسسة الأكاديمية المتخصصة والفريدة من نوعها، تهدف إلى خلق فضاء للتبادل والشراكة، وجمع الخبراء من خلال شبكة إفريقية من أجل وضع استراتيجيات وإطلاق مشاريع بحث ونشر المعارف والتجارب المثلى والممارسات الفضلى في مجالات الصحة، سعياً إلى تأسيس هيئة أو فريق عمل متجانس يسهر على الجهود العلمية المبذولة في حقول الصحة في إفريقيا، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية مع مؤسسات ذات الاختصاص المشترك، كالمنظمة العالمية للصحة، في مجال الصناعات الدوائية، فضلاً عن جمع الإحصائيات في مجال الصحة وتحليلها، من خلال إنشاء قاعدة بيانات، تنبني عليها الممارسات الصحية، وبشكل غير ربحي ، تكون مرصداً إفريقياً، يقدم خدماته للدول من أجل دعم الجهود المبذولة في الصحة العمومية، مما يشمل الصحة البشرية (الصحة العمومية، والمستعجلات، وأمراض القلب)، والصحة الحيوانية (الطب البطري، والأمن الغذائي)، والصحة البيئية (الاحتباس الحراري، والتصحر، والماء والإجهاد المائي). وأخذاً بعين الاعتبار لهذه الأهداف العلمية التخصصية، فإن الأكاديمية الأفريقية لعلوم الصحة، التي أطلقتها المملكة المغربية من مدينة الداخلة حاضرة إقليم وادي الذهب، هي إنجاز سيادي بكل المقاييس العلمية والأكاديمية والتربوية والحضارية، يدخل في إطار استراتيجية بعيدة المدى عالية السقف عميقة المضمون، تسعى إلى تعزيز المكتسبات الوطنية كافة، وحماية الوحدة الترابية للمملكة، وتطوير الأقاليم الجنوبية والنهوض بمستويات التنمية الشاملة المستدامة فيها، وإرساء القواعد للتعاون جنوب/ جنوب، وإقامة الشراكات المنتجة مع البلدان الأفريقية التي صارت تتطلع إلى المغرب باعتباره منصةً للوصول إلى بناء علاقات مثمرة ورابحة دائماً مع دول العالم. وتلك بعض الدلالات السيادية لإطلاق الأكاديمية الأفريقية لعلوم الصحة من مدينة الداخلة، في هذا التوقيت الذي لابد أن يؤخذ في الحسبان.