بعد سبع سنوات على المصادقة على الدستور من قبل الشعب المغربي، استخرج جلالة الملك محمد السادس، في رسالته إلى منتدى كرانس مونتانا المنعقد بالداخلة حاضرة الأقاليم الصحراوية المغربية، عبارة لم ينتبه إليها المحللون السياسيون وخبراء الوثائق الدستورية، التي تجعل من التعاون والتضامن المغربي مع الشعوب والدول الإفريقية التزاما دستوريا، وهو بلغة فقه القانون ضرورة وواجب وليس نافلة يمكن القيام به أو تركه. ونص الدستور المغربي على "تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولاسيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء، وتقوية التعاون جنوب-جنوب". هذه العبارة وسمتها الرسالة الملكية بأنها مكتوبة بأحرف من ذهب، أي لا يعلوها الصدأ في أي وقت من الأوقات أو تحت أي شرط تاريخي. ويصر جلالة الملك على اختيار طريق الشجعان، الذي يتمثل في جعل هذا التعاون بين بلدان الجنوب في صلب سياسة المغرب الإفريقية. ولقد طور المغرب، بتوجيه من جلالته، نموذجا مبتكرا حقيقيا للتعاون جنوب -جنوب، قوامه تقاسم المعارف والكفاءات والخبرات والموارد، مع إشراك كافة الأقاليم الفرعية للقارة والقطاعات ذات الصلة. وحسب جلالة الملك فإن التعاون جنوب -جنوب، باعتباره شكلا من أشكال الشراكة النموذجية مع القارة الإفريقية، يقوم على مقاربة مندمجة ومتعددة الأبعاد. فقد تمكن المغرب من اكتساب خبرات تحظى بالاعتراف والتقدير على الصعيد الإفريقي، سواء في المجالات المرتبطة بنقل التكنولوجيات، أو تقاسم المعارف، أو إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص في مختلف الميادين، أو في مجال التكوين والتعليم العالي. فعلى مدى خمس عشرة سنة، أبرم المغرب 1000 اتفاق تعاون مع 28 بلدا إفريقيا ؛ وهي اتفاقيات تتعلق بمجالات متنوعة، تشمل التعليم والصحة، والتكوين في مجال البنيات التحتية، والفلاحة. ولذلك، فإن العرض المغربي، الذي يضع العنصر البشري في صلب انشغالاته، ويجمع بين المكون الاقتصادي والاجتماعي، وبين البعد الثقافي والروحي، وبين الجانب الأمني والعسكري، يظل من هذا المنظور أيضا نموذجا فريدا من نوعه. كما يقوم المغرب بتكوين أكثر من 25000 طالب إفريقي داخل جامعاته ومؤسساته الأكاديمية، وفاء لنهجه في مجال التعاون الذي يراعي الاحتياجات التي تعبر عنها البلدان الشقيقة. و تحرص المملكة المغربية، حسب الرسالة الملكية، على إقامة مشاريع استراتيجية كبرى نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، مشروعين مهيكلين على الصعيد القاري، هما مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي يهدف إلى إعادة هيكلة سوق الكهرباء على المستوى الإقليمي، ومشروع إحداث وحدات لإنتاج الأسمدة بشراكة مع إثيوبيا ونيجيريا، الذي يروم تحسين المردودية الفلاحية، وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق التي ينتمي إليها هذان البلدان. ويرى جلالته أن هذه التوجهات المؤسسة على التقاسم المفيد للجميع، وعلى تعزيز الشراكات القائمة بين مختلف مناطق القارة، هي التي تؤطر عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية المتمثلة في الاتحاد الإفريقي. وينظر جلالة الملك إلى مستقبل إفريقيا بعين ناقدة ورؤية ثاقبة مبنية على استقرار القارة الإفريقية وتنميتها، والتي تعد الهجرة أحد تجلياتها.