القرارات الحاسمة والقوية التي صدرت عن القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، التي عقدت في الرياض، يوم الإثنين الماضي، تعد بالمقاييس السياسية وبالمعايير القانونية، طفرةً نوعيةً، بالمعنى الدقيق للعبارة، في العمل العربي والإسلامي المشترك، في إطار جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، لاعتبارين إثنين محوريين: أولهما أن هذه القرارات الثمانية والعشرين، جديدة في غالبيتها، وغير مسبوقة في أية فترة من تاريخ بدء العمل العربي المشترك في سنة 1945، وانطلاق العمل الإسلامي المشترك في سنة 1969، وثانيهما أن هذه القرارات قوية وحاسمة وجريئة وملتزمة بمبادئ القانون الدولي، ومستندة إلى مقاصد ميثاق الأممالمتحدة، ومبنية على القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، سواء منها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو قرارات مجلس الأمن الدولي، أو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. وبذلك تكون قمة الرياض في نسختها الثانية، قد حققت إنجازاً دبلوماسياً يفوق كل الإنجازات التي تراكمت على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمن، على النحو الذي يعد مكسباً للمملكة العربية السعودية الداعية للقمة في نسختيها الأولى والثانية، ودليلاً واضحاً على نجاعة السياسة المعتمدة في التخطيط لهذه القمة، والتحضير لها، ووضع الإطار المنهجي الذي تحركت فيه، ورسم خطة العمل التي اعتمدتها منهجاً وفلسفةً ومعياراً وقاعدةً سياسيةً التزمت بها، وانطلقت منها. ولعل من أقوى قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، والتي تضمنها البيان الختامي، القرار رقم 18، الذي دعا إلى بدء العمل على حشد الدعم الدولي لتجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة و الكيانات التابعة لها، تمهيداً لتقديم مشروع قرار مشترك للجمعية العامة / الجلسة الاستثنائية العاشرة (الاتحاد من أجل السلام)، على أساس انتهاكاتها لميثاق الأممالمتحدة، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين، وعدم وفائها بالتزامات عضويتها في الأممالمتحدة، واستناداً إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بتاريخ 19 يوليوز 2024. والجدير بالذكر في هذا السياق، أن القرار الذي يتخذ في إطار الجلسة الاستثنائية العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة (الاتحاد من أجل السلام)، يكون ملزماً وأقوى من قرارات مجلس الأمن الدولي. وهذه صيغة جيدة الإحكام سبق أن عمل بها في زمن تهديد الأمن والسلم الدوليين، لتجاوز صلاحيات مجلس الأمن الدولي. ويأتي القرار رقم 19 الذي اتخذته قمة الرياض، مكملاً للقرار الذي قبله، لأنه طالب جميع الدول بحظر تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، وحث الدول على الانضمام إلى المبادرة المقترحة من تركيا، والتي وقعت عليها 52 دولة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، وأوصى بتوجيه رسالة مشتركة إلى مجلس الأمن، وإلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وللأمين العام للأمم المتحدة، وذلك من أجل وقف تقديم الأسلحة إلى إسرائيل، ودعوة الدول كافة إلى توقيعها. وأوضح أن هذا القرار يحمل رسالة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، التي تقدم الأسلحة لإسرائيل. وهذا تطور في فهم التحولات المتصاعدة التي تشهدها المنطقة. وهو إلى ذلك تغيير في الشكل والمضمون، يفترض أن يكون مؤثراً لصالح القضية الفلسطينية، ورادعاً لإسرائيل التي تتحدى العالم، بسبب ما تتوفر عليه من أسلحة تأتيها من حلفائها و في مقدمتهم واشنطن. وعلى الرغم من أن القرار رقم 20 يمكن إضافته للقرارات القوية والحاسمة، إلا أنه ينبغي أن يقرأ من الوجهين، فهو يحث المحكمة الجنائية الدولية على سرعة إصدار مذكرات اعتقال المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، لارتكابهم جرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنه ذو وجهين، كما يعرف العالم كله، فلا يختص بالجانب الإسرائيلي فحسب. ومن وجوه دعم القضية الفلسطينية، في البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية المشتركة، مطالبة مجلس الأمن الدولي بالاستجابة للإجماع الدولي الذي عبر عن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 10 ماي 2024، بأن دولة فلسطين مؤهلة للعضوية الكاملة في الأممالمتحدة، وحث الدول الأعضاء على حشد الدعم اللازم لتبني هذا القرار. وهذه ضربة في الصميم، للمزايدين والمتطرفين، الذين يعارضون قيام دولة فلسطين بالعضوية الكاملة في الأممالمتحدة، مع العلم أن 184 دولة عضواً في الأممالمتحدة، تعترف بدولة فلسطين حتى الآن منها دولتان من الاتحاد الأوروبي. لقد أفلحت قمة الرياض الثانية في كسر الحواجز التي كانت من قبل تحول دون الجهر بالحقائق والصدع بالمطالب المحقة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وهذا هو لب المعنى الذي قصدنا إليه حين قلنا إن قرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة، هي بمثابة الانتقال من منطق التدبير إلى منطق التغيير في العمل العربي الإسلامي المشترك، وفي التوقيت المناسب.